تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: كبوة " سيبويه"

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    541

    افتراضي كبوة " سيبويه"

    كبوة " سيبويه"

    بقلم / د / زينب عبد العزيز


    ليسمح لي الأستاذ شريف الشوباشى ، الذى أكن له كل تقدير لدماثة خلقه من تعاملاتى معه كفنانة تشكيلية، أن أوضح عدة نقاط أساسية حول كتابه الجديد ، من خلال تجربتى مع ترجمة معانى القرآن الكريم بالفرنسية ، ومن خلال متابعتي لموقف الغرب من الإسلام الذى أفردت له أكثر من عشرة مؤلفات..

    وإن كان المثل يقول : إن لكل حصان كبوة ، فمن المؤسف أن نبدأ بقول : إن كبوة المطالبة بسقوط سيبويه هى كبوة فادحة ، أو إن شئنا الحق : أنها ضربة ناسفة لثوابت الأمة العربية و وجودها ! و لا أفهم كيف لم يدرك الأستاذ شوباشى ، مع اتساع ثقافته ، أن الكتاب برمته يندرج تحت منظومة " اقتلاع الإسلام" التي حددوا لها هذا العقد الأول من الألفية الثالثة لإتمامها ، فقد أطلقوا عليه عقد "اقتلاع الشر" الذي هو الإسلام فى نظرهم.. وأن الكتاب تكرار ممجوج لمطالب المستشرقين لاقتلاع لغة القرآن ، و يزخر بالعديد من التناقضات والمعلومات المبتورة التي تؤدى إلى عرض غير موضوعى للقضية التى هى هنا : حال اللغة العربية و ما آلت إليه ..

    من المعروف أن اللغة العربية من اللغات السامية ، وأنها تختلف عن اللغات اللاتينية ، و أنها تنعم بمرونة فائقة وذلك لأنها تتضمن إمكانية شاسعة للاشتقاقات ، والفرق بين الاصطلاح العربي وأي اصطلاح غربي يكمن في تلك الإمكانية الشاسعة للغة العربية ، فالجذر عادة ما يعطى قرابة 80 اشتقاقا ، وأحيانا يصل إلى 220 أو أكثر ! كما أن اللغة العربية تتضمن إضافة إلى ذلك سهولة كبرى فى صيغ النحو ومرونة متناهية في القواعد ، ترجع إلى نظام خاص لجذور الأفعال و مرونتها ، و تنوع لاشتقاقات متعددة ، الأمر الذي يسمح بثراء لا مثيل له فى المفردات ، و برهافة موضوعية في الفوارق التي لا يمكن ترجمتها الترجمة الدقيقة إلا باللجوء إلى اشتقاق كلمات جديدة فى اللغة المترجم إليها.

    إن جذور اللغة العربية وهيكل الاشتقاق منها ثرية بصورة كاملة وتامة حتى إن الجذر الواحد يُشتق من مصدره : اسم المصدر والفعل بصيغه المختلفة ودلالات كل صيغة واسم الفاعل والمفعول والصفة الشبيهة إلى آخر ما هنالك من تصريف تجعل اللغة العربية تعلو ولا يعلى عليها.

    كما يجب أن نأخذ فى الاعتبار أن كل واحد من هذه الاشتقاقات يتضمن اختلافا فى المعنى أو فى الدرجة ، و ليست مجرد مزايدة فى عدد المترادفات .. الأمر الذى يوضح مدى اتساع ومرونة ودقة اللغة العربية من جهة ، وأهمية مراعاة التشكيل من جهة أخرى حتى تكون الترجمة دقيقة ولا تخل بالمعنى ، فلا يعقل أن نرمي بكل هذا الثراء اللغوي لمجرد محاكاة الغرب أو الانصياع لأوامره !

    وكم كانت فجيعتي عندما صُدمت بالفرق الشاسع بين اختلاف وعاء اللغتين ، العربية والفرنسية ، إذ إن مميزات اللغة العربية تسمح لها بأن تكون أكثر اتساعا بعشرات المرات من اللغة الفرنسية ، بل وكم كانت دهشتي عندما صُدمت بأن اللغة الفرنسية كثيرا ما لا نجد بها صيغة الفعل ، أو الصفة ، أو أنها لا تعرف المثنى ولا المؤنث لبعض صيغ التصريف كفعل الأمر وغيرها ، وكلها من أساسيات اللغة !

    إن اللغة العربية تمتلك العديد من المصطلحات لتحديد الفرق الدقيق بين الحالات المختلفة التى لا مقابل لها فى اللغات الأخرى وخاصة الفرنسية ، الأمر الذى يضع المترجم أمام ثلاثة اختيارات : ترجمة الكلمة بتركيبة تعبيرية أو بجملة تفسيرية ، الكتابة الصوتية للكلمة ، أو البحث عن اشتقاق جديد ، والاشتقاق الجديد يمثل بالفعل إحدى المشكلات الكبرى فى مجال الترجمة ، ومن المعروف أنه لتلافي هذا النقص الشديد للمفردات فى اللغة الفرنسية فإنه يتم رسميا اشتقاق حوالي ألفي مصطلح كل عام ، وإن دل هذا الجهد الوطنى على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام أصحاب اللغة الفرنسية بترسيخها وزيادة مفرداتها لجعلها تواكب التقدم العلمى ، وليس تقويضها بزعم تبسيطها.. ولا أخال الأستاذ شوباشى يجهل المعارك التى يقودها علماء اللغة فى فرنسا للحفاظ على لغتهم وحمايتها من أية تدخلات لكلمات أجنبية ، وكم يحاربون إقحام بعض العبارات التى تتسلل عبر ممارسات الحياة اليومية ومختلف وسائل الإعلام.

    والفرنسية ليست " طيّعة وسهلة ومباشرة " بالبساطة التى يطرحها الأستاذ شوباشى فى كتابه ، فالمئات إن لم تكن الآلاف من الكلمات الفرنسية لها أكثر من معنى أساسي واحد إضافة إلى المعاني الناجمة عن وضعها فى الجملة أو ما يلحق بها من كلمة أو كلمات ، فعلى سبيل المثال : كلمة pied وتعنى : رجْل ، و قدم ، ووحدة قياس (33 سم) ، وأحد أوزان الشعر ، ويفهم أي معنى من هذه المعانى الأساسية من سياق الجملة أو الموضوع.

    وإذا ما أضيفت لها كلمة أو كلمات تكوّن عبارة واحدة أو تركيبة لغوية فإنها تصل إلى 57 معنى مختلفا ! وكلمة acte تعني : فصل من مسرحية ، وعمل ، وفعل ، وصيغ ، وتصرّف ، وحُكم ، وقرار، ومرسوم ، وعَقد ، وكلها معان أساسية لنفس الكلمة نطقا وكتابة ، بخلاف ما تعطيه من معان وفقا لما يضاف إليها من كلمات لتصل إلى 27 معنى مختلفا ! وكلمة composition تعنى : تركيب ، وتكوين، ومزج ، وخلط ، وموسيقى ، وموضوع إنشاء ، وكلها معان أساسية بخلاف ما يضاف إليها من معان لا تفهم إلا من سياق الحديث ومن معرفة التراكيب اللغوية .

    وهو ما يندرج تحت مشكلات ما يسمى بالـ homonyme و الـ synonyme أي المتجانس لفظا والمترادف ، فالمتجانس لفظا هنا هي الكلمة التي تحمل نفس الشكل كتابة لكلمة أخرى ، ولا تحمل نفس المعنى ، مثال كلمة :son تعنى صوت ، و son تعنى ضمير ملكية للغائب ، و son تعنى نخالة القمح ( الردّة ) .. بل نفس كلمة son بمعنى صوت تشير إلى مجال أى حقل صوتى ناجم عن موجة صوتية ما ، و إلى أى ذبذبة صوتية من حيث درجة الحدّة ، و إلى درجة ارتفاع أو انخفاض كثافة الصوت ، وإلى مجمل تقنيات التسجيل والنسخ خاصة في مجال السينما والإذاعة والتليفزيون إذا ما دخلت فى تركيبة لغوية مثال tache de son وتعني النمش والذي يقال له أيضا tache de rousseur .. وكل هذه الاختلافات في المعنى لا تفهم إلا من سياق الكلام أو من موضع الكلمة فى الجملة .. والمترادف هو الكلمة التى تتقارب فى المعنى ولا تحمل نفس الشكل كتابة مثال rompre, casser, briser وتعني يكسر ، وهناك العديد من القواميس المتخصصة فقط فى كلمتي الجناس والمترادفات ..

    ولا أبالغ إن قلت : إن هناك في اللغة الفرنسية من الصعوبات اللغوية التى لا يمكن لعقل أن يستوعبها كلها لدرجة أنه توجد قواميس متعددة لهذه الصعوبات ، ومن أشهرها القاموس المعنون « Pièges et difficultés de la langue française » أي " فخاخ وصعوبات اللغة الفرنسية " الصادر عام 1981 عن دار بورداس وهي من كبرى دور الموسوعات العلمية اللغوية ، ويقع في تسعمائة صفحة.. وهناك العديد من المراجع المتخصصة فى كيفية تفادي الأخطاء الإملائية ، ولا ننسى الإشارة إلى صعوبات الشكلة أو ما يطلقون عليها الـaccent وهي علامة توضع على بعض الأحرف المتحركة في العديد من الكلمات ، وتغيّر تماما من معناها مثال كلمة pêcher وتعني صيد السمك ، و pécher و تعني يأثم أو يخطئ ، و كل من العلامتين ê و é تفتح الحرف فى النطق مثل علامة الفتحة فى اللغة العربية وإن كان التفاوت فى المعنى شاسعا.. و من الواضح أنه لولا صعوبة اللغة الفرنسية و تعقيداتها الحقيقة لما أفرد لها العلماء هذا الكم من المراجع البحثية اللغوية لمعاونة أبنائها على إجادتها و ليس على مسخها أو طمس معالمها من الوجود مراضاة لأغراض غير أمينة..

    كما أن اللغة الفرنسية لها لغتها العامية الدارجة " argot " بل و لكل مهنة من المهن عاميتها ، ولا أقول شيئا عن عامية الطلبة فى المدارس والجامعات .. وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر ، ناهيك عن صعوبة الهجاء و الأحرف التي تكتب ولا تنطق وتصريفات الأفعال العادية والشاذة والاستثناءات .. فكل لغة من لغات العالم لها مميزاتها ومشكلاتها ، ولم نر أي مسئول في أي دولة من دول العالم يفرط فى أساسيات لغته وثوابت تراثه بل ودينه مثلما يفعل هذا الكتاب !

    أما من ناحية موقف الغرب المسيحى المتعصب من الإسلام ، فلقد كانت اللغة العربية ولا تزال هدفا من الأهداف الأساسية لهجوم المستشرقين والمبشرين ، وقد بذلوا جهودا مستميتة لإثبات صحة ما يقولونه من فريات حول اللغة العربية من قبيل اتهامها بالقصور والعجز والتعقيد ، كما حاولوا محاربتها بتدعيم تعليم اللهجات المحلية أو العامية وإحلالها محل الفصحى ، وتشجيع كتابة الأدب والشعر بالعامية والحث على عمل المسابقات وإنشاء الجوائز والإسهاب في دعمها بالمقالات المؤيدة ، وما أكثر الكتب التى صدرت عن هيئات أجنبية أو كنسية وغيرها لتعليم العامية ، وتدريس هذه اللهجات المحلية فى الجامعات على نطاق لافت للنظر بهدف زعزعة الفصحى لغة القرآن الكريم.

    ولا يمكن للغرب المسيحى الذى مر بتجربة مغايرة تماما مع نصوصه المقدسة التى لا تكف عن التغيير والتبديل مع كل طبعة تقريبا ، ولا نذكر هنا على سبيل المثال إلا محاولات البابا يوحنا بولس الثانى " تبديل وتعديل" سبعين آية من آيات الأناجيل المعتمدة لكى يحقق وحدة الكنائس التى يجاهد من أجلها حتى " يتصدوا للمد الإسلامى" كما يقول (راجع كتاب الجغرافيا السياسية للفاتيكان) .. إن مثل هذا الغرب لا يمكنه أن يدرك مدى تمسك المسلمين بالقرآن و لغته التي يتعلمون منها دينهم وتعاليم حياتهم الدنيوية والأخروية ، كما أنه لا يمكن أن يدرك ذلك الإجلال الراسخ الذى يخصونه به.

    ولا ندرى كيف فات أو غاب عن الأستاذ شريف الشوباشى أنه فى هذا الكتاب يعيد نفس مطالب المستشرقين المتعصبين ، من خلال أسانيد مبتورة أو مغلوطة ، و منها :

    تكرار التذرع بصعوبة اللغة العربية الأمر الذى أدى إلى تهميشها على الصعيد العالمي ، لكنه أغفل ذكر أن منظمة اليونسكو قد أدرجتها فى النصف الثانى من القرن العشرين ضمن لغاتها الرسمية التى تتعامل بها أسوة بالإنجليزية والفرنسية ؟! والاستشهاد بأن فيكتور هيجو قد تجرأ على التغيير والتحديث ، وأغفل ذكر أنه لم يمس قواعد اللغة الفرنسية وأجروميتها ، فمعركة "هرنانى" نقلت استلهام قواعد المسرح من قدامى اليونان والرومان إلى أرض الواقع المعاصر .

    وتكرار "أن اللغة العربية عائق لتقدم العالم العربي وازدهاره " ، وتناسى دور الاستعمار والاستشراق والتبشير في فرض التغريب وعمليات الغرس الثقافي.. والإشادة بأن الفرنسيين لا يخطئون في الهجاء ، ولعله لم يطالع ما تزخر به الصحف الفرنسية الرسمية من مقالات ساخرة أيام نتائج امتحانات الثانوية العامة (الباك) ، بل لعله لم يسمع عن أخطاء فولتير الإملائية الشهيرة والتي لم تكن سببا فى يوم من الأيام فى اتهام اللغة الفرنسية أو حتى فى الانتقاص من مكانة فولتير! والتقريظ بأن اللغة العربية "تحتل موقع لا تحسد عليه فى مجال النشر" إذ يقع ترتيبها رقم 22، متناسيا أن السواد الأعظم من العالم الإسلامى والعربي يعيش فيما حول وتحت حزام الفقر " بفضل" الاستعمار والتحكم في الاقتصاد والثروات عن طريق البنك الدولى وصندوق النقد الدولي المفروضين على الحكومات .

    وتكرار أن هبوط مستوى تعليم اللغة العربية يرجع إلى صعوبتها ، متغافلا أن انحطاط مستوى التعليم بالمدارس وتدنى مرتبات المدرسين وتكدس الطلبة في الفصول هو السبب الحقيقى الذي يؤدي إلى دوامة الدروس الخصوصية وتبريرها ، وهو السبب الحقيقي لتدني المستوى اللغوي ..

    والغريب هنا أن الأستاذ شوباشى يعلم ويشير إلى "أن السلطة الفرنسية (كدولة من دول الاستعمار) تفرض لغتها فى المدارس وتحارب العربية ، وتسعى لتقليصها بقدر المستطاع" و إن كان فى الواقع ليست السلطة الفرنسية وحدها وإنما كل السلطات الاستعمارية وأولها حاليا الولايات المتحدة الأمريكية .. و ذلك إضافة إلى اختلاق بعض الموضوعات والرد عليها من باب المزايدة فى نقد اللغة العربية و اتهاماتها.

    والأمر الأكثر مرارة وألما - ولا ندرى كيف لم يدركه الأستاذ شوباشى – أن نراه يردد أقوال المستشرقين من أن القرآن قد نزل لقوم بعينهم وفى زمن بعينه ، وأن اللغة العربية كما ورثناها لا تلائم العصر ، ويعتبر- مثلهم - أن الثبات على الأسس الواضحة والثوابت التراثية الراسخة عبارة عن " تخلّف وتحجّر" !.. وتكرار أن الجامعات الأمريكية والغربية تقوم بتدريس اللهجات العامية لذلك علينا أن نحذو حذوهم ونساهم في اقتلاع لغتنا بأيدينا .. وأن اللغة العربية أصبحت إحدى العقبات فى سبيل انطلاق العقل العربي ، لذلك نراه يدعو صراحة : " لنقم نحن بثورة فى اللغة العربية اليوم بدلا من أن يُفرض علينا الأمر الواقع " .. أي ما معناه ليكن الهدم بيدنا لا بيد عمرو كما يقول ، أم ترى التعليمات قد صدرت بالفعل بذلك الهدم ، وأن هذا الكتاب وغيره ليس إلا من قبيل التمويه أو من باب العلم والإحاطة ؟..

    ولا نفهم أي معنى لإقحام فصل بأسره بعنوان " المسيحيون والعربية " ؟! هل أصبحت المسيحية والمسيحيون من المقررات المفروض حشرها فى كل شىء أم ما الذي أصابنا ؟! إن ما يخرج به القارىء من محتويات هذا الفصل لا يحسب لهم بل عليهم ، وبالتالي يقلل من شأنهم .. فهم "وحدهم" الذين برعوا فى العلوم ، وهم "وحدهم" الذين قاموا بعمليات الترجمة أيام عصر الظلومات الغربية والتي بفضلها قامت النهضة الأوروبية - وكأنه بذلك يسحب البساط من تحت أقدام علماء المسلمين ليرجع الفضل كله فى النهضة الأوروبية إلى النصارى وحدهم ، وهم "وحدهم" الذين أدخلوا المطابع بالحروف العربية ، ثم يدرج أسماء القساوسة والآباء الذين أدخلوها وأسماء الأديرة المختلفة الملل التى تنافست على طباعة كتاب المزامير والأناجيل .. والغريب هنا أن المؤلف لم يدرك أن ذلك الحماس يدخل تحت باب التبشير والتنصير !! وهم "وحدهم" - وفقا لكتاب الأب لويس شيخو - الذين كانوا يمثلون كافة الشعراء فى عصر الجاهلية قبل الإسلام ..

    والغريب أن مارون عبود المسيحى قد انتقد ذلك القول كما يورد الشوباشى فى نفس الكتاب، فلمَ إذن حشر هذه المعلومة غير الصادقة لمجرد الإيحاء ، كما زعم الأنبا يوحنا قولته في كتابه عن المسيحية و الألف الثالثة ، أن كل منطقة الجزيرة العربية وكل ما يحيط بها من بلدان حتى مصر كانوا مسيحيين ؟! و إقحام أن اللغة العربية " قد وجهت ضربة قاضية إلى كل اللغات التى كانت متداولة فى المنطقة وأهمها الآرامية وهى لغة المسيح عليه السلام والقبطية وهى لغة أهل مصر قبل الفتح" ..

    ما معنى كل ذلك الخلط التاريخى – لكى لا نقول التحريف المتعمّد للتاريخ بغية الإعلاء من شان المسيحيين فى المنطقة ؟ فالآرامية بها ملامح كثيرة باللغة العربية ، وقد انقسمت إلى ثلاث لهجات فى القرن الثامن قبل الميلاد ، وبعد فتوحات الإسكندر الأكبر سادت اليونانية وإن ظلت بعض اللهجات الآرامية حتى عصر الرومان واندثرت ، فليس الإسلام هو الذى اقتلعها.

    أما القبطية فلم تكن فى أى وقت من الأوقات لغة أهل مصر بأسرها، فقد كانت هناك اللغة الرسمية للحكام اليونان والرومان ولغات الجاليات الأخرى إضافة إلى لغة السواد الأعظم من المصريين القدماء وهى الديموطيقية بعد تطور الهيروغليفية والهيراطيقية التي تلتها.. ألم يدرك الأستاذ شوباشى أن ذلك الإقحام المبالغ فيه للوجود القبطى يدخل تحت بند الدعاية المغرضة لتنصير منطقة العالم الإسلامى الدائر حاليا وإيهام مغلوط بأن المنطقة بأسرها كانت مسيحية وعليها أن تعود إلى ما كانت عليه كما يقولون ظلما و مغالطة ؟!

    ما معنى هذا الإقحام الممجوج أو المفتعل للوجود المسيحي في البلدان الإسلامية والعربية ؟! .. إن المسيحيين في الشرق الأوسط أقلية يبلغ عددها اثنى عشر مليونا ، وفقا لإحصائية الفاتيكان الحريص عليهم ، أقلية يعيشون وينتمون لكل بلد هم فيه ويساهمون في نهضته وتاريخه وحضارته على أنهم جزء لا يتجزأ من شعبه ، فما العيب أو العار أو حتى الخطأ فى ذلك ؟ ما معنى فرض هذا التميز وهذه السيادة الطاغية الآن ؟ لمَ افتعال حساسيات لا ضرورة لها إلا إشعال الحرائق التى تبرر تدخل القوات الأمريكية – كما يطالب البعض. و يا لها من كبوة يا أستاذ شوباشى ، كبوة لا تقل فداحة عن المطالبة باقتلاع اللغة العربية ! ولعلمك ، كون المسيحيين أقلية فى الشرق الأوسط فذلك لا يضيرهم ولا يمس كرامتهم فى شىء .. إنهم جزء من هذه الأمة ، فما الضرر فى هذا الواقع ؟ وما كنت أود أن أضيف : ليت الأقليات المسلمة التى تعيش فى البلدان المسيحية المتعصبة تنعم بربع أو حتى بعشر ما تتمتع به الأقليات المسيحية فى كل شىء ! ويؤسفنى أن أضيف أن هناك من البلدان الغربية المتعصبة من ترفض دفن موتى المسلمين إذا ما ماتوا على أراضيها !

    إن مجرد هذا الفصل المسيحى إضافة إلى باقي المطالب ، التى تعنى فى نهاية المطاف اقتلاع الإسلام من جذوره ، فالقرآن - كما يقول المؤلف وكما تقول كافة المراجع الغربية التى تتناول هذا الموضوع - هو الذي سمح باستمرار اللغة العربية حتى القرن الواحد والعشرين ، و بالتالي فإن اقتلاع اللغة العربية سيؤدي حتما إلى اقتلاع القرآن .. فهل ذلك هو حقيقة ما يسعى إليه الأستاذ شوباشى ، رغم التأكيدات المتناقضة المتناثرة بطول الكتاب وعرضه بأنه لا يقصد المساس بالقرآن ؟ !

    وهنا لا يسعنا إلا أن نسأل : هل فكر سيادته فيما سيكون عليه الحال بعد أن يتم تنفيذ مقترحاته من اختلاق لغة عربية قائمة على لهجات عامية متعددة وحذف التشكيل وإلغاء المثنى ونون النسوة وقواعد الأرقام ، وما إلى ذلك من مقترحات ناسفة للغة العربية ، هل سيكون هناك من يمكنه قراءة القرآن وفهمه بعد جيل أو اثنين ؟!

    إذا ما أخذنا فى الاعتبار المناخ العام الحالي الذي لم يعد بوسع إنسان أن ينكره أو حتى أن يغفله ، وكل ما يدور من محاولات لاقتلاع الإسلام وتنصير العالم ، لأدركنا فداحة هذا الكتاب.. ويكفى أن نعلم أنه فى 4 فبراير 2001 قرر مجلس الكنائس العالمى تحديد هذا العقد (2001-2010) لاقتلاع العنف والشر الذي هو الإسلام، كما يطلقون عليه ، ثم قامت اللجنة المركزية لذلك المجلس بإسناد هذه المهمة للولايات المتحدة الأمريكية للقيام بها لما تتمتع به من قوة عسكرية متفردة بعد أن أطاحت بالاتحاد السوفييتي، كما أن مجلس الكنائس العالمى يعد لإقامة أكبر مؤتمر دولى فى التاريخ تحضره كافة الكنائس المنشقة ، وهى أكثر من ثلاثمائة كنيسة وملّة ، لإقامة أكبر مؤتمر دولي في التاريخ للتبشير والتنصير ، في ضواحي أثينا باليونان. .

    وإذا ما أضفنا إلى ذلك كل ما تم فرضه على العالم الإسلامى من إجراءات لتجفيف الإسلام من المنبع كما يقولون ، ومنها منع تدريس القرآن فى المدارس وتغيير المناهج وإدخال مواد حرفيّة فى المعاهد الأزهرية وعدم بناء مساجد جديدة وهدم ما شيّد منها قبل أن تتم إجراءات الترخيص وتحويل غيرها لاستخدامها في أغراض أخرى وتحديث الخطاب الديني بما يتفق وهذه المطالب الظالمة المهينة وكل تلك الإجراءات المشينة لنا ولكرامتنا كمسلمين ، لكي لا نقول شيئا عن تلك المؤتمرات والندوات والمقالات التي تندرج تحت نفس المنظومة المتواطئة مع الغرب لأدركنا فداحة ما نحن فيه ..

    وهنا لا يسعني إلا أن أضيف للأستاذ شريف الشوباشى ، وكيل أول وزارة الثقافة ورئيس اللجنة الثقافية بوزارة الخارجية كان من الأكرم بدلا من تسفيه اللغة العربية واتخاذ ذلك التسفيه حجة لاقتلاعها أن تكرس كل هذا الجهد المنبت لتدعيم ورفع مستوى اللغة العربية واقتراح رفع مرتبات المدرسين (والميزانية تسمح فهناك من موظفى الدولة من يتقاضون مئات الآلاف من الجنيهات كراتب شهرى) وعمل دورة تدريبية للمذيعين والمذيعات وفرض عدم إقحام كلمات أجنبية على أسماء البرامج والإعلانات من قبيل "ويك إند" و"توب تن" أو "مودرن أكادمى" وعلى لافتات المحال العامة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، لعدم السقوط فى المستنقع الآسن لخيانة اللغة والدين فارتباطهما لا انفصام فيه.. إن كل ما أتى في هذا الكتاب وما يطالب به يعد – كما تقول فى مكان ما به : " بدعة مكروهة ومحاولة شيطانية لتقليد الغرب واقتلاع الدين والثقافة العربية الأصيلة" .

    وما كنت أتصور أن يقبل الأستاذ شوباشى ، الذى نكن له جميعا كل تقدير ، بأن يكون من يقوم أو ممن يقومون بتنفيذ مطلب القس زويمر ، كبير المستشرقين الذى قال من ضمن ما قاله من مطالب فى مطلع القرن العشرين : " لن يقطع شجرة الإسلام إلا أيدٍ مسلمة من الداخل" ..

    عار علينا ، و أى عار..

    المــصــدر
    لأي خدمة علمية من بلدي الإمارات لا تترد في الطلب
    ahalalquran@hotmail.com
    والله الموفق

  2. #2

    افتراضي رد: كبوة " سيبويه"

    بارك الله فيك يا أبا خطاب وجزك خيرا.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    49

    افتراضي رد: كبوة " سيبويه"

    بارك الله في وعي الدكتورة،وشكر الله لها هذه الغيرة على دينها ولعتها،وشكرا لأبي الخطاب على نقله المفيد.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •