كوكو البرنس
عبير عبدالله
يتبع
كلما استيقظَتْ قلِقةً جاءتني تربتُ على شَعري وظهري وتنصرف!
يُحيِّرني أمرُها دائمًا؛ لماذا تتحمل كل ما يستفز، وكأن شيئًا لم يكن؟!
صحيح أنها أحيانًا تثور، لكن ماذا تفعل بثورتها، غير أنها تبكي بحرقةٍ، وترفع صوتها قليلًا؟!
أمَّا الليلة، فلم أستطع منعَ نفسي من الضحك أو الابتسام، ولم أُجِبْ عن تساؤلها عن السبب، فتركتني وشأني بعد أن أكَّدت عليَّ:
• ليتَكَ تنام مبكرًا وتستيقظ مبكرًا؛ فأنا لديَّ عمل كثير على الكمبيوتر، وأنت تنشط وتُنجِز دروسك جيدًا عندما أكون بجوارك.
فأجبتها:
• لن أنام إلا بعد أن أُصلِّي الفجر حاضرًا مثلَك، ها ها.
تنام كثيرًا، لا أدري كيف؟!
وأنا عندما أدخل الفراش لا أنام بسهولة! يا لحظِّها!
العجيب أنها تقول: إن لديها مشكلة في النوم، تحتاج لزيارة الطبيب كلما زاد الأمر عليها؛ لذلك أتفنن في تعذيبها واستثارتها وتحريض أمي عليها؛ حتى تفتح باب الحجرة أثناء نومها، ثم أتسلَّل وكأني ذاهب إلى الحمام وأُضِيء نور الحجرة والصالة لأضايقَها!
تشعر بأي حركة مهما كانت بسيطة، طالبةً ممن فتح الباب وأنار النور أن يُغلِقهما، أو تقوم هي وتُغلِقهما بهدوء وتُنهِي الأمر!
كيف بالله يكون ذلك وهي في سابع نومة؟!
ألم أقل لكم: إن أمرها يُحيِّرني؟!
المهم أنها تعرف أنني أتضايق منها؛ لأنها دائمًا (تكشِفُني)، تعرف ما أفعله دون أن ترى ذلك بنفسها، أو يقول لها أحد!
ولَمَّا قلت لها ذلك، قبَّلتني في جبهتي، وجذبت شَعري بخفةٍ، مازحة، وقالت: أنت تعلم أنني لا أريد إلا مصلحتك.
لكنها هذه المرة لم تستطع أن (تكشفني) كالمعتاد! فقد قمتُ بعمل (كلمة سر) للكمبيوتر؛ بحيث لا تعرف كيف تفتحه، خاصةً وهي شديدة الاهتمام بعملها، وناجحة في كل شيء، لكنني قلتُ لأختي فريدة كلمةَ السر؛ حتى تستطيع استخدام الكمبيوتر إذا احتاجَتْه؛ لأنها طيبة، وأنا لا أدري لماذا أسمع كلامها غالبًا! وهي تسامحني كثيرًا، ولا تعاقبني إلا إذا فعلت بلوى كبيرة، بل بالعكس إذا أخبرتها ضمنتُ ألا تعاقبني.
أما هذه التي أشعر وكأنها تقف في حلقي، فلا تجرؤ على عقابي على أي شيء، بل تحاول تجنُّب أن أعاقبها أنا وأضايقها - ها ها، صحيح الأنصاف قامت، والقوالب نامت! - فتثور ولا تُصرِّح بما فهمته، وأكون قد أخفيته، ثم تقول لأمي الحقيقة من وراء ظهري!
لماذا يتحامل الجميع عليها ولا تثور إلا نادرًا، رغم أنهم يفترون عليها ويظلمونها! لكنها قوية، حتى عندما أراها تبكي بشدة، فنادرًا ما تصعب عليَّ، ولا أقدِّم لها أي عون، رغم أنها على حق، أنا لا دخل لي! أنا لا أتدخل في أي شيء إلا إذا كنت سأقلب الدنيا عليها مثلًا، ها ها!
تسمعني وأنا أُحرِّض الجميع عليها دون أن تهتز لها شعرة، حتى إن أختي فريدة انقلبت عليها كالغولة، لا أدري كيف؟! ربما لأي شيء، لا أريد أن أعرفه، وطبعًا فأمي لا تسكت، تُتحِفها بوابلٍ مِن التهديدات والشتائم، أو أي كلام يجرح، وهي تنظر للجميع بثقة، حتى وإن تفنَّنتُ أنا في اصطياد أخطائها وتفخيمها بصورة كاريكاتورية تستفز أمي تُجاهها كالمعتاد، ولربما ردت ردًّا قاطعًا ولا تبالي بردود أفعالهم.
استيقظت وهي ثائرة تبكي بحنق وحرقة.
• أيغلق عني الكمبيوتر؟ كيف؟ أنا لدي بحث مهم يجب القيام به.
قمتُ بسرعة وأنا خائف أن ينقلبوا عليَّ جميعًا، سبقَتْني أختي فريدة وفتحت لها الجهاز، لكنها هذه المرة لم تكفَّ عن البكاء.
• أيغلق الجهاز عني؟! وبه كل شغلي، وهو يعلم جيدًا أنني أستيقظ مبكرًا لأقوم به؟!
لكن أمي - وقد شحنتُها على مدى الأسبوع الماضي صباحًا ومساءً - سخِرتْ منها: وما أهمية هذا الشغل إن شاء الله؟! هل أنتِ تُطعِميننا؟! "انفلقي" أنت وشغلك، فما فائدته لنا؟!
وكأن كل المشكلة في هذا فقط!