هذه مقدمة -تمثّل لبنة في فهم هذه الدعوة الإصلاحية التي ظهرت في نجد وشاع نورُها في تسديد أمر الدين في بلادٍ كثيرة في الجزيرة وفي غيرها.
وذلك لأن كثيرين في هذا الزمن من رغِبُوا عن العقيدة الصحيحة ومنهج السالف الصالح فيها.
وأيضا كثيرون في هذا الزمن من رغب في الدعوة السلفية وفي صفات السلف الصالح؛ لكنهم لم يتهجوا أئمة هذه الدعوة في دعوتهم وفي صِلاتهم وفيما يقررونه ويكتبون.
وأيضا تتضح أهمية هذا الموضوع أنّ الانتساب لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في هذا الزمن رغِب فيه غلاة؛ نسبوا أنفسهم إلى هذه الدعوة، ولا يصحّ لهم هذا الشرف؛ لأنهم لم يأخذوا بكل منهج أئمة الدعوة في ذلك الذي اقتفوا به أثر السلف الصالح في ذلك؛ بل غلو في ذلك وأخذوا جملا من كلامهم ونزّلوها على مرادات الأهواء.
وهناك أيضا طائفة أخرى جفت وانتسبت إلى دعوة السلف؛ لكنها تساهلت في أمر التوحيد والاعتقاد؛ بل في أمر الدين حتى صاروا مفرّطين في انتسابهم لهذه الدعوة التي هي في الواقع دعوة إصلاحية في أمر ديننا.
هدى الله جل وعلا إليها -يعني في تجديد أمر الدين- الإمام المصلح شيخ الإسلام أبا عبد الله وأبا علي محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي المُشَرَّفِي التميمي المولود سنة (1115هـ) والمتوفى سنة (1206هـ) في الدرعية.
وكلكم يعلم سيرة هذا الإمام، وطرفا كثيرا أو قليلا من مؤلفاته رحمه الله تعالى؛ ولكن الشأن في أنّ منهج هذا الإمام لم يبسط للناس في التعرف على مفرداته؛ في كيفية تقريره لمسائل العلم في العقيدة أولا وفي التوحيد، وفي مسائل الفقه والاختلاف، وفي الاستدلال، وأيضا في السير، وأيضا في مسائل العمل والسلوك والتربية، وأيضا في مسائل العلاقة مع ولاة الأمور وواجبات كل أحد بحسبه في ذلك.
ونحمد الله جل وعلا أن جعل الأكثرين في هذه البلاد وفي غيرها يحرصون على تعرف منهج السلف الصالح في مسائل العقيدة وفي المسائل التي ذكرنا، وعلى طريقة أئمة السنة والجماعة في هذه المسائل، ولاشك أن هذا من المطالب المهمة؛ لأن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ حذر وأنذر فقال «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة»، وفي رواية قال «هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي»، وأيضا حَذَرًا وخوفا من قول الله جل وعلا ?وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ?[الأنعام:153]، وحذرا من قول الله جل وعلا ?وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ?[هود:118-119].
ولهذا فإن الحريص على آخرته والحريص على النجاة لابد له أن يرجع إلى ما كان عليه أئمة السلف الصالح - فيأخذَه بلا غلو ولا جفاء، فيأخذه بلا شدة ولا ارتخاء؛ بل على نهج وسط فيه ظُهور الحق وفيه الرحمة بالخلق، كما كان على ذلك أئمتنا رحمهم الله تعالى.
وأيضا تظهر أهمية هذا الموضوع في هذا الزمن في أن عمق العلم والنظر قلّ، غلب عليه العاطفة والحماس عند الأكثرين، فيُتَلَمَّس شيء من هدي أئمة السلف أو ما كان عليه أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى جميعا، فيقال: إن هذا هو منهج أئمة الدعوة، وهذا هو الذي قرره أئمة الدعوة، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ونحو ذلك، في مسائل قد يتقاصر الكثيرون حين يقررونها عن تَدَرُّس المنهج في تتبعه، وهذا من الاستعجال ومن القضاء بغير علم،
......نرى في هذا الزمن كثر الكلام على منهج أئمة الدعوة هذا هو الذي يقرره أئمة الدعوة قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هذا هو منهج ابن تيمية هذا هو منهج ابن القيم، هذا منهج السلف، وكثير منها قضاء بغير علم كما يعرفه المتبصر في هذه المسائل والناس في ذلك ما بين غالٍ فيها وما بين جافٍ، وهذه الأمة وسط ?وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا?[البقرة:143]، وكذلك وسط بين طرفي الغلو والتفريط.
إذا تبين هذا فإن الإمام المصلح مجدد أمر الدين في زمانه محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى كان مقتفيا لأثر من قبله؛ حتى إنه لا يُعرف له في مسألة أنه تكلم فيها من غير سابق له من أئمة الإسلام، وإنما كان يتّبع من قبله من الأئمة وخاصة الإمام أحمد بن حنبل الشيباني رحمه الله المتوفى 241هـ، والإمام ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ والعلامة ابن القيم والحافظ الذهبي وابن كثير ونحو ذلك من العلماء الذين قرروا منهج السلف بوضوح.
فإذن هو في منهجه متّبع لأئمة الإسلام من أئمة السلف الصالح فمن بعدهم، ولم يكن في منهجه مبتدعا منهجا جديدا، لا في العقيدة ولا في العلم ولا في التعامل بأي نوع من التعامل.
لهذا إذا تكلمنا على منهجه في الواقع في تقرير العقيدة فإنه منهج للسلف الصالح؛ لكنه ظهر أكثر في كلام الإمام لأجل أنه صاحبه دعوة وجهاد ونشر الخير ومعاداة، وهذا ستظهر فيه –يعني هذا الواقع- تظهر فيه معالم المنهج أكثر؛ لأنه يحتاج إلى تطبيق على بعض الوقائع.
ما هي العقيدة أو التوحيد الذي نبحث في منهجه فيه؟
العقيدة والتوحيد: علم يبحث في حق الله جل وعلا على عباده، وما يتصل بنعوت الرب جل وعلا وأسمائه سبحانه وتعالى والأمور الغيبية، وهذا يدخل في أركان الإيمان الستة؛ الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.
والعقيدة والتوحيد بينهما تلازم؛ لكن بينهما فرق، وذلك أنّ العقيدة تشمل شرح أركان الإيمان هذه يعني ما يتصل بتوحيد الله جل وعلا والإيمان به بتوحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته والإيمان ببقية أركان الإيمان الستة، وما يتصل بذلك مما خالف فيه أهل السنة والجماعة الفرق الضالة بأنواعها في مسائل التلقي في مسائل التعامل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة ولاة الأمور وفي الموقف من زوجات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمهات المؤمنين والصحابة إلى آخر ذلك، وفي الأخلاق والسلوك التي يكون عليها أهل هذا الاعتقاد، كما قرره ابن تيمية في الواسطية حيث جعلها ثلاثة أقسام كما هو معلوم للدّارس.
أما التوحيد فهو أخص من العقيدة، ويُعنى به تقرير حق الله جل وعلا على عباده، وهو ما يستحقه سبحانه وتعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأعظم هذا وأفضله هو عبادة العبد للواحد الأحد وحده دونما سواه، وهو المسمى بتوحيد العبادة.[منهج الامام محمد بن عبد الوهاب فى العفبدة - للشيخ صالح ال الشيخ]...تابع