السلام عليكم ورحمة الله

نجوم ورجوم
توفيق عمروني الجزائري -حفظه الله-
المحرم 1437 - أكتوبر 2015
منقول من موقع "راية مجلة الإصلاح" الجزائرية

يُشبَّهُ العلماءُ بالنُّجوم؛ والنُّجُوم يُهتَدى بهَا في ظُلمات البر والبَحْر، وكذَلِكَ العُلمَاء يَهتَدي بهم النَّاسُ في ظُلمات الجَهل والغيِّ، وكما أنَّ النُّجومَ زينةٌ للسَّماء، فالعُلماء زينةٌ للأرض؛ وكمَا أنَّ النُّجوم جُعِلت رجومًا للشَّياطين تحُول بَينَهُم وبينَ استراق السَّمع من السَّماء، وكذلِكَ العلمَاء رجومٌ لشياطين الإنس الَّذِين يُوحي بَعضُهم إلى بعض زُخرفَ القَوْل غرُورًا؛ فَالعُلَمَاء رجومٌ لهَذَا الصِّنْف منَ الشَّيَاطِين.

فوظيفةُ العُلماء لا تقتَصر على عَرض الحقِّ وتبليغه، بل مِن صَميم وظيفتِهم الذَّبُّ عن الحقِّ وردُّ الباطل ودفعُ كلِّ مَن يُحاول أن يلبِّس على النَّاس أمرَ دينهم، وقد قصَرَ الحديثُ المشهور ـ على اختلافٍ في ثبوته ـ عملَ العُلماء على ذلك: «يحمِلُ هذَا العِلمَ مِن كُلِّ خلَفٍ عُدُولُه، ينْفُون عنْهُ تحريفَ الغَالين، وانتِحَالَ المُبطِلين، وتأويلَ الجاهِلين»
لهذا انبَرى العلماءُ قديمًا وحديثًا للآراء الباطلة، والأقيسَة الفاسدَة، والمذاهب المنحرفَة واتَّفقوا على نفيها وذمِّها، والتَّحذير منها ومن أصحابها، وصنَّفوا في ذلكَ المصنَّفات نصحًا للأمَّة وأداءً للأمانة، وامتلأت المكتَبةُ الإسلاميَّة بكتب الرُّدود، وأضحَى بيانُ الحقِّ والجادَّة في باب الاعتقاد على طريقتَيْن معلومتَيْن: طريقة العَرض، وطريقة الرَّدِّ.
فتصدَّى العلماءُ لرجْم كلِّ فكر دخيل، وإرسال شُهُب الحقِّ على أهل التَّحريف والتَّبديل، لا يُفزعهم أمرُ الباطل ولا كثرةُ أهلِه ووسائلِه، بل يدكُّون حصونَه ويدحضون شُبهاتِه، ولا يقومون عنه إلاَّ مزهوقًا مغلوبًا من غير تلكُّؤٍ ولا هوادَةٍ، ولا بحثٍ عن أنصافِ الحلول بدعوى الوسطيَّة والسَّماحة؛ فالحقُّ أرفَع مِن أن يُساوَى بالباطل أو أن يُناصفَه.
وانظُر لمَّا سيطَرت الطُّرق الصُّوفيَّة على قُطرنا أيَّامَ الاستعمار رفَع العلاَّمةُ الإبراهيمي شعارَ: «لا صوفيَّة في الإسلام»، ولمَّا اجتاح العالمَ العربيَّ موجةُ القَوميَّة والاشتراكيَّة، كتب الإمامُ ابنُ باز كتابَه «نقد القوميَّة العربيَّة في ضوء الإسلام والواقع»، وصنَّف العلامة ابن عثيمين رسالته «أربعون دليلا في إبطال الاشتراكيَّة»، خلافًا لمَن لم يكن يملكُ نفَسَ العُلماء، ولا سائرًا على سَنَنِهم، فراحَ يبحثُ عن القواسمِ المشتَركة بين الإسلام وبين هذه المذاهب الفاسدة، وكتب بعضُهم «اشتراكية عُمر بن الخطاب»، وآخر «اشتراكيَّة الإسلام» ونحوهما؛ ومثله مَن راح يلفِّقُ بينَ مذهبَيْ الشِّيعة والسُّنَّة ويدعو إلى فكرة التَّقريب بينهما، وأشنع منه من تبنَّى فكرة التَّقريب بينَ الأديان؛ فهذا كلُّه مناقضٌ لصَنيع العُلماء الَّذين ردُّوا بالكلمات الصَّريحة، والقواعد الصَّحيحة؛ ولولاهُم ـ كما قال ابنُ القيِّم ـ: «لطُمسَت معالمُ الدِّين بتَلبيس المضِلِّين، ولكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أقامَهُم حرَّاسًا وحفَظةً لدينِهِ، ورجومًا لأعدائِه وأعداءِ رسُلِه، فهَذَا وجهُ تشبيهِهم بالنُّجُوم». اهـ.

*****
والله الموفق
والحمد لله ربّ العالمين