المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم
وللأحاديث التي ثبت فيها استعمال (لو) في حالة تمني الخير ، وإنما المذموم استعمالها في التسخط حال المصيبة، والله تعالى أعلم. جزاكم الله خيرا---
بارك الله فيك وجزاك خيرا - قال الشيخ صالح ال الشيخ فى كفاية المستزيد - قلب الموحد؛ قلب المؤمن لا يكون محققا مكمِّلا للتوحيد حتى يعلم أنّ كل شيء بقضاء الله جل وعلا وبقدره ، وأنّ ما فعله سبب من الأسباب ، والله جل وعلا مضى قدره في خلقه، وأنه مهما فعل فإنه لن يحجز قدر الله جل وعلا، فإذا كان كذلك - كان القلب معظِّما لله جل وعلا في تصرفه في ملكوته، وكان القلب لا يخالطه تمني أن يكون شيء فات على غير ما كان، وأنه لو فعل أشياء لتغير ذلك السابق؛ بل الواجب أن يعلم أن قضاء الله نافذ وأن قدره ماضٍ وأن ما سبق من الفعل قد قدره الله جل وعلا وقدر نتائجه، فالعبد لا يمكنه أن يرجع إلى الماضي فيغير، وإذا استعمل لفظ (لو) أو لفظ (ليت) وما أشبهها من الألفاظ التي تدل علة الندم وعلى التحسر على ما فات - فإن ذلك يُضعف القلب ويجعل القلب متعلقا بالأسباب منصرفا من الإيقان بتصريف الله جل وعلا في ملكوته، وكمال التوحيد إنما يكون بعدم الالتفات إلى الماضي، فإن الماضي الذي حصل:
إما أن يكون مصيبة أصيب بها العبد فلا يجوز له أن يقول: لو كان فعلت كذا لما حصل كذا؛ بل الواجب عليه أن يصبر على المصيبة وأن يرضى بفعل الله جل وعلا ويستحب له الرضى بالمصيبة.
وإذا كان ما أصابه في الماضي معصية فإن عليه أن يسارع في التوبة والإنابة، وأن لا يقول لو كان كذا لم يكن كذا؛ بل يجب عليه أن يسارع في التوبة والإنابة حتى يمحو أثر المعصية.
فإن ما مضى من المقدر للعبد ما حالان:
إما أن يكون مصائب، إما أن يكون ذلك الذي مضى مصائب فحالها كما ذكرنا.
وإما أن يكون مصائب ومعاصي، فالواجب عليه أن ينيب وأن يستغفر وأن يقبل على الله جل جلاله، قد قال سبحانه ?وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى[طه:82]
الشيطان يدخل على القلب فيجعله يسيء الظن بربه جل وعلا وبقضائه وقدره، وإذا دخلت إساءة الظن بالله ضعُف التوحيد ولم يحقق العبد ما يجب عليه من الإيمان بالقدر والإيمان بأفعال الله جل جلاله، ولهذا عقد المصنف الباب؛ لأن كثيرين يعترضون على القدر من جهة أفعالهم؛ يظنون أنهم لو فعلوا أشياء لتغير الحال، والله جل وعلا قد قدّر الفعل وقدّر نتيجة فالكل موافق لحكمته سبحانه.
قال (وقوله الله تعالى: ?يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا?[آل عمران:154]، وقوله: ?الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا?[آل عمران:168]) ذكرنا أن قول (لو) في الماضي أن هذا لا يجوز وأن هذا محرم ودليل ذلك من الآيتين، ومناسبة الآيتين للباب ظاهرة - وهو أن التحسر على الماضي بالإتيان بلفظ لو إنما كان من خصال المنافقين قال جل وعلا عن المنافقين (يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا) وقال (الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) وهذا في قصة غزوة أحد كما هو معروف، فهذا من كلام المنافقين.
فيكون -إذن- استعمال (لو) من خصال النفاق وهذا يدل على حرمتها.
قال (في الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "احْرِصْ عَلَىَ مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللّهِ. وَلاَ تَعْجِزَنْ. وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنّي فَعَلْتُ كذا لكَاَن كذا وكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرُ اللّهُ. وَمَا شَاءَ فَعَلَ. فَإِنّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشّيْطَانِ") وجه مناسبة هذا الحديث قوله(وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنّي فَعَلْتُ لكَاَن كذا وكَذَا) (لو) هنا كانت على الماضي (أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ) وهذا النهي للتحريم (لَوْ أَنّي فَعَلْتُ لكَاَن كذا) هذا لأنه سوء ظن ولأنه فتح عمل الشيطان، فالشيطان يأتي المصاب فيغريه بـ(لو) حتى إذا استعملنا ضعف قلبه وعجز وظن أنه سيغير من قدر الله شيئا، وهو لا يستطيع أن يغير من قدر الله شيئا؛ بل قدر الله ماض ولهذا أرشده عليه الصلاة والسلام أن يقول: (قَدَّرُ اللّهُ. وَمَا شَاءَ فَعَلَ)؛لأن ذلك راجع إلى قدره وإلى مشيئته.
هذا كله من النهي والتحريم راجع إلى ما كان من استعمال (لو) أو (ليت) وما شابههما من الألفاظ في التحسر على الماضي وتمني أن لو فعل كذا حتى لا يحصل له ما سبق، كل ذلك فيما يتصل بالماضي.
أما المستقبل أن يقول: لو فعلت كذا وكذا، في المستقبل، فإنه لا يدخل في النهي؛ وذلك باستعمال النبي عليه الصلاة والسلام لذلك حيث قال مثلا "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" ونحو ذلك من الأدلة، فاستعمال (لو) في المستقبل الأصل فيه الجواز إلا إن اقترن بقول القائل (لو) يريد المستقبل: اعتقاد أن فعله سيكون حاكما على القدر؛ كاعتقاد بعض الجاهليين: لو حصل لي كذا لفعلت كذا. تكبرا وأنفة واستعظاما لفعلهم وقدرتهم، فإن هذا يكون من المنهي؛ لأن فيه تجبرا، وفيه تعاظما، والواجب على العبد أن يكون ذليلا؛ لأن القضاء والقدر ماضٍ، وقد يحصل له الفعل، ولكن ينقلب على عقبيه، كحال الذي قال الله جل وعلا فيه ?وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ ءَاتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ولَنَكَوُنَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ(75) فَلَمَّا ءَاتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ(76)ف َأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ بِمَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ?[التوبة:75-77] فإنهم قالوا: لو كان لنا كذا وكذا وكذا لفعلنا كذا وكذا، فلما أعطاهم الله جل وعلا المال (بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ)، فهذا فيه نوع تحكم على القدر وتعاظم، فاستعمال (لو) في المستقبل إذا كانت في الخير، مع رجاء ما عند الله بالإعانة على أسباب الخير،فهذا جائز.
أما إذا كان على وجه التجبر والاستعظام فإنه لا يجوز؛ لأن فيه نوع تحكُّم على القدر .......[كفاية المستزيد]