تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: هل شكوى المرض للأهل والأصحاب من عدم الرضى بقضاء الله ؟ مفتي بلاد الحرمين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي هل شكوى المرض للأهل والأصحاب من عدم الرضى بقضاء الله ؟ مفتي بلاد الحرمين

    عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
    مفتي عام المملكة العربية السعودية

    مجلة البحوث الاسلامية فتاوى العدد 95

    س: سائل يقول: إذا بكى المريض من شدة الألم الذي يعانيه، أو تحدث مع أهله وزواره عن مرضه وآلامه فهل يعد فعله هذا من باب عدم الرضا بقضاء الله تعالى؟ وما هي نصيحتكم وتوجيهكم للمرضى بصفة عامة؟

    ج: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

    فهذا السؤال يشتمل على عدة أمور: وقبل كل شيء نعلم أن الله جل وعلا حكيم عليم، وأن ما قضاه وقدره فإنه مقتضى كمال حكمته، وكمال علمه، وكمال عدله، وكمال رحمته، فهو حكيم، عليم، رحيم، عادل، لا يقضي قضاءً إلا بكمال حكمة، وكمال علم، وكمال عدل، وكمال رحمةٍ، والمؤمن حقًّا من يصبر على البلاء، ويحتسب
    ثواب ذلك عند الله، قال الله جل وعلا: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وقال تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِين َ وَالْمُسْتَغْفِ رِينَ بِالأَسْحَارِ} وقال تعالى: { وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ } فالله سبحانه مدح الصابرين، وأثنى عليهم، وبشرهم بالرحمة، والهداية، والنعيم المقيم في الجنة في معرض عدّه لخصال أهل الإيمان، فالمؤمن ذو صبر، واحتساب، وتحمل لما أصابه إذا أيقن المسلم أن هذا المرض بقضاء الله وقدره، وأيقن أن الله أرحم به من أمه الشفيقة عليه، وأرحم به من أبيه، وأرحم به من عباده، وأنه الرحيم به الذي لا يقدّر عليه إلا ما فيه منفعة له، ومصلحة في آجل أمره وعاجله، فإذا تيقن ذلك صبر على البلاء، ورضي بذلك، واطمأنت نفسه به، وكلما اشتد به البلاء، وعظم الأمر التجأ إلى ربه وخالقه بالتضرع بين يديه، وسؤاله كشف الضر، ودفع البلاء عنه، قال الله جل وعلا عن نبيه أيوب عليه الصلاة والسلام:
    {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}

    وقال عن نبيه يونس بن متى عليه الصلاة والسلام: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فنبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم نادى ربه بقوله {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، فسأل ربه بكمال رحمته أن يشفيه ويعافيه، واستجاب الله لدعاء ذي النون صلى الله عليه وسلم إذ نادى وهو في ظلمات بطن الحوت والبحر بقوله: {أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فنسب الظلم لنفسه تأدبًا مع ربه، واعترافًا بكمال فضله، ونسب الخطأ لنفسه، وأن الله مبرّأ من الخطأ والزلل تعالى وتقدس علوًّا كبيرًا، فيا أخي المسلم لا يتمنى المرء العدو، بل يسأل الله العفو والعافية كما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، قال: «فإذا لقيتموهم فاصبروا» (1) الحديث متفق عليه، وأخرجه أبو داود، والإمام أحمد، فالمرض عدو فلا يتمناه الإنسان
    _________
    (1) صحيح البخاري الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ (3026)، صحيح مسلم الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ (1742)، سنن أبي داود الْجِهَادِ (2631)، مسند أحمد (4/ 354).

    ولا يطلبه، ولكن إذا ابتلي به فليصبر، وليرض بقضاء الله وقدره، ولتطمئن نفسه بذلك، روى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة» (1) أخرجه الإمام أحمد، والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان، وابن ماجه، وصححه الألباني، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط» (2) رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن، وحسنه الألباني.

    فيا أخي المسلم المبتلى نصيحتي لك أن تصبر على قضاء الله وقدره، وتصبر على البلاء، وتطمئن نفسك وترضى بما قدره الله عليك، فذلك أمر مطلوب منك شرعًا، فلا تتسخط ولا تقل مسني البلاء دون غيري، ولماذا مرضت وغيري صحيح؟ ولماذا أصبت بهذه العاهات والأوجاع وغيري يتقلب في صحة وعافية؟ إياك أن يخدعك الشيطان فتسيء الظن بربك فيحبط عملك، فاصبر على قضاء الله، والصبر واجب، وإن انتقلت إلى ما فوق الصبر وهو الرضا
    _________
    (1) سنن الترمذي الزُّهْدِ (2398)، سنن ابن ماجه الْفِتَنِ (4023)، مسند أحمد (1/ 185)، سنن الدارمي الرِّقَاقِ (2783).
    (2) سنن الترمذي الزُّهْدِ (2396)، سنن ابن ماجه الْفِتَنِ (4031).

    بالقضاء وطمأنينة النفس بذلك فذاك مرتبة عظمى، والبكاء بدون نياحة وصياح وصوت لا مانع منه، لكن لا ينبغي الإكثار منه، ففي الإكثار منه وجعله ديدن الإنسان، فيه شيء من التسخط على قضاء الله وقدره، ولكن بكاؤك أحيانًا من شدة الحزن والألم بدون صوت لا مانع منه، ويدل لذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين وكان ظئرًا لإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأنت يا رسول الله، فقال: يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» (1) أخرجه البخاري.

    وأما إخبارك أهلك بمرضك فإن كان من باب الإخبار وبيان حالك فلا مانع منه، وإن كان من باب شكوى الخالق على المخلوق تقول: لماذا ربي ابتلاني بهذا المرض؟ ولماذا لم يبتل غيري؟ ولماذا لم يكن غيري مثلي في البلاء فذلك اعتراض على قضاء الله سبحانه، فشكاية الخالق على المخلوق أمر محرم شرعًا، وأمر خطير لا يليق
    _________
    (1) صحيح البخاري الْجَنَائِزِ (1303).

    ذلك بالمسلم، بل على المسلم أن يصبر، ويرضى، ويحتسب، ويطلب من الله المثوبة، ويتذكر الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه» (1) أخرجه الإمام البخاري، ومسلم، وأحمد، والترمذي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» (2) أخرجه الإمام مسلم، والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح، فالصبر والطمأنينة والرضا، وعدم شكاية الخالق على المخلوق من صفات كمال الإيمان، فيا أخي المريض لا تَشْكُ للمخلوق ما أصابك من خالقك، أما أن تخبرهم بحالك وما حصل لك فإن ذلك لا مانع منه؛ ولهذا كان السلف الصالح إذا تحدثوا عن مرضهم قالوا: ذلك إخبارًا لا شكوى، والتضجر من المرض والشكوى للمخلوق ينافي كمال الصبر على أقدار الله المؤلمة، فالله سبحانه أرحم بنا، وأرأف بنا من أنفسنا ومن كل مخلوق، فيجب على المسلم أن يلتجئ إلى الله، ويتضرع إليه ويشكو إليه حاله فهو وحده النافع، الشافي، الوهاب، المبدئ المعيد، نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
    _________
    (1) صحيح البخاري الْمَرْضَى (5642)، صحيح مسلم الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ (2573)، سنن الترمذي الْجَنَائِزِ (966)، مسند أحمد (2/ 303).
    (2) صحيح مسلم صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ (2809)، سنن الترمذي الزُّهْدِ (2399).

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2014
    المشاركات
    21

    افتراضي

    الله يعطيك العافيه
    بارك الله فيك اخوي

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي

    وإياكم
    ونفعنا جميعا بما نعلم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •