قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى(10/ 607) : "بل لا يجوز أن يحب شيء من الموجودات لذاته إلا هو سبحانه وبحمده فكل محبوب في العالم إنما يجوز أن يحب لغيره لا لذاته والرب تعالى هو الذي يجب أن يحب لنفسه وهذا من معاني إلهيته و {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} فإن محبة الشيء لذاته شرك فلا يحب لذاته إلا الله، فإن ذلك من خصائص إلهيته فلا يستحق ذلك إلا الله وحده وكل محبوب سواه إن لم يحب لأجله أو لما يحب لأجله فمحبته فاسدة.
والله تعالى خلق في النفوس حب الغذاء وحب النساء لما في ذلك من حفظ الأبدان، وبقاء الإنسان؛ فإنه لولا حب الغذاء لما أكل الناس ففسدت أبدانهم ولولا حب النساء لما تزوجوا فانقطع النسل.
والمقصود بوجود ذلك بقاء كل منهم ليعبدوا الله وحده ويكون هو المحبوب المعبود لذاته الذي لا يستحق ذلك غيره. وإنما تحب الأنبياء والصالحون تبعا لمحبته فإن من تمام حبه حب ما يحبه وهو يحب الأنبياء والصالحين ويحب الأعمال الصالحة، فحبها لله هو من تمام حبه".

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الفوائد(ص/183) : "وليسَ فِي الوجودِ ما يُحَبُّ لذاتِه ويُحمَدُ لذاتِه إلا هو سبحانَهُ.
وكلُّ ما يُحَبُّ سواهُ: فإن كانت محبّتُهُ تابعةً لمحبَّتِه سبحانَهُ، بحيث يُحَبُّ لأجلِه فَمحبَّتُهُ صحيحةٌ، وإلَّا فهي محبَّةٌ باطلةٌ، وهذا هو حقيقةُ الإلهيةِ؛ فإنَّ الإله الحقَّ هو الذي يُحَبُّ لذاتِهِ، ويُحمَدُ لذاتِه؛ فكيفَ إذا انضافَ إلى ذلك إحسانُهُ وإنعامُهُ وحلمهُ وتجاوزُه وعفوُه وبِرُّهُ ورحمتُه؟!
فعلى العبدِ أن يعلمَ أنَّه لا إلهَ إلا اللهُ، فَيُحبُّهُ ويحمدُهُ لذاتِه وكمالِه، وأنْ يعلمَ أنَّه لا مُحِسنَ على الحقيقةِ بأصنافِ النِّعم الظاهرةِ والباطنةِ إلا هوُ، فيحبُّه لإحسانِه وإنعامِه، ويحمدُه على ذلك؛ فيحبُّه منَ الوَجهينِ جَميعاً.
وكما أنَّه ليسَ كمثلِه شيءٌ؛ فليسَ كمحبَّتِه محبَّةٌ".

وقال رحمه الله في الفوائد(ص/202) : "وتحتَ هَذَا سِرٌّ عظيمٌ من أسرارِ التَّوحِيدِ: وهو أنَّ القلبَ لا يستقِرُّ ولا يطمئِنُّ ويَسكُنُ إلا بالوصولِ إليهِ، وكلُّ ما سواهُ مما يُحَبُّ ويُرادُ فمرادٌ لغيرِهِ،وليسَ المرادَ المحبوبَ لذاتِه إلا واحدٌ، إليه المُنْتَهى، ويستحيلُ أن يكونَ المُنْتَهى إلى اثنينِ، كما يستحيلُ أن يكونَ ابتداءُ المخلوقاتِ مِنِ اثنينِ.
فمن كان انتهاءُ محبَّتِهِ ورغبتِه وإرادتهِ وطاعتِه إلى غيرهِ بطَلَ عليه ذلكَ، وزالَ عنه وفارقَهُ أحوجَ ما كانَ إليه، ومَن كانَ انتهاءُ محبَّتِهِ ورغبتهِ ورهبتِهِ وطلبِهِ هو سُبْحَانَهُ ظَفرَ بنعيمِه ولذَّتِهِ وبهجتِهِ وسعادَتِهِ أبَدَ الآبادِ".