مهمات شرح باب الأذان والإقامة من بلوغ المرام
للشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير نفعنا الله به
كتبه العبد الفقير أبو هاجر النجدي
1. أذَّن تأذيناً وأذاناً ككلَّم تكليماً وكلاماً وهو في اللغة الإعلام كقوله تعالى (وأذانٌ من الله ورسوله) أي إعلام وهو هنا الإعلام بدخول الوقت وهذا هو الأصل فيه أنه لدخول الوقت وسيأتي ما يدل على أنه للصلاة أيضاً وإن كان بعد دخول الوقت بوقت وهذا هو الأذان الأكبر. وألفاظ الأذان دل عليها حديثا عبد الله وبن زيد وأبي محذورة.
2. الأذان الأصغر هو الإقامة فالإقامة يطلق عليها أذان لأنها إعلام كما في الحديث الصحيح (بين كل أذانين صلاة) والمراد بذلك الأذان والإقامة.
3. كان فرض الأذان بالمدينة وأول ما شرع في قصة عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو غير عبد الله بن زيد بن عاصم راوي حديث الوضوء وإن وهم بعض العلماء فجعلهما واحداً. وفي باب ما جُعِلَ من الاثنين واحداً والعكس كتاب نفيس جداً للخطيب البغدادي في غاية الأهمية لطالب العلم اسمه (موضح أوهام الجمع والتفريق) وليعتني طالب العلم بقراءة مقدمته ليرى الأدب الجم الذي يتحلى به الكبار كالخطيب لأن موضوع كتابه هذا نقد لأئمة هم أكبر من الخطيب كالبخاري وأبي حاتم.
4. قبل هذه الرؤيا لما كثر الناس تداولوا مع رسول الله كيفية إعلام الناس بدخول وقت الصلاة فأشار بعضهم بالناقوس لكن قال إنه للنصارى وأشار بعضهم بالبوق لكن قال إنه لليهود وأشار بعضهم بجعل نار للتنبيه لكن قال إنها للمجوس فاهتم عبد الله بن زيد بهذا الأمر فرأى رؤيا وهي رؤيا حق أُقِرَّت من قبل الشارع (إنها لرؤيا حق) وإلا فالأصل أن الرؤى لا يثبت بها تشريع ولا أحكام ولا تناقض بها الشريعة مهما كان صدق قائلها لأن الدين كامل فليس لأحد أن يتعبد بأمر رآه في الرؤيا ولو تكرر لكن لو جاءت بتأكيد أمر مهم جاء الشرع بتأكيده فإنها تكون رؤيا صادقة وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
5. في حديث عبد الله بن زيد جاء التكبير في أول الأذان مربعاً إضافةً إلى أنه ليس فيه ترجيع يعني بغير تكرير للشهادتين (أشهد ألا إله إلا الله مرتين بصوت منخفض ثم يعيدهما بصوت مرتفع وكذا أشهد أن محمداً رسول الله مرتين بصوت منخفض ثم يعيدهما بصوت مرتفع) وفي الإقامة لفظ مفرد لكل جملة إلا (قد قامت الصلاة) فإنها تثنى لأنها اللفظ الأهم في الإقامة لأن المطلوب في الإقامة طلب قيام الحاضرين إلى الصلاة وسيأتي ما في تثنية التكبير في أول الإقامة وفي آخرها وما في جعل كلمة الإخلاص آخر الأذان مرة واحدة. فيكون قوله (أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة) كلام أغلبي. وحديث عبد الله بن زيد صحيح.
6. كثير من الكلام في لغة العرب يطوى ولا يذكر للعلم به.
7. حكم الأذان: جاء الأمر به وجاء تعظيم شأنه والحث عليه للجماعة والفرد فجاء ترغيب الأفراد بالأذان وأن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة وجاء أيضاً تعليق الإغارة على البلد وعدمها بالأذان فدل على أنه من شعائر الإسلام العظيمة ويختلفون في وجوبه والأدلة محتملة لكن القول المقرر عند أهل العلم أنه واجب على الكفاية يعني إذا وجد في البلد من يبلغ جميع أهل البلد دخول وقت الصلاة بالأذان المشروع لا أذان الآلات كفاهم ذلك فهو فرض كفاية. لو فرضنا أن في البلد مائة مسجد فالأصل أن يؤذن الجميع لكن إذا أذن من تقوم به الكفاية كما لو أذن ستون مسجداً فإن الوجوب يسقط ويبقى سنة في حق الباقين ولعل هذا مراد من قال بأنه سنة لأنه لا يتصور أنه سنة بالمعنى الاصطلاحي بحيث لو تركه الناس كلهم كان كترك سنة من السنن.
8. ليس في حديث عبد الله بن زيد زيادة التثويب في أذان الفجر وإنما ساق أحمد قصة عبد الله بن زيد ثم وصل بها رواية بلال وفيها التثويب فلينتبه لإيهام عبارة الحافظ ابن حجر.
9. إذا قال الصحابي (من السنة) فالمراد السنة المرفوعة وهو قول الأكثر كما في قصة ابن عمر مع الحجاج في الصحيح (إن كنت تريد السنة فهجِّر بالصلاة) ولا يريدون بذلك إلا سنة النبي عليه الصلاة والسلام لأنه إذا استدل بها على حكم شرعي فلا يريد إلا السنة الملزمة.
10. جاء في السنن ما يدل على أن التثويب في الأذان الأول كما في السنن الكبرى للنسائي من حديث أبي محذورة قال (كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أقول في أذان الفجر الأول: الصلاة خير من النوم) وجاء ما يدل على أنه في الأذان الثاني لصلاة الفجر وتواتر العمل والتوارث يدل على أنه في الأذان الثاني وتوجيه قول أبي محذورة أن يقال إن أذان الفجر الثاني أذان أول بالنسبة للإقامة.
11. جاء ترجيع الشهادتين في حديث أبي محذورة إضافةً إلى أن التكبير جاء مرتين في أوله كما في مسلم ولكنه جاء مربعاً عند الخمسة وفي المنتقى للمجد عزا تربيع التكبير لمسلم أيضاً ومن المعلوم أن الكتب الأصلية لها روايات فمسلم روى عنه كتابه خلائق والروايات المدونة المضبوطة معروفة عند أهل العلم (أكثر ما تظهر الفروق في روايات صحيح البخاري). ومسلم له روايات معتمدة عند المشارقة وروايات معتمدة عند المغاربة وقد يوجد في بعض هذه الروايات ما لا يوجد في الروايات الأخرى فتربيع التكبير لا يوجد في صحيح مسلم برواية المشارقة وأشار القاضي عياض إلى أنه موجود في بعض الروايات عن الجلودي. فينبغي ألا نسارع إلى تخطئة الأئمة كالمجد ابن تيمية رحمه الله ولا نحكم إلا بعد الاطلاع ونقول (لعل هذا في رواية لم نطلع عليها) وقد نفى بعض أهل العلم وجود أحاديث في الصحيح مع أنها فيه كمن نفى وجود حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي عليه الصلاة والسلام في البخاري لأنه لم يجده في باب الإحصار من كتاب الحج مع أنه موجود في باب الأكفاء في الدين من كتاب النكاح بسبب لفظة (وكانت تحت المقداد) لأنه كان مولى فأراد أن يبين أن الكفاءة إنما ينظر إليها من حيث الدين فقط فلا تزوج المسلمة بالكافر ولا تزوج العفيفة بالفاجر.
12. على كل حال سواء ثبت التربيع في حديث أبي محذورة أو لم يثبت وسواء ثبت الترجيع في حديث عبد الله بن زيد أو لم يثبت فهذا لا يؤثر لأنهما ليسا حديثاً واحداً حتى يؤثر ونقول إن هذا من اختلاف الرواة بل هما حديثان مستقلان ونقول إن للأذان صيغ ويكون هذا من باب اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد كما في التشهد والاستفتاح وقول (ربنا ولك الحمد) وعليه فمن أذن بأذان عبد الله بن زيد فله ذلك ومن أذن بحديث أبي محذورة فله ذلك.
13. أبو محذورة علمه رسول الله الأذان ومكث أكثر من نصف قرن يؤذن في المسجد الحرام في مكة وأذان عبد الله بن زيد أمره رسول الله أن يلقيه على بلال لأنه أندى منه صوتاً فأذن مدة طويلة بين يدي رسول الله بأذان عبد الله بن زيد.
14. الترجيع مشروع لثبوته في حديث أبي محذورة ولم يكن في أذان بلال ولا يقال أنه ليس بمشروع بل للمسلم أن يختار لأن الكل ثابت كما أنه له أن يتشهد بتشهد بابن مسعود وله أن يتشهد بالتشهدات الأخرى وكون أحمد يرجح تشهد ابن مسعود لا يعني إلغاء التشهدات الأخرى التي عمل بها الأئمة.
15. لو قيل باستعمال هذا مرة وهذا مرة كان أولى كأدعية الاستفتاح.
16. الجمهور على أن قول الصحابي (أمرنا) أو (نهينا) له حكم الرفع ولو قاله بعد العهد بالنبوي بمدة لأن الرسول هو الآمر والناهي الحقيقي في القضايا الشرعية خلافاً لأبي بكر الإسماعيلي الذي حكم بالوقف حتى نتأكد من الآمر أو الناهي.
17. مقتضى حديث أنس أن تكون جميع جمل الأذان حتى كلمة الإخلاص في آخر الأذان كلها تكون شفعاً وتُكَرَّر لكنه خبر مجمل بُيِّنَ في الأحاديث الأخرى وأن كلمة الإخلاص مرة واحدة فيكون هذا الحديث أغلبياً يعني أن غالب جمل الأذان تكون شفعاً.
18. ومقتضاه أيضاً أن جميع جمل الإقامة وتر حتى التكبير في أولها وفي آخرها إلا (قد قامت الصلاة) والجواب: إما أن نقول إن الحديث جاء بحكم أغلبي أو نقول إن تثنية التكبير تكون وتراً بالنسبة لتربيعه في الأذان لأن المرجح عند جمع من أهل العلم أن يقرن المؤذن في الأذان بين كل تكبيرتين في أوله (الله أكبر الله أكبر ثم الله أكبر الله أكبر) فهذا شفع أي مرتين بينما في الإقامة يقول (الله أكبر الله أكبر) مرة واحدة فتكون وتراً فلا نحتاج إلى استثناء ويكون الحديث على بابه فاستثنيت الإقامة ولا يوجد غيرها وأما التكبير فهو في حكم الوتر بالنسبة لتربيع التكبير في الأذان.
19. كون المؤذن يقرن بين التكبيرتين هو ما يفيده حديث إجابة المؤذن وفيه (فإذا قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر).
20. قد يقول قائل: إذا ساغ مثل هذا الكلام في التكبير في أول الإقامة فكيف يسوغ بالنسبة للتكبير في آخرها إذا قارناه بالتكبير في آخر الأذان؟ كيف نجري الحديث الذي معنا على عمومه ولا يستثنى منه إلا الإقامة؟ ماذا عن تثنية التكبير في آخر الأذان وتثنية التكبير في آخر الإقامة؟ إذا قرنا التكبير في آخر الأذان صار وتراً واحتجنا إلى أن نستثني من عموم الخبر غير كلمة الإخلاص في آخر الأذان؟ أو نقول: على المؤذن أن يفصل بين التكبيرتين في آخر الأذان ويقرن بين التكبيرتين في آخر الإقامة حتى تكون تكبيرات الإقامة وتراً وتكون في حكم التكبيرة الواحدة وتكبيرات الأذان شفعاً؟.
21. من أهل العلم من يقول إن الإقامة جملها بعدد جمل الأذان لكن أحاديث الباب ترد عليهم ومنهم من يقول بأن كل جمل الإقامة مفردة ووتر على مقتضى حديث أنس لكن ماذا عن الاستثناء (إلا الإقامة)؟.
22. رواية النسائي (أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً) صحيحة لكن هل هذه الصيغة في القوة وإفادة الوجوب مثل ما لو قال (أوتر الإقامة يا بلال واشفع الأذان)؟ الأمر له صيغ منها فعل الأمر والفعل المضارع المقترن بلام الأمر وأيضاً لفظ الأمر كما هنا. جماهير أهل العلم على أن الصحابي إذا عبر عن الأمر بلفظه (أمر) أنه بمنزلة قول النبي صلى الله عليه وسلم (افعلوا كذا) وكذا في النهي (نهى) مثل (لا تفعلوا). خالف في ذلك داود الظاهري وبعض المتكلمين فقالوا إنه لا يدل لا على الأمر ولا على النهي حتى ينقل الصحابي اللفظ النبوي لاحتمال أن يسمع الصحابي كلاماً يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس أمراً ولا نهياً وهذا ليس بمتصور فلا يمكن أن يسمع الصحابي العربي الذي لم تختلط عربيته بغيرها من اللغات كلاماً يظنه أمراً أو نهياً وهو ليس بأمر ولا نهي. إذا سمع الصحابة الأخبار وفهموا منها أنها تدل على الأمر أو على النهي (والمطلقات يتربصن) (والوالدات يرضعن) من خلال السياق والنظر في النصوص الأخرى وتلقت الأمة فهمهم بالقبول فكيف يظن بهم أنهم يسمعون كلاماً لا يدل على الأمر أو النهي فيعبرون عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أو نهى؟ إذا لم يعرف الصحابة مدلولات الألفاظ الشرعية فمن يعرفها؟ نعم جاء في الحديث الصحيح (رب مبلغ أوعى من سامع) لكن (رب) للتقليل والأصل أن الصحابة أعرف الناس بمدلولات الألفاظ الشرعية لأنهم عايشوا النبي عليه الصلاة والسلام وعاشروه وفهموا مقاصده ومرامي كلامه فقول داود وبعض المتكلمين لا قيمة له فإذا قال الصحابي (أمر النبي صلى الله عليه وسلم) فكأنه قال (افعلوا كذا).
23. إذا قال النبي عليه الصلاة والسلام (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) و (نهيت عن قتل المصلين) فالآمر والناهي هو الله عز وجل قولاً واحداً ولا يرد فيه من الخلاف ما يرد في قول الصحابي (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) لأنه يؤدي إلى اتهام النبي عليه الصلاة والسلام في فهمه عن الله عز وجل وهذا لا يقوله مسلم.
24. الرواية من وراء حجاب جائزة عند أهل العلم كما كان الصحابة والتابعون يتلقون الحديث عن النساء وعن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا يتخرج تلقي العلم عن العلماء عن طريق الآلات فهذا شبيه بالتلقي من وراء حجاب سواء بعدت المسافة أو قصرت ففي كلتا الحالتين التلقي يكون من وراء حجاب وعلى هذا يصير من فعل ذلك من تلاميذ أولائك العلماء لكن لا ينبغي التدليس والإيهام بالرحلة إليهم.
25. النسائي ذهب ليأخذ عن الحارث بن مسكين وهو من الثقات فلما رأى النسائي يهتم بمظهره كأنه اتهمه بالثراء والحارث رحمه الله يأخذ أجرة على التحديث (وأخذ الأجرة على التحديث مسألة خلافية لكن هذا رأيه) فحصل بينه وبين النسائي سوء تفاهم فطرده من الدرس فجلس النسائي خلف أسطوانة وصار يسمع فروى عن الحارث بن مسكين ولم يقل (حدثنا الحارث بن مسكين أو أخبرنا) لورعه فجاء بالإخبار دون صيغة (وإن كان السنن المطبوع فيه الصيغة لكن القصة تدل على أنه بدون صيغة) فكان يقول (الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع).
26. الأجر على قدر المشقة إذا كانت المشقة من مقتضيات العبادة ومتطلباتها وإلا فالمشقة لذاتها ليست مطلباً شرعياً.
27. الالتفات في الحيعلتين (عند الدعاء إلى الصلاة) يميناً وشمالاً من السنة ليكون أقوى للصوت في تبليغ الجهات كلها وكذلك جعل الأصابع (أطراف الأنامل) في الأذنين من السنة لأنه أقوى للصوت بالإضافة إلى معرفة كون هذا مؤذن لأنه ليس كل الناس يسمعون الصوت.
28. (ولم يستدر) يعني ولم يستدر ببدنه وإنما لوى عنقه يميناً وشمالاً.
29. العلة ظاهرة والفائدة محسوسة حينما كان الأذان في المنارة بحيث يرى المؤذن ويختلف صوته يميناً وشمالاً عن كونه صامداً أمامه لكن في مثلنا ظروفنا الآن المؤذن لا يرى وإذا التفت يميناً وشمالاً ضعف الصوت. إذا قيل إن العلة قد زالت بل انتقضت وانعكست فبدل أن يلتفت يميناً وشمالاً ليقوى صوته إلى جهة اليمين والشمال فإن صوته يضعف إذا فعل ذلك أمام المكبرات فهل نقول بأن الاستحباب قد التغى؟ عندنا من الأحكام ما شرع لعلة فارتفعت العلة وبقي الحكم فالأصل في مشروعية القصر للصلاة الخوف (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) والأصل في مشروعية الرمل في الطواف قول المشركين (يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب) ولما انقرض المشركون ولا يوجد من يقول هذا الكلام هل نقول إن الرمل غير مشروع؟ لا بل ارتفعت العلة وبقي الحكم فهل نقول هنا إن العلة ارتفعت وبقي الحكم فنلتفت؟ أو نقول انعكست العلة فبدلاً من حكمة التشريع التبليغ لمن كان في جهة اليمين أو في جهة الشمال انعكست فصار الصوت يضعف فيلتغي الحكم؟ أو نقول الحكم باق؟ أما إن أمكن الجمع بين الالتفات والتبليغ فهو المتعين يعني لو صار المكبر يدوياً يلتفت به يميناً وشمالاً أو يستطيع أن يحرك هذا المكبر أو يتقدم يسيراً ويتحرك يميناً وشمالاً لكي يطبق هذه السنة مع ما شرعت هذه السنة من أجله فهو المتعين لكن إذا التفت وانقطع الصوت فماذا نقول؟ يؤثر عن الإمام أحمد أنه لا يدور إلا إذا كان على منارة قصداً لإسماع أهل الجهتين. وعلى كل حال إن أمكن الجمع بين تطبيق السنة مع حصول المصلحة والفائدة وتحقيق العلة فهذا هو المتعين لكن إذا لم يتمكن فالمقصود الأصلي من الأذان إعلام الناس بدخول وقت الصلاة وليحافظ على هذا الأصل وإن كان لا بد من بذل شيء من الجهد لتحقيق السنة إلا إذا تعذر فالشرع جاء بجلب المصالح وأحكامه معقولة غالباً فإذا كان تطبيق السنة يصادم ما شرعت السنة من أجله فعندنا سنة وعندنا حرص على تطبيق السنة وعندنا فقه في كيفية تطبيق السنة. بعض الناس يعرف السنة لكن لا يحرص على تطبيقها فهذا مفرط وبعضهم يعرف السنة ويحرص على تطبيقها لكن لا يفقه كيف يطبق هذه السنة فيقع في المحظورات أكثر مما حصله من أجر في تطبيق هذه السنة. فعلى المؤذن أن يتحرى في تطبيق السنة وأن يتحرى أيضاً تحقيق الهدف من هذه السنة وهو إسماع أهل الجهتين.
30. ينبغي أن يكون المؤذن حسن الصوت وندي الصوت لقوله لعبد الله بن زيد (ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتاً) وفرق بين نداوة الصوت وجمال الصوت وبين التغني به وتمطيطه الذي يخرج الكلام عن معانيه المطلوبة فالتطريب مذموم والمدود التي يترتب عليها زيادة بعض الحروف في الكلمات والجمل مرفوضة لكن يبقى أنه ينبغي أن يكون المؤذن صيتاً ويشترط أهل العلم أن يكون عارفاً بالأوقات ندي الصوت لأن الصوت مهما كان له أثر فكما أننا أمرنا بأن نزين القرآن بأصواتنا (كما في الحديث الصحيح) فإنه مطلوب أيضاً تزيين الأذان بالصوت. هل معنى هذا أننا نتأثر ونؤثر بالأصوات؟ بدليل أننا لو سمعنا هذا القدر من القرآن من فلان حسن الصوت تأثرنا وإذا سمعنا نفس المقطع من شخص آخر أقل منه صوتاً فإننا لا نتأثر. هل هذا التأثير بالصوت أو بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ يجب ألا نغفل عن الأمر بتحسين الصوت فتحسين الصوت مقصد شرعي مأمور به. فالمسلم مطلوب منه أن يحسن الصوت لا لذات الصوت بل لكي يؤثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت. قد يقول: لو كان التأثير بالقرآن ما اختلف تأثيره من شخص لآخر؟ نقول: يختلف بدليل أن صاحب الصوت الندي الجميل المؤثر بالقرآن لو قرأ بهذا الصوت غير القرآن ما أثر فالتأثير للقرآن المؤدى بهذا الصوت وليس للصوت ذاته.
31. الأذان عبادة والصلاة عبادة ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله ألا يعبد الله إلا بما شرع فهذه العبادات لا بد أن يكون لها أصل شرعي فالصواب أن صلاة العيد لا ينادى لها بل بمجرد ما يصل الإمام إلى المصلى يشرع في الصلاة وإن استحسن بعض أهل العلم النداء لصلاة العيد وقال إن عثمان رضي الله عنه زاد الأذان الأول في صلاة الجمعة فلماذا لا نزيد الأذان لصلاة العيد؟ نقول: القياس مع الفارق فعثمان رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا بالأخذ بسنتهم. فالدين كمل واستقر فليس لأحد أن يزيد. استحسن هؤلاء النداء لصلاة العيد وبعضهم قال بالأذان المعروف لأنها صلاة تقاس على سائر الصلوات ومنهم من قال أنها صلاة طارئة تأخذ حكم صلاة الكسوف فينادى لها (الصلاة جامعة) ولا هذا ولا ذاك لأن القاعدة عند أهل العلم أن ما وجد سببه في عصر النبي عليه الصلاة والسلام ولم يفعله ففعله بعده بدعة لكن ينبغي أن نلاحظ مقدار قيام السبب في عصره عليه الصلاة والسلام يعني هل السبب قام في عصره عليه الصلاة والسلام بنفس مستوى السبب الذي وجد بعده؟ على سبيل المثال: الخطوط التي في الصفوف بعض الناس يقول إنها بدعة لقيام السبب في عصره عليه الصلاة والسلام لتعديل الصفوف ولم يفعل ذلك فهي بدعة لكن هل قيام السبب وقيام الحاجة الداعية إلى هذه الخطوط في عصره عليه الصلاة والسلام بنفس مستوى الحاجة الداعية إلى ذلك في العصور المتأخرة؟ مسجد النبي عليه الصلاة والسلام في عهده كان صغيراً وغير مفروش بل يصلون على الرمل فكيف يتمكن من إيجاد خطوط في مسجده والحاجة غير داعية وأيضاً الخط غير ممكن لأنه رمل؟ والذي يقول إنها بدعة يقول على الإمام أن يسوي الصفوف بنفسه ويتأكد لكن في المساجد الكبيرة مترامية الأطراف لا يمكن تحقيق التسوية وهذا ظاهر في مصليات العيد تجد الصفوف كالأقواس قبل الفرش لبعد أطراف الصفوف عن بعضها البعض. لا شك أن هذه الخطوط تحقق مصالح فتحقق تسوية الصفوف التي هي من تمام الصلاة ولا يترتب عليها مفسدة بأي وجه من الوجوه وهذه وجهة نظر من يقول بأن وجود مثل هذه الخطوط لا مانع منه ولا يدخل في حيز البدعة لقيام الحاجة والمصلحة داعية والمفسدة مغتفرة في مثل هذا وقل مثل هذا في الخط الموازي للركن في المطاف والخلاف في هذا كبير فقد وجد بفتوى ويمكن أن يزال بفتوى نظراً لاختلاف وجهات النظر في مثل هذه المسائل. على كل حال ما وجد سببه وتساوى قيام السبب في عصر النبي عليه الصلاة والسلام مع قيامه في العصور المتأخرة فلم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام فوجوده بعد عصره بدعة كما قرر ذلك الشاطبي وغيره. فالأذان عبادة والصلاة عبادة والزيادة في هذه العبادات بدعة وقد يقول قائل: وهذه المكبرات كيف نصلي بها والنبي عليه الصلاة والسلام ما صلى بها؟ نقول: من أهل العلم من قال بهذا فيصلي بدون مكبر لأن الصلاة عبادة محضة فكيف يدخل فيها مثل هذه الآلات؟ لكن جل أهل العلم رأوا أن هذا يحقق مصلحة سماع المأمومين ولا يترتب عليه أدنى مفسدة ولا علاقة له بهيكل الصلاة وداخل الصلاة وإنما هو أمر يبلغ الصوت كالمكبر وراء الإمام أو المبلغ لقول المحدث وهو المستملي فهذه الآلات حكمها حكم ذلك.
32. كون النبي عليه الصلاة والسلام نام عن صلاة الصبح فيه تشريع وفيه أيضاً تسلية للمسلم الذي تفوته بعض الصلوات من غير قصد ولا اختيار بعد أن فعل جميع الاحتياطات وارتفعت جميع الأسباب التي تقتضي فوات الصلاة فهذا له أن يقول إن النبي عليه الصلاة والسلام حصل له ذلك. لو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحصل له ذلك أبداً لشق ذلك على أهل الحرص والصلة إن حصل لهم شيء من ذلك.
33. في حديث أبي قتادة ذكر أذان بلال وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً بالإقامة ولم يذكر الأذان فإما أن يقال إن أبا هريرة لم يسمع الأذان فيكون المثبت معه زيادة علم خفيت على من لم يذكر أو نقول إن بلالاً أذن من غير أمر إنما أمر بالإقامة وأذن على المعتاد فيكون أمر الأذان أخف لأن الأصل في شرعية الأذان الإعلام بدخول الوقت والوقت قد خرج وعلى هذا نقول إن لم يؤذن للفائتة فالأمر فيه سعة ليست كمثل المؤداة بدليل أنه في صحيح مسلم أمر بلالاً بالإقامة لكنه من حديث أبي هريرة وقلنا إنه قد يكون خفي على أبي هريرة أن بلالاً قد أذن ولم يسمعه لبعده عن مكان التأذين أو نقول إن بلالاً أذن لكنه بحضرة النبي عليه الصلاة والسلام وبإقراره وعدم إنكاره فالشرعية موجودة على كل حال لكن لا يكون حكمه كحكم الأذان في أول الوقت لأن الأمر إنما جاء بالإقامة.
34. جابر رضي الله عنه ضبط حجة النبي عليه الصلاة والسلام وأتقنها من خروجه عليه الصلاة والسلام من بيته إلى رجوعه إليه ولذا يعتمد كثير من أهل العلم على ما يرويه جابر ويقدمه على ما يرويه غيره ولذا حديث جابر من أفراد مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين وحديث ابن مسعود وهو في البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بالمزدلفة المغرب بأذان وإقامة والعشاء بأذان وإقامة يعني بأذانين وإقامتين والأصل أن ما يرويه البخاري أرجح مما يرويه مسلم عند الجماهير فهذه قاعدة مطردة (أول من صنف في الصحيحِ محمدٌ وخُصَّ بالترجيحِ ومسلمٌ بعدُ وأهل الغرب مع أبي علي فضلوا ذا لو نفع) لكن قد يعرض للمفوق مما يرويه مسلم ما يجعله فائقاً على ما يرويه البخاري ومنه ما عندنا فجابر رضي الله عنه اعتنى بضبط الحجة عناية فائقة ولذا يرجح خبره على خبر ابن مسعود وإن كان في البخاري لكن يقول بعضهم أنه قد يكون أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالأذان للصلاتين وخفي الأذان الثاني على جابر فيؤذن لكل صلاة أذان وكذا لكل الصلوات المجموعة فكل صلاة لها أذان وإقامة.
35. رواية ابن عمر المجملة تقتضي أنه إنما أقام لصلاة المغرب ولم يقم لصلاة العشاء أو العكس لأنه قال (بإقامة واحدة) لكن بينت رواية أبي داود هذا الإجمال حيث قال الحافظ (زاد أبو داود: لكل صلاة) وفي رواية (ولم يناد في واحدة منهما) وهنا نقول خفي الأذان على ابن عمر بأن يكون وقت الأذان قد ذهب ليقضي حاجته أو ليجدد الوضوء أو لغير ذلك لأن عدم الذكر لا يعني عدم الوجود بينما الذكر هو الذي يحتاج إلى الإجابة عنه يعني نحتاج إلى أن نجمع بين حديث ابن مسعود وحديث جابر ولا نحتاج إلى أن نجمع بين حديث ابن عمر وحديث جابر أو ابن مسعود لأن كون ابن عمر لم يذكر فلأنه قد خفي عليه لبعده أو لكونه نسي والعبرة بمن حفظ ومن حفظ حجة على من لم يحفظ والمثبت مقدم على النافي. فالمعتمد أنه في الصلوات المجموعة يؤذن أذان واحد ويقام لكل صلاة.
36. قرب الإمام من المكبر عند إرادة التكبير في الصلاة وإطالة عنقه ليصل إليه عند تكبيره للسجود كل ذلك من الحركات التي تخل بالخشوع وهذه الآلات تلتقط ولو من بعد فلا حاجة إلى التكلف.
37. المدود التي تحيل معاني كلمات الأذان تبطل الأذان.
38. قال أبو جحيفة (رأيت بلالاً ..) كيف يكون حديثاً ولم يذكر فيه رسول الله؟ إذا فُعِل الشيء في عهده عليه الصلاة والسلام لا يخلو أن يكون مما يغلب على الظن خفاؤه عنه أو يكون مما يغلب على الظن علمه به واطلاعه عليه أو يكون مستوي الطرفين فإذا قال الصحابي (كنا نفعل على عهد النبي عليه الصلاة والسلام كذا وكذا) يحتمل أنه اطلع عليه وأقره ويحتمل أنه لم يطلع عليه لكن الجمهور على أن مثل هذا له حكم الرفع لأنه في عصر التنزيل ففعل بلال لهذه العبادة التي علمه إياها النبي عليه الصلاة والسلام لا يظن ببلال أنه يزيد من عنده أو يتصرف من عنده في عصر التنزيل لأنه لو فعل لفضحه القرآن فمثل هذا لا شك في أن له حكم الرفع. والحديث هو ما أضيف إلى رسول الله حقيقةً بالتصريح به أو حكماً كما هنا.
39. للسخاوي كتاب اسمه (الأصل الأصيل في ذكر الإجماع على تحريم النقل من التوراة والإنجيل) لكن نرى أهل العلم ينقلون منهما للرد على ما فيهما.
40. في حديث أبي هريرة عن رسول الله (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) والمشاهد أن البعير إذا برك يقدم يديه قبل رجليه بغض النظر عن كون الركبتين في اليدين أو في الرجلين ومقتضى النظر الظاهر في الحديث أن أوله يعارضه آخره ولذا قال ابن القيم إنه انقلب على الراوي لكن الصحيح أنه لم ينقلب على الراوي بل آخره يشهد لأوله. المنهي عنه البروك وهو النزول على الأرض بقوة فيقال برك البعير وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى فمن يبرك بقوة على يديه يكون قد أشبه البعير ومثله من يبرك بقوة على ركبتيه فهذا منهي عنه أيضاً وإنما المقصود أن يضع يديه مجرد وضع على الأرض ولا يبرك بقوة فآخر الحديث يشهد لأوله وهو أرجح من حديث وائل (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) وقال في حديث وائل (وضع) فالملاحظ الوضع في الحالين ولذا شيخ الإسلام لم يرجح بين الحديثين بل يرى أن المصلي إن قدم يديه بمجرد الوضع أو قدم ركبتيه بمجرد الوضع فالأمر لا يختلف لأن هذا جاء من فعله وذاك جاء من أمره لكن من يريد الترجيح بين الأمرين فحديث أبي هريرة وفيه تقديم اليدين أرجح من حديث وائل فإن له شاهداً من حديث ابن عمر.
41. الأذان إذا أطلق فإنه ينصرف إلى الأذان المعروف لا الإقامة وأما الإقامة وإن كان فيها إعلام بقرب القيام إلى الصلاة إلا أن الكلمة عند الإطلاق لا تنصرف إليها.
42. جاء في الخبر (إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان) والغيلان نوع من الجن فإذا تراءت للناس فالمشروع المبادرة بالأذان حتى يكفيهم الله شرها.
43. (وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم قالا) الترضي يعود على عمر وابنه وعائشة والقول يعود على ابن عمر وعائشة.
44. (إن بلالاً يؤذن بليل) يعني قبل طلوع الصبح لقوله (فكلوا واشربوا) وابن أم مكتوم يؤذن على طلوع الصبح (وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت) يعني دخلت في الصباح. وقوله (لا ينادي ..) مدرج في الحديث إما من ابن عمر وإما من الزهري ودليل الإدراج أنه جاء في بعض الروايات في البخاري (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم قال وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت).
45. (أصبحت) قد تطلق هذه الكلمة ويراد بها حقيقتها وهي الدخول الفعلي في الصباح وهو الأصل في معناها وقد يراد بها أخذ الحيطة والحذر فقد يتأخر الإنسان في الأكل فيقرب من طلوع الصبح فيقال (أصبحت) وقد يزاد في المبالغة فيقال (أضحيت) خشية أن يأكل في غير وقت الأكل.
46. المقصود أن الأذان المتقدم على طلوع الصبح لا يمنع من الأكل كما أنه لا يبيح الصلاة والحديث يدل على جواز اتخاذ مؤذِّنَيْن.
47. ليس هناك فاصل كبير بين الأذانين وإنما غاية ما هنالك أن ينزل هذا ويصعد هذا كما في بعض الروايات.
48. فيه دليل على جواز قبول خبر المؤذن وإن كان واحداً فالأذان إخبار بدخول الوقت والمفترض في المؤذن أن يكون ثقة فإذا أذن قبلنا خبره بلا نظر في تقويم أو غياب شمس ونحو ذلك بل يقبل خبره إذا كان ثقة ولو كان أعمى.
49. جواز ذكر الإنسان بعاهته إذا كان القصد من ذلك مجرد التعريف ولم يقصد بذلك شينه ولا عيبه (عبس وتولى ...) فلم يقصد عيبه ولكن للحاجة الداعية إلى ذكر هذه العاهة لتعريف السامع بالسبب فإذا كانت العاهة لها أثر في الخبر كما هنا فإنها تذكر وكذا إذا كان الشخص لا يعرف إلا بها كالأعمش والأعرج ولا يقصد بذلك شينه ولا عيبه وهذا مستفيض عند أهل العلم.
50. جواز نسبة الرجل إلى أمه إذا كان لا يكره ذلك أو كانت الأم أشهر من الأب ولم يكن القصد من ذلك الحط من قيمته ولا ازدراء أبيه وإنما هو لمجرد التعريف والأصل (ادعوهم لآبائهم) فإذا كان يكره النسبة إلى أمه أو كان أبوه أشهر من أمه فلا يجوز أن يدعى بأمه.
51. (يوم ندعواْ كل أناس بإمامهم) يوم القيامة يدعى الإنسان بأحب الأسماء إليه لكن ما معنى (بإمامهم)؟ هل المراد به جمع أم أو المراد به الإمام المتبوع؟ المراد به الإمام المتبوع لكن من أهل العلم من شذ وقال إن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم لأن (بإمامهم) جمع أم ولا عُهِدَ أن الأم تجمع على (إمام) وإنما تجمع على (أمات) و (أمهات) لكن هؤلاء يعللون لهذا القول بأن فيه تشريفاً لعيسى حيث يدعى لأمه وستراً على أولاد الزنا لأن ولد الزنا ينسب إلى أمه ولا ينسب إلى أبيه (للعاهر الحجر).
52. إذا وثق بالصوت فإن الخبر يقبل من وراء حجاب فيجوز أن تروي عمن لا ترى شخصه إذا وثقت بصوته كما أنه يجوز لك أن تروي عنه وجادةً إذا جزمت بأن هذا خطه وإن لم تسمعه من كلامه وشعبة بن الحجاج يمنع من الرواية إذا لم ير الشخص لئلا يتلبس الشيطان ببعض الناس ويحدثهم فينقلون عنه والراجح في هذا قول الجمهور.
53. الإدراج إذا كان لمجرد تفسير كلمة غريبة أو لتوضيح كلام موجود في أصل المتن لا إشكال فيه وهو كثير في النصوص لكن إذا وجد الإدراج بحيث أن هذا الراوي المدرِج لا ينبه على هذا الكلام المدرَج في بعض المجالس بحيث يروى عنه من بعض الطرق أنه من كلامه أي لم يفصل بين كلامه وبين كلام النبي عليه الصلاة والسلام في بعض المجالس وأوهم الناس أن هذا من كلامه عليه الصلاة والسلام فمثل هذا حرام.
54. يعرف المدرَج بجمع الطرق فالمدرِج يأتي في بعض الطرق ما يدل على أنه هو الذي زاد هذا الكلام.
55. اتخاذ مؤذنين في آنٍ واحد منع منه قوم لأنه يحصل به التشويش ويشوش بعضهم على بعض وعلى هذا إذا أمن التشويش وصار في اجتماع الصوتين قوة في الصوت فإنه لا يمنع منه وإذا وجد في المسجد أكثر من منارة وهي متباعدة لكبر المسجد بحيث يضعف صوت من عن يسار المسجد عن يمين المسجد فلا يسمعه من عن يمين المسجد وكذلك العكس فمن منع لأجل التشويش فمثل هذا يحقق مصلحة ولا يوجد تشويش على أنه لو أذن من على جهة اليمين أولاً فلما فرغ أذن من على جهة الشمال فلا بأس وأما أذانهما في آنٍ واحد فهو غير مأثور. هذا كان موجوداً في المسجد النبوي في آنٍ واحد يؤذنون ثم منع منه.
56. الذي يقابل المحفوظ الشاذ وهو مخالفة الثقة من هو أوثق منه.
57. قيل عن حديث (ألا إن العبد نام) أنه غير محفوظ وعليه فهو شاذ للمخالفة بينه وبين حديث (إن بلالاً يؤذن بليل) لأنه في هذا الحديث أمره بالرجوع فينادي (ألا إن العبد نام) وفي ذاك لم يأمره بالرجوع فحصلت المخالفة بين الحديثين لأنه لا يتصور أن يأمره النبي عليه الصلاة والسلام بأن يقول ناد في الناس (ألا إن العبد نام) مع أنه يؤذن بليل كما في الحديث المتفق عليه وعليه فالحديث شاذ مخالف لما هو أقوى منه.