قبس من ((كتابي الصحيح من الترغيب والترهيب من الكتاب والسنة الجزء الثالث )
الترهيب من الغلو في الصالحين والعلماء
قال تعالي {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}[النساء: 171]
وقال تعالي {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة: 77]
احْتج بِهَذِهِ الْآيَة على تَحْرِيم الغلو فِي الدّين، وَأهل الْكتاب: الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَإِذا قُلْنَا: إِن لفظ أهل الْكتاب للتعميم يتَنَاوَل غير الْيَهُود وَالنَّصَارَى بالإلحاق([1]).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ ([2])»
قَوْله: (لَا تطروني) ، بِضَم التَّاء، من الإطراء وَهُوَ المديح بِالْبَاطِلِ، تَقول: أطريت فلَانا: مدحته فأفرطت فِي مدحه. وَقيل: الإطراء مُجَاوزَة الْحَد فِي الْمَدْح وَالْكذب فِيهِ. قَوْله: (كَمَا أطرت النَّصَارَى) ، أَي: فِي دَعوَاهُم فِي عِيسَى بالإل هِية وَغير ذَلِك. قَوْله: (فَإِنَّمَا أَنا عَبده) إِلَى آخِره من هضمه نَفسه وإظهاره التَّوَاضُع([3]).
قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي الْعُدُولِ عَنْ عِيسَى وَالْمَسِيحِ إِلَى ابْنِ مَرْيَمَ تَبْعِيدًا لَهُ عَنِ الْأُلُوهِيَّةِ ، يَعْنِي: بَالَغُوا فِي الْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ وَالْكَذِبِ بِأَنْ جَعَلُوا مِنْ جِنْسِ النِّسَاءِ الطَّوَامِثِ إِلَهًا أَوِ ابْنًا لَهُ. اهـ.
وَلِكَوْنِ الْيَهُودِ بَالَغُوا فِي قَدْحِ الْمَسِيحِ وَالنَّصَارَى فِي مَدْحِهِ قَالَ تَعَالَى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: 77] ، فَالْحَقُّ هُوَ الْوَسَطُ الْعَدْلُ، كَمَا بَيَّنَهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ} [النساء: 171] ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ; لِأَنَّ كَوْنَهُ ابْنَ مَرْيَمَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ وَابْنُ أَمَتِهِ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75] ، أَيْ: يَبُولَانِ وَيَغُوطَانِ، وَيَحْتَاجَانِ إِلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، فَلَا يَصْلُحَانِ لِلْأُلُوهِيَّة ِ وَلَا مُنَاسِبَةَ لَهُمَا بِالرُّبُوبِيَّ ةِ، وَإِنَّمَا شَأْنُهُمَا الْعُبُودِيَّةُ (فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ) أَيِ: الْخَاصُّ فِي مَقَامِ الِاخْتِصَاصِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَفْضَلُ مَدْحٍ عِنْدَ الْفَاضِلِ الْكَامِلِ([4]).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّ كُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ([5])وَرَسُولُهُ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ ([6])»
للمزيد أنظر ((كتاب ال الصحيح من الترغيب والترهيب لأبي عبدالرحمن عيدبن أحمد فؤاد الجزء الثالث ص35))
http://up.top4top.net/downloadf-105wc8i1-pdf.html
([1])عمدة القاري ((25/37))
([2]) صحيح أخرجه البخاري ((3445))
([3])عمدة القاري ((16/37))
([4])مرقاة المفاتيح عندحديث ((4897))
([5])وإنما منعهم أن يدعوه سيدا مع قوله أنا سيد ولد آدم من أجل أنهم قوم حديثو عهد بالإسلام وكانوا يحسبون السيادة بالنبوة كهي بأسباب الدنيا وكان لهم رؤساء يعظمونهم وينقادون لأمرهم فقال: قولوا بقولكم يريد قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله في كتابه ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم ولا تجعلوني مثلهم فإني لست كأحدهم إذ كانوا يسودونكم في أسباب الدنيا وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة فسموني نبيا ورسولا اه. وقد اختلف هل الأولى الإتيان بلفظ السيادة في نحو الصلاة عليه أو لا؟ والراجح أن لفظ الوارد لا يزاد عليه بخلاف غيره. حاشية فيض القدير ((4/152))
([6])صحيح أخرجه أحمد((12551)) من طريق حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،به