السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذة/عائشة الحكمي، ابني يبلُغ مِن العمر 12 عامًا، بدأتْ تظهر عليه علاماتُ البُلُوغ، اكتشفتُ أنه يُشاهِد مقاطعَ فاضحةً في اليوتيوب، فجلستُ معه بكل هدوء وتكلمتُ معه، وأخبرتُه أن هذه المَشاهِد تُغضب رب العالمين، ولا يحوز مُشاهدتها، وأن الله سبحانه يُراقبنا في كلِّ شيء.
كان الموضوعُ يُقلقني كثيرًا، ثم تناسيته، ثم حصل موقفٌ بين ابني وابن أخي جعَل قلقي يزيد، إذ وجدتُ ابني يُقَبِّل الطفل مِن فمه!
أصبحت أم الطفل تخاف على ابنها كثيرًا من ابني، وأنا متحيرة؛ ماذا أقول لابني؟ وكيف أحل المشكلة؟ وكيف أحميه مِن التحرُّش الجنسيِّ؟ علمًا بأنه مُدمن (بلاي ستيشن) جدًّا، فيجلس أغلب وقته أمامه ولا يجلس وحده.
أرجوكِ أخبريني كيف أتكلم معه؟ وما الطريقةُ المناسِبَةُ لتوجيهِه؟
أعتَرِف أنَّني مُقَصِّرة في الجلوس مع أبنائي ومحاورتهم، وأدعو الله أن يُقَرِّبني لهم أكثر، وأن يحفظهم مِن فِتَن الدنيا.
اللهم آمين

الجواب

بسم الله المُوَفِّق للصوابوبه المستعان
سلامٌ عليك، أما بعدُ:
فإنَّ مِن أحق الواجبات أن تُؤَدَّى بكلِّ حبٍّ وإخلاصٍ وصبرٍ - تربيةَ الأبناء؛ فأبناؤنا أعمالُنا النابضة، تُعْرَض على الله - عز وجل -. فاحرصي أن تكونَ هذه الأعمالُ صالحةً ومرضيةً عنده - تعالى ذِكْرُه - حتى تنالي ثوابَه في الدنيا والآخرة. الأبناءُ - يا عزيزتي - كالنبات الغضِّ، بحاجةٍ دائمةٍ إلى رعايةٍ وتفقُّد، حتى يستوي ويتماسَك في وجه الريح، وكما أنك تتفقدين كلَّ يومٍ أزاهير حديقتك، وما إذا كانتْ بحاجةٍ إلى الماء أو السماد أو التشذيب، فكذلك أبناؤك بحاجةٍ إلى أن تَتَفَقَّدي احتياجاتِهم النفسيةَ والعاطفيةَ والاجتماعيةَ والفكريةَ والدِّينيةَ، فكوني واعيةً لأيِّ تغيير في نفسية ابنك العزيز، وطريقة تفكيره، وسمات شخصيته، وانفعالاته، وصحته، ونموه، وأن تسأليه باهتمامٍ، وتتابعيه بحِرْصٍ، وتُعالجي مشكلاته، وتهذِّبي أخلاقه ما دام تحت سيطرتك وفي عينك؛ لأنه ما إن يُراهق ستفقدين زِمام الضبط، وستصعب عليك متابعته خارج المنزل. وقبل أن تُفَكِّري في أسلوب الحوار المناسب عليك الاجتهاد في إعادة بناء علاقتك به وتقويتها، وأن تقتربي منه أكثر، وتتعاطَفي مع هُمومه الدراسية ومشكلاته الاجتماعية كصديقةٍ حميمةٍ، مع الحِفاظ على حُدود العلاقة الوالدية واضحة بينكما؛ كي لا ينسى في المواقف التربوية أنك "أُمُّهُ". مِن المهم أن تُدركي أيضًا أن الوقت الذي تقضينه في صُحبة ابنك غايةٌ في الأهمية، وأنَّ نوعية هذا الوقت وكيفية قضائه أهم مِن المدة نفسها، فدقيقةٌ واحدة تحتضنين فيها ابنك وتضاحكينه أعظم أثرًا مِن ساعةٍ يقضيها بقربك مُنشغلًا بألعاب الفيديو دون حوار تربويٍّ بينكما، وهذا ما ينبغي أن تهتمي به في المرحلة القادمة؛ إذ لا يكفي أن تتركي ابنك يلعب بجِوارك وأنت لا تدرين ماذا يُشاهد ويتعلم! بل حاوِلي إشراك نفسك في اللعبة، ومنافسته بِمَوَدَّة، واستثمار الوقت في التربية؛ فلعل هذه الألعاب هي مصدرُ مَعلوماته الجنسية عن التقبيل الجنسي الشاذ! وكثيرٌ مِن هذه الألعاب مُصَمَّمة لاستهداف العقيدة والهُوية، فلا بد لأجْلِ ذلك أن تكونَ مشاهدتك مع ابنك إيجابية، بحيث تُناقشينه في مضمونها، وما تحويه مِن أفكارٍ سلبيةٍ أو إيجابية، وهذا الأمر يجري على كلِّ ما يُشاهده ابنك مِن مَشاهدَ عبر الإنترنت، أو التلفاز، أو ألعاب الفيديو "بلاي ستيشن". كذلك، يُعَدُّ وقت تناول الطعام مِن أنفع الأوقات لتقوية العلاقات الأسرية، فاستثمريه جيدًا. شجِّعي ابنك أيضًا على مُمارَسة الرياضة، والالتِحاق بالنادي الرياضي؛ فالرياضةُ مهمةٌ في عمرِه لإفراغ طاقاته الزائدة، مع ضرورة الاهتمام بالأنْشِطة الترويحيَّة داخل المنزل وخارجه، كي لا تكونَ ألعابُ الفيديو والإنترنت مصدرَ التنفيس الانفعالي الوحيد لديه، كما أنَّ وقت الطفل الحافل بالبرامج والأنشِطة يُقَلِّل مِن نسبة وقوعه في براثن الألعاب والبرامج التي يغلب على الظنِّ أن تكونَ مصدرَ ثقافته الجنسية المُشَوَّهة. ولتسعَيْ جادَّةً مع أبيه لتزويده بالثقافة الجنسية التي يحتاجها طفلٌ في عمره، وكُوني على ثقةٍ بأنك إن لم تكوني أنتِ ووالده مصدرَ هذه الثقافة، فسيكون غيركما مصدرها؛ شئتِ ذلك أم أبيت! والدراساتُ العلمية الحديثةُ تُؤَكِّد على مدى الفائدة مِن تثقيف الوالدين لأبنائهما جنسيًّا، ودور ذلك في حمايتهم من الوقوع ضحايا التحرُّش الجنسيِّ. للأستاذة هند خليفة - أستاذ التربية وعلم النفس بكلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز - كتابان في التثقيف الجنسي؛ أحدهما الموسوم بــ"لا تلمسني"، والآخر تحت الطباعة بعنوان: "التربية الجنسية لأبنائنا وحمايتهم من التحرشات الجنسية"، آمل مراسلتها عن كيفية الحصول على كتبها والدورات التوعوية التي تُقَدِّمها عبر بريدها الإلكتروني:hindkhalifa@yahoo.com وللمُخْتَصِّ النفسي أحمد الحميضي - طالب الدكتوراه في علم النفس العيادي للطفل والمراهق - حساب مختص في تويتر، يُغَرِّد مِن خلاله بنصائح ثمينة عن الطفولة والمراهقة، فآمل أن تتابعيه:ALHOMIDIAHMED@ أما عن كيفية إنشاء حوارٍ مع ابنك لمناقشته بشأن المشكلة الحادثة، فأنصحك بالآتي:أولًا: تخيَّري وقتًا مناسبًا للحوار يكون فيه ابنُك مستعدًّا ومُتَقَبِّلًا للحوار والحديث معك، وكذلك تخيَّري مكانًا مُلائمًا بعيدًا عن أعْيُن ومسامع إخوته. ثانيًا: حافِظي على هُدوء أعصابك، ونبرة صوتك، والرحمة في نظرات عينيك طوال هذا الحِوار. ثالثًا: افتحي الموضوع معه بإخباره بأنك قد شاهدتِه يُقَبِّل ابن أخيه، وأشيري بإصبعك إلى ذلك الموضع، ثم اسأليه: لِمَ فَعَل ذلك؟ ومِن أين تعلَّمه؟ شجِّعيه على الكلام مِن خلال طمأنتك له بعدم إنزالك العقاب على الخطأ الذي يرتكبه لأول مرة، مُذَكِّرة له بموقفك منه عند مُشاهدته لتلك المقاطع غير اللائقة عبر اليوتيوب! رابعًا: أصغي إليه، ولا تقاطعيه حتى يفرُغَ مِن الاعتراف، فإذا انتهى أخبريه بأن التقبيل على هذا النحو غير مُلائمٍ بين الأصدقاء والإخوة وأبناء العم والأقارب، وأنه سلوكٌ مَعيبٌ، فضلًا عن كونه وسيلةً غير صحيَّة تُشَجِّع على انتقال الجراثيم والعدوى والأمراض، وأنه متى أراد أن يُعَبِّر عن مودته واهتمامه، فله أن يقبلَ ابن خاله على خدِّه، أو يُصافحه، أو يلتزمه. خامسًا: خُذي منه وعْدًا بعدم تَكرار ذلك مع أيِّ أحدٍ، وأنك متى اكتشفتِ ذلك مرةً أخرى فستُعاقبينه بشدة؛ لأنَّ هذا سلوك خاطئ، والخطأ يُعاقَب عليه. واستمرِّي بعد ذلك على الإشراف عليه مع والدِه بصورةٍ أكثر فاعلية، مُبقيةً على خطوط التواصل بينك وبينه مفتوحةً على الدوام. أما والدةُ الطفل الآخر، فأخبريها بأنك ناقشتِ الأمر مع ابنك، وأنك حريصةٌ على مراقبة الوضع، وأن عليها بدورها توعيةَ ابنها؛ لكي يتجنَّب الاستجابة لهذا النوع من التقبيل أو اللمس، واسعَيْ معها للبحث عن مصادر تعلُّم أبنائكما لتلك السلوكيات الخاطئة، وكيفية التصرُّف إزاءها مستقبلًا، وتجنَّبَا - فضلًا - إلقاء اللوم على بعضكما البعض. واللهَ أسأل أن يحفظَ أبناءكم بحفْظِه، ويجعلَهم قرة عينٍ لكم ولأزواجكم، ويرزقَكم بِرَّهم وبركتهم في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.
كوني بخيرٍ في كنف الله وأمانه ورعايته
والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب