تجهم الأشاعرة في صفة الكلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

أما بعد

فقد زعمت الأشاعرة أنهم يثبتون لله تعالى عدة صفات , ومن جملة هذه الصفات صفة الكلام فأحببت أن أفرد لهذه الصفةمقالا موضحا حقيقة إثبات الأشاعرة لها.

يعتقد أهل السنة في كلام الله تعالى ما قاله الإمام اللالكائي رحمه الله , حيث قال : سياق ما دل من الآيات من كتاب الله تعالى وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة ، وأنه أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يتحدى به ، وأن يدعو الناس إليه ، وأنه القرآن على الحقيقة . متلو في المحاريب ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في صدور الرجال .اهـ (1)


و خالف الأشاعرة أهل السنة في صفة الكلام من جهتين ,الأولى: طريقة الإثبات , الثانية : معنى الصفة .

1- طريقة الإثبات :

أثبت الأشاعرة صفة الكلام بالأدلة العقلية وأما السمعية فهي تبعا لها أو استئناسا بها , واحتجوا على ذلك بقولهم : لو لم نعلم جواز كونه متكلما بالعقل لما علمنا إمكان إرساله رسله .
(أي أن إرسال الرسل يلزم منه أن يكون المرسِل متكلما , ولو جهلنا كونه متكلما عقلا للزم عدم إمكان إرسال الرسل وبالتالي تكذيبها)

والجواب عن ذلك :

أولا : أن ما علم بالسمع وقوعه يكفي في إثباته الإمكان الذهني , وهو كونه غير معلوم الامتناع , فلا يحتاج لإثباته أن يعلم وجوده بل يكفي العلم بإمكانه .

ثانيا : إمكان التكلم معلوم بأدنى نظر العقل , فإذا أمكن وصفه بأنه حي عليم قدير عُلِم أيضا إمكان اتصافه بالكلام لأن الكلام من الصفات المشروطة بالحياة وهي صفة كمال لا نقص فيها بوجه . (2)


2- معنى الصفة :

قالت الأشاعرة :إن الله تعالى تكلم في الأزل بكلام قائم في ذاته منزه عن الحرف والصوت , إن عبر عنه بالعربية كان قرآنا , وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة , وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا .

والقرآن والتوراة والإنجيل عبارة عن كلام الله لا كلام الله حقيقة , وإن سمي بذلك مجازا.

أي أن جبريل عليه السلام (فهم) – لم يسمع - من الله معنىًمجردا قائما بنفس الله ثم عبر عنه , والمعبِّر مخلوق إذا المعبَّر عنه مخلوق .

قال البيجوري : ومذهب أهل السنة (أي الأشاعرة !) أن القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلــــــــــــ ــوق.(جوهرة التوحيد ص94)

قال الرازي : إنه تعالى إذا أراد شيئا أو كره شيئا خلق هذه الأصوات المخصوصة في جسم من الأجسام لتدل هذه الأصوات على كونه تعالى مريدا لذلك الشيء المعين أو كارها له .(الأربعين ص177).

قال صاحب العقيدة النورية –أثناء ذكر ما وصفوا الله به- : وَالكَلاَمُ المُنَزَّهُ عَنِ الحَرْفِ، وَالصَّوْتِ، وَالتَّقْدِيمِ، وَالتَّأْخِيرِ، وَالسُّكُوتِ؛ لاِسْتِلْزَامِ جَمِيعِ ذَلِكَ الحُدُوثَ. وَيَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَعْلُومَاتِهِ.

قال الجويني : فإن معنى قولهم-أي المعتزلة- هذه العبارات كلام الله : أنها خلقه،ونحن لا ننكر أنها خلق الله.الإرشاد(ص/117).

فلاحظ أخي القارئ أنهم شابهوا الجهمية والمعتزلة بالقول بخلق القرآن وإنكار صفة الكلام لله سبحانه , (وأما مفارقتهم الجهمية و المعتزلة بإثباتهم للكلام النفسي فهذه مسألة أخرى) , لأن المقصد هو إثبات أنه تعالى متكلم حقيقة بحرف وصوت خلافا لما ابتدعته الجهمية .
, فهم إنما نفوا ما نفته الجهمية من كون الله متكلما حقا ثم أثبتوا كلاما بلا حرف ولا صوت , و أحد من الأمة قبل (خصومنا هؤلاء ما عرف قرآنا ينقري ولا يدخله الحرف والصوت , والأشعري أيضا لم يعرف ذلك وإنما حمله على ما قال التحير مع قلة الحياء)(3) .

ولتعلم أخي القارئ أن السلف كفروا الواقفة واللفظية :

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : والقرآن كلام الله , تكلم به ليس بمخلوق , ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر , ومن زعم أن القرآن كلام الله و وقف , ولم يقل ليس بمخلوق , فهو أخبث من قول الأول , ومن زعم أن ألفاظنا به , وتلاوتنا له مخلوقة , والقرآن كلام الله فهو جهمي , ومن لم يكفر هؤلاء القوم كلهم فهو مثلهم .(4)

قال حرب الكرماني : والقرآن كلام الله , تكلم به , ليس بمخلوق , فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو جهمي كافر , ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف ولم يقل : ليس بمخلوق , فهو أكفر من الأول , و أخبث قولا, ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة , والقرآن كلام الله , فهو جهمي مبتدع)
ثم قال : ومن لم يكفر هؤلاء القوم , والجهمية كلهم فهو مثلهم .

و مقالة اللفظية ليس فيها تصريح بخلق القرآن , إنما يقولون : ألفاظنا بالقرآن مخلوقة . , والواقفة كفروا لأنهم شكوا بأن القرآن هو كلام الله حقيقة

قال أبو نصر السجزي رحمه الله : ومنكر القرآن العربي وأنه كلام الله كافر بإجماع الفقهاء ومثبت قرآن لا أوّل له ولا آخر كافر بإجماعهم . (5)

قال الإمام اللالكائي رحمه الله عن القرآن : ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن ، وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول ومربوب ، بل هو صفة من صفات ذاته ، لم يزل به متكلما ، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة .اه (6)

وقال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: وَهَذَا حَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا محَالة فهم زنادقة بِغَيْر شكّ فَإِنَّهُ لَا شكّ فِي أَنهم يظهرون تَعْظِيم الْمَصَاحِف إيهاما أَن فِيهَا الْقُرْآن ويعتقدون فِي الْبَاطِن أَنه لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْوَرق والمداد ويظهرون تَعْظِيم الْقُرْآن ويجتمعون لقرَاءَته فِي المحافل والأعرية ويعتقدون أَنه من تأليف جِبْرِيل وَعبارَته ويظهرون أَن مُوسَى سمع كَلَام الله من الله ثمَّ يَقُولُونَ لَيْسَ بِصَوْت".(7)

ومن هنا يُعلم شناعة قولهم وخطورته ؛ وغلط من يهون من شأن هذه المسألة ويقول بعدم أهمية إشغال الأمة بمثلها مع أنها انتشرت في كثير من الأمصار وقررت في كثير من الجامعات

والله المستعان !
هذا وصل اللهم على سيدنا محمد وسلم .

(1) شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة (2/43)
(2) مختصرا من شرح العقيدة الأصبهانية ص(469 , 470)
(3) السجزي رسالته إلى أهل زبيد ص110
(4) طبقات الحنابلة ج1 ص29
(5) السجزي رحمه الله رسالته إلى أهل زبيد ص107
(6) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/43)
(7) المناظرة على القرآن ص50

كتبه : نواف الشمري