كنت قد كتبت قبل ذلك فيما يتعلق بالكنى ، وكتب بعض الإخوان غيري بما فيه من الفوائد ، جزاهم الله خيرا ، لكن أحببت هنا أن أنقُل كلاما لشيخ الإسلام تقي الدين أبي العباس ابن تيمية رحمه الله ، وذلك من كتاب " فتيا في حكم القيام والانحناء والألقاب "( من مجلة البحوث الإسلامية الطبعة : العدد 20 ، من ذي القعدة إلى صفر لسنة 1407هـ - 1408هـ )
في جواب سائل سأله عن الألقاب ، فقال رحمه الله :
وأما الألقاب ، فكانت عادة السلف : الأسماء والكنى ، فإذا [ أكرموه ] كنوه بأبي فلان ، تارة يكنون الرجل بولده [ وتارة بغير ولده ] ، كما [ كانوا ] يكنون من لا ولد له ، إما بالإضافة إلى اسمه ، أو اسم أبيه ، أو ابن سميه ، أو إلى أمر [ له ] به تعلق ؛ كما كنى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة [ باسم ] ابن أختها : عبد الله ، وكما يكنون داود : أبا سليمان ؛ لكونه باسم داود [ عليه السلام ] . الذي اسم ولده سليمان ، وكذلك كنية إبراهيم : أبو إسحاق ، وكما كنوا عبد الله بن عباس أبا العباس ، وكما كنى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة باسم هرة كانت [ تكون ] معه ، وكان الأمر على ذلك : في القرون الثلاثة ، فلما غلبت دولة الأعاجم بني بويه : صاروا [ يضيفون إلى الدولة فيقولون : ركن الدولة ، عضد الدولة ، بهاء الدولة ] ، ثم بعد هذا أحدثوا الإضافة إلى الدين ، وتوسعوا في هذا ، ولا ريب أن الذي يصلح ، مع الإمكان : هو ما كان السلف يعتادونه من المخاطبات ، والكنايات فمن أمكنه ذاك ، فلا يعدل عنه [ و ] إن اضطر إلى المخاطبة ، لا سيما ، وقد نهي عن الأسماء التي فيها تزكية - كما غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم برة : فسماها زينب ؛ لئلا تزكي نفسها - والكناية بهذه الأسماء المحدثة - خوفا من تولد شر إذا عدل عنها - فليقتصر على مقدار الحاجة .
ولقبوا بذلك : [ لا ] أنه علم محض ، لا يلمح فيه [ معنى ] الصفة ، بمنزلة الأعلام المنقولة : أسد وكلب وثور . ولا ريب أن هذه المحدثات [ المنكرة ] التي أحدثها الأعاجم وصاروا يزيدون فيها ، فيقولون : عز الملة والدين ، وعز الملة والحق والدين ، و [ ما ] أكثر ما يدخل في ذلك من الكذب المبين !! بحيث يكون المنعوت بذلك أحق بضد ذلك الوصف (1 ) . والذين يقصدون هذه الأمور فخرا وخيلاء يعاقبهم الله بنقيض قصدهم ، فيذلهم [ الله ] ويسلط عليهم عدوهم . والذين يتقون الله ويقومون بما أمرهم به من عبادته وطاعته يعزهم وينصرهم ؛ كما قال تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } ، وقال تعالى : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } ...أهــ
__________
(1) قلت - أبو مالك المديني - : لقد ذكرني شيخ الإسلام رحمه الله بقول من قال :
مِمَّا يُزَهِّدُنِي فِي أَرْضِ أَنْدَلُسٍ ... سَمَاعُ مُعْتَصِمٍ فِيْهَا وَمُعْتَضِدِ
أَلْقَابُ مَمْلَكَةٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا ... كَالهِرِّ يَحْكِي انتِفَاخاً صَوْلَة الأَسَدِ