تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 24

الموضوع: مقدمة مختصر تفسير الطبري وفيها ذكر منهج الاختصار ونقد المختصرات قبله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي مقدمة مختصر تفسير الطبري وفيها ذكر منهج الاختصار ونقد المختصرات قبله

    مقدِّمةُ المؤلِّف (المُخْتَصِر)
    الحمدُ للهِ القائلُ في كتابِهِ : «ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم»..
    وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ ، القائلِ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ»، وجاءَ من طُرُقٍ ضَعيفةٍ «واختُصِر لي الحديثُ اختصاراً»..
    يعني: أنَّ اللهَ سبحانَه وَتَعالى جَمَعَ له المعانيَ الكثيرةَ فِي الألفاظِ القليلةِ..
    وهذا في الوحْيَيْنِ على السَّواءِ، القرآنِ والسُّنَّةِ..
    وَمِنْ هُنَا اجْتَهَد العُلماءُ في بَيانِ هذهِ المعاني والفوائدِ التي يَدُلُّ عليها نَصُّ الوَحيين..
    وقد كَثُرَتْ هذه المعاني كثرةً عظيمةً موزعةً بين العلوم الشرعية، أُصُوْلِهَا وَفُرُوعِهَا..
    مِنْ معانٍ عقديةٍ وفقهيةٍ، إلى معانٍ أُصوليةٍ ولُغويةٍ، إلى غيرِ ذلكَ من المعاني في مختلَفِ العُلُومِ الشَّرعيَّةِ..
    إلَّا أنَّ طالبَ العِلمِ المُنتهي، بل والمبتدي، بل والمسلمُ ، لا يَسَعْهُ إلا أنْ يعلمَ أصولَ هذهِ المعاني..
    أعني الحدَّ الأدنى الذي ينبغي أنْ يقفَ عليه كلُّ مُسْلِمٍ من معاني الوحيين..
    إلا أنَّ هذا الحدَّ الأدنى المتعلِّقَ بمعاني القرآنِ قد غَرَقَ في بِحَارِ علومِ القرآنِ وكتبِ التفسيرِ المختلِفَةِ..
    وَمِن هُنَا كانتِ الحَاجَةُ إلى الغَوصِ في هِذِه الكتبِ لِإتْيِانِ مَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْه كلُّ مُسْلِمٍ مَعْرِفَتَهُ مِنْ مَعَانٍ لا يسعِ الإنسانُ أَنْ يَجْهَلَهَا..
    وقدْ اجتهَدَ العلماءُ في مختلَفِ عصورِ الإسلامِ إلى وقتِنا هذا في تَحقيقِ هذهِ الغايَةِ..
    إلا أنَّ الحَاجَةَ لا تزالُ ملحةٌ رَغْمَ كَثْرَةِ التَّجارِبِ في هذا المَجَالِ..
    وحتى يتضحَ مَدَى هَذِهِ الحاجةُ لابُدَّ مِنْ بَيَانِ مفهومِ الاختصارِ، وأسبابِه، وأنواعِه، وشروطِه، وفوائدِه، وعيوبِه، وآثارِه..
    ثمَّ بيانِ فائدةِ اختصارِ تفسير الطبري بين هذه المختصرات..
    ثم بيانِ فائدةِ هذا الاختصارِ الذي بين أيدينا، وخآصةٍ هذا المختَصَرِ، وَمَا الَّذي يُمَيِّزَه عَن هَذِهِ المختصراتِ، والمنهجِ الَّذي سلكتُه فِيهِ..
    ولتحقيقِ بعضِ هذِه المقاصِدِ وغيرِها اطَّلعتُ على كِتابين مِن أَنفسِ ما كُتِبَ في هَذَا المَوضوعِ وهُمَا:
    الاختصارُ في التَّفِسيرِ، للشيخ علي بن سعيد بن محمد العَمري.
    والتفاسير المختصر، للدكتور محمد بن راشد بن محمد البَرَكَة.
    وبعد الاطِّلاع عليهِمَا استخلصْتُ مِنْهُمَا بعضَ المسائلِ جَمَعْتُهَا إِلى غَيرِهَا مما يتعلَّقُ بمقدِّمةِ هِذِا الكِتَابِ، وَإليكَ بيانُها..
    ................يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الأولى: ترجمة مختصرة للإمام الطبري
    لقد ترجمت للإمام ترجمة مطولة في مقدمتي ضمن خدمتي لتفسيره نشرة دار الحديث..
    والآن يتناسب ذكر ترجمة مختصرة لهذا المختصَر، اختصرتها من سير أعلام النبلاء، ولمن أراد المزيد فليرجع إلى الأصل.
    هو مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ كَثِيْرٍ الطَّبَرِيُّ..
    الإِمَامُ، العَلَمُ، المجتهدُ، عَالِمُ العَصر، أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ البَدِيْعَة، مِنْ أَهْلِ آمُل طَبَرِسْتَان..
    مَوْلِدُه: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ (224هـ)..
    وَطَلَبَ العِلْمَ بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ(240ه ـ) وَأَكْثَرَ التَّرحَال، وَلقِي نُبَلاَء الرِّجَال، وَكَانَ مِنْ أَفرَاد الدَّهْر عِلْماً، وَذكَاءً، وَكَثْرَةَ تَصَانِيْف، قلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مثلَه، وَاستقرَّ فِي أَوَاخِرِ أَمره بِبَغْدَادَ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الاجْتِهَاد...
    كتبَ بِمِصْرَ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ تَصَانِيْف حسنَةً تَدُلُّ عَلَى سَعَة عِلْمِهِ..
    وَقَالَ الخَطِيْبُ: مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ بنِ يَزِيْدَ بنِ كَثِيْرِ بنِ غَالِب: كَانَ أَحَدُ أَئِمَّةِ العُلَمَاء، يُحكم بِقَوله، وَيُرجع إِلَى رأَيهِ لِمَعْرِفَتِهِ وَفَضْله، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مِنَ الْعُلُوم مَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِيْهِ أَحَد مِنْ أَهْلِ عَصْره، فَكَانَ حَافِظاً لكتَاب الله، عَارِفاً بِالقِرَاءات، بَصِيْراً بِالمَعَانِي، فَقِيْهاً فِي أَحْكَام القُرْآن، عَالِماً بِالسُّنَنِ وَطُرُقِهَا، صَحيحِهَا وَسَقيمِهَا، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسوخِهَا، عَارِفاً بِأَقوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِيْن َ، عَارِفاً بِأَيَّام النَّاس وَأَخْبَارهم، وَلَهُ الكِتَابُ المَشْهُوْرُ فِي (أَخْبَار الأُمَم وَتَارِيْخهِم) وَلَهُ كِتَاب (التَّفْسِيْر) لَمْ يصَنّف مثلُه، وَكِتَاب سَمَّاهُ (تَهْذِيْب الآثَار) لَمْ أَرَ سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ، لَكِن لَمْ يُتِمَّه، وَلَهُ فِي أُصُوْل الفِقْه وَفُرُوْعِهِ كتبٌ كَثِيْرَةٌ مِنْ أَقَاويل الفُقَهَاء، وَتَفَرَّدَ بِمَسَائِلَ حُفِظَت عَنْهُ..
    قُلْتُ –يعني: الذهبي-: كَانَ ثِقَةً، صَادِقاً، حَافِظاً، رَأْساً فِي التَّفْسِيْر، إِمَاماً فِي الفِقْه، وَالإِجْمَاع وَالاخْتِلاَف، عَلاَّمَةٌ فِي التَّارِيْخ وَأَيَّام النَّاس، عَارِفاً بِالقِرَاءات وَبَاللُّغَة، وَغَيْر ذَلِكَ..
    قَرَأَ القُرْآنَ بِبَيْرُوْت عَلَى العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ..
    وَالتمسَ مِنْهُ الوَزِيْرُ أَنْ يعملَ لَهُ كِتَاباً فِي الفِقْه، فَأَلَّف لَهُ كِتَاب (الخَفِيْف) فَوجَّه إِلَيْهِ بِأَلفِ دِيْنَار، فَرَدَّهَا.
    وَأَسْنَدَ الخَطِيْبُ عن أَبَي العَبَّاسِ البَكْرِيِّ قَالَ: جَمعتِ الرِّحلَةُ بَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَابْن خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرُّويَانِي بِمِصْرَ، فَأَرملُوا وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُم مَا يقُوتُهُم، وَأَضَرَّ بِهِم الْجُوع، فَاجْتَمَعُوا لَيْلَةً فِي مَنْزِلٍ كَانُوا يَأْوونَ إِلَيْهِ، فَاتَّفَقَ رأَيُهُم عَلَى أَنْ يَسْتَهمُوا وَيضربُوا القُرْعَة، فَمَنْ خَرجتْ عَلَيْهِ القُرعَةُ سَأَلَ لأَصْحَابِهِ الطَّعَام، فَخَرَجت القرعَة عَلَى ابْنِ خُزَيْمَة، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَمْهِلونِي حَتَّى أُصَلِّي صَلاَة الخِيرَة. قَالَ: فَاندفعَ فِي الصَّلاَةِ، فَإِذَا هُم بِالشُّموع وَخَصِيٍّ مِنْ قَبْل وَالِي مِصْر يَدَقُّ البَاب، فَفَتَحُوا، فَقَالَ: أَيُّكُم مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ؟ فَقِيْلَ: هُوَ ذَا. فَأَخْرَجَ صرَّةً فِيْهَا خَمْسُوْنَ دِيْنَاراً، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَيُّكُم مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ؟ فَأَعطَاهُ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَكَذَلِكَ للرُّويَانِي، وَابْن خُزَيْمَةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ كَانَ قَائِلاً بِالأَمس، فَرَأَى فِي المَنَامِ أَنَّ المَحَامِدَ جِيَاعٌ قَدْ طَوَوْا كَشْحَهُم، فَأَنفذَ إِلَيْكُم هَذِهِ الصُّرَر، وَأَقسمَ عَلَيْكُم: إِذَا نفدَتْ، فَابْعَثُوا إِلَيَّ أَحَدَكُم.
    قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عبيدِ اللهِ اللُّغَوِيَّ يَحْكِي: أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ جَرِيْر مكثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَكْتُبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ وَرقَة.
    قَالَ الخَطِيْبُ: وَبلغَنِي عَنْ أَبِي حَامِد أَحْمَدَ بنِ أَبِي طَاهِرٍ الإِسْفَرَايينِ يُّ الفَقِيْه أَنَّهُ، قَالَ: لَوْ سَافرَ رَجُلٌ إِلَى الصِّينِ حَتَّى يحصِّلَ تَفْسِيْرَ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ لَمْ يَكُنْ كَثِيْراً.
    قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ حُسَيْنَك بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: أَوَّل مَا سَأَلَنِي ابْنُ خُزَيْمَةَ فَقَالَ لِي: كتبتَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبرِيّ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قُلْتُ: لأَنَّه كَانَ لاَ يَظهر، وَكَانَتِ الحَنَابِلَةُ تمنعُ مِنَ الدُّخول عَلَيْهِ، قَالَ: بِئس مَا فَعَلْتَ، ليتَكَ لمْ تَكْتُبْ عَنْ كُلِّ مَنْ كتبتَ عَنْهُم، وَسَمِعْتَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ.
    قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ بَالُويه يَقُوْلُ: قَالَ لِي: أَبُو بَكْرٍ بنُ خُزَيْمَة: بَلَغَنِي أَنَّك كتبتَ التَّفْسِيْرَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ؟ قُلْتُ: بَلَى، كتبتُه عَنْهُ إِمْلاَءً. قَالَ: كُلّه؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فِي أَي سَنَة؟ قُلْتُ: مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ إِلَى سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ. قَالَ: فَاسْتعَارَهُ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ رَدَّهُ بَعْد سِنِيْنَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ نظرتُ فِيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِره، وَمَا أَعْلَمُ عَلَى أَديمِ الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، وَلَقَدْ ظَلَمَتْهُ الحَنَابِلَة.
    قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الفَرْغَانِي: تَمَّ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ كِتَاب (التَّفْسِيْر) الَّذِي لَوِ ادَّعَى عَالِمٌ أَنْ يصَنِّف مِنْهُ عَشْرَة كُتُبْ، كُلُّ كِتَابٍ مِنْهَا يَحْتوِي عَلَى عِلْمٍ مفرَد مستقصَىً لفعل. وَتَمَّ مِنْ كُتُبِهِ كِتَاب (التَّارِيْخ) إِلَى عصره، وَتمَّ أَيْضاً كِتَاب (تَارِيْخ الرِّجَال) مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْن َ، وَإِلَى شُيُوْخه الَّذِيْنَ لَقِيَهُم، وَتمَّ لَهُ كِتَاب (لطيف القَوْل فِي أَحْكَام شرَائِع الإِسْلاَم) وَهُوَ مَذْهَبُهُ الَّذِي اختَاره، وَجَوَّدَهُ، وَاحتجَّ لَهُ، وَهُوَ ثَلاَثَةٌ وَثَمَانُوْنَ كِتَاباً، وَتمَّ لَهُ كِتَاب (القرَاءات وَالتنَزِيْل وَالعدد) ، وَتمَّ لَهُ كِتَاب (اخْتِلاَف عُلَمَاء الأَمصَار) ، وَتم لَهُ كِتَاب (الخَفِيْف فِي أَحْكَام شرَائِع الإِسْلاَم) وَهُوَ مُخْتَصَر لطيف، وَتمَّ لَهُ كِتَاب (التبصير) وَهُوَ رسَالَةٌ إِلَى أَهْل طَبَرِسْتَان، يشرحُ فِيْهَا مَا تقلَّده مِنْ أُصُوْل الدِّيْنِ، وَابتدأَ بِتَصْنِيف كِتَاب (تَهْذِيْب الآثَار) وَهُوَ مِنْ عجَائِب كتبه، ابْتِدَاء بِمَا أَسنده الصِّدِّيقُ مِمَّا صَحَّ عِنْدَهُ سَنَدُهُ، وَتكلَّم عَلَى كُلِّ حَدِيْثٍ مِنْهُ بِعِلَلِهِ وَطُرُقه، ثُمَّ فِقْهه، وَاخْتِلاَف العُلَمَاء وَحججهُم، وَمَا فِيْهِ مِنَ المَعَانِي وَالغَريب، وَالرَّدّ عَلَى المُلْحِدين، فَتَمَّ مِنْهُ مسندُ العشرَةِ وَأَهْل البَيْت وَالموَالِي، وَبَعْض (مُسْند ابْن عَبَّاسٍ) ، فَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِه.
    وَكَانَ مِمَّنْ لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لومَةُ لاَئِم مَعَ عَظِيْم مَا يلحَقُه مِنَ الأَذَى وَالشَّنَاعَات، مِنْ جَاهِل، وَحَاسد، وَمُلحد، فَأَمَّا أَهْلُ الدِّين وَالعِلْم، فغيرُ منكرينَ علمَه، وَزهدَه فِي الدُّنْيَا، وَرفضَهُ لَهَا، وَقنَاعته - رَحِمَهُ اللهُ - بِمَا كَانَ يردُ عَلَيْهِ مِنْ حصَّةٍ مِنْ ضَيعَةٍ خلَّفهَا لَهُ أَبُوْهُ بطَبَرِسْتَان يَسِيْرَة.
    وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: اسْتخرتُ اللهَ وَسأَلتهُ العُوْنَ عَلَى مَا نويتُهُ مِنْ تصنيفِ التَّفْسِيْر قَبْلَ أَنْ أَعْمَلَهُ ثَلاَث سِنِيْنَ، فَأَعَاننِي.
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: أَرْبَعَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ بَقَاءهُم: أَبُو جَعْفَرٍ بنُ جَرِيْرٍ، وَالبَرْبَرِي، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالمَعْمَرِيّ، فَمَا رَأَيْتُ أَفهَمَ مِنْهُم وَلاَ أَحْفَظ.
    قَالَ الفَرغَانِي: وَحَدَّثَنِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْز: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ: أَظهرتُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيّ، وَاقتديتُ بِهِ بِبَغْدَادَ عشرَ سِنِيْنَ، وَتلقَّاهُ مِنِّي ابْنُ بَشَّار الأَحْوَل أُسْتَاذ ابْنِ سُرَيْج. قَالَ هَارُوْنُ: فَلَمَّا اتَّسَعَ علمُه أَدَّاهُ اجْتِهَادُه وَبحثُه إِلَى مَا اختَارَهُ فِي كُتُبِهِ.
    قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الفَرْغَانِي: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيّ ، قَالَ: لَمَّا كَانَ وَقتُ صَلاَة الظُّهر مَنْ يَوْم الاثْنَيْنِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ - فِي آخِره - ابْنُ جَرِيْرٍ طلبَ مَاءً لِيُجَدِّدَ وُضوءهُ، فَقِيْلَ لَهُ: تُؤخِّر الظُّهر تجمع بينهَا وَبَيْنَ العَصْر. فَأَبَى وَصَلَّى الظُّهر مفردَة، وَالعصرَ فِي وَقتهَا أَتمَّ صَلاَة وَأَحسَنَهَا. وحضرَ وَقتَ مَوْتِه جَمَاعَةٌ مِنْهُم: أَبُو بَكْرٍ بنُ كَامِلٍ فَقِيْلَ لَهُ قَبْلَ خُرُوْج روحه: يَا أَبَا جَعْفَرٍ! أَنْتَ الحجَّة فِيْمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الله فِيْمَا نَدِينُ بِهِ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ توصينَا بِهِ مِنْ أَمر دِيْنِنَا، وَبيِّنَةٍ لَنَا نَرْجُو بِهَا السَّلاَمَة فِي مَعَادِنَا؟ فَقَالَ: الَّذِي أَدينُ اللهَ بِهِ وَأَوصِيْكُم هُوَ مَا ثَبَّتُّ فِي كُتُبِي، فَاعمَلُوا بِهِ وَعَلَيْهِ. وَكَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ، وَأَكْثَرَ مِنَ التشهّد وَذَكَرَ الله - عَزَّ وَجَلَّ - وَمسحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَغَمَّضَ بصَرَهُ بِيَدِهِ، وَبَسَطَهَا وَقَدْ فَارقَتْ روحُهُ الدُّنْيَا.
    قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: تُوُفِّيَ ابْنُ جَرِيْرٍ عَشِيَّة الأَحَدِ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ شَوَّال سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي دَارهِ بِرَحْبَةِ يَعْقُوْب - يَعْنِي: بِبَغْدَادَ -. وَلَمْ يُغَيِّر شَيْبَه، وَكَانَ السَّوَادُ فِيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ أَسمر إِلَى الأُدْمَةِ، أَعْيَنَ، نَحِيْفَ الجِسْمِ، طَوِيْلاً، فَصِيْحاً، وَشَيَّعَهُ مَنْ لاَ يُحْصِيْهُم إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، وَصُلِّيَ عَلَى قَبْره عِدَّة شهورٍ ليلاً وَنهَاراً إِلَى أَنْ قَالَ: وَرثَاهُ خلقٌ مِنَ الأَدباء وَأَهْل الدِّين.
    وَهَذَا (تَفْسِيْرُ) هَذَا الإِمَام مشحونٌ فِي آيَات الصِّفَاتِ بِأَقوَالِ السَّلَفِ عَلَى الإِثْبَات لَهَا، لاَ عَلَى النَّفِي وَالتَّأْوِيْل، وَأَنَّهَا لاَ تُشْبِهُ صِفَاتِ المَخْلُوْقينَ أَبَداً.
    .......................يتب
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الثانية: الغاية من التأليف
    لقد ذكرَ ابنُ حزمٍ ومِن بَعدِهِ ابنُ خُلدون سبعَ غاياتٍ ومقاصدَ للتأليفِ، كانَ مِنْهَا الاختصارُ لشيءٍ طويلٍ دونَ أنْ يخلَّ بشيءٍ مِنْ معانِيهِ..
    وَسَأقتصِرُ بِذِكْرِ كلامِ الأوَّلِ دونَ كلامِ الثَّاني ؛ لإجمالِه مع تحقيق الغرضِ منه، وأنَّ الثاني قد فصَّل وبيَّن ما أجملَه الأوَّلُ..
    إلَّا أنَّنِي سآتي بكلامِ الثاني في ما يَتَعلَّقً بالاختصارِ لأهميَّتِه في مَا يتعلَّق بموضُوعِنَا..
    فقال: وَإنَّما ذكَرْنَا التَّآليفَ المستحقَّةِ للذِّكرِ، والَّتِي تَدْخُلُ تَحْتَ الأقسامِ السَّبعةِ التي لا يُؤَلِّفُ عاقلٌ إلَّا في أحدِهَا، وهي:
    إما شيء لم يُسبق إليه يَخترعه..
    أو شيء ناقصٌ يُتِمَّه..
    أو شيء مُسْتَغْلِقٌ يَشْرَحُهُ..
    أو شيءٌ طويلٌ يختَصِرُه دونَ أنْ يُخِلَّ بشيءٍ من مَعَانِيِه..
    أو شيء متفرق يجمعه..
    أو شيء مختلِطٌ يرتبه..
    أو شيء أخطأ فيه مؤلفه يصلحه. اهـ
    وقال ابنُ خلدون مفصِّلاً غرضَ التأليفِ من أجلِ الاختصار:
    إنَّ الناس حصروا مقاصدَ التأليف التي ينبغي اعتمادُها وإلغاءُ ما سواها، فعدُّوها سبعةً:...
    وسابعها: أن يكون الشيء من التآليف التي هي أمهاتٌ للفنون مطوَّلاً مسهباً فيُقصَدُ بالتأليفِ تلخيصُ ذلك بالاختصارِ والإيجازِ وحذفِ المتكَرِر إن وقع، مع الحذَرِ من حذفِ الضروري؛ لِئَلا يخل بمقصد المؤلِّف الأوَّل. اهـ
    ومن ذلك نعلم:
    بأنَّ الاختصارَ هو نوعٌ من أنواعِ التأليفِ السَّبعةِ، وغايةٌ من غاياتِه، وأنَّ المختَصِرَ مؤلِّفٌ، وأنَّ الاختصارَ له تعريفٌ وضوابطٌ وشروطٌ.
    ......................يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الثالثة: تعريفُ الاختصارِ والمرادُ بِه
    الاختصار: هو ما قلَّ لفظه وكثر معناه.. أو هو تجريد اللفظ اليسير من اللفظ الكثير مع بقاء المعنى.
    والتفسير المختصَر: هو بيان معاني القرآن الكريم بعبارة وجيزة، وألفاظ قليلة.
    ومن ذلك نعلم بأنَّ الاختصارَ لابدَّ فيه من شيئين:
    الأول: هو تقليل الألفاظ، أو المباحث، والمسائل.
    الثاني: مراعاة المعنى الأساسي واستيفاؤه عند الاختصار.
    وهاذين الأمرين ينبغي أن يكونا أمام عين المختصِر لأي كتاب، وهو ما اجتهدت فيه أثناء عملي في هذا المؤلَّف..
    وقد اشْتُهِرَ أحدُ المختصراتِ لتفسير الطبري في وقت من الأوقات، نبَّه العلماءُ على أنَّ فيه خللٌ كبيرٌ، لا يخرج هذا الخلل عن عدم تحقيق هاذين الشرطين، بالإضافة إلى تحريف النص إلى غير ما أراده المصنف، وغير ذلك مما سيأتي الحديث عنه أكثر إن شاء الله تعالى.
    ..............يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الرابعة: الفرق بين الاختصار والتلخيص
    يأتي التلخيص بمعنى الاختصار، بل إنَّه لا يكاد يوجد في مصنفات المتأخرين إلا بهذا المعنى، مع ملاحظة قلة استخدامهم التعبير بالتلخيص، حيث أن أكثر ما يستعملون هو مصطلح الاختصار..
    ومثال ذلك في كتب السابقين: «تلخيص صحيح مسلم»، لأحمد بن عمر القرطبي، صحاب «المفهم في شرح صحيح مسلم».
    وقد أتي في كتب السابقين بمعنى آخر وهو الشرح والبيان والبسط، وقد جمع بين المعنيين الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير»، حيث أنه مختصر من كتاب «البدر المنير» لشيخه ابن الملقن، حيث اختصره في ثلث حجمه، ومع ذلك فهو قد حوى أيضاً شرحاً وتفصيلاً وفوائد كثيرة.
    إلا أنَّ الأشهر والأكثر على أن التلخيص بمعنى الاختصار.
    ...............يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    السادسة: الفرق بين الاختصار وتفسير كلمات القرآن
    تفسير كلمات القرآن، وإن كانَ جزءاً من تفسيره، إلا أنَّ فيه نقصاً؛ لِأنه لا يشمل بيان ما يحتاج إلى بيان، من تراكيبه وجمله..
    وتفسير القرآن -وإن كان مختصراً- لابد أن يشمل على بيان معاني الألفاظ والتراكيب..
    وعليه: فإن هذا النوع من المؤلفات لا ينطبق عليها معنى التفاسير المختصرة، وربما كانت أكثر شبهاً بكتب «غريب القرآن»..
    ومن هذه الكتب التي تُحسب على أنها مختصرٌ لتفسير الطبري، «مختصر من تفسير الإمام الطبري» لمحمد بن صمادح التجيبي (ت419هـ)، وهو أقرب إلى بيان بعض المفردات وغريب القرآن عن كونه مختصراً لتفسير الطبري، وسيأتي الكلام عنه بالتفصيل إن شاء الله.
    ...........يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    السابعة: الفرق بين الاختصار والانتقاء
    الانتقاء هو اختيار أجود مادة الكتاب، وذلك من أغراض الاختصار، ولذلك فإني وجدت بعض السابقين يجعلونهما بمعنى واحد..
    ومن أمثلة هؤلاء الإمام الذهبي في كتاب «المنتقى من منهاج الاعتدال» وهو انتقاء من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية «منهاج السنة»، يقول الذهبي: فَهَذِهِ فَوَائِد ونفائس اخترتها من كتاب منهاج الاعتدال فِي نقض كَلَام أهل الرَّفْض والاعتزال تأليف شَيخنَا الإِمَام الْعَالم أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى.اهـ
    وقد اجتهدتُ بالسير على منهج في هذا الاختصار يجعله منتقى، أسأل الله أن أكون قد وُفِقْتُ لذلك..
    ..........يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الثامنة: صور الاختصار وأشكاله
    صور الاختصار في التفسير على نوعين:
    الأول: التفاسير المختصرة من غيرها، بأن يعمد العالم أو المؤلف إلى كتاب مطوَّل في فن من الفنون، فيقوم باختصاره بأن يحذف المكرر منه، أو ما يرى أنه لا فائدة منه كبيرة، ويقلل مادته، وقد يُصلِح ما يرى أنه يتعين إصلاحه وتغييره، وهذا هو الغالب من صور الاختصار في كتب التفسير، وهذا المختصر الذي بين أيدينا من ذلك.
    الثاني: التفاسير المختصرة ابتداءً، وقد يكون الاختصار لا علاقة له بكتاب آخر، وإنما ألفه مصنفه ابتداءً، وهذا الشكل من أشكال الاختصار يختلف باختلاف الهدف من تصنيفه، ومن أمثلة هذا النوع كتاب الوجيز للواحدي، وتفسير الجلالين، والمنتخب..
    بل ويدخل في ذلك كتاب تفسير الطبري نفسه، أصل هذا المختصر الذي بين أيدينا ، فقد عمد مصنفه إلى وضعه مختصراً مما هو عنده من الآثار والأسانيد، مقتصراً على بعضها، ومع ذلك وقع في هذا الحجم الكبير..
    فقد قال الطبري لأَصْحَابِهِ: هَلْ تَنْشَطُوْنَ لتَارِيْخِ العَالَمْ مِنْ آدم إِلَى وَقْتِنَا؟ قَالُوا: كم قدرُه؟ فَذكر نَحْو ثَلاَثِيْنَ أَلفِ وَرقَة، فَقَالُوا: هَذَا مِمَّا تَفْنَى الأَعْمَارُ قَبْل تمَامِه! فَقَالَ: إِنَّا للهِ! مَاتَتِ الهِمَم. فَاختصرَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ ثَلاَثَةِ آلاَفِ وَرقَة، وَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يُمْلِي التَّفْسِيْرَ قَالَ لَهُم نَحْواً مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَملاَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ قدر (التَّارِيْخ). اهـ
    ومثل هذا الاختصار الذي فعله الطبري، فعله البخاري، ومسلم وغيرهم، ومع ذلك فقد جاء من بعدهم واختصروا صحيح البخاري، ومسلم، وغيرهما..
    وهذا فيه رد على من أنكر فكرة اختصار تفسير الطبري، لأنه أصلاً وضعه على الاختصار..
    ويرد على هذا الزعم أيضاً بما قاله أَبُو مُحَمَّدٍ الفَرْغَانِي: تَمَّ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ كِتَابُ (التَّفْسِيْر) الَّذِي لَوِ ادَّعَى عَالِمٌ أَنْ يصَنِّف مِنْهُ عَشْرَة كُتُبْ، كُلُّ كِتَابٍ مِنْهَا يَحْتوِي عَلَى عِلْمٍ مُفرَدٍ مستقصَىً لفعل.اهـ
    ................يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    التاسعة: أقوال العلماء في الاختصار بين المجيز، والمانع، والراجح في ذلك
    اختلف آراءُ العلماء والمصنفين في الاختصار بين مؤيد ورافض..
    فذهب الأكثرون إلى جواز الاختصار..
    ويظهر ذلك في كثرة المختصرات المصنفة في شتى العلوم والمعارف على مر العصور، بل إن بعض مشاهير المصنفين له ولع كبير بالاختصار:
    كابن منظور صاحب «لسان العرب» فقد ذُكر في ترجمته أن الكتب التي علقها بخطه من مختصراته خمسمائة مجلد، فلا يُعرف كتاب مطوَّل في الأدب وغيره إلا وقد اختصره.
    ومن المكثرين من ذلك في هذا الباب الإمام الحافظ الذهبي، حيث اختصر أكثر من خمسين كتاباً معظمها من الكتب المهمة المشهورة.
    وقد تقدم معنا قول ابن حزم وابن خلدون، اللَّذَين تحدثا عن مقاصد التأليف التي لا يؤلف عاقل إلا فيها، عَدُّوا الاختصار أحد هذه المقاصد، مع اشتراطهم ألا يخل بمقصد المؤلف الأول..
    ولا شك أن هذا القول لا يدعو أبداً إلى ترك ابتداء التأليف، بل هو مقصد من المقاصد كما تقدم.
    أما المانعون من الاختصار:
    فإن بعضهم يرى أن الاختصار هو اعتداء على الكتاب الأصلي وتشويه لجماله، وَكأنَّ المختَصِر سيذهب إلى كل نسخة من الكتاب الأصل، فيختصرها في نفسها وفي نفس أوراقها، ثم يمزق باقي الكتاب، أو يحرقها، كما فعل عثمان رضي الله عنه في المصاحف، وجمعَ الناسَ على مصحف واحد، فاندثرت تلك المصاحف، ولم يبق إلا مصحف عثمان رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين، وممن يرى ذلك الجاحظ، وياقوت الحموي.
    وبعض المانعين للاختصار يعتبر الاختصار دليلاً على جمود الفكر والتخلف وانعدام الإبداع، فحينما عجز هؤلاء المختصرون عن التجديد والابتكار والاستنباط توجهوا إلى كتب من سبقهم، وأخذوا يختصرونها، وكأن المختصر ليس له ما كتبه ابتداءً، أو أن الاختصار ليس مقصداً من مقاصد التأليف لدى العقلاء كما تقدَّم من كلام ابن حزم، وابن خلدون..
    وبعض المانعين وجَّهُوا انتقادهم إلى ظاهرة المتون، كاختصار المطولات، ثم جاء من بعدهم فوضع على المتون الحواشي، ثم يأتي من يشرح الحواشي، وهذا كله بسبب استغلاق المتن على المبتدئين، وهذا ليس له علاقة بموضوع اختصار التفسير، فليس لي حاجة لمناقشته هنا، إلا أني أقول: إن بعض هؤلاء استدل بكلام ابن خلدون في ذم المختصرات، وهو نفسه الذي جعل المختصرات مقصداً وغايةً من غايات التأليف، وإنما قصد ابن خلدون بذم المختصرات كثرتها بحيث يكون إليها المنتهى، والانصراف عن تفاصيل المسائل، والاستغناء بالمختصرات عنها، وكذلك يقصد ما فيها من استغلاق يشغل طالب العلم بتتبع ألفاظها وغرائبها العويصة فتتزاحم المعاني عليه..
    ويذهب بعض الباحثين إلى منع الاختصار الذي انتشر في العصر الحديث، ولا يشمل ذلك المختصرات القديمة التي قام بها علماء أحسنوا في الاختصار، وأنه لا يوجد في المعاصرين من يملك المؤهلات التي كان يتمتع بها هؤلاء، ومثل هؤلاء الباحثين المانعين كمثل من منع الاجتهاد بسبب فوضى الفتوى، فبدلاً من أن يضبط شروط المفتي منعه من الاجتهاد، فضيَّق الواسع من أجل الفوضى المتسعة لأهل هذا الزمان..
    والأولى بالصواب هو أن الاختصار مشروع بشروط وضوابط.
    .............يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    العاشرة: شروط الاختصار وضوابطه
    هذه الشروط والضوابط لابد منها؛ كي تتحقق السلامة من الخلل قدر الإمكان، وكلما تحققت تلك الشروط والضوابط كان الاختصار أقرب إلى الاتقان والجودة، وكان القبول من حظه ونصيبة..
    وأهم هذه الشروط والضوابط :
    1- الإخلاص، ومما احتسبتُه في هذا المختصر أن أُذيب هذا الحاجز الذي بين طلبة العلم وبين هذا التفسير الموسوعي الضخم، فيفتح الله بسببه كنوز هذا الكتاب، فيكون لي أجرهم يوم القيامة.
    2- الأمانة العلمية، فلا ينسب قولاً لغير قائله، ولا يُحرِّف كلامَ المصنف أو يُقوِّله ما لم يقله، ولا يحمل النص ما لا يحتمل، وأن ينسب الكتاب الأصل إلى مصنفه.
    3- الكفاءة في المختصِر، فيعرض عملَه على أهل العلم لينصحوه ويقوموه، حتى يكون أهلاً لذلك.
    4- حسن اختيار الكتاب الذي سوف يختصره، فيقصد إلى الكتب المهمة التي تعظم الفائدة باختصارها، فليس كل كتاب جدير بالاختصار.
    5- أن يحدد المختصِر ضوابط عمله وطريقته في الاختصار، ويوضح ذلك في مقدمة كتابة، حتى يمكن الحكم على عمله وتقييمه، وقد أفردت مسألة خاصة في هذه المقدمة لبيان منهجي في هذا المختصر.
    6- الإلمام بمسائل الكتاب الأصل وأفكاره الأساسية، وطريقة مؤلفه، ومنهجه، وأذكر هنا أنني كنتُ أقرأ تفسير الآية الواحدة أكثر من عشرين مرة أحياناً قبل أن أختصره، وهذا بعد أن جردتُ قراءة الكتابَ كلَّه قبل ذلكَ أثناء تخريجي له.
    7- حذف الانحرافات الموجودة في الكتاب الأصل أو التنبيه عليها إن وجدت.
    8- إيضاح المشكل وإزالة الإبهام إن وُجِد.
    9- عدم تغيير ترتيب الكتاب المختصَر وسياقة دون حاجة لذلك.
    10- الاجتهاد في تكميل النقص الذي قد يكون موجوداً في أصل الكتاب، مع الإشارة إلى ذلك التكميل والزيادة.
    11- البعد عن تنقص مصنف الكتاب المختصَر، أو الاستخفاف به أو بمنهجه الذي سلكه في تصنيف كتابه.
    12- الحذر من المبالغة في الاختصار، حتى لا يقود ذلك إلى الغموض وعدم فهم المقصود، ونفور الناس من ذلك المختصَر.
    ...................يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الحادية عشر: أسباب الاختصار
    هناك أسباب عامة ذات طابع شمولي يصح اعتبار كثير من المختصرات داخل ضمن دائرتها، وهناك أساب خاصة تتعلق بكل مختصر بذاته..
    أما الأسباب العامة للاختصار:
    1- ميل أكثر النفوس إلى الإيجاز والاختصار.
    2- اختلاف العصور وما يناسب كل عصر.
    وأما الأسباب الخاصة بكتاب تفسير الطبري:
    1- طول الكتاب جداً؛ لأنه موسوعة في علوم القرآن، ومعاني القرآن وبيانها ما هو إلا جزء من هذه الموسوعة، تحتاج إلى استخراج، ولذلك قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الفَرْغَانِي: تَمَّ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ كِتَاب (التَّفْسِيْر) الَّذِي لَوِ ادَّعَى عَالِمٌ أَنْ يصَنِّف مِنْهُ عَشْرَة كُتُبْ، كُلُّ كِتَابٍ مِنْهَا يَحْتوِي عَلَى عِلْمٍ مفرَد مستقصَىً لفعل.
    2- لقد اشتمل تفسير الطبري على عدد ضخم من الآثار الصحيحة والضعيفة والمكررة، ولم يميِّز بين ذلك كله، ولقد منَّ الله عليَّ بتخريج كل آثاره في طبعة دار الحديث بالقاهرة، والتي بلغت (38499) أثراً، وحكمتُ عليها صحةً وضعفاً، وكان ذلك تمهيداً لهذا الاختصار بحسب المنهج الذي سيأتي ذكره.
    3- اشتمل تفسير الطبري على خلاف أهل التأويل، واللغة، والقراءات، وغيرها من علوم القرآن، مما أثقله على كثير من طلبة العلم، وانصرافهم عنه، فضلاً عن غيرهم من المسلمين، مما تسبب في حرمانهم من كنوز هذا التفسير، فاحتيج إلى عرضه بدون خلاف بحسب منهجية علمية سيأتي ذكرها.
    4- أردتُ أن يكون هناك مدخل لقراءة تفسير الطبري الأصل، فجاء هذا المختصَر من موسوعة تفسير الطبري وبألفاظه السهلة، يستطيع عوام الناس فهمَه، فيزوب بقراءته الحاجزُ الذي بينهم وبينه.
    5- النقص والنقد الشديد الذي اعترى مختصرات تفسير الطبري على قلتها، كما سيأتي الحديثُ عنها.
    .........يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الثانية عشر: أنواع الاختصار
    الاختصار من المطولات على ثلاثة أنواع:
    الأول: اختصارٌ يجمعه المؤلف من عدة كتب، يقوم المصنف بالأخذ عن كل واحد في الجانب الذي أحسن فيه، ومثال ذلك تفسير البيضاوي.
    الثاني: اختصار كتاب معين، وهو على ضربين:
    1- أن يضيف المختصِر بعض المسائل والفوائد.
    2- ألا يتجاوز الكتاب المختصِر الأصلَ إلى غيره، فلا يضيف شيئاً من غير هذا الكتاب، وهذا ما فعلته هنا؛ فإن الهدف من هذا الاختصار هو استخراج فوائد تفسير الطبري، وفيها الكفاية.
    الثالث: ما يكون من باب الانتقاء والاختيار لمسائل معينة من كتاب، فيفردها بالتصنيف، مثال ذلك «مختصر ابن صمادح التجيبي» من تفسير الطبري، حيث اقتصر على معاني بعض الألفاظ الغريبة، وَسيأتي الحديث عنه إن شاء الله.
    ............يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الثالثة عشر: أصناف المختصرين
    فقد يكون المختصِر هو المؤلف نفسه، كما هو حال المهدوي الذي اختصر كتابه في التفسير «التفصيل الجامع لعلوم التنزيل» وسماه «التحصيل من التفصيل»، ومن أشهر الكتب في هذا الباب «الدر المنثور»، فقد اختصره السيوطي من كتابه الضخم «ترجمان القرآن»، وهذا النوع من المختصرات هو أفضل الأنواع وأجودها؛ لأن المؤلف هو أعلم بمقاصده، وبمواطن القوة والضعف فيه.
    وقد يكون تلميذ المؤلف، أو أحد معاصريه، وهو في المرتبة التالية للذي قبله من حيث الإتقان، والجودة ومقاربة الأصل، مثال ذلك «مدار التنزيل وحقائق التأويل» للإمام النسفي، اختصره من تفسير معاصرة الإمام البيضاوي، ومن تفسير الزمخشري، وكذلك «الدر اللقيط» لتاج الدين أحمد بن عبد القادر الحنفي، اختصره من كتاب «البحر المحيط» لشيخه أبي حيان الأندلسي.
    وقد يكون المختصِر متأخراً عن زمن المؤلف، مقارباً لزمنه، مثال ذلك: تفسير هود بن محكم الهواري، اختصره من تفسير يحيى بن سلام، وكذلك تفسير الإمام البغوي، اختصره من تفسير الإمام الثعالبي.
    وقد يكون المختصِرُ متأخراً عن زمن المؤلف كثيراً، كحالي في هذا التفسير، وحال أغلب المختصرات في هذا العصر، وهي في المجموع أقلها جودة، بل أكثرها ليس بجيد، بل يُحذَّر منه، وما ذلك إلا أثر من آثار انحراف هذا الأمة، واعتلالها، وغيبوبتها التي طالت، واسأل الله أن يكون هذا المختصر لحظة من لحظات إفاقة هذه الأمة من غيبوبتها.
    ........يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الرابعة عشر: فوائد الاختصار
    لا شك أن للاختصار فوائدَ كثيرةً، إذا أُحْسِنَتْ عمليَّةُ الاختصار، وتوفَّرت الشروط والضوابط في القائم بالاختصار، وفي الكتاب المختصَر..
    ومن الفوائد التي يمكن إيرادُها لاختصار تفسير الطبري غيرِ ما تقدَّم ما يلي:
    1- الإبقاءُ على الأهم، نعم كل ما في تفسير الطبري مهم، ولكن كان للطبري هدف وغاية من هذا السِفْر العظيم، حاولت أن أتتبعه وأزيلَ ما يَخفيِه وسطَ باقي العلوم في هذه الموسوعة، وكان هدف الطبري وغايته في هذا الكتاب هو بيان المعاني لهذا القرآن وتفسيره، دون باقي علوم القرآن، وأنه ما أدخل باقي هذه العلوم إلا لخدمة هذا الهدف، وهذا يظهر جليَّاً في تسمية الكتاب «جامع البيان عن تأويل آي القرآن»، ولقد عبَّر الإمام الطبري عن هذا الهدف في أكثر من موطن..
    فقال: الَّذِي قَصَدْنَا لَهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا، الْبَيَانُ عَنْ وجُوهِ تَأْوِيلِ آيِ الْقُرْآنِ، دُونَ وجُوهِ قِرَاءَتِهَا. اهـ
    وقال: وَإِنْ كَانَ قَصْدُنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْكَشْفَ عَنْ تَأْوِيلِ آيِ الْقُرْآنِ، لِمَا فِي اخْتِلَافِ وُجُوهِ إِعْرَابِ ذَلِكَ مِنَ اخْتِلَافِ وُجُوهِ تَأْوِيلِهِ، فَاضْطَرَّتْنَا الْحَاجَةُ إِلَى كَشْفِ وُجُوهِ إِعْرَابِهِ، لِتَنْكَشِفَ لِطَالِبِ تَأْوِيلِهِ وُجُوهُ تَأْوِيلِهِ عَلَى قَدْرِ اخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي تَأْوِيلِهِ وَقِرَاءَتِهِ. اهـ
    وقال: وَأَمَّا مَا يُلْزِمُ بِالْخَطَأِ قَاتِلَهُ، فَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِيهِ فِي كِتَابِنَا «كِتَابٌ لَطِيفُ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ الشَّرَائِعِ» بِمَا أَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَلَيْسَ هَذَا الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ ذِكْرِهِ، لِأَنَّ قَصْدَنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْإِبَانَةُ عَنْ تَأْوِيلِ التَّنْزِيلِ، وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ لِلْخَطَإِ ذِكْرٌ فَنَذْكُرُ أَحْكَامَهُ. اهـ
    وقال: وَلِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَسَائِلُ فِيهَا تَلْبِيسٌ كَرِهْنَا ذِكْرَهَا وَإِطَالَةَ الْكِتَابِ بِهَا وَبِالْجَوَابِ عَنْهَا، إِذْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا قَصْدَ الْكَشْفِ عَنْ تَمْوِيهَاتِهِم ْ، بَلْ قَصْدُنَا فِيهِ الْبَيَانُ عَنْ تَأْوِيلِ آيِ الْفُرْقَانِ. اهـ
    وقال: وَلَيْسَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ مَوَاضِعِ الْإِكْثَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الْمِيزَانَ الَّذِي وَصَفْنَا صِفَتَهُ، إِذْ كَانَ قَصْدُنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْبَيَانَ عَنْ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقَرَنَّا إِلَى مَا ذَكَرْنَا نَظَائِرَهُ، وَفِي الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ كِفَايَةٌ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ
    2- التنبيه على بعض المخالفات القليلة التي غرقت في بحر هذا التفسير، وقد نبه على بعضها أحد كبار العلماء في مقدمته لهذا المؤلَف، وسأفرد لها مشاركة بمفردها حين تمامها بإذن الله.
    3- حَذْفُ كلِّ الآثارِ الضَّعِيْفَةِ، والمكررة، والأقوال المرجوحة التي أنكرها الطبري رحمه الله تعالى.
    4- سبكُ عبارة الطبري كما هي مع جمل وكلمات الآيات، بطريقة السرد، مما يسهل وييسر على القارئ الفهم، ويقرب له المعنى، إن شاء الله.
    5- ذكر بعض الآثار الصحيحة غير المكررة منسوبة إلى صاحبها، ولم أحتج إلى تخريجها، فقد خرجتها في الأصل.
    6- تصغير حجم الكتاب وتقليله، فقد وقع هذا المختصر في ثلاثة مجلدات فقط، والأصل يقع في إحدى عشر مجلداً، غير مجلد للفهارس، يعني: أن هذا المختصر وقع في ربع الكتاب الأصل.
    7- المساعدة على نشر الكنوز التي في تفسير الطبري.
    8- أن يكون هذا المختصَر مستوى من مستويات التدرج في قراءة كتب التفسير، وخآصة تفسير الطبري نفسه.
    9- هذا المختصَر هو حفظٌ لأصل الكتاب، وليس هدراً له، فمن قرئه فإنما يقرأ جزءاً من الكتاب الأصل، بل هو أهم جزء في الكتاب الأصل.
    ..........يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الخامسة عشر: عيوب الاختصار وسلبياته
    الاختصار للكتب كما أنَّ له فوائد، كذلك له عيوب وسلبيات، حاولت قدر الوسع تجنبها في هذا المختصَر..
    فالاختصار قد يؤدي إلى تغييب الكتاب الأصل، وقد حاولت تجنب ذلك بخدمة الكتاب الأصل، فضلاً أنني على يقين بأنَّ هذا المختصَر لن يطفيء شمس الكتاب الأصل، بل أرجو من الله تعالى أن يكون سبباً في انتشاره أكثر مما هو عليه الآن.
    كذلك الاختصار في الآثار والأسانيد، قد يؤدي إلى دخول المعلول في الصحيح، لأنه صحيح عند المختصِر، وقد يكونُ ضَعيفاً عند غيره، وقد حاولت تجنبَ ذلك بأنني تشددت جداً في اختيار الآثار التي أذكرها بعد أن درستُها في الكتاب الأصل، وبهذا أكون قد قللتُ الاختلاف جداً الذي قد يقع بيني وبين غيري.
    ........يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    السادسة عشر: آثار الاختصار، ومنهجي في هذا المختصَر
    يختلف الأثر التفسيري للاختصار بحسب طريقة المختصِر ومنهجه، وقد كان لمنهجي في هذا المختصَر أثرٌ كبير في مادة تفسير الطبري، ولذلك كان لابد من توضيح ذلك المنهج بشيء من التفصيل، وهذا ما قد حان أوانه، فأقول مستعيناً بالله في نقاط محدده:
    المنهج العام في تأليف هذا المختصر
    كان المنهج العام في تأليف هذا المختصَر هو السرد، أو كما يسميه البعض طريقة تداخل الآيات في المعنى، وهذه الطريقة وإن كانت تصلح لاختصار تفسير الطبري، وكذلك تفسير ابن كثير، فهي لا تصلح لغيره، كالقرطبي والرازي مثلاً؛ وذلك لأنها لا تكون إلا مع بيان المعاني والألفاظ باختصار، ولا تصلح لسرد الأحكام والفوائد الكثيرة، كما هي طبيعة تفسير القرطبي والرازي..
    وطريقة السرد طريقة سهلة يسيرة جداً، انتفعت بها أثناء قراءتي لكثير من الكتب التي سَلَكَتْهَا، سواء كانت كتب في شرح المتون الفقهية، كالروض المربع على زاد المستقنع، أو شرح المتون الحديثية، كالقسطلاني في شرحه لصحيح البخاري، أو في التفسير، كالطبري نفسه رحمه الله..
    فطريقة السرد هي نفس الطريقة التي سلكها الطبري نفسه في جُلِّ تفسيره، حينما يورد كلامَه الذي يبين به المعنى قبل أن يسند الآثار التي تدل عليه، أو عباراته التي يرجح بها الخلاف الذي يحكيه عن أهل التأويل، أو علماء اللغة، أو القراءات...
    فإنني على منهج الطبري نفسه سرت، بل طريقته ساعدتني كثيراً، وكانت طريقة الطبري ملهمة لي لوضع هذا المنهج في الاختصار..
    إلا أنني أعدت سبك ذلك بطريقة تسهل على قراء اليوم، وكان ذلك من خلال تنسيق الفقرات أكثر، وترتيب العبارات، ووضع الجمل من الآيات قبل معناها المراد، دون تغيير كلام الطبري نهائياً..
    ولا شك أنَّني أحياناً أحتاج إلى تغيير علامة الإعراب من «ياء ونون» أو «واو ونون» أو غير ذلك مما يقتضي سبك العبارة..
    وفي كثير من الأحيان قد لا تنسبك عبارة التفسير تماماً مع جملة القرآن المفسَّرة، ومن ثمَّ قد لا تنسبك إطلاقاً من جهة الإعراب مع الجملة القرآنية المفسَّرة، وهذا لا أعلمه شرطاً في طريقة السرد هذه، ولا أعلم أحداً التزمَ بِها، بل لو أراد أحدٌ أن يفعل ذلك لأعجزه، ولن يستطيع؛ فإن تفسير كلام الله ليس جزءاً من كلام الله الموحى به حتى يكون كلا منهما منسبكاً مع الآخر تماماً بتمام من جهة الإعراب والمعنى.. وكذلك كل متن مع شرحه..
    ثم جعلت فاصلة النقطتين هذه (..) في نهاية تفسير كل جملة، وجعلت كل جملة في فقرة بمفردها، فإذا انتهت الآية كانت الفاصلة المنقوطة(.)..
    فإن كان هناك من فوائد زائدة على المعنى، جعلتُ قبلها كذلك فاصلة النقطتين هكذا (..).
    ولا أحكي ذكر خلاف في المعنى إلا ما كان فيه فائدة توثيق ما رجحه الطبري وصوَّبه؛ فبالضد تتبين الأشياء..
    وكذلك فإن طريقة الطبري في ذكر أدلة ما ذهب إليه ورجحه طريقة فذة ممتعة، وهي مع ذلك سهلة، فلا ينبغي أن أحرم نفسي وإخواني منها في هذا المختصر..
    ولا أحكي كذلك ذكر الخلاف في المعنى إن كان هذا الخلاف في معني الآية مما جعله الطبري تحتمله الآية مع ترجيح غيره عليه..
    أو كانت هذا المعاني مما احتملها الطبري كلَّها، وجعلها أقوالاً تعود كلها إلى المعنى اللغوي، وهي غير متعارضة، بل تتداخل كلها في أصل المعنى اللغوي عند العرب.
    وإن أشار الطبري إلى ان المعنى قد تقدم من قبل ولم يذكره:
    حذفت هذه الإشارة غالبا، واعتمدت على أن القاريء لن يصل إلى هذا الموطن المتأخر إلا وقد قرأ هذا الموطن المتقدم المشار إليه، وعرف المعنى لهذه الكلمة المكررة، ثم إنني لم أرد أن أثقل الكتاب بأي هامش نهائياً..
    ومع ذلك فإني أنبه القارئ هنا، أن الطبري لم يترك كلمة واحده في كتاب الله إلا وقد بيَّن معناها، فإن طريقة الطبري ليست الطريقة الإجمالية في التفسير، بل هي الطريقة التفصيلية، وهذا هو الغالب، والنادر لا حكم له، فإذا وجد القارئ في هذا المختصر آيةً لم تدخل تحت هذا العموم، فإما أن يكون من النادر الذي تركه الطبري، وإما أن يكون مما أشار إليه الطبري أنه تقدم وأنا حذفت إشارته، وليس لهما ثالث..
    وبإمكان القاريء أن يعود لما تقدم بسهولة، إذا كانت الكلمة قد تقدمت من قبل في القرآن قبل الموضع المتأخِر، وهذا يعرفه كثير من الناس..
    وأما إن كان القارئ لم يبلغ هذه المنزلة، فأسأله أن يسامحني على هذا التقصير الذي اقتضاه منهجي في الاختصار ألا يكون هناك أيُّ هامش نهائياً أشغل به القارئ وهو يستمتع بقراءة هذا المختصر، ولا شك أنه ما من منهج أو طريقة يخترعها البشر مهما كانت حسنة، إلا ولابد أن يعتريها بعض القصور، وكلما ذهب الإنسان ليصلحه فلابد أن يكون على حساب تقصير في شيء غيره، فلا يجد إلا أن يسلِّم ببعض التقصير الذي لابد منه على قلته، في مقابل الأحسن الذي لابد منه على كثرته، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا..
    ثم إن عليك أخي الحبيب أن تقرأ الكتاب أكثر من مرة، ويكون لك ورد فيه دائماً حتى تستقر المعاني القرآنية في قلبك، وحين ذلك لن تعاني من هذه المسألة..
    وهي على العموم نادرة جداً كما تقدَّم، فلا عليك..
    الفوائد العقدية
    لقد تعددت الفوائد في هذا التفسير، فهو كما سبق موسوعة، إلا أن الفوائد العقدية في هذا التفسير كانت بارزة، فما تجد آية إلا ويُبرز الطبري ما فيها مما ينبغي أن يعتقده المكلَّف، فهو تفسير عقدي من الدرجة الأولى، حتى أنه من الممكن أن تُجمع هذه الفوائد في رسالة بمفردها مصنفة على الأبواب، لعلَّ الله أن ييسر لها من يخرجها..
    وأنبه هنا أنني ما تركت فائدةً واحدةً من هذه الفوائد العقدية إلا وقد حرصت أن أذكرها في موطنها المشار إليه، دون أي تغير –كالعادة – في عبارة الطبري، فإن عبارته رحمه الله مختصرة، وواضحة، وقوية، ومفهومة، ولا تحتمل التأويل، وهذه الخصائص والميزات في كل عباراته، وليست في هذه الفوائد العقدية فقط، ولكن عندما اختلطت هذه الميزات بخصائص مسائل العقيدة التي تتسم كذلك بالوضوح والقوة وسهولة الفهم، لا يجد الإنسان نفسه إلا مشدوهاً مِمَّا يقرأ..
    واذكر هنا بعض النماذج الدالة على ذلك..
    النموذج الأول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وَمَنْ يَتَوَلَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى دُونَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، يَقُولُ: فَإِنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّى مُتَوَلٍّ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ بِهِ وَبِدِينِهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ رَاضٍ، وَإِذَا رَضِيَهُ وَرَضِيَ دِينَهُ فَقَدْ عَادَى مَا خَالَفَهُ وَسَخِطَهُ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، وَلِذَلِكَ حَكَمَ مَنْ حَكَمَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ بِأَحْكَامِ نَصَارَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِمُوَالَاتِهِم ْ إِيَّاهُمْ وَرِضَاهُمْ بِمِلَّتِهِمْ وَنُصرَتِهِمْ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَنْسَابُهُمْ لِأَنْسَابِهِمْ مُخَالِفَةً وَأَصْلُ دِينِهِمْ لِأَصْلِ دِينِهِمْ مُفَارِقًا.. وَفِي ذَلِكَ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُ، مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَدِينُ بِدِينٍ فَلَهُ حُكْمُ أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ، كَانَتْ دَيْنُونَتُهُ بِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا مِنْ أَهْلِ دِينِنَا انْتَقَلَ إِلَى مِلَّةٍ غَيْرِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَا دَانَ بِهِ فَانْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ يُقْتَلُ لِرِدَّتِهِ عَنِ الْإِسْلَامِ وَمُفَارَقَتِهِ دِينَ الْحَقِّ، إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ الْقَتْلِ إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ، وَفَسَادُ مَا خَالَفَهُ مِنْ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ لِمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِسْرَائِيلِيًّ ا أَوْ مُنْتَقِلًا إِلَى دِينِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ، فَأَمَّا مَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ بَعْدَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِمَّنْ خَالَفَ نَسَبُهُ نَسَبَهُمْ وَجِنْسُهُ جِنْسَهُمْ، فَإِنَّهُ حُكْمُهُ لِحُكْمِهِمْ مُخَالِفٌ.. اهـ
    النموذج الثاني: {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} بِقَوْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ.. وَالتَّبْدِيلُ الَّذِي سَأَلُوهُ فِيمَا ذُكِرَ، أَنْ يُحَوِّلَ آيَةَ الْوَعِيدِ آيَةَ وَعْدٍ، وَآيَةَ الْوَعْدِ وَعِيدًا، وَالْحَرَامَ حَلَالًا، وَالْحَلَالَ حَرَامًا، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَا يُرَدُّ حُكْمُهُ وَلَا يُتَعَقَّبُ قَضَاؤُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ رَسُولٌ مُبَلِّغٍ وَمَأْمُورٌ مُتَّبِعٌ.. اهـ
    النموذج الثالث: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}[البقرة:9] وَنَفْيُهُ عَنْهُمْ -جَلَّ ذِكْرُهُ- اسْمَ الْإِيمَانِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِم ْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ -جَلَّ وَعَزَّ- تَكْذِيبٌ لَهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوا عَنِ اعْتِقَادِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِقْرَارِ بِالْبَعْثِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الَّذِيَ يُبْدُونَهُ لَهُ بِأَفْوَاهِهِمْ خِلَافَ مَا فِي ضَمَائِرِ قُلُوبِهِمْ، وَضِدُّ مَا فِي عَزَائِمِ نُفُوسِهِمْ.. وَفِي هَذِهِ الْآيَةُ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى بُطُولِ مَا زَعَمَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَوْلِ دُونَ سَائِرِ الْمَعَانِي غَيْرِهِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عَنِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِم ْ: «آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ» ثُمَّ نَفَى عَنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، إِذْ كَانَ اعْتِقَادُهُمْ غَيْرَ مُصَدِّقٍ قِيلَهُمْ ذَلِكَ..اهـ
    النموذج الرابع: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} إِعْلَامًا مِنْهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ بِإِسَاءَتِهِمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فِي إِسْخَاطِهِمْ رَبَّهُمْ بِكُفْرِهِمْ وَشَكِّهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ غَيْرُ شَاعِرِينَ وَلَا دَارِينَ، وَلَكِنَّهُمْ عَلَى عَمْيَاءَ مِنْ أَمْرِهِمْ مُقِيمُونَ.. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: أَوَلَيْسَ الْمُنَافِقُونَ قَدْ خَدَعُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِم ْ مِنْ قِيلِ الْحَقِّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيِّهِم ْ، حَتَّى سَلِمَتْ لَهُمْ دُنْيَاهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَدْ كَانُوا مَخْدُوعِينَ فِي أَمْرِ آخِرَتِهِمْ؟قِيلَ: خَطَأٌ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ خَدَعُوا الْمُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْجَبْنَا لَهُمْ حَقِيقَةَ خَدْعَةٍ جَازَتْ لَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: خَادَعَ الْمُنَافِقُونَ رَبَّهُمْ وَالْمُؤْمِنِين ِ، وَلَمْ يَخْدَعُوهُمْ بَلْ خَدَعُوا أَنْفُسَهُمْ، كَمَا قَالَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- دُونَ غَيْرِهَا، نَظِيرَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَاتَلَ آخَرَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَقْتُلْ صَاحِبَهُ: قَاتَلَ فُلَانٌ فُلَانًا وَلَمْ يَقْتُلْ إِلَّا نَفْسَهُ، فَتُوجِبُ لَهُ مَقَاتَلَةَ صَاحِبِهِ، وَتَنْفِي عَنْهُ قَتْلَهُ صَاحِبَهُ، وَتُوجِبُ لَهُ قَتْلَ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ تَقُولُ: خَادَعَ الْمُنَافِقُ رَبَّهُ وَالْمُؤْمِنِين ِ، وَلَمْ يَخْدَعْ إِلَّا نَفْسَهُ، فَتُثْبِتْ مِنْهُ مُخَادَعَةَ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنِين ِ، وَتَنْفِي عَنْهُ أَنْ يَكُونَ خَدَعَ غَيْرَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْخَادِعَ هُوَ الَّذِي قَدْ صَحَّتْ لَهُ الْخَدِيعَةُ وَوَقَعَ مِنْهُ فِعْلُهَا، فَالْمُنَافِقُو نَ لَمْ يَخْدَعُوا غَيْرَ أَنْفُسِهِمْ، لِأَنَّ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ وَأَهْلٍ فَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ مَلَكُوهُ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ خِدَاعِهِمْ إِيَّاهُ عَنْهُ بِنِفَاقِهِمْ وَلَا قَبْلَهَا فَيَسْتَنْقِذُو هُ بِخِدَاعِهِمْ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا دَافَعُوا عَنْهُ بِكَذِبِهِمْ وَإِظْهَارِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِم ْ غَيْرَ الَّذِي فِي ضَمَائِرِهِمْ، وَيْحَكُمُ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَذَرَارِيِّهِم ْ فِي ظَاهِرِ أُمُورِهِمْ بِحُكْمِ مَا انْتَسَبُوا إِلَيْهِ مِنَ الْمِلَّةِ، وَاللَّهُ بِمَا يُخْفُونَ مِنْ أُمُورِهِمْ عَالِمٌ، وَإِنَّمَا الْخَادِعُ مَنْ خَتَلَ غَيْرَهُ عَنْ شَيْئِهِ، وَالْمَخْدُوعُ غَيْرُ عَالِمٍ بِمَوْضِعِ خَدِيعَةِ خَادِعِهِ، فَأَمَّا وَالْمُخَادَعُ عَارِفٌ بِخِدَاعِ صَاحِبِهِ إِيَّاهُ، وَغَيْرُ لَاحِقِهِ مِنْ خِدَاعِهِ إِيَّاهُ مَكْرُوهٌ، بَلْ إِنَّمَا يَتَجَافَى لِلظَّانِّ بِهِ أَنَّهُ لَهُ مُخَادِعٌ اسْتِدْرَاجًا، لِيَبْلُغَ غَايَةً يَتَكَامَلُ لَهُ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ لِلْعُقُوبَةِ، الَّتِي هُوَ بِهَا مُوْقِعٌ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِيَّاهَا، وَالْمُسْتَدْرَ جُ غَيْرُ عَالِمٍ بِحَالِ نَفْسِهِ عِنْدَ مُسْتَدْرِجِهِ، وَلَا عَارِفٍ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى ضَمِيرِهِ، وَأَنَّ إِمْهَالَ مُسْتَدْرِجِهِ إِيَّاهُ وتَرْكَهُ مُعَاجَلَةَ عقوبَتِهِ عَلَى جُرْمِهِ، لِيَبْلُغَ الْمُخَاتِلُ الْمُخَادِعُ مِنَ اسْتِحْقَاقِهِ عُقُوبَةَ مُسْتَدْرِجِهِ -بِكَثْرَةِ إِسَاءَتِهِ وَطُولِ عِصْيَانِهِ إِيَّاهُ، وَكَثْرَةِ صَفْحِ الْمُسْتَدْرِجِ وَطُولِ عَفْوِهِ عَنْهُ- أَقْصَى غَايَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ خَادِعٌ نَفْسَهُ لَا شَكَّ، دُونَ مَنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ أَنَّهُ لَهُ مُخَادِعٌ، وَلِذَلِكَ نَفَى اللَّهُ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- عَنِ الْمُنَافِقِ أَنْ يَكُونَ خَدَعَ غَيْرَ نَفْسِهِ.. اهـ
    النموذج الخامس: {وَمَا يَشْعُرُونَ}[البقرة:9] وَمَا يَدْرُونَ بِأَنَّ اللَّهَ خَادِعُهُمْ بِإِمْلَائِهِ لَهُمْ، وَاسْتِدْرَاجِه ِ إِيَّاهُمُ، الَّذِي هُوَ مِنَ اللَّهِ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- إِبْلَاغٌ إِلَيْهِمْ فِي الْحُجَّةِ وَالْمَعْذِرَةِ ، وَمِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ خَدِيعَةٌ، وَلَهَا فِي الْآجِلِ مَضَرَّةٌ؛ فإِنَّهُمْ ضَرُّوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا أَسَرُّوا مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ.. وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَوْضَحِ الدَّلِيلِ عَلَى تَكْذِيبِ اللَّهِ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- قَوْلَ الزَّاعِمِينَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا مَنْ كَفَرَ بِهِ عِنَادًا، بَعْدَ عِلْمِهِ بِوَحْدَانِيَّت ِهِ، وَبَعْدَ تَقَرُّرِ صِحَّةِ مَا عَانَدَ رَبَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- قَدْ أَخْبَرَ عَنِ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنَ النِّفَاقِ وَخِدَاعِهِمْ إِيَّاهُ وَالْمُؤْمِنِين َ أَنَّهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَاطِلِ مُقِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ بِخِدَاعِهِمْ الَّذِي يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ بِهِ يُخَادِعُونَ رَبَّهُمْ وَأَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ مَخْدُوعُونَ، ثُمَّ أَخْبَرَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- أَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا بِتَكْذِيبِهِمْ بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَهُ مِنْ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ وَاعْتِقَادِ الْكُفْرِ بِهِ، وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ مُصِرُّونَ. اهـ
    الشواهد القرآنية:
    اجتهدت ألا أترك شاهداً واحداً استدل به الطبري رحمه الله على معنى أراداه وقرره إلا ذكرته، ويدخل في ذلك الاستدلال بسياق الآيات.
    القراءات
    أما القراءات: فإن رجَّح الطبري ما يوافق رواية حفص فَبِها وَنِعْمَتْ..
    وإن رجَّح غيرَ قراءةِ حفصٍ عليها:
    - ذكرتُ كلامَه مع إشارة إلى ذلك من كلامِه أيضاً دون أيِّ تدخل مني، إلا ما كان من ترتيبٍ وتنسيقٍ وسبكِ الجُمَلِ والعِباراتِ، بما يتوافقُ مع مقصد ِالمصنِّف رحمه الله تعالى..
    - أو أنني لم أشر إلى كلامه مطلقاً -وهذا نادرٌ جداً- إذا كان يتعلق بالأعلام، وما شابهها، بما لا يترتب عليه أيُّ خلافٍ في المعنى أو الحُكْم بحسب كلام الطبري طبعاً، ومثال الأوَّل «ياجوج وماجوج» بدون همز ، ومثال الثاني قوله «وأرجلكم»[المائدة: 6].
    فإن لم يكن ترجيح بينهما، وكانت كلتا القراءتين صحيحتان عنده بأيهما قرأ القاريء فصواب:
    - فإما أن أكتفي بقراءة حفص مع الإشارة لغيرها، وذلك إن لم يشر الطبري لفائدة فيها.
    - وقد لا أذكر وجه الخلاف أصلاً ؛ لأن الطبري نفسه جعلهما متطابقتين في المعنى.
    - أو أذكرهما كما ذكرهما الطبري وكما وجههما، مع سلوك نفس المنهج العام للاختصار، بما لا يخل بمقصد المصنف في تفسيره، وخآصة إذا كانت لكلا القراءتين معنى خاص فيه فائدة لا يتعارض مع ما دلت علىه الأخرى، وهذا المسلك الأخير هو الغالب.
    الآثار
    قصدتُ منها الصحيحَ دون الضعيف، معتمداً على دراستي السابقة في تخريجي لكل آثار تفسير الطبري، ونشرته دار الحديث بالقاهرة في أحد عشر مجلداً، مع آخر للفهارس.
    ثم قصدتُ مِن الصحيحِ ما يُفَصِّلُ كلامَ الطبري ويوضِّحَه ويُبَيْنَه، دون ما يكون لفظُه بنحوه أو بِمثله من لفظ الطبري..
    ثم اخترت مِن ذلكَ بعضَه إنْ كانَ مكرراً..
    ثم حذفتُ سَنَدَه كلَّه إلا رأْسَه وصاحبَه..
    ثم أدخلتُه في سَبِيْكَةِ المُخْتَصَر..
    ويَدْخُلُ فِي هِذِه الآثَارِ المختارةِ مَا اكْتَفَى بِها الطَّبَري عَلى بَيانِ المَعْنى دَوْنَ تَعْليقٍ مِنْه رحمه الله، وَقَدْ يَكُوْنُ في هذا الأخيرِ مَا ضَعُفَ سَنَدُهَ، إِلَّا أَنَّهُ هُوَ قولُ الطبري نفسُه وَلَكِن سَاقَه بِسَنَدِه عَن غَيْرِهِ.
    المسائل النحوية واللغوية:
    ذكرت منه كلَّ ما يُفِيدُ المعنى وضوحاً، ونادراً ما أحذف شيئاً من ذلك، بعد تعديل ما يلزم التعديل بحسب منهج الاختصار العام.
    الاستدلالات بالشواهد الشعرية:
    حذفت ذلك كله، ولم أذكر منه شيئاً؛ فهي الأدلة على المعاني، فاكتفيت بالمقصود وهو المعنى دون أدلته من هذه الشواهد الشعرية المفيدة، ولم أجد الشواهد الشعرية تتناسب مع هذا المختصَر بوجه من الوجوه.
    الأحكام الفقهية
    سلكت فيها ما سلكته في ذكر المختلَف فيه من المعاني، وزدتُ فيه أحياناً حكاية من ذهب إلى مذهب الطبري مما ذكره الطبري نفسُه، وصحَّ سَندُه، أو حكاه عن أصحاب المذاهب الأربعة وعن غيرهم بدون إسناد.
    آثار أسباب النزول
    سلكت فيها المسلك الذي ذكرته في الآثار، إلا أنني جعلتها بطريقة سرد المعنى لا بطريقة ذكر الأثر، وهذا ما كان يفعله الطبري نفسُه في بعض الأحيان، فجعلتُ ذلك في المختصر فِي كلِّ الأحيان.
    المفردات وبيان الغريب
    جعلت ذلك جزءاً من المعنى، ودمجته فيه إن كان فيه زيادة على ما ذكره الطبري، وإلا فالطبري يذكر المفردات متداخله في المعنى، فإن كان في ذكر المفردات زيادة بيان وإيضاح ذكرته وسبكته في المعنى، وإلا فلا.
    ...........يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    السابعة عشر: جهود العلماء في اختصار تفسير الطبري.
    نظراً لضخامة هذا التفسير، واتساع مباحثه، وتنوع معلوماته –مع مكانته وإمامة مؤلفه- فقد رغب بعض أهل العلم في تقريب هذا السِّفر الضخم، فعمد إلى اختصاره وتهذيبه، مع أنَّ ابن جريرٍ نفسه قد ألفه مختصَراً كما تقدَّمت الإشارة إلى ذلك..
    وقد ذكر ابن النديم (ت380 هـ) -وهو من أقدم المصنفين في رصد حركة التأليف- عن تفسير الطبري بأنه اختصره جماعه، ولكنه لم يذكر منهم سوى ابن الإخشيد، الآتي ذكره.
    بل قد تمنى العالم المتفنن جلال الدين السيوطي أن يقوم باختصاره، حيث قال: قد منَّ الله عليَّ بإدامة مطالعته والاستفادة منه، وأرجو أن أصرف العناية إلى اختصاره وتهذيبه، ليسهل على كلِّ أحدٍ تناوله، إن شاء الله تعالى .اهـ
    لكن يبدو أن أمنيته هذه لم تتحقق، والعلم عند الله تعالى.
    أما من قام باختصار تفسير الطبري – قَبْلِي- فعلاً فهم أحد عشر وهي:
    مختصرات أربعة مطبوعة متداولة، ومختصران مخطوطان، والخمسة الباقية في حكم المفقود..
    أما المخطوطان فهما:
    1- تحبير التحرير في اختصار تفسير الإمام ابن جرير، لمحمد بن إسحاق بن الزبير بن محمد الأنصاري الخزرجي المدني التنبكتي، وهو سلفي العقيدة، مالكي المذهب (ت1363هـ) ، وقدر ذكر الزركلي عن مختصره هذا بأنه هيء للطبع.
    2- مختصر تفسير الطبري، لخالد بن عبد الرحمن العك، وهو معدود ضمن آثار المؤلف، وفي آخر كتابه «أصول التفسير وقواعده»، وكتب أمامه: «قيد الطبع»، وقد افاد الدكتور صلاح الخالدي في مقدمة تهذيبه لتفسير الطبري بأنه لم يطبع حتى الآن .
    أما المختصرات الخمسة التي في حكم المفقود فهي:
    1- اختصار تفسير الطبري: لأحمد بن علي بن بيغجور، المعروف بابي بكر ابن الإخشيد، وهو من رؤساء المعتزلة وزهادهم (ت326)، وبناء على ذلك يكون هو أول من اختصر تفسير الطبري.
    2- اختصار تفسير القرآن للطبري: لابي بكر أحمد بن عبد الله بن أيوب الأموي الذهبي القرطبي، من علماء القرن الرابع، ذكره ابن بشكوال في ترجمته، ووصفه بالحسن .
    3- اختصار تفسير القرآن للطبري: لابي عبد الله محمد بن أحمد بن مطرِّف الطَّرفي الكناني (ت454هـ) .
    4- مختصر تفسير الطبري: لابي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله المرِّي، المعروف بابن اللجالش (ت490هـ)، وقد اعتمد عليه الثعالبي في نقل كلام الطبري، كما صرح بذلك في مقدمة تفسيره، ووصفه بأنه اعتنى بتهذيبه .
    5- مختصر تفسير الطبري: لعلاء الدين ابي المحاسن على بن عثمان بن محاسن الدمشقي الشافعي (ت739هـ) .
    أما المختصرات الأربعة المطبوعة فهو موضوع المطلب الذي بعده.
    ..........يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    الثامنة عشر: التعريف بمختصرات الطبري المطبوعة ومؤلفيها

    سيكون الكلام عليها وفقاً للترتيب الزمني، وهي كالتالي:
    1- مختصر تفسير الإمام الطبري: لمحمد بن صمادح التجيبي (ت419هـ).
    وقد اعتنى فيه ببيان بعض ألفاظ الغريب، فهو أقرب إلى كتب الغريب، ولذلك فإنه مطبوع على هامش المصحف، وقد ذُكِرَ ضمن مخطوطات غريب القرآن في «معجم الدراسات القرآنية»، وقال هو نفسه في مقدمته: إني قصدت بما جمعته في هذا الكتاب من تفسير غريب القرآن وتأويله، غلى الاقتصار على الاختصار، وتفسير اللفظة الجارية على ألسنة الناس كافة، ولا المتعارفة بين أكثرهم، وتجاوزت المستعملة الفاشية التي لا تكاد يجهلها إلا من لم يؤت حظاً من علم، ولا شيئاً من معرفة.اهـ..
    أما كون اسمه «مختصر تفسير الإمام الطبري» فليس من وضعه، وليس هناك ما يدل على أنه سماه في مقدمته بهذا.
    وبهذا يتضح أنَّه بعيد عن موضوع مختصرات تفسير الطبري وإن دخل فيها باسم أُطلِق عليه ليس من وضع مؤلفه.
    2- مختصر تفسير الطبري: لمحمد بن علي الصابوني، وصالح أحمد رضا..
    صدر الكتاب عن دار القرآن الكريم ببيروت عام (1403هـ) في مجلدين اثنين، وجعل نص الآيات في أعلى الصفحات، والتفسير في الأسفل، وذكر الصابوني في خاتمة الكتاب أنه تم الفراغ منه في:24/ ربيع الأول/1402هـ..
    وقد وجهت له ولغيره من مؤلفات الصابوني في التفسير انتقادات عديدة، منهجية وتفصيلية، وكُتبت عليها بعض الردود، من قبل عدد من العلماء وطلبة العلم، أوصلها الشيخ الفقيه المحدث العلامة بكر أبو زيد في رسالة له بعنوان «التحذير من مختصرات محمد على الصابوني في التفسير» إلى (22) رداً، وأكثر هذه الردود تخص كتابه «صفوة التفاسير»، وبعضها على مختصريه للطبري، وابن كثير..
    وقد صنف الشيخ بكر أبو زيد الأخطاء التي فيها، وكُتبت تلك الردود لإيضاحها والرد عليها، ثلاثة أصناف:
    الأول: الإخلال بالأمانة العلمية.
    الثاني: مسَّه عقيدة التوحيد بما ينابذها.
    الثالث: جهالاته بالسنة النبوية.
    وها هنا حقيقة هامة نبه عليها الشيخ بكر أبو زيد، وهي قوله : وبناء على ما تقدَّم صدر التعميم المذكور بمصادرة «صفوة التفاسير»، كما أوقف توزيع المختصرين. اهـ
    وهذه الردود وإن كان بعضها محل نقاش، وكتب الصابوني نفسه رداً على بعضها..
    فلا ينبغي أن نبخس الرجل حقه، وأن ننكر كلَّ الجهد الذي بذله، ولكن يجب الانتباه لتلك الملحوظات والأخطاء، خصوصاً ما يتعلق بالعقيدة.
    3- تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن: هذبه وحققه وضبط نصه وعلق عليه الدكتور بشار عواد، وعصام فارس الحرستاني.
    وقد صدر في سبعة مجلدات عن مؤسسة الرسالة ببيروت سنة (1415هـ- 1994م) ولا أعرف له سوى هذه الطبعة.. ولم يعد الكتاب الآن موجوداً يباع، فكانت هذه هي الطبعة الوحيدة الأولى والأخيرة للكتاب.
    وقد أشار الدكتور بشار في مقدمته إلى الجهد المبذول فيه جزاه الله خيرا على ما قدَّم وخدم به هذا الكتاب..
    إلا أنَّ هناك وقفات مهمة لابد من الوقوف عندها من خلال كلامه في مقدمة الكتاب واسمه الذي سماه به، وكذلك من خلال الاطلاع على الكتاب نفسه، ومدى مطابقته لِما ذُكِر في المقدمة..
    قال حفظه الله في تسميته للكتاب:
    تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن، هذبه وحققه وضبط نصه وعلق عليه...اهـ
    فهو يصرح حفظه الله بأن عمله «تهذيب» وليس اختصاراً، وقد تقدَّم معنى الفرق بينهما..
    وعند التدقيق في الكتاب نجد أنه لم يغير لفظ الطبري في ما انتقاه منه إلا نادراً في ما يقتضي طبيعة هذا النوع من التأليف، فهو من حيث التطبيق اختصارٌ وليس تهذيباً.
    قال حفظه الله في بيان منهجه العام في اختصاره:
    ثم أنبهني بعض أصدقائي من محبي العلم إلى الفائدة العظيمة من تقديم تفسير الطبري وحده مما ورد في جامع البيان دون الآراء والأحاديث والأشعار والقراءات التي استدل بها مخالفوه أو استدل بها هو نفسه في الرد عليهم أو تقوية رأيه. اهـ
    فهو يريد –حفظه الله- فصل كلام الطبري عن كلام غيره، ثم أطلق عليه اسم «تفسير الطبري»، مع عدم النظر إلى غرض ومقصد الطبري نفسه من تفسيره.. والصواب أن كل ما كتبه الطبري هو تفسير الطبري سواء كان كلامه هو أو نقله عن غيره أو أسنده، وعندما ننظر إلى تطبيق ذلك عملياً في مختصر الدكتور بشار، نجد أنَّه ذكر كلام الطبري بغض النظر عن فائدة ذلك وخدمته لغرض الكتاب الذي هو مقصد الطبري نفسه، وكأن الهدف من هذا المختصر هو فصل كلام الطبري عن الأدوات والوسائل التي خدمت هذا الكلام، بعيداً عن غرض المصنف في تأليف الكتاب الذي تقدَّم ذكره، ولم أجد الإشارة إليه من كلام الدكتور بشار في مقدمته ولا في ثنايا الكتاب.
    كذلك يشير الدكتور بشار حفظه الله إلى أنَّ من منهجه العام في هذا المختصر حذف كلِّ الآراء والأحاديث والأشعار والقراءات التي أستدل بها الطبري نفسه أو استدل بها مخالفوه..
    وبالنظر عملياً إلى تطبيق ذلك في كتابه، وجدتُ أنه يذكر رأي الطبري وغيره دون ذكر الأدلة، لأنه اعتبر ذلك من كلام الطبري، والأدلة ليست من كلامه، وكان الأولى بالاختصار المناسب لغرض الطبري في تأليفه لهذا الكتاب، هو الاقتصار على ما رجحه الطبري فقط، مع ذكر شيء من دليله عليه، وشيء من الرد على مخالفه، فبالضد تتبيَّن الأشياء، ولكن هذا الخلل نشأ عن عدم الانتباه لغرض الطبري في التفسير، وإن فكرة مختصر الدكتور بشار قائمة على اعتبار أن كل ما نقله الطبري عن غيره ليس من تفسيره، وأن تفسيره هو ما قاله بنفسه، وفصل ذلك عن غرض ومقصد الطبري من التفسير.
    كذلك لم يتعرض الدكتور بشار إلى منهجه في ما يكون من اختلاف التنوع في هذا التفسير، وهو كثير، وبالاطلاع على الكتاب وجدته لا يفرق بين ما ذكره الطبري من اختلاف التنوع أو اختلاف التضاد في المعاني والقراءات واللغة وغيرها، وأنه يذكر ذلك كلَّه بدون أي اختصار طالما أنه من كلام الطبري.
    قال الدكتور بشار حفظه الله في بيان سبب إقباله على هذا المختصر:
    وقد شجعني على المضي في هذا العمل ما رأيته من صنيع بعض من اختصر الكتاب وهذبه في إبقائه على الآراء المختلفة والاقتصار على اختصار الاسانيد وبعض الاشعار، أو اختصاره اختصاراً مجحفاً أخرجه عن قصده. اهـ
    فهو يبين أنَّ سبب اختصراه لتفسير الطبري عدم إيفاء المختصرين له من قبل وخروجهم عن مقصود الكتاب..
    ولكنه لم يذكر المقصود من الكتاب، وكيف سيحققه في هذا المختصر، كما أنه لم يذكر شيئاً من المختصرين لهذا الكتاب قبله غير هذا.
    قال حفظه الله في بيان شيء من التفصيل أكثر في منهجه:
    من هنا أزمعت على تقديم «تفسير الطبري» وحده بعيداً عن الآراء والاستشهادات الكثيرة المتباينة في التفسير، وعُنيت بهذا الأمر عناية شديدة بحيث يأتي الكتاب لطيفاً في حجمه، مستوعباً لجميع ما توصل إليه المؤلف من تأويل. اهـ
    وهنا يصر حفظه الله ويؤكد على اعتبار أن كل ما نقله الطبري ليس من كلامه، وأنَّ عمله في هذه الاختصار هو فصل كلام الطبري بعيداً عن أي شيء آخر.
    اعتبر كذلك أنَّ كلَّ ما سيذكره الطبري من الآراء متباينة، أو على الأقل لم يذكر ما الذي سيفعله في الآراء المتنوعة الكثيرة التي ترجع إلى قولٍ واحد، وهذا –والله أعلم- مبني على الخطأ الأول المشار إليه من قبل، وهو الفكرة التي قامت عليها هذا المختصر، البعيدة من غاية ومقصد الطبري في مصنَّفِهِ.
    ثم وصف حجم الكتاب بأنه لطيف، مع كونه في سبع مجلدات، وأصل تفسير الكتاب كما في طبعة دار الحديث التي خدمتُها أحد عشر مجلد بدون مجلد الفهارس، مع أنه كما ذكر في مقدمته اقتصر على كلام الطبري فقط، ولكنَّ كلام الطبري نفسه بحسب مصطلح الدكتور بشار يحتاج لاختصار.
    ثم قال حفظه الله مبيناً منهجه في تعامله مع ما لم يرجحه الطبري فقال:
    لذلك حذفت التفاسير التي نقلها ولم يرضها وتوصل إلى ما يخالفها، واسقطت معظم ما استشهد به هو أو مخالفوه من الشواهد الشعرية واللغوية.. اهـ
    فلم يبين حفظه الله منهج هذا الحذف، ولكن بالنظر في الكتاب وجدت بأنه لا يحذف شيئاً من ذلك طالما أنَّه من كلام الطبري، ويحذف كل ما دون ذلك طالما أنه ليس من كلام الطبري مباشرة ولكنه نقله أو أسنده، يعني أنه يذكر الأقوال الأخرى كلَّها التي خالفها الطبري وجعلها مرجوحة، ولكنه حذف أدلتهم، وأدلة الطبري التي اعتمد عليها في الترجيح.
    كذلك لم يبين متى سُيبقي على الشواهد الشعرية، ومتى سيحذفها، فلم يبين منهجه في هذا الانتقاء..
    إلا أنه بالنظر في الكتاب وجدته سلك منهجاً تنازلياً، كلَّما اقترب من نهاية الكتاب قلَّت الشواهد والتعليقات، حتى كأنها انعدمت في نهاية الكتاب.
    وقال حفظه الله مبيِّناً منهجه في ما يتعلق بالأحاديث والآثار:
    وأهملت معظم ما استند إليه من الأحاديث والآثار إذ أن في كلامه الذي ارتضاه خلاصة لها، إلا في القليل النادر الصحيح منها، وإلا فإن الغالب على ما ساقه من الأسانيد عدم الارتقاء إلى مراتب الصحة القاطعة. اهـ
    وتتلخص هذه الفقرة في:
    - إهماله لمعظم الاثار استغناءً بكلام الطبري في خلاصتها، ولم يذكر ما الذي سيفعله في الآثار التي استغنى بها الطبري عن الكلام، وبالنظر إلى المختصر وجدت أنه لم يشر إلى ذلك، ويحذف الأثر.
    - استنثى من عدم حذف الآثار القليل النادر الصحيح منها، ولم يبين المستنثنى منه، ولم يوضحه، ولم يبين منهجه في ذكرها، فلا أدري هل معناه أنه سيذكر كلَّ الصحيح، أم سيذكر بعضه، وبالنظر إلى المختصر وجدته يذكر بعضه نادراً ويقتصر في ذلك على المرفوع دون غيره.
    - قرر حفظه الله أن الآثار الصحيحة في كتاب الطبري نادره جداً، وأتى بعبارة لم أفهم معناها، وهي «عدم ارتقائها إلى مراتب الصحة القاطعة»، فلا أدري ما الذي يعنيه بقوله «الصحة القاطعة»، فهل يعني بذلك الصحيح بيقين، وأراد أن يخرج بذلك الآحاد؟ أم أراد بذلك ما لا نسطع أن نحكم بصحته قطعاً؟ فلعل الثاني هو الأقرب.. أما اعتبار أنَّ الآثار الصحيحة في الطبري نادرة، فهو قول لا شك في أنه غير صائب، فقد بلغت مجموع آثار الطبري كلها (38499) بحسب طبعة دار الحديث التي خدمتُ تفسيرَ الطبري الأصل من خلالها، كان عدد الآثار الضعيفة (17485)، وكان عدد الآثار الصحيحة (21014)، وهذا مع أنني ضعفت آثار ابن عباس من طرق صححها غيري وهي كثيرة، وضعفت آثار السدي لأنها من طريق أسباط، وهي كثيرة أيضاً، وضعفت آثار ابن إسحاق التي ليست في ابن هشام أو في سيرته هو؛ لأنها من طريق ابن حميد شيخ الطبري، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية صريح في أن تفسير الطبري هو أصح التفاسير، فكيف يكون الصحيح فيه نادراً؟!
    ثم نقل اتِّبَاعه للعلامة المحقق الجليل الاستاذ محمود شاكر في ما توصَّل إليه اجتهاده في سبب إيراد الطبري للأسانيد الواهية فقال:
    إنَّ استدلال الطبري بالآثار الواهية التي يرويها بأسانيدها لا يراد بها إلا تحقيق معنى لفظ أو بيان سياق عبارة.. من أجل هذا الاستدلال لم يبال بما في الإسناد من وهن لا يرتضيه، فهو لم يسقها لتكون ميهمنة على تفسير آيا لتزيل. اهـ
    وتتلخص هذه الفقرة في :
    - أن العلامة المحقق محمود شاكر اجتهد في بيان سبب ذكر الإمام الطبري للآثار الضعيفة في التفسير، وإسناد هذا للمحقق محمود شاكر صحيح بلا شك، وهو موجود بنصه في مقدمته على التفسير، ولكن الدكتور بشار نقله بمعناه، فاخطأ في بعضه وأصاب في بعضه، كما سيأتي بيانه.
    - ذَكَر الدكتور بشار أنَّه متَّبِع للمحقق محمود شاكر أن سببَ إيراد الإمام الطبري الآثار الضعيفة هو أنَّه يستدل بها على تحقيق معنى لفظ أو بيان سياق عبارة كاستدلال المستدل بالشعر.. وهذا يرد عليه أمور كثيرة، منها:
    أنَّ الطبري لا يستدل بالآثار غير المرفوعة أصلاً، لا بصحيحها ولا بضعيفها؛ لأنَّ الحجة ليس في قول أحد غير الوحي بشقيه القرآن والسنة، ومنه نعلم خطأ قول المحقق محمود شاكر رحمه الله كما في مقدمته بنصه: «أحببت أن أكشف عن طريقه الطبري في الاستدلال بهذه الروايات»..
    فإن قيل: فما الذي أراده الطبري من ذكر الآثار؟
    أجيب: بأن الطبري يذكر الآثار غير المرفوعة وأكثرها صحيح -كما تقدَّم في الإحصاء الناتج عن دراسة لكل آثار الطبري- من أجل نسبة الأقوال لقائليها، ولذلك يقول: ذكر من قال بهذا القول، ثم يذكر الآثار، ولم يقل: ذكر أدلة من قال بهذا القول، فهذه الآثار ليست أدلة كالشعر، بل الشعر في ذاته دليل، أما الأثر الغير مرفوع فهو دليل على نسبة هذا القول لقائله فقط، ثم يبقى بعد ذلك البحث في قول هذا القائل حجة أم لا؟ فإن كان هذا الأثر صحيحاً ينظر بعد ذلك لقائله، فإن كان قائله النبي صلى الله عليه وسلم، نظر في الاستدلال به، وهو حجة في عمومه، لأنه وحي، ويبقى الخلاف في الاستدلال به على الآية، هل يصح الاستدلال به أو لا يصح، وإن كان هذا الأثر صحيحاً وليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم، فهو منسوب لقائله، حتى وإن لم يكن حجة..
    فإن قيل: فما فائدة تلك الآثار غير المرفوعة الدالة على نسبة الأقوال لقائليها إذا كانت ليست بحجة؟
    قيل: هي ليست بحجة من وجه، وهي حجة من وجه آخر..
    فهي حجة لكونها لا يجوز الخروج عن خلاف قائليها إلى قول يخالفهم، فإن اختلفوا على قولين لا يجوز إحداث ثالث يخالفهم، وإن اختلفوا على ثلاثة أقوال فلا يجوز إحداث قول رابع يخالفهم، وهكذا.. والطبري مهما ذكر من أقول مسندة لقائليها فلا يخرج في ترجيحه عن أحدها، أو يرجحها جميعاً إن كان ترجع لأصل واحد ويَعُدُّهَا من اختلاف التنوع..
    وفي نفس الوقت هي ليست بحجة، يعني أنَّه ليس أحد القائلين المسند إليهم هذه الأقوال حجة على صاحبه، ولكن الحجة فيهم جميعاً، لأن اختلافهم إجماع، لا يجوز الخروج عن أقوالهم، لأنهم مع اختلافهم قد اجتمعوا على خلاف غيرهم..
    وهذه المسألة محلها كتب الإجماع، ولكنني بيَّنت هنا ما أراه كافياً في بيان المسألة، ومن أراد التفصيل والاستزادة فليرجع إلى كتاب الإجماع في التفسير لعمار بن محمد الجماعي، وكتاب آخر بنفس العنوان للدكتور محمد بن عبد العزيز الخضيري.
    - ذكر الدكتور بشار نقلاً عن المحقق الشيخ محمود شاكر: أن الطبري لم يبال بما في الإسناد من وهن.. وهذا النقل بالمعنى لم أجد له ما يستدل به على نسبته للشيخ المحقق رحمه الله..
    وكلمة «لم يبال بما في الإسناد» يرد عليها ما تقدَّم من توضيح بأنَّ أكثر الآثار في الطبري صحيحة، وإن كان الضعيف فيه أيضاً كثير، وأنَّ كلَّ أثر في الطبري سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً له أهميته في نسبة القول لقائله الذي هو حجة بوجه وغير حجة بوجه كما تقدَّم، فكيف يقال على الطبري أنَّه «لم يبال بما في الإسناد من وهن»؟!
    والمتدبر المتطلع على تفسير الطبري جيداً يجد أن الطبري وإن كان لا يتكلم على رواية رواية في التفسير، إلا أنَّ أهل النقد يعرفون ذلك بسهولة وخآصة في زمنه، بالإضافة إلى أنَّه قد يقف على بعض الروايات ويبين علَّتَها وخآصة إذا كان الأثر مرفوعاً.
    - تقريره بأن أسانيد الآثار الضعيفة الموجودة في تفسير الطبري ليست مهيمنه على آي التنزيل الكريم.. والحقيقة أنه ليست الآثار الضعيفة ولا الصحيحة مهيمنه على الوحي بقسمية القرآن والسنة، ولم يقل أحدٌ بذلك من أهل العلم، وهذا الكلام ليس هذا محله أصلاً،؛ لما تقدَّم.
    ثم قال الدكتور بشار حفظه الله:
    وهذا المنهج الذي انتهجته هو الذي حدا بي إلى وسم هذا الاختصار بـ«تفسير الطبري من كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن» ليكون دالا على اقتصاره على كلام الطبري وما ارتضاه من تأويل لكل آية.اهـ
    ولكن الدكتور بشار في طريقة عرض التفسير وسرده في المختصر لم يسلك منهجاً واحداً، فمره يعرض تفسير بعض آية، بعد أن يضعها أولاً بخط مميز، وأحياناً يذكر آية واحدة، وأحياناً كثيرة يذكر عدة آيات جملة واحدة، ثم يذكر تحتها التفسير إجمالا في جملة واحدة.
    ثم قال الدكتور بشار في ما يتعلق بالقراءات:
    وحذفنا الاستدلالات التي ساقها المؤلف لإثبات صحة قراءة عاصم... وفي الوقت نفسه أبقينا على القراءات التي رجحها الطبري على هذه القراءة وما استدل به من الاستدلالات العلمية النفيسة في إثبات رجحانها. اهـ
    - يقرر هنا حفظه الله أنه حذف الاستدلالات التي ساقها المؤلف لإثبات صحة قراءة عاصم.
    - يقرر كذلك أنه أبقى على القراءات التي رجحها الطبري مع أدلته.
    والحقيقة أن ثبوت قراءة عاصم أو غيرها من أصحاب القراءات لا تحتاج لإثبات أكثر من مجرد نسبتها إليهم بالأسانيد المعروفة لدي القراء، وهذا لا يورده الطبري أصلاً في تفسيره حتى يُحذف، بل الذي يورده أنَّ هذه القراءة قرأ بها فلان وفلان، وهذا لا يحتاج لدليل حتى يورده، فلا أدري ما المقصود بحذف أدلة قراءة عاصم أو غيرها؟!
    ولم يشر الدكتور حفظه الله ما الذي سيفعله عند ترجيح الطبري لغير رواية عاصم، أو عندما يساوي الطبري بين كل الروايات ويجعل كلَّ قارئ لأي من هذه القراءات مصيب..
    وهذا الكلام الذي ذكره الدكتور كله يتعارض مع تقريره أولاً أنه سيحذف ما يتعلق بالقراءات..
    إلا أنه بالرجوع إلى المختصر وجدت نفس الأمر القائم على القاعدة الرئيسية في هذا المختصر وهو ذكر ما قاله الطبري بنفسه وحذف ما دون ذلك، وهذا جعله يذكر أشياء كثيرة متعلقة بالقراءات وتوجيهها تخرج بالمختصر عن مقصوده.
    ثم ذكر الدكتور بشار قبل خاتمة المقدمة شيئا يتعلق بالناسخ والمنسوخ فقال:
    ولأبي جعفر آراء سديدة في مسائل الناسخ والمنسوخ، إذ هو من الذي لا يرتضون القول بالنسخ إلا بدليل واضح بين... لذا رأينا من المفيد النافع الإبقاء على كثير مما أثبته ودلل عليه في هذا الشأن لما فيه من الفوائد والعوائد. اهـ
    ولم يذكر كذلك منهجه في ذلك، وما الذي سيبقيه أو سيحذفه، ولكن يفهم منه أنَّه سيشير إلى قول الطبري في أن هذه الآية منسوخه، مع أنَّ هذا يدخل ضمن كلام الطبري الذي نبه أنه سيقتصر عليه في مختصره، وبالرجوع إلى تفسير الطبري الأصل، وتحديداً في تفسير الآية رقم (194) من سورة البقرة كمثال، وقد صرح هناك الطبري بأن قوله تعالى «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» منسوخة، ولم أجد الدكتور أشار إلى ذلك مطلقاً.
    وأخيراً أشار الدكتور إلى عمل صاحبه في المختصر فقال:
    وقد رأيت من المفيد لهذا الكتاب أن يشاركني في العمل به صديقي الفاضل الأستاذ عصام فارس الحرستاني.. اهـ
    ولم يذكر ما الذي قام به هذا الأستاذ الفاضل في هذا المختصر.
    وأخيراً فإني أنبه على:
    أنَّ الجهد المبذول في هذا المختصر في الوقت الذي كُتِب فيه جهدٌ مشكورٌ لا يُنكر، إلا أنَّ القائل قد صدق حين قال: كم ترك الأول للآخر.
    4- تفسير الطبري تقريب وتهذيب.
    للدكتور صلاح بن عبد الفتاح الخالدي، وقد صدر عن دار القلم بدمشق سنة (1418هـ- 1997م) في سبعة مجلدات ضخمة..
    وهذا الكتاب قد صرح مؤلفه تصريحا واضحاً بأنه تهذيب، قرأ تفسير الطبري ثم عبر عن ذلك بأسلوبه هو..
    فهو ليس محلاً للنقد هنا، لأنه ليس بمختصر لتفسير الطبري، بل هو كتاب جديد احتوى على ما في تفسير الطبري، ولكن بصياغة جديدة بحسب ما فهمه المؤلف من كلام الطبري ...
    ومحل النقد لهذا هو النقد لفكرة التهذيب، وهذا ليس له علاقة بالمختصر.
    والحاصل بعد هذا العرض:
    أنَّ هذه الكتب الأربعة الأخيرة قد بَذَل صانعوها جهداً يحمدون عليه، إلا أنَّ التقصير والجمود من طبيعة البشر، والتوفيق والهداية والرشاد إنما هو من الله وحده، وما أبريء نفسي.
    ....... .يتبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    التاسعة عشر: إسنادي المتصل للإمام الطبري.
    أرويه عن الشيخ محمد بن نظر الفاريابي إجازة مكتوبةً لي خاصة قال فيها:
    1- أرويه عن شيخي وأستاذي العلامة، مؤرخ اليمن وعلم من أعلامها فضيلة الشيخ القاضي إسماعيل بن عليّ الأكوع رحمه الله وأدخله في جنات الفردوس..
    2- عن شيخه ثابت بن سعد بهران اليمنيّ (ت1400هـ).
    3- عن حسين بن عليّ العُمَريّ الصنعانيّ (ت1361هـ).
    4- عن إسماعيل بن محسن بن عبد الكريم اليمنيّ (ت1301هـ).
    5- عن محمّد بن عليّ بن محمّد الشَّوكانيّ (ت1250هـ).
    6- عن عبد القادر بن أحمد بن عبد القادر الكَوْكَبانيّ، اليمنيّ (ت1207هـ).
    7- عن السيد سليمان بن يحيى بن عُمَر الأهدل (ت1197هـ).
    8- عن محمد حياة بن إبراهيم السِّنديّ، المدنيّ (ت1163هـ).
    9- عن جمال الدين عبد الله بن سالم البصريّ، المكيّ (ت1134هـ).
    10- عن محمّد بن علاء الدين صالح بن عليّ البابليّ، القاهريّ (ت1077هـ).
    11- عن سالم بن محمّد السّنهوريّ (ت1015هـ).
    12- عن زين الدين زكريا بن محمّد الأنصاريّ القاهريّ (ت926هـ).
    13- عن شهاب الدين أحمد بن عليّ ابن حجر العسقلانيّ (ت852هـ).
    14- عن أبي عليّ محمد بن أحمد ابن أبي الحسن عليّ بن عبد العزيز المَهْدَويّ الأصل، المعروف بابن المُطَرِّز البَزَّاز (ت797هـ).
    15- عن يونس بن إبراهيم بن عبد القويِّ، الكَنانيِّ، العَسقلانيِّ (ت729هـ).
    16- عن علم الدين أبي الحسن عليّ بن محمود بن أحمد بن عليّ المحموديّ، العراقي المعروف بابن الصابونيّ (ت640هـ). وأبو القاسم عبد الرحمن بن مكيّ بن حمزة بن مُوَقّا الأنصاريّ ابن علاّس (ت599هـ) في آخرين: قالوا:
    17- أنبأنا أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمّد بن أحمد السِّلفيُّ الأصبهانيُّ (ت576هـ) إجازة مشافهةً.
    18- أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الرازيّ، ثمّ المصريّ، الشّروطيّ المُعدَّل، المعروف بابن الحطّاب (ت525هـ) إذنًا.
    19- عن أبي الفضل محمّد بن أحمد بن عيسى بن عبد الله بن بن عبد الوهاب السَّعديِّ، البغداديِّ (ت441هـ).
    20- عن الْخَصِيب بن عبد الله بن محمّد بن الحُسَين بن الْخَصِيب أبي الحَسَن المصريِّ (ت410هـ) سَماعًا.
    21- عن أبي محمّد عبد الله بن محمّد الفَرْغَانيّ.
    22- أنبأنا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريُّ.

    16- وبه: عن أبي القاسم عبد الرحمن بن مكيّ بن حمزة بن مُوَقّا الأنصاريّ ابن علاّس (ت599هـ).
    17- عن أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن مَسْعُود بن بَشْكُوّال (ت578هـ).
    18- أنبأنا أبي محمّد عبد الرحمن بن محمّد بن عتّاب بن مُحْسن القُرطبيُّ (ت525هـ).
    19- أنبأنا والدي محمّد بن عتَّاب بن مُحْسِن مولى عبد الملك بن أبي عتَّاب الجُذَاميُّ، أبو عبد الله مفتي قُرطبة (ت462هـ).
    20- أنبأنا أبو الْمُطَرِّف عبد الرحمن بن مَرْوان بن عبد الرحمن الأنصاريُّ، القُرطبيُّ، القَنَازِعيُّ (ت413هـ).
    21- أنبأنا أبو الطَّيّب أحمد بن سُليمان بن محمّد بن عَمْرو الجَرِيريُّ – نسبة إلى مذهب ابن جرير الطَّبريِّ – ثمَّ الحَرِيريُّ – نسبة إلى بيع الحَرِير، اجتمعت فيه النسبتان – (ت352هـ).
    22- أنبأنا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريُّ رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، آمين.
    ............................ي تبع
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    1,128

    افتراضي

    العشرون: إهداء

    إلى كل الموحدين في زمن الغربة..
    إلى كل المجاهدين بأنفسهم وأموالهم في نصرة الإسلام ورفع رايته..
    إلى كل طلبة العلم المبتغين به وجه الله..
    إلى زوجتي الحبيبة..
    إليكم جميعاً أهدي هذا الكتاب

    تم
    العلم النافع ، وذكر الله الحقيقي ، يُهذب الطبع ، ويحسن الأخلاق (البحر المديد /5/317)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •