أإله مع الله؟!
صلاة الفجر.. رغم أنها تصبح صعبة أحيانا في الصيف حين يقصر الليل.. إلا أنها أكثر الصلوات تزكية للنفس.. وتقوية للإيمان؛ لما فيها من تفرغ الذهن.. وهدوء البال.. وكان صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة فيها.. أكثر من غيرها.
- قرأ إمامنا من سورة النمل.. بدأها بالآية (59): {قل الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أم ما يشركون}، وختم الركعة الأولى بالآية (66): {بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون}، وكلما قرأ {أإله مع الله} انطلق لساني.. وقلبي: «لا إله إلا الله»، هكذا بدأ صاحبي حواره معي بعد صلاة العصر.
- نعم هذه الآيات مؤثرة جدا.. يقيم الله عز وجل فيها الحجة على جميع خلقه مؤمنهم وكافرهم:
{أمّن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون، أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون، أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون، أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} (النمل:60- 64).
هذه خمس آيات كل واحدة تثبت الربوبية لله عز وجل.. بإقرار الكافرين.. في الآية الأولى ذكر خلق السموات والأرض وإنزال المطر.. ثم إنبات الحدائق.. وذلك أن بعض الناس قد يظن أنه هو الذي ألقى البذره وسقاها.. ولكنه لا يملك أن ينبتها.. كما يريد.. بل الله هو الذي ينبت الزرع.. كما يخلق الطفل.. هذه مجرد أسباب.. والأمر بيد الله سبحانه.
- أفهم أن ينبه الله عز وجل الناس إلى هذه المخلوقات العظيمة السموات والأرض والجبال والأنهار.. ولكن لماذا ذكر (إجابة المضطر) بينها؟!
- هذه أيضا مما اختص الله به لا يشاركه فيها أحد من خلقه بإقرار الكافرين.. وقد كان هذا الأمر سببا في إسلام عكرمة بن أبي جهل.. ففي السيرة: لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة هرب عكرمة فارا إلى بلاد الحبشة فركب البحر فجاءتهم ريح عاصف.. فقال القوم لبعضهم: إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعوا الله وحده، فقال عكرمة في نفسه: والله إن كان لا ينفع في البحر غيره فإنه لا ينفع في البر غيره.. اللهم لك علي عهد لئن أخرجتني منه لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رؤوفا رحيما.. فخرجوا من البحر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه.
أعجبت قصة عكرمة صاحبي.. عقب.. عليها:
- ألم يكونوا يقولون إن لهم آلهة في الأرض وإلها في السماء.. والذي يدخرونه إذا اضطروا هو الذي في السماء؟!
تابع صاحبي حديثه:
- هذه الآيات تثبت الربوبية لله سبحانه.. فلماذا ختمها الله عز وجل بقوله: {أإله مع الله}؟.. يثبت الألوهية؟
- يقول الشيخ ابن عثيمين في تفسيره: وجوب إفراد الله سبحانه وتعالى بالألوهية؛ لأن الإقرار بالربوبية يستلزم الإقرار بالألوهية ولابد؛ ولهذا قال الله تعالى: {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} (البقرة:21)، فجعل الربوبية موجبة لعبادته، وفي سورة النمل قال تعالى: {أمّن خلق السموات والأرض..} (النمل:60) إلى آخر الآيات التي فيها تختم كل آية بقوله تعالى: {أإله مع الله}، يعني: فإذا كان هو المنفرد بما ذكر فإنه المنفرد بالألوهية.
- كلام جميل.. وقاعدة جليلة: «الإقرار بالربوبية يستلزم الإقرار بالألوهية».
-وفي البيان اللغوي للآيات.. أن قوله سبحانه: {آلله خير أما يشركون}.. أن (خير) ليست للتفضيل وإنما من باب التهكم بهم؛ إذ لا خير في عبادة الأصنام أصلا.. فبدأت الآيات بالثناء على الله.. كما هو الحال في بدايات الخطب.. والسلام على عباده الذين اصطفى.. ثم ذكر الحقيقة: أنه لا يستحق العبادة إلا الله.. وساق الأدلة الدامغة.. بصيغة أسئلة.. جوابها جميعا: «لا إله إلا الله».. ثم ختم سبحانه.. بالتحدي الدائم للمنكرين: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.. ولا برهان لهم.
اعداد: د. أمير الحداد