((الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فهذه العبارة تتضمَّنُ كُفْرًا من حيث وصفُ أهلِ الإسلامِ وتشبيهُهم في تطبيق الشريعة بما هم عليه رجال الدِّين عند النصارى في تنظيمهم الكهنوتي الذي استعارته الكنيسة في عهودها الأولى من الرومان حيث كان يرأسها أكبرهم سنًّا على أمل عودة المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وهؤلاء يقدِّسون رُهْبَانهم ورجالَ كنيستهم ويجعلون لهم السلطةَ المطلقةَ في الدِّين ومنح صكوك الغفران وقد بيَّن الله تعالى كفرهم وانحرافهم عن سواء السبيل بقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾ [التوبة: ٣١]، كما ينتقض إيمان من يقبل بعض الشريعة دون البعض الآخر؛ لأنَّه إعراضٌ عن الدِّين وعدم قَبوله كما شَرَعَه الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ [الأحقاف: ٣].
هذا، ومن تَكَلَّمَ بهذه العبارة الكُفرية إمَّا أن يكون معتقدًا ذلك بقلبه فلا ريب في كفره، أمَّا إن لم يكن معتقدًا بقلبه ولم يُكْرَهْ على قولها وإنَّما فعله عن اختيار طمعًا في الدنيا وملذَّاتها فإنَّه يكفر كفرًا مخرجًا عن الملَّة لظاهر قوله سبحانه وتعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ﴾ [النحل: ١٠٧]، فسمَّاهم كافرين لتقديمهم الدنيا على الدِّين، وإمَّا أن تكون هذه العبارة صدرت منه على وجه المزاح واللعب استهزاءً بالدِّين ففاعله كافر أيضًا لقوله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ [التوبة: ٦٥-٦٦]، أمَّا إن قالها على وجه الإكراه من غير اختيار وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان فهذا دفعًا للإكراه رخّص له ذلك لقوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل: ١٠٦]، فما عدا هذه الحالة الأخيرة فإنَّ صاحبها يكفر إذا تحقَّقت فيه شروط تكفير المعيّن كأن يقصد المعيّن بكلامه المعنى المكفِّر، وقيام الحُجَّة عليه، وانتفت في حقِّه موانع تكفير المعيّن كالخطإ والجهل والعجز والإكراه، وعلى القائل التوبة إلى الله تعالى والرجوع إليه والندم على ما صدر منه رجاءَ أن يعفو الله عنه وعن زلاَّته إنه عفوٌّ غفور.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٢ رمضان ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ أكتوبر ٢٠٠٥م))
من فتاوى الشيخ الدكتور محمد علي فركوس المنشورة على الموقع الرسمي له وفقه الله.