" بسم الله الرحمن الرحيم "
" شرح الأصول الستة "
" الأصل الأول "
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله-: " اخلاص الدين لله وحده لا شريك له وبيان ضده الذي هو الشرك بالله وكونُ أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوهٍ شتى بكلام يفهمه أبلد العامَّة ثم صار على أكثر الأمة ما صار أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين واتباعهم ".
الشرح:
قوله: اخلاص الدين لله وحده. أي افراد الله بالعبادة والمراد بها هنا الدين ومنه قوله تعالى: " ألا لله الدين الخالص " [الزمر]. الإخلاص في اللغة: التنقية والعرب تسمي الأبيض بالخالص لانه نقي لا يخالطه أي لون. وفي الشرع: أن يبرئ نفسه من كل لوث وشرك بالله-عز وجل-. قال تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " [البينة]. فائدة: لا تقبل العبادة إلا بشرطين: 1- الإخلاص لله. 2- المتابعة للنبي-صلى الله عليه وسلم-. قال تعالى: " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " وقال سبحانه: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً " [النساء].
وعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " [رواه البخاري] أي مردود عليه.
قال الفضيل بن عِياض في قوله تعالى: " ليبلوكم أيكم أحسنُ عملاً " قال: أخلصه وأصوبه قيل يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إن كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل والخالص ما كان لله والصواب ما كان على السنة ". ومن الأيات الجامعة لهذين الشرطين قوله تعالى: " قل إنما أنا بشر مثلكم يُوحى إليَّ أنما إلهاكم إله واحد*فمن كان يرجو لقاء ربه فليعملْ عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادةِ ربِّه أحداً " [الكهف].
قوله: لا شريك له. أي في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
قوله: وبيان ضده. أي توضيح ضد الإخلاص. والبيان: إظهار المقصود بأبلغ لفظ
(فوائد في الإخلاص)
1- لا يجتمع الإخلاص في قلب الإنسان والمدح والثناء فهما ضدان لا يجتمعان كما لا يجتمع الماء والنار.
2- لا يجتمع الإخلاص في قلب الإنسان والطمع الدنيوي قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد الخميصة إن أعطي منها رضي وإن منع سخط ".
3- المخلص لا يحب الشهرة. جاء عن أحد السلف أنه كان إذا كثر طلابه عنده قام عنهم خوفاً من الشهرة.
فائدة: المادح لا يقدم شيئاً ولا يؤخر وكذلك الذام جاء اعرابي للنبي-صلى الله عليه وسلم-فقال: إن حمدي زين وذمي شين فقال: ذاكم الله-عز وجل-.
قوله: الذي هو الشرك بالله: فمن صرف عبادةً لغير الله صار مشركاً.
الشرك نوعان: شرك أكبر وشرك أصغر. الشرك الأكبر: هو ما أطلق عليه الشارع شركا وكان متضمناً خروج الإنسان من الملة وهو محبط للأعمال وهو أعظم ذنب عُصِيَ اللهُ به. كالذبح والنذر والدعاء والتوكل لغير الله أو الخوف من الشياطين أن يمرضوه أو دعاء الأموات.
الشرك الأصغر: هو كل لفظ قولي وفعلي أطلق عليه الشارع لفظ الشرك ولكنه لا يخرج الإنسان عن الملة. كالحلف بغير الله وتعليم التمائم والرياء.
الشرك الأصغر ينقسم إلى قسمين: 1-ظاهر. 2- خفي. الظاهر ينقسم إلى قسمين: 1- قولي. 2- فعلي.
القولي: كقولهم ما شاء الله وشئت أو لولا الله وفلان قال رجل: للنبي-صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله وشئت فقال: أجعلتني لله نِداً؟ فقل: ما شاء الله ثم شئت. لأن ثم تفيد الترتيب والتراخي فتجعل مشيئة العبد بعد مشيئة الله " وما تشاءون إلا أن يشاء الله ". أما الواو فهي لمطلق الجمع.
الفعلي: كتعليق التمائم خوفاً من العين والبلاء وهنا أنبه على مسألة إن كان يعتقد أنها تنفع وتضر من دون الله فهذا شرك أكبر وإن كان يعتقد أنها سبب في ذلك فهذا شرك أصغر. والشباب الذين يلبسون الأساور والمطاطات في أيديهم إن كانوا يعتقدون أنها تنفع وتضر من دون الله فهذا شرك أكبر وإن كانوا يعتقدون أنها سبب في ذلك فهي شرك أصغر وإن كانوا يلبسونها تشبها بالغرب وموضة فهي معصية من الكبائر.
الخفي: كالرياء وهذا قل من ينجو منه من الناس فيحتاج إلى جهاد عظيم. عن محمودِ بن لَبيدٍ أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء " [رواه أحمد].
فائدة: الشرك من أعظم الذنوب قال سبحانه: " إن الشرك لظلم عظيم " وقال: " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " وعن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- قلت يا رسول الله: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: " أن تجعل لله نِداً وهو خلقك " [متفق عليه]ٍ.
فائدة: رتب العلماء الذنوب على أربع درجات
1- الكفر والشرك. 2- البدع. 3- الكبائر. 4- الصغائر.
قوله: وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى. أي أكثر أيات القرآن جاءت لبيان هذا الأصل الكبير وهو وجوب إخلاص العمل والعبادة لله والنهي عن الشرك. فتارةً بالأمر بالإخلاص قال سبحانه: " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ". وتارةً بالتحذير من الشرك وبيان خطورته قال سبحانه: " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأوئه النار وما للظالمين من أنصار ". وتارةً بيبان أنه المقصود ببعثة الرسل قال سبحانه: " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليهم الضلالة ". وتارةً بيبان عظم أهله وما أعده لهم قال سبحانه: " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ".
وتارةً بيبان أنه المقصود ببعثة الخليقة قال سبحانه: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " أي ليوحدون. وتارةً بيبان أنه المقصود من إنزال الكتب قال سبحانه: " ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ".
قوله: بكلام يفهمه أبلد العامة. البليد: نقيض الذكاء رجل بليد إن لم يكن ذكياً.
من رحمة الله بنا أن جعل أيات التوحيد سهلة وميسرة يفهمها كل عامي وكل من قرأها.
قوله: ثم صار على أكثر الأمة ما صار. أي لما ترك الناس الصراط المستقيم انحرفوا عن الهدي المستقيم هدي النبي-صلى الله عليه وسلم-.
قوله: أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم. أي أظهر لهم الإخلاص في صورةٍ مذمومةٍ قال سبحانه: " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ".
قوله: وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين واتباعهم. أي جعل شركهم بالله في صورة محبة الصالحين من الأولياء والأنبياء والملائكة وغيرهم فجعلهم يظنون أن محبة الصالحين والتقرب إليهم من صنوف العبادات ليس بشرك.
قال تعالى: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشدُّ حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب ".