بسم الله الرحمن الرحيمإن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
أما بعد
فقد كنت أستشكل قديما تفضيل الإمام أحمد رحمه الله لدعاء «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك إسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» في الاستفتاح على غيره من الأدعية الواردة مع أنه متكلم فيه وغيره أصح منه، حتى قرأت كلاما لشيخ الإسلام يوضح فيه وجه تفضيله من جهة المعنى، وتبعه على ذلك تلميذه ابن قيم الجوزية، فقرأته وانشرح صدري له، لكنني لم أنشط للنظر في هذا الحديث من جهة المبنى أي: دراسة أسانيده، حتى قدّر الله لي أن طُلب مني العمل في تحقيق أثر الضحاك في تفسير قوله عز وجل {وسبح بحمد ربك حين تقوم} قال: حين تقوم إلى الصلاة تقول هؤلاء الكلمات: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» فتطرقت حينئذ لهذا الحديث نافلة وجمعت طرقه، وكان ذلك من خير القدر لي حيث لم يكن يتيسر لي لولا أن يسّره الله، فالحمد لله في الأولى والآخرة.
وقبل أن أشرع في ذكر طرق الحديث أتحف إخواني بدرر تقريرات العلامة تقي الدين النميري ويواقيت تأملات تلميذه شمس الدين الزرعي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
فصل:
أنواع الإستفتاح للصلاة ثلاثة، هى أنواع الأذكار مطلقا بعد القرآن:
- أعلاها ما كان ثناء على الله
- ويليه ما كان خبرا من العبد عن عبادة الله
- والثالث ما كان دعاء للعبد
ثم قال:
فصل:
إذا تبين هذا الأصل:
فأفضل أنواع الإستفتاح ما كان ثناء محضا مثل: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك إسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» ولهذا كان أكثر السلف يستفتحون به وكان عمر بن الخطاب يجهر به ويعلمه الناس
وبعده النوع الثانى وهو الخبر عن عبادة العبد كقوله: «وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض ...» وهو يتضمن الدعاء
وبعده النوع الثالث كقوله: «اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب ...»
فإن قلتَ: هذا الترتيب عكس الأسانيد فإن:
حديث: «اللهم باعد بينى وبين خطاياى ...» فى الصحيحين
وحديث: «وجهت وجهى ...» فى صحيح مسلم
وحديث: «سبحانك اللهم وبحمدك ....» فى السنن، وقد تُكلِّم فيه
قلتُ: كون هذا مما بلغنا من طريق أصح من هذا، فهذا ليس فى صفة الذكر نفسه فضيلة توجب فضله على الآخر، لكنه طريق لعلمنا به، والفضيلة كانت ثابتة عن النبى وفى زمنه قبل أن يبلغنا الأمر
وقد ثبت فى الصحيح عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان كان يجهر بقوله «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك إسمك وتعالى وجدك ولا إله غيرك» يعلمه الناس.
فلولا أن هذا من السنن المشروعة لم يفعل هذا عمر ويقره المسلمون عليه
وأيضا فإن قوله: « سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» يتضمن الباقيات الصالحات كما فى صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل أى الكلام أفضل قال ما اصطفى الله لملائكته «سبحان الله وبحمده»
فهذه الكلمة هى أول ما فى الإستفتاح وهى أفضل الكلام
وأيضا فالله قد أمر بالتسبيح بحمده وعبر بذلك عن الصلاة بقوله: {فسبح بحمد ربك حين تقوم} وقد قال طائفة من المفسرين كالضحاك فى تفسير هذه الآية: هو قول المصلى: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك»
والمقصود هنا أن نقول:
التسبيح مقرون بالتحميد ، فإن الله تعالى يذكر في غير موضع: "التسبيح بحمده".
- كقول "الملائكة": { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}
- وقوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}
- وقوله: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}
- وقوله: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ}
فنقول: "التسبيح والتحميد" يجمع النفي والإثبات؛ نفي المعايب وإثبات المحامد، وذلك يتضمن التعظيم.
فالتسبيح يتضمن نفي النقائص والعيوب.
والتحميد يتضمن إثبات صفات الكمال التي يحمد عليها
فكلما سبّح الربّ تنزّهت نفسه عن أن يصف الربّ بشيء من السوء ، فإذا سبح العبدُ الربَّ كان قد زكى نفسه.
وكذلك الحمد، كلما حمد العبد ربه تحقق حمده في قلبه، وازداد ومعرفة بمحامده، ومحبة له، وشكرا له.
والحمد إنما يتم بالتوحيد، وهو مناط للتوحيد ومقدمة له ولهذا يفتتح به الكلام، ويثنى بالتشهد، ولهذا قال في آخر هذا الدعاء: «ولا إله غيرك»
انتهى كلام شيخ الإسلام بتصرف
شرح: «سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» مأخوذ من كلام الحافظ ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى:
«سبحانك الله وبحمدك» من قالها شاهد بقلبه ربا منزها عن كل عيب سالما من كل نقص محمودا بكل حمد فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص «وتبارك اسمك» أي عظمت بركة اسمه؛ فلا يذكر على قليل إلا كثره ، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه ، ولا على آفة إلا أذهبها ، ولا على شيطان إلا رده خاسئا داحرا
وكمال الاسم من كمال مسماه فإذا كان شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى اعلى واجل
«وتعالى جدك» أي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه على كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في إلهيته أو في أفعاله أو في صفاته كما قال مؤمن الجن: {وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا}
فضائل هذا الدعاء على غيره من أدعية الاستفتاح
- منها جهر عمر به يعلمه الصحابة
- ومنها اشتماله على أفضل الكلام بعد القرآن
- ومنها أنه استفتاح أخلص للثناء على الله وغيره متضمن للدعاء والثناء أفضل من الدعاء
- ومنها أن غيره من الاستفتاحات عامتها إنما هي في قيام الليل في النافلة وهذا كان عمر يفعله ويعلمه الناس في الفرض
- ومنها أن هذا الاستفتاح إنشاء للثناء على الرب تعالى متضمن للإخبار عن صفات كماله ونعوت جلاله والاستفتاح بـ «وجهت وجهي...» إخبار عن عبودية العبد وبينهما من الفرق ما بينهما
- ومنها أن من اختار الاستفتاح بـ «وجهت وجهي...» لا يكمله وإنما يأخذ بقطعة من الحديث ويذر باقيه، بخلاف الاستفتاح بـ «سبحانك اللهم وبحمدك...» فإن من ذهب إليه يقوله كله إلى آخره
انتهى كلام الحافظ ابن القيم بتصرف
والآن أتحف كل نفس طيبة مطمئنة عامرة بحب الله لاهجة بذكره سبحانه - أتحفها بتخريج هذا الحديث وجمع طرقه ؛ لبيان صحته خلافا لما ذكره البعض من تضعيفه ؛ ليكون ذلك عونا لها على المداومة عليه، والتحليق في «روضة الأرواح وجنة الأفراح» مع الذاكرين الله كثيرا والذاكرات، مع استحضار معانيه التي ذكرها العالم الرباني ابن تيمية الحراني، واستذكار محاسنه التي زبرها طبيب القلوب الرضية ابن قيم الجوزية.