تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: شماتة وتعيير وسُخرية

  1. #1

    افتراضي شماتة وتعيير وسُخرية






    جاء الإسلامُ ليُطهِّر البشريةَ من أدران الجاهلية وأمراضها، ويُقوِّم السلوكَ ليستقيمَ على الفِطرة السويَّة. والرابطةُ بين أهل الإسلام هي رابطةُ الدين، وأُخُوَّة الإيمان، ولهذه الرابِطة معالِمها، من حُسن المُعتقَد، والمحبَّة، والسرور، وحب الخير للناس والفرح به، واجتِناب ما يُكدِّرُ على ذلك ويُشوِّشُ عليه، من الحسد والشحناء، والتهاجُر، والتباغُض، والسِّباب، والتنابُز بالألقاب.

    والناصِحون من عباد الله، المُحبُّون لخلق الله أهلُ أدبٍ ورحمة، وحبٍّ ومودَّة، وصدقٍ ووفاء.
    وقد استوعبَت الشريعةُ في شُمولها وعلاجِها كلَّ أمراض النفوس ومعايِبها، أقوالاً وأفعالاً، ومشاعِر وانفِعالات. وإن في مُستجدَّات العصر وتقنيَّاته ما وسَّع ذلك كلَّه ووسِعَه ابتلاءً وعلاجًا.
    وثمَّة خُلُقٌ ذميم، وسُلوك شائِن، يدلُّ على نفسٍ غير سويَّة، وقلبٍ مدخُول يكادُ يخلُو من الحبِّ والمودَّة والعطف وحبِّ الخير، ذلكم – عباد الله – هو: خُلُق الشماتة، وغالبًا ما يقترِنُ به مظاهرُ كراهية، من السخرية، والهمز، والغَمز، واللَّمز، وألوان الاستهزاء قولاً وفعلاً وإشارةً – عياذًا بالله -.
    الشماتةُ – حفِظَكم الله ووقاكم – وصفٌ ولقبٌ ولفظٌ فيه تنقُّص، أو حطُّ مكانة، أو احتِقار، أو ذمٌّ أو طعنٌ، أو تعدٍّ على كرامة.

    الشماتةُ فرحٌ ببليَّة من تُعاديه، والسُّرورُ بما يكرَهُ من تُجافِيه.
    يقول ابن بطَّال: “شماتةُ الأعداء ما ينكَأُ القلب، وتبلغُ به النفسُ أشدَّ مبلَغ، وهي لا تحصلُ إلا من عداوةٍ أو حسد”.
    بل قال أهلُ الحكمة: “إن الحسَد والشماتةَ مُتلازِمان، فالحاسِدُ إذا رأى نعمةً بُهِت، وإذا رأى عثرةً شمِت”.

    أيها الشامِت! أيها المُبتلَى بالشماتة! عافاك الله من هذا الداء وهداك، كأنَّك تزهُو بكمالك، وتُفاخِرُ بجمالِك، وتغفلُ عن مُوادَعةِ الأيام لك، وتظنُّ أن أخاك هذا المُبتلَى لم يُبتلَى بما ابتُلّيَ به إلا على كرامةٍ في نفسك، أو بسبب إجابةّ دعوةٍ منك أو من غيرك. فهذه تزكية، وهذا عُجبٌ وغُرور وغفلة، بل قد يكون استِدراجًا ومكرًا – عياذًا بالله -.

    أما علِمتَ أن الشماتةَ قد تكون انعِكاسًا لأمراضٍ نفسيَّة، تدلُّ على عدم الثقة، مع الإحساس بالفشل، فتُسلِّي نفسَك بهذا الخُلُق الذَّميم.
    الشامِتُ محرومٌ من المحامِد الجميلة، والمسالِك الراقِية، والشعور الإنسانيِّ النبيل. الشامِتُ لا يفرحُ بمُصيبةِ غيرِه إلا من لُؤمِ طبعِه؛ بل يُقرِّرُ أهلُ العلم أن الشماتةَ من أخلاق أهل النفاق، فقد قال – عزَّ شأنُه – في وصف المُنافقين: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) [آل عمران: 120].

    ولقد استعاذَ نبيُّنا محمدٌ – صلى الله عليه وآله وسلم – من الشماتة وسُوئِها، كما في الحديث الصحيح: «اللهم إني أعوذُ بك من سُوء القضاء، ودرَك الشقاء، وشماتة الأعداء».
    ولقد قال هارُون لأخيه موسى – عليهما السلام – كما في التنزيل العزيز: (فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ) [الأعراف: 150]؛ أي: لا تُفرِحهم بمُصيبتي.

    يقول الشوكانيُّ – رحمه الله -: “استعاذَ – صلى الله عليه وسلم – من شماتة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها، لعِظَم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفُس البشرية، ونُفور طِباع الناس منها، وقد يتسبَّبُ عُمقُ ذلك والاستِمرارُ عليه تعاظُم العداوة المُفضِية إلى استِحلال ما حرَّم الله”.

    يقول المناويُّ – رحمه الله -: “وإنما حسُن الدعاءُ بدفع شماتة الأعداء؛ لأن من له صِيتٌ عند الناس وتأمُّل وجدَ نفسَه كمن يمشي على حبلٍ مُعلَّق، والأقرانُ والحُسَّادُ ينظرون وينتظرون متى ينزلِق!”.
    فيا عبد الله! لا تشمت في أخيك، فيُعافِيه الله ويَبتَليك، ولكن خُذ العِبرة:

    فعن واثِلة بن الأسقَع – رضي الله عنه – قال: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: «لا تُظهِر الشماتةَ لأخيك، فيرحمُه الله ويَبتليك».
    لا تشمت بأخيك مهما صغُر شأنُه، وظهر عيبُه، وبانَ نقصُه في أمر الدين أو الدنيا؛ فإن الشماتةَ تجلِبُ البلاءَ والابتلاءَ، ولكن تضرَّع إلى الله مُستعينًا به، خائفًا مُستخفيًا، مُشفقًا على نفسِك وعلى أخيك، وقُل: “الحمدُ لله الذي عافاني مما ابتُلِيَ به، وفضَّلَني على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلاً”.
    ومثلُ هذا الدعاء لو تأمَّلتَ – حفِظَك الله – لعلِمتَ أن المقصودَ به الوقاية والحذرُ من الوقوع في الشماتة والاستِهزاء والسخرية والانتِقاص من إخوانِك.

    الزمنُ قُلَّب، والأيامُ دُوَل، فكم من غنيٍ افتقَر، وفقيرٍ اغتنَى، وعزيزٍ ذلَّ، وذليلٍ عزَّ، ووضيعٍ ارتفَع، ورفيعٍ اتَّضَع، وقويٍّ ضعُف، وضعيفٍ قوِيَ، وسليمٍ ابتُلِي، ومُبتلًى عُوفِي؟!
    والدهرُ حين يجرُّ بكَلكلِه على قومٍ فإنه يُنيخُ على آخرين، وسيلقَى الشامِتون كما لقِيَ غيرُهم.
    يقول ابن مسعودٍ – رضي الله عنه -: “واللهِ لو أن أحدًا عيَّر رجلاً رضعَ من كلبة، لرضعَ هو من هذه الكلبة”.

    وورد عن عُمر – رضي الله عنه – أنه قال: “واللهِ لو عيَّرتُ امرأةً حُبلَى لخشيتُ أن أحمل”.
    ويقول إسماعيلُ الهرويُّ: “أيُّ عيبٍ عيَرتَ به أخاك فهو صائرٌ إليه”.
    ويقول الحسنُ البصريُّ – رحمه الله -: “أدركتُ أقوامًا لم تكُن لهم عيوب، فتكلَّموا في عيوب الناس فأحدثَ الله لهم عيوبًا، وأدركتُ أقوامًا كانت لهم عيوب، فسكَتوا عن عيوب الناس فسترَ الله عيوبَهم”.
    كيف وقد جاء في حديث ثوبان – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تُؤذُوا عبادَ الله ولا تُعيِّرُوهم ولا تطلبُوا عوراتهم؛ فإن من طلبَ عورةَ أخيه المُسلم طلبَ الله عورتَه، حتى يفضَحه في بيتِه»؛ رواه أحمد.

    ويقول إبراهيم النخعيُّ – رحمه الله -: “إني لأرى الشيءَ أكرهُه فما يمنعني أن أتكلَّم به إلا مخافةَ أن أُبتلَى به”.
    ويقول ابن القيم – رحمه الله -: “ما من عبدٍ يَعيبُ على أخيه ذنبًا إلا وابتُلِيَ به، فإذا بلغَك عن فُلانٍ سيئة فقُل من كل قلبِك: غفرَ الله لنا وله”.

    يا عبد الله! لا تُراقِب الناس، ولا تتبِّع عوراتهم، ولا تكشِف سِترَهم، ولا تتجسَّس عليهم، اشتغِل بنفسِك، وأصلِح عيوبك؛ فلن تُسأل بين يدَي ربِّك إلا عن نفسِك، والله أرحمُ بك وبهم منك ومن أنفُسهم.
    بل إن المؤمنَ الصادقَ المُخلِص يُحبُّ أن يُعامل الناسَ بما يُحبُّ أن يُعامِلوه به، على حدِّ قوله – صلى الله عليه وسلم -: «لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُ لنفسه»؛ رواه البخاري.
    ويقول ابن رجبٍ – رحمه الله -: “إنما يُحبُّ الرجلُ لأخيه ما يُحبُّ لنفسِه إذا سلِم من الحسَد والغلِّ والغشِّ والحِقد”.

    ومن لطائِف معنى هذا الحديث: ما ذكرَه أبو الزناد، حيث قال: “ظاهرُه التساوي، وحقيقتُه التفضيل؛ لأن الإنسان يُحبُّ أن يكون أفضلَ الناس، فإذا أحبَّ لأخيه مثلَه فقد دخلَ هو في جُملة المفضُولين”.
    يُؤكِّدُ ذلك ما رُوي عن الفُضيل بن عِياض أنه قال لسُفيان بن عُيينة: “إن كنتَ تُريدُ أن يكون الناسُ كلُّهم مثلَك فما أدَّيتَ النصيحة، كيف وأنت تودُّ أنهم دُونَك؟!”.

    أما أنت – أيها المُبتلَى بالشامِتين -: فلا تحزن ممن يشمتُ بك أو يسخرُ، واستحضِر مواقِف الأقوام من أنبيائِهم حين سخِروا منهم واستهزأوا بهم، فكان النصرُ والعلُوُّ، وقد قال – عزَّ شأنُه -: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) [الأنعام: 10].
    وقُل لهم: صبرًا فإن أيام الدنيا دوَّارة، والأحوال مُتغيِّرات مُتقلِّبات.
    بل إن عُمر بن عبد العزيز – رحمه الله -: “ما رأيتُ ظالمًا أشبَه بمظلُوم من الحاسِد، غمٌّ وإثم، ونفَسٌ مُتتابِع”.

    فحقٌّ على أهل الإيمان أن يدَعوا الأحقاد والأضغان، وأن يتجنَّبوا الشماتةَ في إخوانهم، فذلك مجلبةُ التفرُّق والتنازُع والتنابُز بالألقاب، والبغضاء. وكيف تصدرُ الشماتةُ من مُسلم وهو يقولُ في وِرده كلَّ صباح: «اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنك وحدَك لا شريكَ لك، فلك الحمدُ ولك الشُّكر».

    فحقٌّ أن يعكِسَ هذا الذكرُ صفاءَ قلبِ المؤمن ورحمتَه ومودَّتَه للخلق كلِّهم، فضلاً عن أن يُحبَّ أن يَحيقَ بالناس كربٌ أو بلاءٌ أو تعاسةٌ أو مكروهٌ، ولا تجتمعُ الرحمةُ الغامِرة مع القسوة الشامِتة.
    أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].

    يقول الحافظ ابن القيم – رحمه الله -: “إن تعييركَ لأخيك بذنبِه أعظمُ إثمًا من ذنبِه، وأشدُّ من معصيته؛ لما فيه من صَولَة الطاعة، وتزكية النفس وشُكرها، والمُناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاك باءَ به، ولعلَّ كسرتَه بذنبه وما أحدثَ له من الذلّة والخضوع والازدِراء على نفسه، والتخلُّص من مرض الدعوى والكِبر والعُجب، ووقوفه بين يدَي الله ناكِس الرأس، خاشِع الطرف، مُنكسِر القلب أنفعُ له وخيرٌ من صَولَة طاعتِك وتكثُّرك بها، والاعتِداد بها، والمنَّة على الله وعلى خلقِه بها.
    فما أقربَ هذا العاصِي من رحمة الله، وما أقربَ هذا المُذلَّ من مقتِ الله. فذنبٌ تُذلُّ به لديه أحبُّ إليه من طاعةٍ تُذلُّ بها عليه.

    إنك أن تَبيتَ نائمًا وتُصبِح نادمًا خيرٌ من أن تَبيتَ قائمًا وتُصبِح مُعجَبًا؛ فإن المُعجَب لا يصعَدُ له عمل، وإنك إن تضحَك وأنت مُعترِف خيرٌ من أن تبكِي وأنت مُذلّ، وأنينُ المُذنِبين أحبُّ إلى الله من زجَل المُسبحين المُذلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذنب دواءً استخرجَ به داءً قاتلاً هو فيك ولا تشعُر.
    فلله في أهل طاعاته ومعصيته أسرار لا يعلمُها إلا هو، ولا يُطالِعُها إلا أهلُ البصائر، فيعرِفون منها بقدر ما تنالُه معارِفُ البشر”. اهـ كلامُه – رحمه الله -.

    ألا فاتَّقوا الله – رحمكم الله -، فطُوبَى لمن شغلَه عيبُه عن عيوب الناس، وويلٌ لمن نسِيَ عيبَه وتفرَّغ لعيوب الناس، والمُسلمُ في دعائِه يرفعُ يديه لمولاه: ربِّ لا تكِلني إلى نفسي طرفةَ عينٍ، واغفر لي ولوالديَّ وللمُؤمنين يوم يقوم الحساب.
    فضيلة الشيخ الدكتور :صالح بن عبدالله بن حميد

    رابط الموضوع : http://www.assakina.com/news/news1/7...#ixzz3qneWhj72

    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2009
    الدولة
    الجزائر العاصمة
    المشاركات
    944

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا أخانا الكريم على هذا النقل النافع إن شاء
    وجزى الله خيرا شيخنا الفاضل صالح بن عبدالله بن حميد -حفظه الله- على هذه الرسالة الرائعة
    وهذه الأمراض سمّة الكثير من المسلمين في هذا الزمان لإنتشار الجهل والعزوف عن العلم وانعدام التربية
    لكن يصيبنا الإحباط عندما نجدها عند أهل العلم وطلاب العلم خاصة... وإن لله وإن إليه راجعون

  3. افتراضي

    طهر الله نفوسنا!
    ونعوذ بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي

    بارك الله فيك، وأحسن إليك.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •