القطا في كلام العرب
بقلم د. محمد نور العلي
( من منشورات مجلة منار الاسلام )
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
القطا وسبب تسميتها:
لدى رجوعي إلى كتب اللغة تبين لي أن القطا طائر معروف , وهو نوع من الحمام , وهو سريع الطيران , وإذا قصدت القطاة الماء اشتد طيرانها أكثر , سمي بذلك لثقل في مشيته , لقولهم " قطا يقطو" إذا ثقل مشيه , وتسمى واحدته " قطاة " وقيل سميت بذلك لأنها تصيح " قطا قطا " وهو اسم صوت للقطاة , سميت بالحروف التي تخرج من فيها , دل على ذلك بيت للنابغة :
تدعو قطا , وبه تُدعى إذا نُسبت
يا صدقها حين تدعوها فتنتسب (1)
موطن القطا وسبب تسميته:
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
يعرف موطن القطاة بالمفحص والأفحوص , وهو الموضع الذي تجثم فيه وتبيض , كأنه تفحص عنه التراب : أي تكشفه , والفحص هو البحث والكشف , (2) وقد ذكر الثعالبي في فقه اللغة : في تفصيل أمكنة ضروب من الحيوانات فقال : المراح للإبل , والإصطبل للدواب ,والزرب للغنم , والعرين للأسد , والوجار للذئب , والكناس للوحش , والأفحوص للقطا , والعش للطائر , والقرية للنمل , والخلية للنحل والجحر للضب والحية , أما الوطن فللإنسان " قال : إذا كان مكان الطير على شجر فهو وكر , وعلى جبل أو جدار فهو وكن , وإذا كان على وجه الأرض فهو أفحوص " (3)
خصائص طائر القطا :
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
لطائر القطا خصائص تميز بها عن سائر الطيور :
أولا : أن القطاة تفرد ت بجعل مفحصها على البسيطة دون سائر الطيور لتبيض فيه .
ثانيا: أنها يضرب بها المثل في الهداية , لأنها تبيض بالقفر وتسقي أولادها من البعد في الليل والنهار , فتجيء في الليلة الظلماء وفي حواصلها الماء , فإذا صارت حيال أولادها صاحت " قطا قطا " فلم تخطئ , بلا علم ولا إشارة ولا شجرة , فسبحان من هداها لذلك . ولذلك تقول العرب ( أهدى من قطاة ) (4)
ثالثا : يضرب بها المثل بصدقها , فقد قالت العرب في أمثالها ( أصدق من القطاة ) (5)
وبناء عليه علل أهل العلم تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم المسجد بمفحصها . إشارة إلى الإخلاص في بناء المسجد .
رابعا : أن العرب تشبه الأطفال الصغار بزغب القطا لضعفهن ,
فقد قال المعلى الطائي :
أنزلني الدهر على حكمه
من شاهق عال إلى خفض
لولا بُنيّات كزغب القطا
أجمعن من بعض إلى بعض
وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
إن هبت الريح على بعضهم
لم تشبع العين من الغمض (6)
خامسا : أن العرب تشبه القلب والفؤاد بالقطا, فقد قال قيس بن الملوح :
كأن القلب ليلة قيل يُغدى
بليلى العامرية أو يراح
قطاة غرّها شرَك فباتت
تجاذبه وقد علق الجناح (7)
سادسا :أن العرب تصف القطا بحسن المشي لتقارب خطاها , و يشبهون مشي النساء الخفرات بمشي القطاة إذا أرادوا مدحهن , فقد قال عمرو الهجيمي :
أما القطاة فإني سوف أنعتها
نعتا يوافق نعتي بعض ما فيها
تمشي كمشي فتاة الحي مسرعة
حذار قوم إلى ستر يواريها
تسقي الفراخ بأفواه مرققة
مثل القوارير سُدت ْمن أعاليها (8)
سابعا : أن القطا تسير أسرابا وجماعات ,فقد قال العباس بن الأحنف :
بكيت على سرب القطا إذ مررن بي
فقلت ومثلي بالبكاء جدير
أسرب القطا هل من يعير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير(9)
ومن الملاحظ أنه أنزل غير العاقل منزلة العاقل فاستعار له لفظه .
ثامنا : تقول العرب " لو تُرك القطا ليلا لنام " وهو مثل يضرب لمن حُمل على مكروه من غير إرادته ,وقيل في سبب هذا المثل : أن عمرو بن مامة نزل على قوم من مراد فطرقوه ليلا , وأثاروا القطا من أماكنها , فرأتها امرأة وهي تطير فنبهت زوجها , فقال : إنما هذه القطا , فقالت : لو ترك القطا ليلا لناما "(10)
الخاتمة : حقيقة إن القطا طائر يستحق الوقوف عنده ., حيث يمتاز بمزايا ذكرت بعضها وتركت البعض الآخر , ويكفيها فخرا تنويه النبي صلى الله عليه وسلم بها وبمفحصها .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ
المصادر والمراجع
1- لسان العرب " مادة قطا "
2- النهاية في غريب الحديث 2/791
3- فقه اللغة 1/66
4- الحيوان للدميري 2/110
5- لسان العرب " مادة قطا "
6- العقد الفريد 1/234
7- معجم الأدباء 2/481
8- نهاية الأرب 3/ 134
9- شرح ابن عقيل 1/ 148
10- الحيوان 2/111