بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على محمد عبده المصطفى، وآله وأصحابه المستكملين الشرفا
أما بعد
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (2/30):
"والعلة الغائية هي المقصودة التي هي أعلى وأشرف بل هي علة فاعلية للعلة الفاعلية"
وقد كرر شيخ الإسلام رحمه الله هذا المعنى في أكثر من موضع في كتبه وفتاواه .
فقال في مجموع الفتاوى (18/309):
"ولهذا كانت العلة الغائية علة فاعلية للعلة الفاعلية"
وفي رسالة الزهد والورع والعبادة (1/27):
"ولهذا يقال: العلة الغائية علة فاعلية فإن الإنسان للعلة الغائية بهذا التصور وهذه الإرادة صار فاعلا للفعل وهذه الصورة المرادة المتصورة في النفس هي التي جعلت الفاعل فاعلا فيكون الإنسان متبعا لها"
وتابعه على ذلك تلميذه الحافظ ابن القيم رحمه الله فقال في شفاء العليل (1/189): "العلة الغائية علة فاعلية للعلة الفاعلية"
قلت: وهذا القول مشهور في كتب الفلاسفة ، وهو خلاف مقتضى العقل وخلاف ما عليه جمهور أهل السنة وعقلاء المتكلمين؛ فإنهم لا يجعلون العلة الغائية علة فاعلية ؛ لأن ذلك يستلزم إما التسلسل في العلل وإما الدَّور وكلاهما ممتنع عقلا ، ولكنهم يقولون: إن السابق في الذهن هو تصور العلة وإرادتها وليس ذاتها.
وقد خالف شيخ الإسلام رحمه الله قوله السابق وردَّه ، بل ونسبه إلى الفلاسفة ـ كما ذكرتُ ـ في درء تعارض العقل مع النقل (5/231) فقال:
"وجمهور العقلاء يقولون: السابق هو تصور العلة الغائية وإرادتها. وأما ابن سينا ونحوه من الفلاسفة فيقولون : بل نفس العلة هي السابقة في الذهن ويقولون: العلة الغائية علة فاعلية للعلة الفاعلية. وجمهور العقلاء لا يجعلونها علة فاعلية بل يقولون: تصور الفاعل لها وإرادته لها به صار فاعلا فلولا تصور الغاية والإرادة لها لما كان فاعلا."
وكأنَّ هذا ما انتهى إليه قوله في هذه المسألة والله أعلم ، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
وبذلك يُعلم خطأ مَن تصوّر أن الإلوهية تعتبر علة فاعلية للربوبية، وهو ما انتشر على ألسنة الكثير بغير تحرير.
والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل