الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين

أما بعد

فهذه نفثة خبيثة وخزية أشعرية قررها الشهرستاني في كتابه نهاية الإقدام , والموجب لبيان سوءة هذه الطامة والرد عليها أنني وجدتها في حاشية كتاب الإمام أبي سعيد الدارمي المسمى "نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله من التوحيد" من تحقيق أبي مالك الرياشي – سدده الله – مذكورة غير متعقبة !

قال الشهرستاني في كتاب نهاية الإقدام ص74 : وقد قيل أن التعطيل ينصرف إلى وجوه شتى فمنها تعطيل الصنع عن الصانع ومنها تعطيل الصانع عن الصنع (ومنها تعطيل الباري سبحانه عن الصفات الأزلية الذاتية القائمة بذاته ومنها تعطيل الباري سبحانه عن الصفات والأسماء أزلاً) ومنها تعطيل ظواهر الكتاب والسنة عن المعاني التي دلت عليها .اهـ

قوله : (ومنها تعطيل الباري سبحانه عن الصفات الأزلية الذاتية القائمة بذاته ومنها تعطيل الباري سبحانه عن الصفات والأسماء أزلاً)

معنى كلامه :
لم يثبت لله سبحانه وتعالى صفاتا فعلية ! بل قال : الصفات الأزلية الذاتية .

وهذا مبني على العقيدة التي ورثوها من جهم في نفي قيام الأفعال في ذات الله سبحانه وتعالى , إذ أنهم يقررون أن الأفعال لا تقوم إلا بمخلوق , ولو قام فعل في ذات الله لكان مخلوقا !! فيقولون : ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث . والحوادث عندهم هي الأفعال .
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/378) : الأصل الثاني نفيهم أن تقوم به أمور تتعلق بقدرته ومشيئته ويسمون ذلك حلول الحوادث فلما كانوا نفاة (لهذا امتنع عندهم أن يقوم به فعل اختياري يحصل بقدرته ومشيئته) لا لازم ولا متعد لا نزول ولا مجيء ولا استواء ولا إتيان ولا خلق ولا إحياء ولا إماتة ولا غير ذلك .اهـ

وقال رحمه الله (13/131) : والجهمية والمعتزلة مشتركون في نفي الصفات , (وابن كلاب ومن تبعه كالأشعري والقلانسي ومن تبعهم أثبتوا الصفات لكن لم يثبتوا الصفات الاختيارية) مثل كونه يتكلم بمشيئته , ومثل كون فعله الاختياري يقوم بذاته , ومثل كونه يحب ويرضى عن المؤمنين بعد إيمانهم , ويغضب ويبغض الكافرين بعد كفرهم , ومثل كونه يرى أفعال العباد بعد أن يعملوها , وكما قال تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" (فأثبت رؤية مسنقبلة) ...والقرآن فيه مئون من الآيات تدل على هذا الأصل, وأما الأحاديث فلا تحصى .اهـ المراد

واستدل عليهم رحمه الله بآيات بينات تنقض بنيانهم

فقال في درء تعارض العقل والنقل (1/293) : وأمثال ذلك كثير في كتاب الله تعالى بل يدخل في ذلك عامة ما أخبر الله به من أفعاله لا سيما المرتبة كقوله تعالى : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } وقوله : { فسنيسره لليسرى } وقوله : { إن إلينا إيابهم * ثم إن علينا حسابهم } وقوله : { إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه } وقوله : { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } وقوله : { أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا } وقوله تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } وقوله { ألم نهلك الأولين * ثم نتبعهم الآخرين } ونحو ذلك .اهـ

وليعلم أن بدعة نفي قيام الأفعال في ذات الله هي مبدأ ضلال جهم , وقد وصفها شيخ الإسلام رحمه الله بأنها هي ( ينبوع البدع ) كما في منهاج السنة (1/312) فقال عن ابن كلاب : لكن سلم لهم– أي للجهمية - ذلك الأصل الذي هو ينبوع البدع فاحتاج لذلك أن يقول إن الرب لا تقوم به الأمور الاختيارية ولا يتكلم بمشيئته وقدرته ولا نادى موسى حين جاء الطور بل ولا يقوم به نداء حقيقي ولا يكون إيمان العباد وعملهم الصالح هو السبب في رضاه ومحبته ولا كفرهم هو السبب في سخطه وغضبه فلا يكون بعد أعمالهم لا حب ولا رضا ولا سخط ولا فرج ولا غير ذلك مما أخبرت به نصوص الكتاب والسنة .اهـ

ومما سبق أخي القارئ تبين لك شدة سوء هذا النقل الذي سُوِّدَت به حاشية كتاب نقض الإمام الدارمي رحمه الله , والذي كان المحقق – سدده الله – في غنى شديد عنه !

ثم إن النقل عن الشهرستاني وإن كان حقا فكيف يستفاد من كلام مَن غالب كتاب النقض رد عليه في خدمة كتاب النقض نفسه ؟! فكيف وقد حوى كل هذا الباطل ؟! فتأمل

وأسأل الله الكريم أن ييسر مقالا قادما أبين فيه خطأً آخراً في نفس التحقيق !!

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد

قبيل فجر يوم الاثنين
6 محرم 1437

« من كان من القراء له صلة بالمحقق فأرجو منه إيصال النصيحة له »

كتبه : نواف الشمري