الجواب
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:فلا تحاولي - أيتها الأختُ الكريمةُ - أن تخدعي نفسَك؛ فإنَّ ما تفعلينه هو مِن الحرام أيضًا، وليس فقط ما تخافين الوُقوع فيه، وقد تعجبتُ مِن قولك: "خوفي مِن أن أرتكب أي حرام أو غلطٍ"! فإن ما أنت فيه هو بداية الشرِّ، فأغلقي الباب حتى لا تلجي في الفِتَن، وتهلكي فيها، ولتحذري فإنَّ مِن شؤم المعصية، ومِن آثارها السيئة حجبَ العقل، وانطفاءَ نور القلب الذي يقود صاحبَه للطريق الصحيح المستقيم. وتأملي كلام العلَّامة ابن القيِّم - رحمه الله - في بيان آثار المعاصي -: "ومنها: أن المعاصي تُفسد العقل، فإنَّ للعقل نورًا، والمعصية تُطفئ نور العقل ولا بد، وإذا طُفئ نوره، ضعُف ونقص. وقال بعضُ السلَف: ما عصى اللهَ أحدٌ حتى يغيبَ عقله، وهذا ظاهرٌ، فإنه لو حضر عقلُه لحَجَزَهُ عن المعصية، وهو في قبضة الربِّ تعالى، أو تحت قهْرِه، وهو مُطلعٌ عليه، وفي داره على بساطه، وملائكتُه شهودٌ عليه، ناظرون إليه، وواعِظُ القرآن ينهاه، وواعظ الموتِ ينهاه، وواعظ النار ينهاه، والذي يَفُوتُه بالمعصية مِن خير الدنيا والآخرة أضعاف ما يحصل له مِن السرور واللذة بها، فهل يُقْدِم على الاستهانة بذلك كله، والاستخفاف به ذو عقلٍ سليمٍ؟ ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرتْ طُبِع على قلب صاحبها، فكان مِن الغافلين؛ كما قال بعض السلف في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]، قال: هو الذنب بعد الذنب، وقال الحسن: هو الذنبُ على الذنب، حتى يُعمي القلب، وقال غيره: لما كَثُرَتْ ذنوبهم ومعاصيهم أحاطتْ بقلوبهم. وأصلُ هذا أنَّ القلب يَصْدأ مِن المعصية، فإذا زادتْ غلب الصدأ حتى يصيرَ رانًا، ثم يغلب حتى يصيرَ طبعًا وقفلًا وختمًا، فيصير القلب في غشاوةٍ وغلافٍ، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة، انعكس فصار أعلاه أسفله، فحينئذٍ يتولاه عدوُّه، ويسوقه حيث أراد". انتهى من "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" (ص 39). فتوبي إلى الله أيتها الأخت الفاضلة، واندمي على ما كان، وحاسبي نفسَك، واستثمري ما تشعرين به مِن ندمٍ وخوفٍ؛ فهو دليلٌ على حياة قلبك، وعلى حياة نفسك اللوَّامة التي تلومك على القبيح، وتلومك على التقصير في الطاعات، واحذري ألا تعملي بموجب هذا الخوف والندم؛ حتى لا يقلبَ قلبك، وينطفئ نوره، وإياك واتباع خطوات الشيطان؛ فإنه يُورِد المهالك؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ﴾ [النور: 21]. وتذكَّري دائمًا أن تعلُّقك برجلٍ أجنبي وكلامك معه مما يُوقع في الفاحشة، ويُدَمِّر العفة، ويُدنس الشرف، فضلًا عما في ذلك مِن خيانةٍ لزوجك. والواجبُ عليك هو مُجاهدة نفسك، وأخْذها بالقوة، ومخالفة هواك والشيطان، والقناعة والرضا بما قسم الله لك مِن زواجك بغيره، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41]، وقال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36]. فاستعيني بالله تعالى، وادعيه بصدقٍ وإخلاصٍ في دفْعِ وسوسة الشيطان، وهوى النفس في التعلُّق بهذا الرجل، وإياك والتمادي؛ حتى لا تفضحي، ويكشفَ أمرك. وإن كنت لا تقوين على الصبر على زوجك، وتحتاجين لزوجٍ حقيقي، أو كنت لا تطيقين العيش مع زوجك، وخفت ألا تُؤدي حقه، وألا تقيمي حدود الله معه، فإن الله قد جعل لك مَخْرجًا مِن ذلك بالخلع، أو طلب الطلاق؛ لتتزوجي برجلٍ مناسبٍ؛ قال الإمام ابن قُدامة - رحمه الله -: "وجُملة الأمر: أن المرأة إذا كرهتْ زوجها لخَلْقِه، أو خُلُقِه، أو دينه، أو كِبَره، أو ضَعْفه، أو نحو ذلك، وخَشِيَتْ ألا تؤدِّي حقَّ الله - تعالى - في طاعته، جاز لها أن تُخالعه بعِوَضٍ تفتدي به نفسها منه؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ [البقرة: 229]". اهـ. وقد جاءت امرأة ثابت بن قيسٍ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالتْ: يا رسول الله، ثابت بن قيسٍ، ما أعتب عليه في خُلُقٍ ولا دينٍ، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتردِّين عليه حديقته؟))، قالت: نعم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقبل الحديقة، وطلِّقْها تطليقةً)). وراجعي على موقعنا الاستشارتين: "علاقتي مع عمي !" ، "ما معنى قول الشيخ". وأسأل الله أن يشرحَ صدرك، ويُطَهِّر قلبك، ويلهمك رشدك، وأن يُعيذك مِن شرِّ نفسك، ومِن شر سمعك، ومِن شر بصرك، ومن شر لسانك، ومن شر قلبك.