إن الصراط المستقيم الذي أمرنا الله باتباعه في قوله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه) وفي قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرقوا) وعلمنا أن ندعوه أن يهدينا إليه في سورة الفاتحة التي أُمرنا بقراءتها في كل ركعة من صلواتنا فرضها ونفلها فنقول (اهدنا الصراط المستقيم) إن هذا الصراط هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان. فما وافقها فهو الصراط المستقيم وما خالفها فهو البدع والضلالة والسبل المعوجة والمناهج المنحرفة.

وإن من المناهج المنحرفة الشديدةِ الخطورةِ على عقائد المسلمين وعباداتهم وأخلاقهم وعقولهم الطرق الصوفية التي فتكت بكثير من بلاد المسلمين.
ومن صور إفسادها وما أكثرها ما يلي:
أولاً: أنها لا تأخذ دينها عن كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها تأخذ دينها عن طريق الرؤى والأحلام وما يسمونه بالكشوفات والعلم اللدنّي، إضافة إلى تأثرها الكبير بالأديان المحرفة والفلسفات الوثنية والإلحادية. وإذا أخذ المسلم دينه عن مصدر غير الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة فقد ضل ضلالاً بعيداً.

ثانياً: مضادتها للتوحيد الخالص فإن الطرق الصوفية تدعو إلى الغلو في الأولياء وأصحاب القبور بدعائهم والاستغاثة بهم والذبح والنذر لهم والرجاء فيهم والخوف منهم. ولهذا إذا وجد التصوف في بلد وجوداً قوياً رأيت كثرة المساجد التي فيها قبور، وكثرة القباب التي تبنى على القبور ورأيت الأضرحة والمشاهد الفخمة الفاخرة التي ينفق عليها الأموال الطائلة بينما يعيش كثير من المسلمين بجوارها في فقر مدقع. فجلعوا المساجد التي أذن الله أن تبنى ليعبد فيها وحده جعلوها مشاهد وأضرحة يعبد فيها بعض خلقه. فأين هم عن قوله تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا).

وكذلك حرفوا وغيروا معنى زيارة القبور فإن الله شرع لنا أن نزور القبور لأجل الدعاء للموتى ولأجل أخذ العظة والعبرة كما قال صلى الله عليه وسلم (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة) وعلّمنا أن ندعو للموتى عند المرور بها أو زيارتها ، والصوفية يزورون القبور للاستغاثة بها وطلب النفع منها، وربما عكفوا عندها لا يتحركون ولا يتكلمون خاشعي الأبصار يستمدون منها الفيوضات كما يزعمون.

ثالثاً: نشر السحر والشعوذة في المجتمع المسلم فإن كثيراً من شيوخ الطرق يمارسون السحر والشعوذة ويتعاونون مع الشياطين ليضحكوا على أتباعهم ومريديهم فترى الشيخ يجلس متربعاً في الهواء أو تراه لا يمسه أحد إلا وأصيب بصدمة كهربائية تطرحه أرضاً ونحو ذلك من الأمور الخارقة للعادة فهم يزعمون أن هذه الخوارق كرامة من الله لهم ودليل على صدق وصحة طريقتهم. وما هو الا سحر وشعوذة ودجل. فهل كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يفعلون مثل هذا وهم أعظم إيماناً وصلاحاً وتقوى.

رابعاً: هجر الذكر المشروع والاشتغال بالأوراد والأذكار الصوفية التي يخترعها مشايخ الطرق، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أذكار الصباح والمساء والدخول والخروج والنوم والاستيقاظ وغير ذلك.

كذلك أيضاً إدخال طقوسٍ على الأذكار ما أنزل الله بها من سلطان ولا ترضاها فطرة سليمة ولا عقل سوي فإنهم يحولون المساجد إلى مراقص فتراهم في المساجد بلحاهم التي شابت وهم يرقصون ويطبلون بالدفوف والطبول ويقفزون كالمجانين على ذكر الله جل وعلا أو مع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة والسلام عليه.

ومما أدخلوه أيضاً في الذكر مما لم يشرعه الله الذكر الجماعي بأصوات ملحنة جماعية عقب الصلوات أو بعد الأذان وليس على هذا العمل دليل من كتاب ولا سنة.

خامساً: إهمال العلم الشرعي. والعلم هو حياة القلوب وهو ميراث محمد صلى الله عليه وسلم وهو المصحح لعبادات المسلم ومعاملاته، فهم يكتفون بأوهامهم وأحلامهم ووساوسهم عن طلب العلم الشرعي وتحصيله والعمل به، وإذا قرؤوا شيئاً من السنة فإنما يقرؤونها للبركة لا للعمل والاقتداء. وإذا قلّ العلم وقلّ حملته انتشرت الجهالات والبدع والمحدثات.

سادساً: إضعاف التمسك بالعبادات واجتناب المحرمات فإن كثيراً من شيوخ الطرق لا يصلون ولا يصومون ولا يلتزمون بشعائر الإسلام فإذا رآهم الأتباع كذلك ضعفت شرائع الدين في قلوبهم وقلدوا شيوخهم في التهاون بها. وكذلك فإن بعض شيوخ الطرق الصوفية يطلب من الشباب والبنات من أتباعه قسطاً أسبوعياً من المال مقابل أن يشفع لهم عند الله فيمحو زلاتهم وتعود صحفهم بيضاء نقية فيتجرؤون على الفجور والفساد. فما أعظم جناية الصوفية على المسلمين وعلى صفاء الإسلام ونقائه.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أما بعد:
ومن صور خطر التصوف على المسلمين إضافة إلى ما سبق وهو السابع:

تفريق كلمة المسلمين وتشتيت صفوفهم فإن الطرق الصوفية كثيرة جداً وكل وطريقة تدعي أنه على الحق وغيرها على الباطل، فينقسم البلد المسلم إلى شيع وأحزاب متناحرة متعادية والله يقول (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).

ثامناً: أن التصوف ينتهي بأتباعه إلى العقائد التي هي غاية في الفساد كمثل اعتقاد الحلول والاتحاد ووحدة الوجود أي أن الله تعالى يحل في عباده كما يحل الماء في الكأس، أو أن الله تعالى يتحد مع خلقه كما يكون الزبد في متحداً باللبن، أو أن هذا الوجود من سماء وارض وإنسان ودواب هو الله نفسه تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً .. بل الله فوق العرش بائن من الخلق، ليس كمثله شيء كما قال تعالى (الرحمن على العرش استوى).

عباد الله:
علينا بصدق التمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وعقيدة سلفنا الصالح التي منّ الله بها علينا ، ولنحذر من دعاة التصوف ومروجيه ومزينيه للناس، فإن له دعاة وله مروجون يحرصون على إخراجنا من السنة والتوحيد إلى التصوف والقبورية والخرافة، وهم ينشطون في وسائل التواصل والإعلام بشتى أنواعها.

ومن طرق نشرهم للتصوف التأكيد بأن التصوف منه مذموم ومنه محمود وأن من طلب العلم ولم يتصوف تزندق حتى يسهل على الناس أمر التصوف فلا يحذرون منه. وحتى يعقتدون أن التصوف أمر لا بد منه ما دامت فيه العصمة من الفسق والفجور.

ومن طرقهم الإشادة برؤوس ورموز أهل التصوف باعتبارهم دعاة للإسلام وقادة للجماعات الإسلامية المعاصرة، فإذا أحبهم الشاب وعظمهم واتخذهم قدوة فإنه سيقتدي بهم في تصوفهم وقبوريتهم أو على الأقل لم يجد في قلبه استنكاراً لهذه المنكرات العظيمة، وسيقع في قلبه بغض علماء السنة والتوحيد الرادين على البدع وأهلها لأنهم ينتقدون من يعظمهم ويجلّهم.

فلنحذر طرقهم كلها الصريحة والخفية ليسلم لنا ديننا وعقيدتنا ولينشأ أبناؤنا على ما نشأ عليه أسلافهم من الدين الصافي الذي لم يتلوث بالبدع والخرافة. نسأل الله أن يمسكنا بالكتاب والسنة إلى يوم نلقاه إنه سميع مجيب الدعاء.