أمثلة على تصرف بعض المحققين أو الناشرين فى نصوص كتب التراث
ــــــــــــــ
بعض المحققين أو الناشرين يتصرفون فى نصوص كتب التراث ، فيحذفون منها أو يضيفون اليها ،وقد يفعلون ذلك إما بغرض نصرة مذهبهم أو التعصب لرأى ما ، أو أنهم يرون أن هذه النصوص تعارض الدين من وجهة نظرهم الى غير ذلك.
ومن أمثلة ذلك مثلا ما فعله حسام الدين القدسى رحمه الله حين نشر كتاب "التطفيل وحكايات الطفيليين" للخطيب البغدادى ، فقام بحذف أجزاء منه ، وقد اشار الى ذلك بسام عبد الوهاب الجابى حين حقق هذا الكتاب فقال فى صفحة 93:"
يبدو أن القدسى حذفها لتنافى أحداث القصة مع الدين الاسلامى لكن ان كان الخطيب البغدادى أوردها وهو من هو دينا وعدالة ووثوقا لا حاجة لحذفها "أ.هـ
ومن ذلك أيضا ما أشار اليه أنور الجندى بحذف بعض الأجزاء من تاريخ الجبرتى فى طبعة بولاق لأن فيها هجوما على محمد على ، قال أنور الجندى فى كتابه "أحمد زكى ":"قال في (ص112): (ونسخة من الجزء الرابع من تاريخ الجبرتي ويحتوي على فصول كثيرة، اضطر إلى حذفها من النسخة التي طبعت في بولاق لأن فيها هجوماً على (محمد علي) ويساوي ما حذف من الأصول حوالي 50 صفحة).أ.هـ
أيضا من أمثلة على ذلك ما حكاه د/عبد الله عسيلان حين قام بتحقيق كتاب "الاجتهاد فى طلب الجهاد" ، قال د/ عبد الله عسيلان فى صفحة 59 من كتابه" تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأمثل " قال :"وربما عمد بعض المحققين بالتصرف فى النص المحقق عن طريق تغيير بعض عبارات وكلمات الأصل دون مبرر والأمثلة على ذلك كثيرة يحضرنى منها ما حصل فى الطبعة التى أشرت اليها قبل سطور لكتاب "الاجتهاد فى طلب الجهاد" التى صدرت بالقاهرة عام 1347 هـ ، اذ لاحظت على هذه الطبعة ان من قام بتحقيق الكتاب يعمد الى تغيير بعض العبارات ويأتى بها على خلاف ما جاء فى الأصل من ذلك اثبت المحققون ص 22 س3 من الكتا ب عبارة من غير مسلم جزية وفى الاصل المخطوط "من كافر جزية" أ.هـ

ومن أمثلة ذلك أيضا ما حدث فى أحد طبعات كتاب "الأذكار"للنوو ى بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط ، وذلك حين عمد بعض الناشرين بتحريف بعض عباراته ، وقد أشار الى تلك القصة محمد عوامة فى كتابه "أدب الاختلاف صفحة 88 قال:"وأخر ما علمته وقع فى هذه الهوة الأستاذ عبد القادر الأرناؤوط غفر الله له ورده الى صوابه وذلك فى كتاب الأذكار للامام النووى فى طبعته التى أخرجها أخيرافى عام 1409 " أ.هـ
على أننا لابد أن ننبه الى أن عبد القادر الأرناؤوط تبرأ من ذلك فيما بعد ، وأشار بأن ما حدث كان بفعل هيئة مراقبة المطبوعات.
ومن الأمثلة أيضا ما حدث فى حذف عدة صفحات تتكلم عن أبى حنيفة فى كتاب "السنة"لعبد الله بن الامام أحمد،وذلك فى طبعة الشيخ عبد الله بن حسن رحمه الله، وقد أشار الى ذلك الشيخ صالح أل الشيخ فقال فى "المنهجية فى قراءة كتب أهل العلم" ص 8:" ولهذا مثلا لما طبع الشيخ عبد الله بن حسن رحمه الله، ومعه بعض المشايخ في مكة لما طبعوا كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد رحمه الله لم يروا بأسا من أنْ ينتزعوا منه بابًا كاملا، وهذا لأجل المصلحة الشرعية التي توافق منهج أهل السنة والجماعة فانتزعوا فصلا كاملا متعلق بأبي حنيفة رحمه الله وبأصحابه" أ.هـ
وقد اضيفت تلك الصفحات فيما بعد فى الطبعات التى حققها كل من الدكتور القحطانى ، وأبو مالك الرياشى.
وقد حكى العلامة المعلمى اليمانى رحمه الله ، فقال فى رسالته المسماه" رسالة فيما على المتصدين لطبع الكتب القديمة فعله" صفحة 37 قال :"وقد رأيت بعض من تصرف الجهلة ما وقع فى النسخة المحفوظة بخزانة كوبريلى فى استانبول تحت رقم () فى الورقة وذلك فى ترجمة الامام ابى حنيفة رحمه الله وذلك فى موضعين حاول جاهل ان يطمس ما فى الأصل ويكتب محله ما يخالفه فلم يتم له ذلك بل بقى ما فى الأصل لائحا "أ.هـ
ومن الأمثلة ايضا ما حكاه محقق كتاب "تنقيح التحقيق"لابن عبد الهادى ، حيث قال (3/134):"ويغلب على الظن أن حذف هذه الجملة والتي سبقت في التعليق السابق متعمد، لما فيهما من القدح في الإمام أبي حنيفة، فلعل ناسخ الأصل الذي اعتمده المنقح كان عنده تعصب للإمام أبي حنيفة، فحذف هاتين الجملتين" أ.هـ
ومثل هذا أيضا ما حكاه ابن خلكان عن تفسير الزمخشرى، قال فى "وفيات الأعيان"(5/170):"ورأيت في كثير من النسخ " الحمد لله الذي أنزل القرآن " وهذا إصلاح الناس لا إصلاح المصنف" أ.هـ
ومن الأمثلة أيضا ما فعله الأعظمى فى تحقيقه لمسند الحميدى ، حين ذكر حديث محرفا من النسخ الهندية التى اعتمد عليها فى تحقيقه ، وهو حديث رقم 614:" رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أفتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع فلا يرفع ولا بين السجدتين"
مع أن الحديث نشر مصححا فى نسخة الظاهرية وقد اطلع عليها الأعظمى وأشار اليها فى الحديث الذى قبله .
وقد حكى ذلك بالتفصيل الأستاذ صلاح الدين مقبول فقال فى كتابه "زوابع فى وجه السنة"ص 257:"وان تعجب فعجب من هذا الخذلان فى السكوت على هذا التحريف فى الحديث النبوى بدون الاشارة اليه مع أنه أشار فى نسخة الظاهرية عند التعليق على الحديث رقم 613 الذى هو قبل هذه الرواية المحرفة رقم 614 ،وكذا أشار الى ما بعدها أيضا ، ولو ذكر ما فى نسخة الظاهرية حتى فى الاستدراك والتعقيب على المجلد الثانى لكفاه عذرا عند الناس والله يتولى السرائر" انتهى كلامه.
ومن الأمثلة أيضا ما حكاه الشيخ الألبانى عن تصرف بعض الناشرين فى كتبه والتعديل فيها ، قال فى مقدمة كتابه"الكلم الطيب": ص 40 :"وأما اعتداءاته العلمية المتتابعة على مؤلفاتي وتصرفه فيها وتعليقه عليها بجهلٍ بالغ وكأنه المؤلِّف لها: فأمرٌ لا يوصف!، وهو مما لا كفارة له إلا بإعلان التوبة النصوح، وإرجاع المؤلفات كما كانت على وضع المؤلِّف" أ.هـ
وهذا المسلك الذى سلكه هؤلاء المحققون ليس بجيد ،فالتصرف في عبارات المؤلّفين لا يجوز ، قال الدكتور رمضان عبد التواب فى كتابه "مناهج تحقيق التراث" ص 225:" ان المحافظة على نص المؤلف كما كتبه من اقدس الواجبات"ا.هـ
وإنما على المحقّق أن يترك عبارة المؤلف كما هي، وأن يعلق فى الهامش على ما يراه مخالفا من وجهة نظره للشرع ،ويستثنى من هذا آيات القرأن ، وقد كان اهل العلم قديما يحتاطون فى ذلك ، فكان بعضهم يذكر اللحن والأخطاء الاملائية والنحوية كما هى ، ويشير فى الهامش الى الصواب ..قال النووى فى "التقريب والتيسير"(1/75):" وأما إصلاحه في الكتاب فجوزه بعضهم والصواب تقريره في الأصل على حاله مع التضبيب عليه وبيان الصواب في الحاشية "أ.هـ
وقد حكى الدكتور محمود الطناحى فى تحقيقه لكتاب "منال الطالب "لابن الأثير ص 19عند وجود أحد الأخطاء الاملائية أنه وجد في حاشية المخطوط :"(ولم أر ان أصلحه،) لأنه مقروء في هذه النسخة على مصنفه، وخطُّه عليها، وكان ينبغي ان تكون العبارة: «في بيانع الثمر». والله أعلم» أ.هـ
وعلى هذه الطريقة سار الدكتور عبد الله الشبل فى تحقيقه لكتاب "تاريخ الفاخرى" حيث قال مقدمة الطبعة الاولى صفحة 16:"التزمت في هذا المنهج منهج التحقيق الآتي: المحافظة على ما ورد بالنسخة المنقولة بخط عبدالرحمن بن محمد بن ناصر، ولو انه مخالف للقواعد اللغوية، والنحوية، والإملائية الصحيحة، تحقيقاً للأمانة العلمية» أ.هـ
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.