تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الحلم .. البضاعة التي لا تبور

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    الدولة
    جمهورية مصر العربية
    المشاركات
    377

    افتراضي الحلم .. البضاعة التي لا تبور

    ذات يوم بينما كان الأب يلمع سيارته الأنيقة، فوجئ بابنه ذي الست سنوات يكتب عليها بخدوش مسمار التقطه من الأرض على حين غفلة من أبيه، وفي قمة غضبه واندفاعه أخذ الأب بيد ابنه وضربه عليها عدة مرات بدون أن يشعر أنه كان يستخدم للعقاب قضيب حديدي ضخم. كانت ثورة الأب عارمة فالسيارة جديدة وتخريب الابن كان غير متوقع، لهذا كانت الضربات قاسية وقوية مما أدى إلى بتر أصابع الابن في المستشفى لاحقا، وتحول العقاب إلى مأساة خاصة عندما كانت براءة الطفل تتألم ويسأل المسكين أباه: «متى ستنمو أصابعي ثانية يا أبي؟» هذا السؤال كان يمزق قلب الأب ويحرقه حسرة وندما .. ترك الأب المستشفى عائدا للبيت وتوجه إلى السيارة وبدأ يركلها بقدمه عدة مرات حتى أعياه التعب فجلس بجوارها يجفف دموعه ثم إذا به ينظر إلى جانب السيارة المخدوش فوجد ابنه كان قد كتب: «أحبك يا أبي».
    الحِلْم هو الإمْهَال بتأخير العقاب المستحقِّ، ولا يصحُّ الحِلْم إلَّا ممَّن يقدر على العقوبة. والوَقَار هو السكينة والهدوء وتجنب الطَّيش عند الغضب، مأخوذ مِن الوَقْر وهو: الحِمْل. وأمَّا الأَنَاة فهي التَّأنِّي في الأمور وعدم العجلة، وألَّا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجَّل ويحْكُم على الشَّيء قبل أن يتمهل فيه وينظر. ولقد ووصف الله تعالى نفسه بالحِلْم، وسمَّى نفسه الحليم، فقال تعال: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً} [الأحزاب:51] قال الإمام أبو حامد الغزالي: "الحليم هو الذي يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمْر، ثم لا يستفزُّه غضبٌ، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المشاركة إلى الانتقام، مع غاية الاقتدار". عن عبد الرحمن بن جبير -رضي الله عنه- قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصا [أي: متكئًا على عصا] حتى قام بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قُسِّمَت خطيئته على أهل الأرض لأوبقَتْهم [لأهلكَتْهم] أَلَهُ من توبة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: (هل أسلمت؟)قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. قال -صلى الله عليه وسلم-: (تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات) قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: (نعم، وغدراتك وفجراتك). فقال: الله أكبر، الله أكبر ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يُردِّد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار [مسند البزار، وهو صحيح] وقال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء:44] وإذا ورد لفظ الحلم فعلم أن العبد مستحق للعقوبة، والعقوبة هنا لترك الذكر، وفي حديث وصية نوح: (وأوصيك بسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق) [مسند أحمد] فالمفترض أن ترك التسبيح لا يرزق العبد معه، ولكنه لطف الله تعالى الحليم الغفور. كما تعددت الآيات التي تدعو المسلمين إلى التَّحلِّي بهذا الخُلُق النَّبيل، وعدم المعاملة بالمثل ومقابلة الإساءة بالإساءة، والحثِّ على الدَّفع بالتي هي أحسن، والتَّرغيب في الصَّفح عن الأذى والعفو عن الإساءة. قال تعالى : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران :134] فأركان الحلم ثلاثة كما ورد بالآية، لا يوصف المرء بالحلم إلا إذا استوعبها .. فالحلم دليل رجاحة العقل واتزان النفس، وعلي النقيض فإن التهور والاندفاع والطيش والهوى والعجلة دليل خفة العقل وسفه النفس. ولم ينعت الله تعالى الأنبياء بأقلَّ مِن الحِلْم وذلك لعزّة وجوده، فقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التَّوبة:114] {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود:75] وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: (التَّأنِّي مِن الله، والعجلة مِن الشَّيطان، وما أحدٌ أكثر معاذير مِن الله، وما مِن شيءٍ أحبُّ إلى الله مِن الحِلْم) [صحيح الجامع] وقال -صلى الله عليه وسلم- لأشجِّ عبد القيس: (إنَّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم والأَنَاة) [رواه مسلم] وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "التروي في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة". وقال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "ليس الخير أن يَكْثُر مالك وولدك، ولكنَّ الخير أن يَكْثُر علمك ويَعْظُم حلمك، وأن لا تباهي النَّاس بعبادة الله، وإذا أحسنت: حمدت الله تعالى، وإذا أسأت: استغفرت الله تعالى". وقال أيضا: "من لانتْ كلمتُه وجبتْ محبتُه، وحلمك على السفيه يكثر أنصارك عليه". وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "لا يبلغ العبد مبلغ الرَّأي حتى يغلب حِلْمُه جهله، وصبرُه شهوته، ولا يبلغ ذلك إلَّا بقوَّة الحِلْم" فكم من اندفاعه في غير موضعها أورثت حزناً طويلا! وكم من قول أو فعل متهور طائش أهلك صاحبه وحرمه النجاة! تذكر دائما أن تعطي فرصة لنفسك وأن تهدأ قبل أن تتخذ قرار قد تندم عليه مدى الحياة!! وأعلم بأن الحلم يرفع المرء ولو كان وضيعا، ويؤلف القلوب ولو كانت متنافرة، ويزيل العداوة والحسد ولو كان مستحكما، وكفي بالحلم فضلا أن عواقبه محمودة، والندامة منه مفقودة. والحليم لا ينتصف من جاهل أبدا .. كان الأحنف بن قيس يقول: مَن لم يصبر على كلمة سمع كلمات، ورُبَّ غيظٍ قد تجرَّعته مخافة ما هو أشدُّ منه، وأنشد:
    رضيت ببعض الذُّل خوف جميعه .. كذلك بعض الشَّرِّ أهونُ مِن بعض
    وعن حفص بن غياث قال: كنت جالسًا عند جعفر بن محمد، ورجل يشكو رجلًا عنده، قال لي كذا، وفعل لي كذا، فقال له جعفر: مَن أكرمك فأكرمه، ومَن استخفَّ بك فأكرم نفسك عنه. وقال رجل لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: والله لأتفرَّغنَّ لك، قال: هنالك وقعت في الشُّغل، قال: كأنَّك تهدِّدني، والله لئن قلت لي كلمة لأقولنَّ لك عشرًا، فقال عمرو: وأنت والله لئن قلتَ لي عشرًا لم أقلْ لك واحدة. إن الحلم يحفظ على نفس الرجل عزتها وكرامتها وحشمتها، ويرفعها عن مجاراة السفلة والسوقة، ويكثر أهل الخير من حوله .. قال معاوية رضي الله عنه لعَرابة بن أوس: بم سِدت قومك يا عرابة؟ قال: "يا أمير المؤمنين كنت أحلم على جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في قضاء حوائجهم". فعادة البشر أنهم يكرهون جافي الطبع، ولا يجتمعون حول من يأخذه الغضب لأدنى هفوة إلا أن يساقوا إليه سوقاً أو يحتاجون إليه ضرورة.
    د/ خالد سعد النجار

    alnaggar66@hotmail.com
    الصدق بريق الرسالة الإعلامية الهادفة

  2. افتراضي

    نسأل ال الله تعالى أن يرزقنا الحلم والأناة.
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا ، كلمات نافعة .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    الدولة
    مصر المنصورة
    المشاركات
    5,230

    افتراضي

    زَعَمَ اِبنَ عمي أَن حِلمي ضَرَني ... ما ضَرُ قَبلي أَهلَهُ الحِلم

  5. #5

    افتراضي

    جزاك الله خيرا يا د خالدُ... وما ذكرت من مقالك عن عمر قوله:
    "التروي في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة" صح في معناه حديثٌ مرفوعٌ عند أبي داود (4812) عن سعد بن أبي وقاص عن النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « التُّؤَدَةُ فِى كُلِّ شَىْءٍ إِلاَّ فِى عَمَلِ الآخِرَةِ »

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2014
    المشاركات
    631

    افتراضي

    لقد أدميت قلبي

  7. #7

    افتراضي

    جَزَاكُم الْلَّه خَيْر الْجَزَاء اسْأَل الَلّه ان يَحْفَظَكُم وَيَتَسِرَكُم وَيُبَارِك فِيْكُم ايْنَمَا كُنْتُم
    قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لايطلع عليها الناس".

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •