«مِنح الوَدُود» في بيان طُرق أحاديث «الرايات السّود».

بقلم: خالد الحايك


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ذي الحمد والإحسان والجود، والصّلاة والسَّلام على نبيّه صاحب الحوض المورود والمقام المحمود، وعلى آله وأصحابه الأُسود، ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، أما بعد:

فأحاديث الرايات السود طرقها كثيرة، مرفوعة وموقوفة ومقطوعة، وهي من أشهر الأحاديث في كتب الفتن والملاحم، وكذا أحاديث السفياني.

وكلما تعرضت الأمة لبعض الأحوال خرج علينا أُناس بمثل هذه الأحاديث وصاروا ينزلونها على الواقع دون النظر إلى صحتها أو ضعفها.

وأكثر طرق هذا الحديث في كتب الملاحم!! وأما كتب السنن المشهورة فليس فيها إلا طريق أو اثنين.

وهذا تفصيل لهذه الطرق وبيان حكمها، سلكتها في دُرّ منضود منحة من الله الغفور الودود.

· حديث ثَوبان:

روى الإمام أحمد في «مسنده» قال: حدثنا وَكِيعٌ، عن شَرِيكٍ، عن عَلِيِّ بن زَيْدٍ، عن أبي قِلاَبَةَ، عن ثَوْبَانَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«إذا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قد جَاءَتْ من قِبَلِ خُرَاسَانَ فائْتُوها فإن فيها خَلِيفَةَ اللَّهِ المهدي».

قلت: شريك القاضي وعلي بن زيد بن جُدعان ضعيفان، لا يُحتج بحديثهما.

وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» وأعله بعلي بن زيد.

قال: "وأما حديث ثوبان، ففيه علي بن زيد. قال أحمد ويحيى: ليس بشيء".

· تعقّب ابن حجر لابن الجوزي:

وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في «القول المسدد في الذب عن مسند أحمد» فقال: "أخرجه ابن الجوزي في كتاب الأحاديث الواهية، وفي طريق ثوبان: علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف، ولم يقل أحد إنه كان يتعمد الكذب حتى يحكم على حديثه بالوضع إذا انفرد! وكيف وقد توبع من طريق آخر رجاله غير رجال الأول، أخرجه عبدالرزاق والطبراني، وأخرجه أحمد أيضاً والبيهقي في الدلائل من حديث أبي هريرة يرفعه: يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء، وفي سنده رِشدين بن سعد، وهو ضعيف".

· حديث رِشدين لا يخرج الحديث عن كونه موضوعًا!

قلت: لم يقل أحد من أهل العلم أن ابن جدعان يتعمد الكذب، والحكم على ما يرويه بالوضع لا يستلزم أن يكون كذّاباً أو وضّاعاً، فربّ ثقة يروي حديثاً موضوعاً يكون قد أخطأ فيه فقرأه فلزق به.

والضعيف ضعفاً شديداً مثل علي بن زيد بن جدعان يروي الأحاديث المكذوبة والموضوعة بسبب ضعفه وعدم اتقانه. فربما يهم الضعيف فيروي الموضوع دون أن يدري، أو تختلط عليه الأسانيد، وغير ذلك.

وأما حديث رِشدين بن سعد فلا يقوي حديث ابن جدعان، فكلاهما ضعيف جداً، ولا ينفي أن هذا الحديث موضوع، فالكلام فيه كما هو الكلام في ابن جدعان، بل أشد، فكان لا يبالي ما دُفع إليه فيقرأه، فكثرت المناكير في حديثه.

وحديث رِشدين رواه الإمام أحمد في «مسنده» قال: حدثنا يحيى بن غَيْلاَنَ وَقُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ قَالاَ: حدثنا رِشْدِينُ بن سَعْدٍ - قال يحيى بن غَيْلاَنَ في حَدِيثِهِ قال: حدثني يُونُسُ بن يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عن قَبِيصَةَ بن ذؤيب، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يَخْرُجُ من خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ لاَ يَرُدُّهَا شيء حتى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ».

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/31) ثم قال: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا يونس، تفرد به رِشدين!".

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (32/281) من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، قال:حدثنا رشدين عن عُقيل ويونس عن ابن شهاب، به.

فجمع رشدين بين عقيل ويونس عن الزهري!! وهذا الحديث لم يروه أصحاب الزهري، ولا يُعرف إلا من طريق رِشدين، ولا يُحتج به.

· علة أخرى لحديث ثَوبان: الانقطاع:

وهناك علة أخرى لحديث أبي قلابة عن ثوبان، وهي: الانقطاع، فأبو قلابة لم يسمع من ثوبان شيئاً، وكان – رحمه الله – كثير الإرسال، كان يدلس عمّن لحقهم وعمّن لم يلحقهم.

قال العجلي في «معرفة الثقات» (2/30): "عبدالله بن زيد أبو قلابة الجرمي، بصري تابعي ثقة... ولم يسمع من ثوبان شيئاً".

وقد أورد الذهبي هذا الحديث في ترجمة "علي بن زيد بن جدعان" من ترجمته في «الميزان» (5/157)، ثم قال: "قلت: أُراه منكراً! وقد رواه الثوري وعبدالعزيز بن المختار عن خالد الحذاء عن أبي قلابة فقال: عن أبي أسماء عن ثوبان".

قلت: رواه ابن ماجة في «سننه» (2/1367) رقم (4084) قال: حدثنا محمد بن يحيى وَأَحْمَدُ بن يُوسُفَ قالا:حدثنا عبدالرَّزَّاقِ، عن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عن أبي قِلَابَةَ، عن أبي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عن ثَوْبَانَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كلهم بن خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إلى وَاحِدٍ منهم، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُ مْ قَتْلًا لم يُقْتَلْهُ قَوْمٌ، ثُمَّ ذَكَرَ شيئا لَا أَحْفَظُهُ فقال: فإذا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا على الثَّلْجِ فإنه خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ».

ورواه البزار في «مسنده» عن أحمد بن منصور الرمادي، عن عَبدالرَّزَّاق، عن الثَّورِيّ، به.

· تصحيح البزار والحاكم لحديث ثَوبان!!

قال البزار: "وهذا الْحَدِيثُ قد رُوِيَ نَحْوُ كَلامِهِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لا نَعْلَمُهُ إلاَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ أَكْثَرُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فإنا اخترنا هذا الْحَدِيثَ لِصِحَّتِهِ وَجَلالَةِ ثَوْبَانَ وَإِسْنَادُهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ".

ورواه الروياني في «مسنده» (ص417) رقم (637)من طريق يحيى بن معين،عن عبدالرزاق، عن الثوري، به.

ورواه الحاكم في «المستدرك» من طريق الحسين بن حفص، عن سفيان الثوري،به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين".

· دعوى البيهقي أن عبدالرزاق تفرد بالحديث!! وبيان خطأ ذلك:

قلت: ورواية الحاكم هذه ترد على البيهقي في دعواه أن هذا الحديث تفرد به عبدالرزاق! فإنه بعد أن خرّجه في «دلائل النبوة» قال: "تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُالرَّزَّا قِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ".

فعبدالرزاق لم يتفرد به، بل توبع عليه.

· حديث خالد الحذّاء، الاختلاف في رفع حديثه ووقفه، وتصحيح الحاكم لهما!

وقد رُوي الحديث عن خالد الحذّاء مرفوعاً، ورُوي أيضاً عنه موقوفاً.

رواه نُعيم بن حماد في كتاب «الفتن» (1/311) رقم (896) عن أبي نصر الخفاف عبدالوهاب بن عطاء، عن خالد، عن أبي قلابة، عن ثوبان قال:"إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان فائتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي".

قلت: كذا في المطبوع بدون "عن أبي أسماء"!! وكأنه سقط من النسخة، وتبينه رواية الحاكم في «المستدرك» (4/547) عن الحسين بن يعقوب بن يوسف العدل، قال:حدثنا يحيى بن أبي طالب،قال: حدثنا عبدالوهاب بن عطاء، قال: أنبأنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان - رضي الله عنه– قال:"إذا رأيتم الرايات السود...".

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

قلت: فالحاكم صحح الرفع والوقف!! وهذا عجيب.

ورواه صاحب كتاب «البدء والتاريخ» (2/174) المطهر بن طاهر المقدسي من طريق الحسن بن ابراهيم البياضي، عن حماد الثقفي، قال: حدثنا عبدالوهاب بن عطاء الخفاف، قال: حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف: "وفي هذا أخبار كثيرة هذا أحسنها وأولاها إن صحت الرواية".

قلت: الصواب في رواية عبدالوهاب الوقف، وقد يكون هذا الرفع في هذه الرواية من بعض الرواة أو من النسخ، والله اعلم.

· إنكار ابن عُلية على خالد الحذّاء تفرّده بهذا الحديث:

وهذا الحديث بهذا الإسناد مما تفرّد به خالد الحذّاء، وهو – وإن كان ثقة – إلا أن تفرده بمثل هذا الحديث المنكر مردود، وقد أنكره عليه ابن عُلية.

قال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/325): حدّثني أبي، قال: قيل لابن علية في هذا الحديث، فقال: "كان خالد يرويه"، "فلم يلتفت إليه، ضعَّف ابن علية أمره، يعني حديث خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرايات".

· تصحيح مفهوم لهذه الحكاية:

وقد ذكر الحافظ العقيلي في ترجمة "خالد الحذاء" من «الضعفاء» (2/49) هذه الحكاية، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: حدثنا أبي قال: قيل لابن علية في هذا الحديث، فقال: كان خالد يرويه، فلم نكن نلتفت إليه، ضعف ابن علية أمره، يعني خالد الحذاء.

والظاهر أن الذهبي نقل هذه الحكاية في «السير» (6/191) و«الميزان» (2/429) عن العقيلي. وقد يفهم من هذا النقل أن ابن علية ضعف أمر الحذاء مطلقاً! وهذا بعيد، فإن الحكاية كما حدث بها عبدالله في كتابه واضحة أنه ضعف أمر هذا الحديث فقط، قال: "ضعَّف ابن علية أمره، يعني حديث خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرايات".

فالتضعيف هنا لهذا الحديث وإنكار من ابن علية له. وابن علية قد روى عن الحذاء، وحديثه عنه في الصحيحين.

فابن عليه – رحمه الله – لم يقبل هذا التفرد من خالد الحذّاء؛ لأن الحديث فيه نكارة!! وعليه فلا نجزم بأن أبا قلابة حدّث به كما ذهب إليه بعض المعاصرين. ولو كان هذا الحديث عند أبي قلابة لوجدناه عند كبار أصحابه كأيوب وغيره.

وكأن خالداً – رحمه الله – قد دخل له إسناد في إسناد؛ فإنه لما قدم من الشام كان قد تغير حفظه في آخره.

قال يحيى بن آدم: قلت لحماد بن زيد، ما لخالد الحذاء في حديثه؟ قال:"قدم علينا قدمة من الشام، فكأنا أنكرنا حفظه".

فهذا الذوق الحديثي عند أهل النقد لا يعرفه كلّ من اشتغل أو روى الحديث، وإنما اختص الله به جماعة قليلة منهم.

ولا يعترض علينا معترض بقوله: خالد الحذاء ثقة، فحديثه مقبول؟!

والجواب: نعم، هو ثقة ولا شك في ذلك، ولكن الثقة يخطئ ويهم، وهذه العلل الخفية لهؤلاء الثقات لا يعرفها كثير من الناس، ولذلك لما قيل لابن علية عن هذا الحديث الذي يرويه خالد ضعفه مباشرة ولم يرفع به رأساً وإن رواه مثل خالد.

· نقد ابن عُلية عزيز، وتنبيه مهم:

بعض الرواة كانوا قد استنزفوا حديث شيوخهم فسمعوا كلّ ما عندهم كابن عُلّية، وهؤلاء كان نقدهم قليلاً جداً، فإذا صدر منهم النقد فإنه يكون عزيزاً، ويكون في محله، وهنا لما ذُكر لابن علية حديث خالد الحذاء عن أبي قلابة في الرايات السود، أنكره، وكان يعلم أن خالداً يُحدِّث به، ومع ذلك لم يروه عنه.

وكان خالداً قد ذهب للشام فسمع هذا الحديث، فظنّ أنه قد سمعه من أبي قلابة فحدّث به كذلك، وأبو قلابة لم يحدِّث به قط.

· أحاديث تفرد بها خالد الحذّاء:

وقد وجدت لخالد أحاديث اضطرب فيها، أُتي فيها من قِبل حفظه، منها:

1- ما رواه أحمد في «مسنده» (6/219) عن بَهْز. وابن ماجه في «سننه» (1/117) من طريق وكيع، كلاهما عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، قال:حدثنا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عن خَالِدِ بن أبي الصَّلْتِ، قال: ذَكَرُوا عِنْدَ عُمَرَ بن عبدالْعَزِيزِ - رَحِمَهُ الله - اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِالْفُرُوجِ، فقال عِرَاكُ بن مَالِكٍ: قالت عَائِشَةُ: ذَكَرُوا عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إن قَوْماً يَكْرَهُونَ ذلك! قال:"فقال: قد فَعَلُوهَا حَوِّلُوا مقعدتي نحو الْقِبْلَةِ".

كذا رواه حماد بن سلمة، وتابعه علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك، وتابعهما عبدالوهاب الثقفي إلا إنه قال: عن رجل.

ورواه الدارقطني في «سننه» (1/59) من طريق أبي عوانة والقاسم بن مطيب ويحيى بن مطر،ثلاثتهم عن خالد الحذاء، عن عراك بن مالك، عن عائشة. قالت: ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن قوما يكرهون أن يستقبلوا القبلة بغائط أو بول، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بموضع خلائه أن يستقبل به القبلة.

قال الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في «الميزان» (2/414):"خَالِدُ بن أبي الصَّلْتِ عن عِرَاكِ بن مَالِكٍ عن عَائِشَةَ: حَوِّلُوا مَقْعَدَتِي نحو الْقِبْلَةِ أو قد فَعَلُوهَا، لَا يَكَادُ يُعْرَفُ، تَفَرَّدَ عنه خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ! فَتَارَةً رَوَاهُ الْحَذَّاءُ عن عِرَاكٍ، وَتَارَةً يقول: عن رَجُلٍ عن عِرَاكٍ".

وأشار الْبُخَارِيُّ في «تاريخه» (3/155) إلى أن رواية خَالِد بن أبي الصَّلْتِ عن عِرَاكٍ مُرْسَلة. وعرض للاختلاف في هذا الحديث على خالد الحذاء، ثم قال: "وقال ابن بكير: حدثني بكر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك، عن عروة: أن عائشة كانت تنكر قولهم: لا تستقبل القبلة. وهذا أصح".

وسأل ابن ابي حاتم أباه عن حديث حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال: "لم أزل أقفو أثر هذا الحديث حتى كتبت بمصر عن إسحاق بن بكر بن مضر أو غيره، عن بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عروة، عن عائشة موقوف، وهذا أشبه" (علل الحديث: 1/29).

قلت: فتبيّن من هذا ان خالد الحذاء كان يضطرب فيه، والصواب ما ذكره البخاري وأبو حاتم الرازي.

2- ومنها – أي من الأحاديث التي اضطرب فيها خالد الحذاء-:

ما بيّنه الحافظ ابن عمّار الشهيد في كتابه «علل الأحاديث في صحيح مسلم» قال: "ووجدت فيه لهشيم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة، قال: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء".

قال:"هذا حديث اختلف فيه على خالد: فرواه جماعة عن خالد هكذا، وقال آخرون: عن خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن عبادة، والاضطراب إنما هو من خالد. ورواه محمد بن المنهال الضرير عن يزيد بن زريع قال: قلت لخالد، يعني في هذا الحديث: كنت حدثتنا عن أبي قلابة عن أبي الأشعث! قال: غيّره واجعله: عن أبي أسماء عن عبادة.

أخبرنا أبو المثنى معاذ بن المثنى، عن محمد بن المنهال الضرير: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي.

قال محمد: قال يزيد بن زريع: وكان حدثنا به قبل ذلك: عن أبي الأشعث الصنعاني قال: قلت لخالد الحذاء: كنت حدثتنا به عن أبي الأشعث الصنعاني! قال: غيّره واجعله عن أبي أسماء عن عبادة بن الصامت، قال: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء ستاً...".

· شواهد حديث ثوبان:

· حديث ابن مسعود:

روى ابنُ أبي شيبة في «المصنف» (7/527) قال: حدثنا مُعَاوِيَةُ بن هِشَامٍ، عن عَلِيِّ بن صَالِحٍ، عن يَزِيدَ بن أبي زِيَادٍ، عن إبْرَاهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ، عن عبداللهِ بن مَسْعُودٍ، قال:
«بَيْنَا نَحْنُ عَنْدَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَقْبَلَ فِتْيَةٌ من بَنِي هَاشِمٍ، فلما رَآهُمْ النبي صلى الله عليه وسلم اغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ، قال: فَقُلْت له ما نَزَالُ نَرَى في وَجْهِك شيئاً نَكْرَهُهُ! قال: إنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ اخْتَارَ لنا اللَّهُ الْآخِرَةَ على الدُّنْيَا وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلاَءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا حتى يَأْتِيَ قَوْمٌ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ يَسْأَلُونَ الْحَقَّ فَلاَ يُعْطُونَهُ فَيُقَاتِلُونَ فَيَضُرُّونَ فَيُعْطَوْنَ ما سَأَلُوا فَلاَ يَقْبَلُونَهُ حتى يَدْفَعُوا إلَى رَجُلٍ من أَهْلِ بَيْتِي فَيَمْلَؤُهَا قِسْطًا كما ملؤوها جَوْرًا فَمَنْ أَدْرَكَ ذلك مِنْكُمْ فَلْيَأْتِهِمْ وَلَوْ حَبْوًا على الثَّلْجِ».

ورواه البزار في «مسنده» (4/354) قال: حدثنا يوسف بن موسى قال:حدثنا جرير بن عبدالحميد، عن يزيد بن أبي زياد، به.

قال البزار: "وهذا الحديث رواه غير واحد عن يزيد بن أبي زياد، ولا نعلم روى يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله إلا هذا الحديث".

ورواه نُعيم بن حماد في «الفتن» (1/310) قال: حدثنا محمد بن فضيل وعبدالله بن إدريس وجرير، عن يزيد بن أبي زياد، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6/29) قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدثنا طاهر بن أبي أحمد الزبيري، قال: حدثنا أبي قال: حدثنا صباح بن يحيى المزني، عن يزيد بن أبي زياد، به.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن صباح المزني إلا أبو أحمد، تفرد به ابنه".

ورواه أبو يعلى في «مسنده» (9/17) عن أبي هشام الرفاعي محمد بن يزيد بن رفاعة، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«تجيء رايات سود من قبل المشرق، وتخوض الخيل الدماء إلى ثنتها يظهرون العدل ويطلبون العدل فلا يعطونه، فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه».

قال ابن كثير في «البداية والنهاية»: "وهذا إسنادٌ حسنٌ". وحسّن إسناده أيضاً الشيخ الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» عند الكلام على حديث رقم (85)، ثم ذكر الحديث برقم (5203) وقال: "منكر"!

قلت: بل حديث منكر! تفرد به يزيد بن أبي زياد، ولا يُحتج به.

قال وكيع:"يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله - يعني حديث الرايات: ليس بشيء".

وقال العقيلي في ترجمة "يزيد بن أبي زياد" من «الضعفاء» (4/380): حدثنا عبدالله قال: سمعت أبي يقول:"حديث إبراهيم عن علقمة عن عبدالله ليس بشيء، يعني: حديث يزيد بن أبي زياد"، قلت لعبدالله: الرايات السود؟ قال:"نعم".

ثم رواه العقيلي، ثم ساق بسنده إلى محمد بن حفص الجوزجاني قال: سمعت أبا قدامة يقول: سمعت أبا أسامة يقول في حديث يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله في الرايات السود، فقال:"لو حلف عندي خمسين يميناً قسامة ما صدقته، أهذا مذهب إبراهيم! أهذا مذهب علقمة! أهذا مذهب عبدالله!".

وقد أنكره أيضاً الإمام الذهبي في «السير» (6/132) ونقل ما رواه الحافظ أبو قدامة السرخسي عن أبي أسامة حمّاد بن أسامة، ثم قال: "قلت: معذور والله أبو أسامة، وأنا قائل كذلك، فإن من قبله ومن بعده أئمة أثبات، فالآفة منه عمداً أو خطأ". وانظر «الميزان» (7/241).

وقال ابن عَدي بعد أن روى الحديث في ترجمة "يزيد" من «كامله» (7/276): "وهذا الحديث لا أعلم يرويه بهذا الإسناد عن إبراهيم غير يزيد بن أبي زياد".

قلت: كان يزيد بن أبي زياد من أئمة الشيعة الكبار، وله أحاديث في آل البيت، وهذا لا يُقبل منه لأن هذا مما يدعم بدعته! وهو ضعيف عند أهل النقد.

قال ابن حبان في «المجروحين» (3/100): "وكان يزيد صدوقاً إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، فكان يتلقن ما لقن، فوقع المناكير في حديثه من تلقين غيره إياه وإجابته فيما ليس من حديثه لسوء حفظه، فسماع من سمع منه قبل دخوله الكوفة في أول عمره سماع صحيح، وسماع من سمع منه في آخر قدومه الكوفة بعد تغير حفظه وتلقنه ما يُلقن سماع ليس بشيء".

قلت: وهذه الأحاديث التي يرويها في التشيع هي مما لقنوه إياها في الكوفة، وكذلك كانوا يلقنونه أشياء في الأمور الفقهية التي على مذهب أبي حنيفة كما بيّن ذلك أهل العلم في ترجمته.

· متابعة ليزيد بن أبي زياد!

قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (4/203): "هذا إسناد فيه يزيد بن أبي زياد الكوفي، مختلف فيه... لكن لم ينفرد به يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم، فقد رواه الحاكم في المستدرك عن طريق عمرو بن قيس عن الحكم عن إبراهيم به".

قلت: رواه الحاكم في «المستدرك» (4/511) من طريق حَنان بن سُدير، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة بن قيس وعبيدة السلماني، عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه – قال: «أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور في وجهه... حتى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه ثم يسألونه فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، فيملك الأرض فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً».

ولم يتكلم عليه الحاكم وتعقّبه الذهبي فقال: "قلت: هذا موضوع".

وقال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأأطراف: 4/94]: "تفرد به حنان بن سدير بن حكيم عن عمرو بن قيس عن الحكم بن عتبة عن إبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني عن ابن مسعود".

قلت: تفرد به حنان بن سدير وهو شيعي! لا يُقبل حديثه، وهو موضوع كما قال الذهبي.

قال أبو أحمد العسكري في «تصحيفات المحدثين» (2/477): "حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب الكندي، وسدير يعرف بالصيرفي، من رؤساء ا لشيعة بالكوفة، روى عن جعفر بن محمد وروى حنان عن أبيه وعن عمرو بن قيس وعن أمي الصيرفي ومحمد بن طلحة بن مصرف، روى عنه العلاء بن عمرو الحنفي ومحمد بن ثواب الهباري".

وقد رواه البزار في «مسنده» (4/310) قال: حدثنا الفضل بن سهل قال: حدثنا عبدالله بن داهر الرازي، قال: حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله: أن النبي ذكر فتية من بني هاشم فاغرورقتا عيناه، وذكر الرايات السود فقال: فمن أدركها فليأتها ولو حبواً على الثلج.

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحكم إلا ابن أبي ليلى، ولا نعلم يُروى إلا من حديث داهر بن يحيى عن ابن أبي ليلى، وداهر هذا رجل من أهل الرأي صالح الحديث، وإنما يعرف من حديث يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم".

قلت: داهر بن يحيى الرازي، قال العقيلي: "كان ممن يغلو في الرفض لا يتابع على حديثه". وابنه عبدالله رافضي كذاب.

قال ابن عدي: "عامة ما يرويه في فضائل علي وهو فيه متّهم".

قلت: يرى البزار أن الحديث حديث يزيد بن أبي زياد والطرق الأخرى لا تصح.

وقد سُئِل الدارقطني – رحمه الله – في «العلل» (5/184) عن حديث عبيدة عن عبدالله: «مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم فتية من بني هاشم، الحديث»؟

فقال:"يرويه عمرو بن قيس الملائي عن الحكم، واختلف عنه: فرواه حنان بن سدير - من شيوخ الشيعة - عن عمرو بن قيس عن الحكم عن عبيدة عن عبدالله، قال ذلك عباد بن يعقوب ومحمد بن ثواب الهباري عنه. وخالفهما محمد بن أحمد القطواني، فرواه عن حنان عن عمرو بن قيس عن الحكم عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله، وخالفه داهر بن يحيى الرازي، فرواه عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبدالله، ورواه يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله، وكذلك قال عمارة بن القعقاع عن إبراهيم عن علقمة، وهو أصحها، والله أعلم".

قلت: يُرجّح الدارقطني رواية يزيد بن أبي زياد لمتابعة عمارة بن القعقاع له عن إبراهيم، وهذا الترجيح لا يعني بالضرورة صحة الحديث عنده، وهو إنما يرّجح بين الطرق فقط.

والعجيب كيف جعل الدارقطني هذه متابعة لعمارة مع اختلاف المتن!! فإن رواية عمارة ليس فيها ذكر الرايات السود!

ورواية عمارة أخرجها الدولابي في «الكنى والأسماء» (2/716) قال: أخبرني أحمد بن شعيب، قال: أنبأنا محمد بن يحيى بن محمد، قال: حدثنا عبدالرحمن بن عمرو أبو عثمان الحراني، قال: حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم عن علقمة، عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل بيتي هؤلاء اختارهم الله للآخرة ولم يخترهم للدنيا، وسيلقون بعدي تشريداً وتطريداً وبلاء شديداً».

قلت: محمد بن فضيل لم يسمعه من عمارة!

أخرجه الخطيب البغدادي في «الرحلة في طلب الحديث» (ص145) من طريق العباس بن محمد الدوري، عن محمد بن المهلب الحراني، قال: حدثنا عبدالرحمن بن عمرو الحراني، قال: حدثنا محمد بن الفضيل، قال: قال لي مغيرة: سمعت من عمارة بن القعقاع حديثاً ذكره عن إبراهيم – قال: وكان عمارة قد خرج إلى مكة فاكتريت حماراً فلحقته بالقادسية - فحدثني عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم تمر به الفتية من قريش فلا يتغير لونه، وتمر الفتية من أهل بيته فيتغير لونه، فقلنا، يا رسول الله: لا نزال نرى منك ما يشق علينا! تمر بك الفتية من قريش فلا يتغير لونك، وتمر بك الفتية من أهل بيتك فيتغير لونك! قال: إن أهلي هؤلاء اختارهم الله للآخرة ولم يخترهم للدنيا، وسيلقون بعدي تطريداً وتشريداً وبلاءً شديداً).

قلت: عبدالرحمن بن عمرو هو: أبو عثمان عمرو بن عبيد المعتزلي، وقد أردف الخطيب هذه الرواية برواية أخرى من طريق أبي عبدالله محمد بن إبراهيم بن زياد بن عبدالله الرازي مولى بني هاشم، قال: حدثنا عبدالمؤمن بن علي، قال: حدثنا ابن فضيل قال: قال مغيرة بن مقسم: سمعت من عمارة بن القعقاع حديث إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الفتية من أهل بيته تغير لونه)، قال: قال لي المغيرة كان عمارة قد خرج إلى مكة فاكتريت حماراً فصرت إلى القادسية، فلما رآني قال: ما جاء بك؟ قال: قلت، حديث إبراهيم عن علقمة عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نعم، حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبدالله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر إلى الفتية من أهل بيته تغير لونه، وقال: إن أهل بيتي هؤلاء اختار الله لهم الآخرة ولم يختر لهم الدنيا، وسيلقون بعدي تطريداً وتشريداً، وذكر حديثا طويلا.

قلت: هذا الحديث منكر! ولا يُعرف عن إبراهيم ولا عن علقمة! وعمارة بن القعقاع الكوفي ثقة لكن حديثه هذا منكر! فلا ندري أسمعه من إبراهيم أم لا! وصيغة التحديث (حدثني إبراهيم..) لا نعرف هل هي في أصل الرواية أم لا! ومتنه ليس فيه ذكر الرايات السود.

وعلى كلّ حال؛ فإنّ حديث يزيد بن زياد في الرايات السود قد تفرد به هو، ولم يتابعه عليه أحد! وقد رواه عنه جمع من الثقات: محمد بن فضيل وعبدالله بن إدريس وجرير وغيرهم عن يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة.

قال ابن عدي بعد أن ذكر هذا الحديث في منكرات يزيد: "وهذا الحديث لا أعلم يرويه بهذا الإسناد عن إبراهيم غير يزيد بن أبي زياد".

قلت: يعني أن الحديث حديث يزيد والروايات التي رُويت في متابعته لا تصح كما بينت آنفاً.

· حديث أبي هريرة:

روى أحمد في «المسند» قال: حدثنا يحيى بن غَيْلاَنَ وَقُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ قَالاَ: حدثنا رِشْدِينُ بن سَعْدٍ - قال يحيى بن غَيْلاَنَ في حَدِيثِهِ قال: حدثني يُونُسُ بن يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهَابٍ، عن قَبِيصَةَ بن ذؤيب، عن أبي هُرَيْرَةَ، عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
«يَخْرُجُ من خُرَاسَانَ رَايَاتٌ سُودٌ لاَ يَرُدُّهَا شيء حتى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ».

ورواه الترمذي في «جامعه» برقم (2269) عن قتيبة، عن رشدين بن سعد، به.

قال الترمذي: "هذا حديث غريب!".

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/31) ثم قال: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا يونس، تفرد به رِشدين!".

ورواه البيهقي في «دلائل النبوة» من طريق عبدالله بن يوسف عن رشدين، به.

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (32/281) من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، قال:حدثنا رشدين عن عُقيل ويونس عن ابن شهاب، به.

فجمع رشدين بين عقيل ويونس عن الزهري!! وهذا الحديث لم يروه أصحاب الزهري، ولا يُعرف إلا من طريق رِشدين، وهو ضعيف جداً سيء الحفظ، لا يُحتج به.

قال البيهقي: "تَفَرَّدَ بِهِ رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ. وَيُرْوَى قَرِيبٌ مِنْ هذَا اللَّفْظِ, عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ, ولعَلَّهُ أَشْبَهُ, واللهُ أَعْلَمُ".

ثم ساقه من طريق أَبِي المُغِيرَةِ عَبْدِالْقُدُّو سِ، عنِ ابنِ عَيَّاشٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ, عَنْ كَعْبٍ، قَالَ:
«تَظْهَرُ رَايَاتٌ سُودٌ لِبَنِي الْعَبَّاسِ حَتَّى يَنْزِلُوا الشَّامَ , وَيَقْتُلُ اللهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ كُلَّ جَبَّارٍ وَعَدُوٍّ لَهُمْ». وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ مِنْ قوْلِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

قلت: الرواية عن كعب فيها ضعف أيضاً!

· متابعة لرِشدين بن سعد:

وهناك متابعة لرشدين في «فوائد الحنائي» برقم (58): أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُالرَّحْمَ نِ بنُ عُثْمَانَ بنِ القَاسِمِ بنِ مَعْرُوفِ بنِ حَبِيبِ بنِ أبان التميمي - قراءة – قال: أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي ثابت، قال: حدثنا علي بن داود القنطري، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ سُوَيْدٍ وَرِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عَنْ قَبِيصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَخْرُجُ رَايَاتٌ سُودٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَلا يَرُدَّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ».

قال الحافظ عبدالعزيز النخشبي مخرِّجُ الفوائد عقب هذا الحديث: "هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بنِ سُوَيْدٍ وَأَبِي الْحَجَّاجِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ الْمَهْرِيِّ الْمِصْرِيِّ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ مِسْلِمِ بنِ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَبِيصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هذَا الْوَجْهِ. وَرِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ الْمِصْرِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَعَبْدُاللَّهِ بنُ سُوَيْدٍ أَحْسَنُ حَالا مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

قلت: عبدالله بن سويد بن حيان المصري صدوق، ولم يخرّج له أصحاب الكتب الستة، وله حديث واحد في كتاب جزء القراءة للبخاري. ولا يُعرف أنه روى عن يونس بن يزيد! فيُحتمل أنه أخذه من رِشدين وأسقطه أو أخطأ بعضهم بزيادته في الإسناد. فالحديث يُعرف برشدين، وزيادة عبدالله في الإسناد غريب جداً! ولهذا لا نجد مثل هذه الروايات إلا في كتب الفوائد التي تضم غرائب الروايات.

· تنبيه:

نقل ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (5/219) في ترجمة (عبدالله بن سويد) عن ابن يونس قال: "روى عنه سعيد بن عفير. قرأت على بلاطة قبره وكتب في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين ومائة".

وقال في «التقريب» (ص307): "مات سنة اثنتين ومائة"!

قلت: وهذا لا يستقيم؛ لأن سعيد بن أبي مريم (144- 224هـ) قد روى عنه ولا يمكن أن يكون روى عنه بعد وفاته! وكذلك عبدالله هذا يروي عن عياش بن عباس القِتباني المصري وقد توفي سنة (133هـ)، فتعيّن أن يكون هناك مشكلة في نقل وفاته أو سقط، والأقرب أنه توفي سنة (182هـ) وهو من أقران رشدين الذي توفي سنة (188هـ)، والله أعلم.

والخلاصة أنه لم يصح أيّ حديث في «الرايات السود»، وهي من وضع بعض من كان مؤيداً للعباسيين، وأحاديث السفياني من وضع بعض من كان مؤيداً للأمويين! وقد وُضعت بسبب الخلافات السياسية والاقتتال على الخلافة.

وقد جمع نُعيم بن حمّاد الروايات الواردة في ذلك في كتابه في الفتن، وأوردها كما هي عنده ثم الكلام على كلّ رواية.

· الروايات التي ذكرها نُعيم بن حماد في كتابه «الفتن» حول «الرايات السود»:

· قال نُعيم بن حمّاد في «الفتن» في باب (العلامات في انقطاع ملك بني أمية):

1- حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو، قالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بنُ سَعْدٍ، عَنِ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، قالَ: "لا يَزَالُ الْقَوْمُ عَلَى ثَبَجٍ مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى تَنْزِلَ بِهِمْ إِحْدَى أَرْبَعِ خِلَالٍ: يُلْقِي اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، أَوْ تَجِيءُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَتَسْتَبِيحُهُ مْ، أَوْ تُقْتَلُ النَّفْسُ الزَّاكِيَةُ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ فَيَتَخَلَّى اللَّهُ مِنْهُمْ، أَوْ يَبْعَثُوا جَيْشًا إِلَى الْبَلَدِ الْحَرَامِ فَيُخْسَفُ بِهِمْ".

قلت: أبو عمرو هو بزيع مولى بني مخزوم، سمع عبيدالله بن عمر ويحيى بن سعيد الأنصاري، ولا يوجد في جرح ولا تعديل، وذكره ابن حبان في الثقات.

وهذا الخبر موقوف على الحسن بن علي، وهو منقطع؛ لأن قيس بن سعد المكي لم يسمع منه، فطبقة شيوخ قيس ممن توفوا بعد (140هـ) والحسن توفي قبل سنة (100هـ) بقليل.

فالخبر منكر ضعيف.

2- حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْكَلْبِيِّ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ بنِ عَبْدِالْمَلِكِ ، عَنْ شَيْخٍ، لَهُمْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ ، قَالَ: «يَلِيكُمْ بَعْدَ مَوْتِ هِشَامٍ رَجُلٌ مِنْهُمْ شَابٌّ يُعْطِي النَّاسَ عَطَايَا لَمْ يُعْطِهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ، فَيَنْشَأُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ خَفِيُّ لَمْ يُذْكَرْ فَيَقْتُلُهُ، فَتُهَرَاقُ عَلَى يَدَيْهِ الدِّمَاءُ، وَتَنْقَطِعُ عَلَى يَدَيْهِ الْأَرْحَامُ، وَتَهْرُجُ عَلَى يَدَيْهِ الْأَمْوَالُ، ثُمَّ يَأْتِيكُمْ مُرَيْنٌ مِنْ هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَيَأْخُذُهَا بِسَيْفِهِ قَسْرًا، ثُمَّ تَأْتِيكُمْ بَعْدَ مُرَيْنٍ الرَّايَاتُ السُّودُ يَسِيلُونَ عَلَيْكُمْ سَيْلًا».

قلت: هذا الأثر رواه نُعيم بن حماد في كتابه هذا في عشرة مواضع! وهو أثر موضوع مسلسل بالمجاهيل! فالمشجعي والكلبي والشيخ الذي أدرك الجاهلية كلهم مجاهيل.

3- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ التَّنُوخِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قالَ: «يَمُوتُ هِشَامٌ مَوْتًا، ثُمَّ غُلَامٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُقْتَلُ قَتْلًا، ثُمَّ الَّذِي يَأْتِي مِنْ نَحْوِ الْجَزِيرَةِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ يَوْمَئِذٍ بِالْجَزِيرَةِ يُقْتَلُ قَتْلًا، وَمِنْ بَعْدِهِ الرَّايَاتُ السُّودُ».

قلت: هذا منكر مُعضل، وإن صحّ إلى الزهري فمراسيله ومعضلاته مثل الريح لا يُحتج بها.

وقد روى نُعيم بن حماد هذا الأثر في مواضع كثيرة من كتابه، وكنى عبدالله بن مروان: أبا سفيان، ونسبه مرة فقال: "المرواني"، ولم أعرف من هو! وكأنه من شيوخه المصريين، ولا نعرف حاله. وكذلك شيخه (سعيد بن يزيد التنوخي) لم أعرفه! والمعروف من تلاميذ الزهري بهذه النسبة (سعيد بن عبدالعزيز التنوخي) ولا أظنه هو.

فهذا الأثر فيه مجاهيل، ولا يصح.

· وقال نُعيم بن حمّاد في «الفتن» في باب (خروج بني العباس):

4- حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِالوَاحِدِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: بلغني "أَنَّ الرَّايَاتِ السُّودَ تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ، فَإِذَا هَبَطَتْ مِنْ عَقَبَةِ خُرَاسَانَ هَبَطَتْ تَنْفِي الْإِسْلَامَ، فَلَا يَرُدُّهَا إِلَّا رَايَاتُ الْأَعَاجِمِ مِنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ".

قلت: هذا أيضاً منكر من مقطوعات الزهري إن صحّ عنه.

وعبدالواحد يُحتمل أنه (عبدالواحد بن أَبي عون الأُوَيسي المدني) من أصحاب الزهري وهو صدوق ممن يُجمع حديثه، والله أعلم.

5- حدثنا ضَمْرَةُ، قال: أَخْبَرَنَا رَجَاءُ بنُ أَبِي سَلَمَة، عَنْ عُقْبَةَ بنِ أَبِي زَيْنَبَ: (أَنَّهُ قَدِمَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يَتَضَمَّنُ، فَقُلْتُ: لَعَلَّكَ إِنَّمَا تَخَافُ الْمَغْرِبَ؟ قَالَ: "لا، إِنَّ فِتْنَتَهُمْ لَنْ تَعْدُوهُمْ مَا لَمْ تَخْرُجِ الرَّايَاتُ السُّودُ، فَإِذَا خَرَجَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ فَخَفْ شَرَّهُمْ").

قلت: عقبة بن أبي زينب رجل صالح مستور، ولم يُسند ما رواه! ويبدو أن ما ذكره هو ما انتشر بين الناس - وخاصة الصالحين العبّاد - من هذه الأحاديث الضعيفة والمنكرة!

6- حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّه، عَنْ عَبْدِالكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّة، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الْحَنَفِيَّةِ، قال: (تَخْرُجُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ لِبَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ أُخْرَى سَوْدَاءُ، قَلانِسُهُمْ سُودٌ، وَثِيَابُهُمْ بِيضٌ، عَلَى مُقَدِّمَتِهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ شُعَيْبُ بنُ صَالِحٍ، أَوْ صَالِحُ بنُ شُعَيْبٍ مِنْ تَمِيمٍ، يَهْزِمُونَ أَصْحَابَ السُّفْيَانِيِّ حَتَّى يَنْزِلَ بِبَيْتَ الْمَقْدِسِ، يُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ، وَيَمُدُّ إِلَيْهِ ثَلاثُ مِائَةٍ مِنَ الشَّامِ، يَكُونُ بَيْنَ خُرُوجِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلَّمَ الأَمْرُ لِلْمَهْدِيِّ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَهْرًا).

قلت: هذا أثر منكر! وأبو عبدالله لم يتبيّن لي من هو! وعبدالكريم هو ابن أبي المُخارق وهو ضعيفٌ جداً، وقد تركه بعض أهل النقد.

7- حَدَّثَنا عَبْدُاللَّهِ بنُ إِسْمَاعِيلَ البَصْرِيُّ، عَن أَبِيه، عن الحَسَن، قال: (خرَجَ بِالرِّيِّ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَسْمَرُ مَوْلًى لِبَنِي تَمِيمٍ كَوْسَجٌ، يُقَالُ لهُ شُعَيْبُ بنُ صَالِحٍ فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ، ثِيَابُهُمْ بِيضٌ، وَرَايَاتُهُمْ سُودٌ، يَكُونُ عَلَى مُقَدِّمَةِ المَهْدِيِّ، لا يَلْقَاهُ أَحَدٌ إِلا فَلَّهُ).

قلت: هذا مرسل من مراسيل الحسن – إن صحّ عنه-، ومراسيل الحسن البصري شبه الرّيح.

وشيخ نُعيم بن حماد مجهول هو وأبوه، ويُحتمل أن نسبته (المصري) تحرفت إلى (البصري)؛ لأن كثير من شيوخ نعيم من مصر، والله أعلم.

8- حَدَّثَنا الوَلِيدُ ورِشْدِينُ، عن ابنِ لَهِيعَةَ، عَن أبِي قَبِيلٍ، عن أبِي رُومَان، عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: (يلْتَقِي السُّفْيَانِيُّ وَالرَّايَاتُ السُّودُ، فِيهِمْ شَابٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فِي كَفِّهِ الْيُسْرَى خَالٌ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: شُعَيْبُ بْنُ صَالِحٍ بِبَابِ إِصْطَخْرَ، فَتَكُونُ بَيْنَهُمْ مَلْحَمَةٌ عَظِيمَةٌ، فَتَظْهَرُ الرَّايَاتُ السُّودُ، وَتَهْرُبُ خَيْلُ السُّفْيَانِيِّ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَمَنَّى النَّاسُ المَهْدِيَّ وَيَطْلُبُونَهُ ).

قلت: هذا أثر منكر!

ابن لهيعة ضعيف لا يُحتج بما انفرد به. وأبو رومان هو: عبدالملك بن يحيى بن هلال الإسكندراني أبو عبدالله مولى المعافر والد عبدالله بن أبي رومان، يروي عن أبي شريح ومالك بن أنس، وهو مجهول الحال، ويستحيل أن يكون أدرك عليّ بن أبي طالب! فعليّ مات سنة (40هـ) وهو يروي عن أنس الذي مات سنة (93هـ)، فإن صحت روايته عن أنس فلا يمكن أن يكون أدرك علياً؛ لأنه متقدّم الوفاة. وكيف لهذا المجهول - وهو مصري - أن ينفرد بهذا الحديث عن عليّ الذي عاش في الكوفة بهذا!

وبهذا الإسناد روى أبو نُعيم آثاراً مثل هذا في (خروج بني العبّاس) وهي منكرة جداً!

قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، وَرِشْدِينُ، عَنِ ابنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ أَبِي رُومَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ فَالْزَمُوا الْأَرْضَ فَلَا تُحَرِّكُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا أَرْجُلَكُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ ضُعَفَاءُ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ، قُلُوبُهُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ، هُمْ أَصْحَابُ الدَّوْلَةِ، لَا يَفُونَ بِعَهْدٍ وَلَا مِيثَاقٍ، يَدْعُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ، أَسْمَاؤُهُمُ الْكُنَى، وَنِسْبَتُهُمُ الْقُرَى، وَشُعُورُهُمْ مُرْخَاةٌ كَشُعُورِ النِّسَاءِ، حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْحَقَّ مَنْ يَشَاءُ».

وقال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ وَرِشْدِينُ، عَنِ ابنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ أَبِي رُومَانَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «إِذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الرَّايَاتِ السُّودِ بَيْنَهُمْ كَانَ خَسْفُ قَرْيَةِ بِإِرَمَ، يُقَالُ لَهَا حَرَسْتَا، وَخُرُوجُ الرَّايَاتِ الثَّلَاثِ بِالشَّامِ عِنْدَهَا».

9- حَدَّثَنَا رجلٌ، عن داود بن عبدالجبّار الكوفيّ، عن سلمة بن مجنون، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يقولُ: كُنْتُ فِي بَيْتِ ابنِ عَبَّاسٍ، فقَالَ: أَغْلِقُوا الْبَابَ، ثُمَّ قال: هاهُنَا مِنْ غَيْرِنَا أَحَدٌ؟ قَالُوا: لا، وكُنْتُ فِي نَاحِيَةٍ مِن الْقَوْمِ، فقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ تَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَأَكْرِمُوا الْفُرْسَ، فَإِنَّ دَوْلَتَنَا فِيهِمْ.

قال أبو هريرة: فقُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: أَفَلا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالَ: وَإِنَّكَ لَهَاهُنَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فقَالَ: حَدِّثْ، فقُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُول: (إذَا خَرَجَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ فَإِنَّ أَوَّلَهَا فِتْنَةٌ، وَأَوْسَطَهَا ضَلالَةٌ، وَآخِرَهَا كُفْرٌ).

قلت: حديث منكر! وشيخ نُعيم مجهول لا يُعرف، لكن الحديث معروف عن داود بن عبدالجبار.

رواه الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (3/120) من طريق عبدالله بن محمد بن منصور: حدثنا سويد بن سعيد: حدثنا داود بن عبد الجبار: حدثنا أبو شراعة، قال: كنا عند ابن عباس، فذكره.

ورواه ابن عدي في «الكامل» (3/84) عن أبي يعلى: حدثنا أبو الربيع الزهراني: حدثنا داود بن عبدالجبار: حدثنا سلمة بن المجنون: سمعت أبا هريرة يقول: دخل العباس بيتاً فيه ناس من بني هاشم، فقال: أفيكم غريب... فذكره.

وداود هذا مُجمعٌ على تركه، وهو ليس بثقة، كذّبه ابن معين، وقال البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة: "منكر الحديث".

وساق له ابن عدي أيضاً من طريق أحمد بن حفص السعيد: حدثنا سويد بن سعيد: حدثنا داود بن عبدالجبار الأزدي، عن أبي شراعة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق لا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء).

قال ابن عدي: "وأبو شراعة هذا الذي يروي عنه داود يدل على أنه سلمة بن المجنون الذي ذكرته عن أبي الربيع الزهراني عن داود عنه قبل هذا الحديث؛ لأن هذا المتن يقرب من ذلك المتن".

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/240): "وقال سليمان أبو الربيع: حدثنا داود بن عبدالجبار: سمع سلمة بن المجنون عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ولد العباس في السواد، وحديث آخر. منكر الحديث".

10- حَدَّثَنَا محمد بن عبدالله أبو عبدالله التيهِرْتي، عَن عبدالرحمن بن زياد بن أَنعم، عن مُسلم بن يَسار، عن سعيد بن المسيّب، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (يخْرُجُ مِنَ الْمَشْرِقِ رَايَاتٌ سُودٌ لِبَنِي الْعَبَّاسِ، ثُمَّ يَمْكُثُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَخْرُجُ رَايَاتٌ سُودٌ صِغَارٌ تُقَاتِلُ رَجُلا مِنْ وَلَدِ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، يُؤَدُّونَ الطَّاعَةَ لِلْمَهْدِيِّ).

قلت: هذا أثر مرسل، وعبدالرحمن بن زياد ضعيف. قال ابن حجر فيه: "والحق فيه أنه ضعيف لكثرة روايته المنكرات وهو أمر يعتري الصالحين".

ومسلم بن يسار هذا جهّله الإمام أحمد.

قال أبو طالب أحمد بن حميد عن أحمد بن حنبل قال: "عبدالرحمن بن زياد بن أنعم هو الإفريقي: ليس بشيء"، قلت: يروي عن مسلم بن يسار؟ قال: "مسلم بن يسار الذي يروي عنه الإفريقي لا أعرفه".

وقال عبدالله بن أحمد: سمعته – يعني أباه- يقول: "الأفريقي عن مسلم بن يسار ليس هذا مسلم بن يسار البصري، هذا رجل أراه من ناحية أفريقية، يُحدِّث عن ابن المسيب وسفيان بن وهب الخولاني، ومسلم بن يسار البصري يُحدِّث عنه محمد بن سيرين وقتادة وابنه عبدالله بن مسلم، هذا غير ذلك".

وقال البخاري: "مسلم بن يسار مولى الأنصار: سمع سعيد بن المسيب، روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وعبدالرحمن الإفريقي".

وخلط بعض أهل العلم بينه وبين مسلم بن يسار أبي عُثْمَانَ الطُّنْبُذِيِّ رَضِيعِ عبدالْمَلِكِ بن مَرْوَانَ الذي يروي عن أبي هريرة!

قال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (6/420): "مسلم بن يسار (د ت ق) المصري أبو عثمان. هو الطنبذي وطنبذ من قرى مصر. كان رضيع عبدالملك بن مروان، روى عن أبي هريرة وابن عمر، وعنه بكر بن عمرو المعافري وأبو هانئ الخولاني وابن أنعم الإفريقي وآخرون، ولا يبلغ حديثه درجة الصحة وهو في نفسه صدوق".

قلت: الذي يروي عنه ابن أنعم الإفريقي ليس الذي يروي عن أبي هريرة، وقد وهم من جمع بينهما؛ لأن طبقتهما مختلفة، فالذي يروي عن أبي هريرة طبقته متقدمة عن الذي يروي عنه ابن أنعم.

11- حَدَّثَنَا عبدالله بن مروان، عن أرطأة بن المنذر، قال: حَدَّثَنِي تُبيعٌ، عن كعبٍ، قال: ( لا تَذْهَبُ الأَيَّامُ حَتَّى تَخْرُجَ لِبَنِي الْعَبَّاسِ رَايَاتٌ سُودٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ).

وقال عبدالله: وأَخْبَرَنِي أبي، عن عمرو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوهُ.

وقال نُعيم في موضع آخر من كتابه: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ أَرْطَاةَ بنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ تُبَيْعٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «أَسْعَدُ أَهْلِ الشَّامِ بِخُرُوجِ الرَّايَاتِ السُّودِ أَهْلُ حِمْصَ، وَأَشْقَاهُمْ بِهَا أَهْلُ دِمَشْقَ».

قلت: هذا أثر منكر! وإن صح فهو من رواية كعب الأحبار، ولا يُحتج بالأخبار التي يرويها.

وتُبَيع الحِميري ابن امرأة كعب الأحبار، من التابعين، قرأ الكتب القديمة وحدّث عن كعب كثيراً من الأخبار، وهو صاحب الملاحم. ويروي نُعيم بن حماد في كتابه "الفتن" من طريقه عشرات الروايات في الملاحم وأخبار بني أمية وبني العباس وأخبار آخر الزمان وغيرها! وكلّ أخباره منكرة وكذب!

وعبدالله بن مروان من شيوخ نعيم المجاهيل! وقد روى عنه ثمانية وسبعين خبراً في كتابه، وهي منكرة! ووالده مجهول الحال أيضاً. ونُعيم بن حمّاد يروي عن كثير من الشيوخ المجاهيل، وقد سرد أسماء جماعة منهم الحافظ مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال".

12- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ التَّنُوخِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «تُقْبِلُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنَ الْمَشْرِقِ، يَقُودُهُمْ رِجَالٌ كَالْبُخْتِ الْمَجَلَّلَةِ، أَصْحَابُ شُعُورٍ، أَنْسَابُهُمُ الْقُرَى، وَأَسْمَاؤُهُمُ الْكُنَى، يَفْتَتِحُونَ مَدِينَةَ دِمَشْقَ، تُرْفَعُ عَنْهُمُ الرَّحْمَةُ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ».

قلت: هذا من مراسيل الزهري – إن صح عنه-، وهو أثر منكر! وشيخ نعيم وشيخه مجهولان!

13- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ يَزِيدَ التَّنُوخِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «يَمُوتُ هِشَامٌ مَوْتًا، ثُمَّ غُلَامٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُقْتَلُ قَتْلًا، ثُمَّ الَّذِي يَأْتِي مِنْ نَحْوِ الْجَزِيرَةِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ يَوْمَئِذٍ بِالْجَزِيرَةِ يُقْتَلُ قَتْلًا، وَمِنْ بَعْدِهِ الرَّايَاتُ السُّودُ».

قلت: هذا منكر! وإسناده مجهول كالذي قبله، ولا أظن الزهري حدّث به، والله أعلم.

14- حَدَّثَنَا سَعِيدُ أَبُو عُثْمَانَ، قال: حَدَّثَنَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قالَ: «إِذَا بَلَغَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَاخْتَلَفَتْ سُيُوفُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَوَثَبَ حِمَارُ الْجَزِيرَةِ فَغَلَبَ عَلَى الشَّامِ، ظَهَرَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَيَظْهَرُ الْأَكْبَشُ مَعَ قَوْمٍ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ، قُلُوبُهُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ، شُعُورُهُمْ إِلَى الْمَنَاكِبِ، لَيْسَتْ لَهُمْ رَأْفَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ عَلَى عَدُوِّهِمْ، أَسْمَاؤُهُمُ الْكُنَى، وَقَبَائِلُهُمُ الْقُرَى، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ كَلَوْنِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَقُودُ بِهِمْ إِلَى آلِ الْعَبَّاسِ وَهْنَى دَوْلَتُهُمْ، فَيَقْتُلُونَ أَعْلَامَ ذَلِكَ الزَّمَانِ حَتَّى يَهْرُبُوا مِنْهُمْ إِلَى الْبَرِيَّةِ، فَلَا تَزَالُ دَوْلَتُهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ النَّجْمُ ذُو الذَّنَابِ، وَيَخْتَلِفُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ».

وروى بهذا الإسناد أيضاً قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «تَنْزِلُ الرَّايَاتُ السُّودُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ الْكُوفَةَ، فَإِذَا ظَهَرَ الْمَهْدِيُّ بِمَكَّةَ بُعِثَ إِلَيْهِ بِالْبَيْعَةِ».

قلت: كلاهما موضوع، وأبو جعفر الباقر لم يُحدّث به، وراويه عنه: جابر الجُعفي رافضي كذاب متروك!

والخبر ذكر سنة تسع وعشرين ومائة – وهي السنة التي أظهر فيها أبو مسلم الخراساني الدعوة للدولة العباسية وصلى بالناس في يوم الفطر- وجابر الجعفي قيل توفي سنة (127) وقيل (128) وقيل (132هـ)، وهو كذاب وشيخه سعيد بن عبدالجبار البصري ثقة، فيكون هذا مما كُذِب لما ظهرت الدعوة للدولة العباسية، وهذا يُرجّج أنه توفي بعد سنة (129) أي سنة (132هـ)، والله أعلم.

15- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ التِّيهِرْتِيُّ ، عَنْ شَيْخٍ لَهُمْ يُقَالُ لهُ: عَبْدُالسَّلَام ِ بنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَبِيلٍ يَقُولُ: - وَذَكَرَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَنَالَ مِنْهُمْ- ثُمَّ قَالَ: «سَيَلِيكُمْ بَعْدَهُمْ أَصْحَابُ الرَّايَاتِ السُّودِ، فَيَطُولُ أَمْرُهُمْ وَمُدَّتُهُمْ حَتَّى يُبَايَعَ لِغُلَامَيْنِ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَدْرَكَا اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَيَطُولُ اخْتِلَافُهُمْ حَتَّى تُرْفَعَ بِالشَّامِ ثَلَاثُ رَايَاتٍ، فَإِذَا رُفِعَتْ كَانَ سَبَبَ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ، فَإِذَا قُرِئَ بِمِصْرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ آخَرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ شَرُّ مَنْ مَلَكَ، وَهُمْ يُخْرِبُونَ مِصْرَ وَالشَّامَ، فَإِذَا كَثُفَ أَمْرُهُمْ بِالشَّامِ اجْتَمَعَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ وَأَصْحَابُ الرَّايَاتِ الثَّلَاثِ وَمَنْ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ، فَيَجْتَمِعُونَ جَمِيعًا عَلَيْهِمْ، فَيُقَاتِلُونَه ُمْ فَتَكُونُ الْغَلَبَةُ لِأَهْلِ الرَّايَاتِ الثَّلَاثِ، وَيَنْقَطِعُ أَمْرُ الْبَرْبَرِ، ثُمَّ يُقَاتِلُونَ أَصْحَابَ الرَّايَاتِ السُّودِ حَتَّى يَنْقَطِعَ أَمْرُهُمْ».

قلت: هذا أثر منكر!

محمد بن عبدالله التيهري، وفي مطبوع (إكمال تهذيب الكمال): "النميري - وفي نسخة: الفهري –"، وهو مجهول، وشيخه عبدالسلام مجهول مثله.

وإن صح فهو مما كان يرويه أبو قَبيل: حُيي بن هانئ المصري في الملاحم دون أن يُسندها! وهو صدوق له أوهام. قال يعقوب بن شيبة: "كان له علم بالملاحم والفتن"، يعني: كان يروي روايات كثيرة في الملاحم والفتن، وغالبها كأنه أخذه من كتب الأقدمين (أهل الكتاب).

16- حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ بنُ الْوَارِثِ، عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ يُوسُفَ بنَ عَبْدِاللَّهِ بنِ سَلَامٍ، مَرَّ بِدَارِ مَرْوَانَ بنِ الْحَكَمِ فَقَالَ: «وَيْلٌ لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ هذهِ الدَّارِ حَتَّى تَخْرُجَ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ».

قلت: هذا منكر، وليس مرفوعاً! وقد تفرد به حماد عن حميد الطويل! ولم يُسنده بكر بن عبدالله المزني البصري، ولا يُعرف له سماعاً من يوسف بن عبدالله بن سلام!

ولو صحّ فمن أين هذا العلم عند يوسف بن عبدالله بن سلام بما سيحصل؟!! وأظن المشكلة فيه من حماد بن سلمة، وحماد بن سلمة له تفردات غريبة! ولهذا لم يخرّج له الإمام البخاري، فلم يروه عن حميد إلا هو، وحميد توفي سنة (142هـ) يعني بعد ظهور الدعوة العباسية بثلاث عشرة سنة! والله أعلم.

17- حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابنِ عَيَّاشٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: "تَظْهَرُ رَايَاتٌ سُودٌ لِبَنِي الْعَبَّاسِ حَتَّى يَنْزِلُوا الشَّامَ، وَيَقْتُلُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ أَوْ عَدُوًّا لَهُمْ، يُرَابِطُ بِسَاحَتِهِمْ أَدَمٌ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَيَدْخُلُهَا سَبْعُونَ أَلْفًا شِعَارُهُمْ فِيهَا: أَمِتْ أَمِتْ، ثُمَّ تَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَها، فَيَمْكُثُ مُلْكُهُمْ تِسْعًا فِي سَبْعٍ، ثُمَّ يَنْتَكِثُ أَمْرُهُمْ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً".

قلت: هذا إسناد فيه مجهول لا يُعرف! فلا يُحتج به. وهو من رواية كعب الأحبار – إن صحّ عنه-!

18- حَدَّثَنَا عَبْدُالقُدُّوس ِ، عَنِ ابنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أُمِّ بَدْرٍ، قالَتْ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بنَ زُرْعَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ، يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي أَجِدُ أَنَّ هذَا الْعَامَ تُجَلِّلُ فِيهِ دِمَشْقَ الْمُسُوحُ وَالْبَرَاذِعُ وَاللُّبُودُ، وَتَخْرُجُ قَتْلَاهُمْ عَلَى الْعَجَلِ، وُتُبْقَرُ بُطُونُ نِسَائِهِمْ، فقَالَ كَعْبٌ: "إِنَّمَا أُولَئِكَ قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنَ الْمَشْرِقِ حِرِدِينَ، مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ مَكْتُوبٌ فِي رَايَاتِهِمْ عَهْدُكُمْ وَبَيْعَتُكُمْ وَفَيْنَا بِهَا ثُمَّ نَكَثُوهَا، فَيَأْتُونَ حَتَّى يَنْزِلُوا بَيْنَ حِمْصَ وَدَيْرِ مِسْحَلٍ، فَتَخْرُجُ إِلَيْهِمْ سَرِيَّةٌ فَيَعْرِكُونَهُ مْ عَرْكَ الْأَدِيمِ، ثُمَّ يَسِيرُونَ إِلَى دِمَشْقَ فَيَفْتَحُونَهَ ا قَسْرًا، شِعَارُهُمْ: أَقْبِلْ أَقْبِلْ، يَعْنِي بُكُش بُكُش، تُرْفَعُ عَنْهُمُ الرَّحْمَةُ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ".

قلت: هذا أيضاً منكر! وأم بدر مجهولة، وسعيد بن زرعة لا يُعرف!

ورواه أيضاً قال: حدثنا ابن أبي هريرة، عن أبيه، عن علي بن أبي طلحة قال: "يدخلون دمشق برايات سود عظام فيقتتلون فيها مقتلة عظيمة شعارهم بكش بكش".

قلت: ابن أبي هريرة هو: هاشم بن عيسى بن بشير الحمصي، وهو مستور، ووالده صالح يُكتب حديثه.

وعلي بن أبي طلحة يروي المناكير! ولم يُسنده.

19- حَدَّثَنَا الوَلِيدُ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَبْدِاللَّهِ، عَنْ مُسْلِمِ بنِ الْأَخْيَلِ، عَنْ عَبْدِالكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ ابنِ الْحَنَفِيَّةِ، قال: «لَا تَزَالُ الرَّايَاتُ السُّودُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ فِي أَسِنَّتِهَا النَّصْرُ حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ رُفِعَتْ ثَلَاثُ رَايَاتٍ بِالشَّامِ».

وفي موضع آخر بالإسناد نفسه: "إِذَا اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ رُفِعَ بِالشَّامِ ثَلَاثُ رَايَاتٍ: رَايَةُ الْأَبْقَعِ، وَرَايَةُ الْأَصْهَبِ، وَرَايَةُ السُّفْيَانِيِّ ".

قلت: هذا أثر منكر!

وأبو عبدالله شيخ الوليد بن مسلم اسمه: ناصح مولى بني أمية، ترجم له ابن عساكر في تاريخه (61/385) ولم يجد فيه جرحاً ولا تعديلاً، ونقل عن أبي زرعة الدمشقي أنه ذكره في نفر من الثقات. وشيخه مسلم بن الأخيل مجهول، وعبدالكريم هو ابن أبي المُخارق: ضعيف لا يُحتج به، وتركه بعض أهل العلم.

20- حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، قال: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ رَسُولَ الوَلِيدِ بنِ يَزِيدَ إِلَى قُسْطَنْطِينَ: سَمِعَ الْوَلِيدَ بنَ يَزِيدَ، يَقولُ: «الْمَلَاحِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى تَأْتِيَكُمُ الرَّايَاتُ السُّودُ، ثُمَّ يَخْرُجُ عَلَيْكُمُ التُّرْكُ فَتُقَاتِلُونَه ُمْ فَتَقْتُلُونَهُ مْ، ثُمَّ لَا تَجِفُّ بَرَادِعُ دَوَابِّكُمْ حَتَّى يَخْرُجَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ».

قلت: هذا منكر، وإسناده مجهول!

21- حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ حِينَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِالْكَعْبَةِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِذَا أَقْبَلَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَالرَّايَاتُ الصُّفْرُ مِنَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَلْتَقُوا فِي سُرَّةِ الشَّامِ، يَعْنِي دِمَشْقَ، فَهُنَالِكَ الْبَلَاءُ، هُنَالِكَ الْبَلَاءُ».

قَالَ أَبُوهُ: وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بنُ يَزِيدَ الْقُرَشِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ عَطَاءِ بنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنِ امْرَأَةِ أَبِيهِ، قَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَاهُ، يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ.

قلت: هذه قصة منكرة! وعبدالله بن مروان وأبوه مجهولان! والإسناد الثاني فيه جهالة أيضاً.

22- حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ وَغَيْرُهُ، عَنْ صَفْوَانَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هَزَّانَ، عَنْ كَعْبٍ، قالَ: «إِذَا الْتَقَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ وَالرَّايَاتُ الصُّفْرُ فِي سُرَّةِ الشَّامِ فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا». قالَ صَفْوَانُ: "لَيَنْزِعَنّ الْبَرْبَرُ أَبْوَابَ حِمْصَ عَمَّا سِوَاهَا".

قلت: أبو هزّان عطية بن أبي جميلة رافع وهو شامي، قيل إنه سمع من حذيفة، وهو مجهول الحال! والأثر من رواية كعب وليس مسنداً، فلا يُحتج به.

وبعد: فهذه جُلّ الأحاديث والآثار التي رُويت في «الرايات السّود» وكلها منكرة! وقد تبيّن أنها وردت في دولة بني العبّاس ولهذا ساقها نُعيم بن حماد في كتابه «الفتن» في خروجهم وفي انتهاء أمرهم، وقد أشار ابن كثير – رحمه الله- إلى هذا، ثم قال إنه جاء في بعض الروايات أنها لم تتحقق بعد! وذلك لأنه جاء فيها ذكر المهدي والسفياني! ولم يظهرا بعد!

قال في «البداية والنهاية» بعد أن ساق بعض روايات (الرايات السود): "فهذه الأَخْبَارُ فِي خُرُوجِ الرَّايات السُّود مِنْ خُرَاسَانَ، وفِي وِلَايَةِ السَّفاح وَهُوَ أَبُو العبَّاس عَبْدِاللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ الْعَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المطَّلب، وقدْ وَقَعَتْ وِلَايَتُهُ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، ثمَّ ظَهَرَ بِأَعْوَانِهِ وَمَعَهُمُ الرَّايات السُّود، وَشِعَارُهُمُ السَّواد، كَمَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَفَوْقَهُ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، ثمَّ بَعَثَ عمَّه عَبْدَاللَّهِ لِقِتَالِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَكَسَرَهُمْ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، وَهرَبَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ آخِرُ خُلَفَائِهِمْ، وَهُوَ مَرْوَانُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَرْوَانَ ويلقَّب بِمَرْوَانَ الْحِمَارِ، وَيُقَالُ لَهُ مَرْوَانُ الْجَعْدِيُّ، لِاشْتِغَالِهِ عَلَى الْجَعْدِ بْنِ دِرْهمٍ فِيمَا قِيلَ، وَدَخَلَ عَمُّهُ دِمَشْقَ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَا كَانَ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الْمُلِكِ وَالْأَمْلَاكِ وَالْأَمْوَالِ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ كَثِيرَةٌ سَنُورِدُها مُفَصَّلَةً فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وقدْ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلف فِي ذِكْرِ الرَّايات السُّود الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَقَدِ اسْتَقْصَى ذَلِكَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوايات مَا يدلُّ عَلَى أنَّه لَمْ يَقَعْ أَمْرُها بَعْدُ، وَأَنَّ ذلك يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، كمَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".

ثم ذكر صفات المهدي، ثم قال: "وَتَكُونُ الرَّايات السُّود الْمَذْكُورَةُ فِي هذِهِ الْأَحَادِيثِ - إِنْ صحَّت - هِيَ الَّتِي تَكُونُ مَعَ الْمَهْدِيِّ، وَيَكُونُ أوَّل ظُهُورِ بَيْعَتِهِ بِمَكَّةَ، ثمَّ تَكُونُ أَنْصَارُهُ مِنْ خُرَاسَانَ، كَمَا وَقَعَ قَدِيمًا للسَّفاح، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

هذا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى صحَّة هذِهِ الْأَحَادِيثِ، وإِلَّا فَلَا يَخْلُو سَنَدٌ مِنْهَا عَنْ كلام، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصَّواب".

· ترجمة مختصرة لأبي مسلم الخراساني:

قال الذهبي في «السّير»: "أبو مسلم الخراساني عبدالرحمن بن مسلم... الأمير، صاحب الدعوة، وهازم جيوش الدولة الأموية، والقائم بإنشاء الدولة العباسية.

كان من أكبر الملوك في الإسلام، كان ذا شأن عجيب، ونبأ غريب، من رجل يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خراسان، ثم يملك خراسان بعد تسعة أعوام، ويعود بكتائب أمثال الجبال، ويقلب دولة، ويقيم دولة أخرى!

ذكره القاضي شمس الدّين ابن خلكان، فقال: (كان قصيرا، أسمر، جميلا، حلوا، نقي البشرة، أحور العين، عريض الجبهة، حسن اللحية، طويل الشعر، طويل الظهر، خافض الصوت، فصيحا بالعربية وبالفارسية، حلو المنطق. وكان راوية للشعر، عارفا بالأمور، لم ير ضاحكا ولا مازحا إلا في وقته. وكان لا يكاد يقطب في شيء من أحواله، تأتيه الفتوحات العظام، فلا يظهر عليه أثر السرور، وتنزل به الفادحة الشديدة، فلا يرى مكتئبا. وكان إذا غضب، لم يستفزه الغضب...

قيل: مولده في سنة مائة، وأول ظهوره كان بمرو، في شهر رمضان، يوم الجمعة، من سنة تسع وعشرين ومائة، ومتولي خراسان إذ ذاك الأمير نصر بن سيار الليثي؛ نائب مروان بن محمد الحمار، خاتمة خلفاء بني مروان ... فكان ظهوره يومئذ في خمسين رجلا، وآل أمره إلى أن هرب منه نصر بن سيار قاصدا العراق، فنزل به الموت بناحية ساوة، وصفا إقليم خراسان لأبي مسلم صاحب الدعوة، في ثمانية وعشرين شهراً... اتصل بعيسى بن معقل؛ جد الأمير أبي دلف العجلي، وبأخيه إدريس بن معقل، فحبسهما أمير العراق على خراج انكسر، فكان أبو مسلم يختلف إليهما إلى السجن، ويتعهدهما، وذلك بالكوفة، في اعتقال الأمير خالد بن عبد الله القسري.

فقدم الكوفة جماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس؛ والد المنصور والسفاح، فدخلوا على الأخوين يسلمون عليهما، فرأوا عندهما أبا مسلم، فأعجبهم عقله وأدبه وكلامه، ومال هو إليهم.

ثم إنه عرف أمرهم ودعوتهم - يعني: إلى بني العباس- ثم هرب الأخوان عيسى وإدريس من السجن، فلزم هو النقباء، وسار صحبتهم إلى مكة، فأحضروا إلى إبراهيم بن الإمام - وقد مات الإمام محمد - عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم، وأهدوا له أبا مسلم، فأعجب به.

وقال إبراهيم لهم: هذا عضلة من العضل. فأقام مسلم يخدم الإمام إبراهيم، ورجع النقباء إلى خراسان...).

قال الذهبي: كان أبو مسلم سفّاكاً للدماء، يزيد على الحجاج في ذلك، وهو أول من سنَّ للدولة لبس السواد...".

وذكر هشام بن محمد بن يوسف: "أن أبا مسلم كان عبداً سراجاً من أهل خراسان وأنه صبغ خرقا سوداء فجعلها في قناة.

قال: وكانوا يسمعون في الحديث أنها تخرج رايات سود من قبل المشرق فكانت أنفسهم تتوق إلى ذلك، فلما فعل أبو مسلم ذلك تبعه عبيد وغير ذلك، وقال: من تبعني فهو حر، ثم خرج هو ومن اتبعه فوقعوا بعامل كان في بعض تلك الكور فقتلوه، وأخذوا ما كان معه وازداد من كان معه كثرة وسار في خرا سان فأخذ كبراها ثم كتب إلى إبراهيم بن محمد - وكان إبراهيم فيما ذكروا مختفياً عند رجل من أهل الكوفة قد حفر له نفقاً في الأرض - فكتب إليه أبو مسلم، فأرسل إليه رجلاً من أصحابه قد سمى له موضعه، والرجل الذي هو عنده فخرج رسوله حتى بلغ الرجل فأدخله عليه فدفع إليه كتابه، وجعل إبراهيم يسائله ما بلغوا من البلاد وأجابه بما أجابه، فلما ودعه وهو يريد المسير قال له إبراهيم: أقر صاحبك السلام وقل له لا يمر بشجرة عظيمة في طريقة إلا نحاها من طريقه.

قال: فلما خرج الرجل قال في نفسه هذا الذي نحن نقاتل له على الدين زعم وهو يأمرني بما أمر!

قال: فجعل وجهه إلى مروان بن محمد وإنما أراد بقوله (لا يمر بشجرة عظيمة إلا نحاها من طريقه) يريد ألا يمر برجل كبير القدر إلا قتله".

والخلاصة:

1- أنه لم يصح أي حديث في «الرايات السّود»، وهي منكرة وموضوعة! وكذلك الروايات التي تتحدث عن ظهور شخصية يُقال لها: (شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب من تميم) يوطئ لظهور المهدي ويكون على لوائه: (روايات منكرة مكذوبة).

2- كتاب «الفتن» لنُعيم بن حماد جمع فيه صاحبه الأخبار المنكرة والمكذوبة! قال مسلمة بن قاسم: "وله -أي نعيم- أحاديث منكرة في الملاحم انفرد بها".

3- يروي نُعيم بن حماد في كتابه عن كثير من الشيوخ المجاهيل كعبدالله بن مروان أبي سفيان! فروى عنه (78) خبراً! وكثير من شيوخ شيوخه مجاهيل أيضاً!

4- جُلّ الآثار التي ذكرها نعيم بن حماد في كتابه في ذكر الملاحم والفتن تركز على العهدين الأموي والعباسي، وهذا يعطينا مؤشرا كيف كانت شدة ذلك الصراع الذي من أجله وضعت الآثار وكُّذب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم!

ولهذا ساقها نُعيم بن حماد في كتابه «الفتن» في خروجهم وفي انتهاء أمرهم، وجاء في بعض الروايات أنها لم تتحقق بعد! وذلك لأن كثيراً منها جاء فيها ذكر المهدي والسفياني! ولم يظهرا بعد! لكن كلها لا تخلو عن مقال!



وكتب: خالد الحايك

5 ذو القعدة ١٤٣٦ هجريا