أخي الفاضل: محمد
لقد أثرت في نفسي شجونا
تتعلق بالوضع الراهن للطفل المسلم
نوافذ مفتحة ليلا ونهارا على مصراعيها تتجاذبه لا مغلق لها..
ضغوط ملفتة ومشاغل مشتتة لا آخر لها..
وبين هذه وتلك تضيع القسمات الفارقة للطفل المسلم عن غيره
بل تغدو الصفة الوحيدة المميزة لطفلنا هي أنه "سريع الذوبان"..!!
ماذا أصنع مع ولدي كي أحفظه القرآن..؟!!
أوااااااه
إنه السؤال الذي لم أزل أسمعه منذ أن علمتني أمي ما اسمي..!!
إلى الآن ونحن نبحث له عن إجابة
الإجابة في تصوري مرهونة بتكييفنا للأزمة
فنحن في الواقع نحاول كثيرا البحث عن حلول لأزمة لم نحط بها علما
...........................
الأزمة كما أتصورها أن الجموع الحاملة للأمانة استساغت موقع المفعولية
بعبارة أخرى لم تعد تتكيف أوضاعها مع الفاعلية
المفعولية تعني أن أستجيب دائما لرغبات الآخرين
حتى إن اختلفت مع إرادتي
الفاعلية تعني السيطرة والتحكم والاستقلالية في اتخاذ القرارات
هذا علاوة على أن الفاعلية دائما محل الرفع
(إلا في مواضع شاذة في اللغة..!!)
دعوني أضرب لكم أمثلة لعلكم تفهمون مقصدي
أوهمنا الناس أن الأمية مرادفة لعدم الالتحاق بالمدارس والمعاهد
فألحقنا أولادنا بها
أوهمونا كذلك أن اللغة الأوربية شيء ضروري كضرورة الماء والهواء
بل يأثم المرء لتركها لأنه سيكون بتركها متقاعدا عن دعوة من يتكلم بها
فعلمناها أولادنا
أوهمونا كذلك أن طفلا بلا كمبيوتر يعني تأخرا عن الركب
فاشترى كل واحد منا لطفله جهازا متصلا بالشبكة
ولا تحسب من قولي "أوهمونا" أنني أعترض على هذه الأمور
بدليل انني أكتب إليك الآن كما ألم ببعض اللغات الأخرى ولله الحمد
اعتراضي فحسب أننا كنا في كل هذا مفعولا بنا لا فاعلين
أرجو أن يكون الكلام قد اتضح
..........................
أقترب أكثر من السؤال المطروح
وأحاول أن أسحب ما قلته على إجابتي
إن القرآن في آياته التي يتحدث فيها عن نزول الكتاب لم يكتف بالمجمل
يكفيني هنا أن أشير فحسب إلى آية واحدة
هي قوله تعالى: "..فإذا قرأناه فاتبع قرآنه.."
إن الآية تبين الطريقة التي كان محمد صلى الله عليه وسلم يتعاطاها في أخذه للكتاب
إنها طريقة التلقي المباشر
أضف إلى ذلك ما كان يحدث من مراجعته لجبريل القرآن في كل عام بنفس الطريقة
وأيضا ما كان يتبعه هو مع الصحابة الكرام في كتابة الوحي
لقد أصبح التلقي المباشر مقوما أساسيا من مقومات الثقافة الإسلامية المنبثقة عن القرآن والسنة طوال أربعة عشر قرنا
أدرك الأعداء ذلك فعمدوا إلى:
مسخ هذا المقوم بطرح وسائل تصطدم معه في الصميم
أو بتشويهه، مثلا من خلال الفصل بين المصدر والمتلقي...
.............................. ...
إذا أردنا أن نكون فاعلين حقا
فعلينا أن نقاوم بشدة الوسائل التي تصرفنا عن هذا المقوم الأساس
علينا أن نحيي الوسائل التي يحلو للبعض أن يصفها بأنها بدائية تقليدية
أنا أعرف أنكم ستصرخون في وجهي قائلين:
الظروف تبدلت.. الزمان تغير... المكان تطور...
ألا يباح لنا والحالة هذه التماس وسائل تتماشى وهذه المستجدات؟!
بلى إخواني يباح لكم هذا؛ لكن شريطة
ألا تتعارض الوسيلة مع الطابع العام لعقلية المسلم ونفسيته المأمولة
وألا يتخذ منها أصولا بل مكانها دائما الوسائل المساعدة..
فإذا أردتم أن تتأكدوا من أهمية تلك الشروط
فقارنوا على سبيل المثال بالله عليكم مقارنة صادقة
بين طفل يذهب إلى شيخه في المسجد ليحضر جلسته
وطفل كلما أراد القراءة ذهب إلى فضيلة الشيخ كمبيوتر في غرفة النوم..!!
هل يستويان: علما، وفهما، وأدبا؟ (لعل الثالثة أهمهم)
بالطبع لا
.............................
أراني حقا مملا..
فقد أطلت على صاحب الموضوع وعلى الإخوة
ولكني لم أرد فقط أن أجيب وإنما أن أصطحبكم لرحلة الإجابة؛ ما قبل وما بعد..
اسمع أخي في الله:
- ابحث لولدك عن شيخ متقن للقراءة
- ياحبذا لو كان ممن عرف برقي سلوكه حتى يتشرب الطفل من معينه
- يا حبذا لو كان ذلك في مجموعة حتى لا يشعر ولدك بتميز
إن لم تجد:
- ابحث عن أخ معوز يتقن القراءة يجيد تربية الأولاد
- استحث الإخوة الذين بجوارك على إرسال أبنائهم
- يكفيكم الأخ مئونة التحفيظ والتربية وتكفونه أنتم البحث عن لقمة العيش
بهذا تكون قد أحييت سنة الكتاتيب التي كادت تندثر في بعض البلدان
* وأثناء هذا لا ضير من الاستعانة بالوسائل الحديثة: شريط، برنامج، فيديو..
لكن تذكر: وسائل مساعدة لا أصيلة
إن لم تجد:
فأرجو من الله أن تكون هكذا قد أعذرت إلى الله
ولا بأس حينها أن تركن إلى قول القائل:
ما لا يدرك / لا يترك
.......................
أما الذين يتساءلون عن طفل بلغ عامين أو ثلاثة
ماذا يصنعون معه؟!
فأقول: أعظم الله أجركم
قد فاتكم القطار..
فالطفل يعد ويعد له وهو في بطن أمه
بل، ولست مبالغا، وهو لا يزال نطفة في صلب أبيه
لا أقول هذا للتثبيط بل لشحذ الهمة
..........................
بالله عليك أخي اغفر لي
فقد أكون خرجت عن الموضوع
ولعلي أيضا سببت الضجر لبعض إخواني
ولكنها شجون أردت التنفيس عنها
فاقتنصت أن قالوا فتح الباب
فإن لم أنفس عنها بينكم فأين؟!
(للعلم: لم تزل هناك شجون في صدري..
فلعلي عما قريب أسبب لكم الضجر مرة أخرى..!!تقبلوا مزاحي)