قال ابن القيم في طريق الهجرتين: (صـ 312 - 313): (نعم؛ لا بُدَّ فى هذا المقام من تفصيلٍ به يزول الإشكال، وهو الفرق بين مقلِّد تمكَّن من العِلم ومعرفة الحقِّ فأعرض عنه، ومقلِّد لم يتمكَّن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان فى الوجود، فالمتمكِّن المُعْرِض مفرِّط تارك للواجب عليه لا عُذر له عند الله، وأما العاجز عن السُّؤال والعلم الذى لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضًا:
أحدهما: مُريد للهُدى مؤثرٌ له محب له، غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده، فهذا حُكْمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة. الثانى: مُعْرِض لا إرادة له، ولا يُحدِّث نفسه بغير ما هو عليه.
فالأول يقول: يا ربِّ لو أعلم لك دينًا خيرًا مما أنا عليه لدِنتُ به وتركتُ ما أنا عليه؛ ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره، فهو غاية جهدى ونهاية معرفتى.
والثانى: راضٍ بما هو عليه، لا يُؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فَرْق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق:
فالأَول: كمَنْ طلب الدِّين فى الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع فى طلبه عجزًا وجهلًا،.
والثانى: كمَنْ لم يطلبه، بل مات في شِرْكه وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرقٌ بين عجز الطالب وعجز المُعْرِض.
فتأمل هذا الموضع، والله يقضى بين عباده يوم القيامة بحُكمه وعدله، ولا يُعذِّب إلا من قامت عليه حُجَّته بالرسل).