بارك الله فيكم
كثير من أصناف الخلاف مرجعه عدم تحرير مواطن النزاع.
1- لا يشكك عاقل في أن من المالكية حفاظا ومحدثين من الجهابذة. وهم في هذا كغيرهم. وأيضا لا شك في أن لهم اعتناء بالغا بشروح الحديث. فشراح الموطأ مالكية، وشراح مسلم (قبل النووي) مالكية، وشراح البخاري (قبل ابن حجر) مالكية.
2- لا يمكن أن يقول عاقل إن المذهب المالكي ليست له أدلة، لأن هذا يعني أن مالكا ومن بعده كانوا يحكمون بمجرد التشهي. إذن الشأن في إبراز هذه الأدلة لا في وجودها في نفس الأمر.
3- من الواضح جدا أن كتب المالكية المتقدمين مليئة بأصناف من الأدلة الحديثية وغيرها. (ومقصودي بالمتقدمين هنا مَن قبل أبي المودة رحمه الله، لا من قبل ابن أبي زيد رحمه الله على ما هو اصطلاح المالكية). وقد ذكر الإخوة من تلك الكتب طائفة حسنة.
4- ما بقي إذن إلا كتب المتأخرين، أي الذين عكفوا على مختصر خليل في عصور الجمود الفقهي. (ليست المشكلة في مختصر خليل وإنما في المتعصبين له مطلقا)
الحق أن هذه الكتب - في الغالب - لا تلقي بالا للاستدلال، بل همها تحرير مشهور المذهب. ولعل سبب ذلك ما يلي:
* الجمود الذي أصاب الأمة في العلوم كلها، وهذا ليس خاصا بالمذهب المالكي.
* عدم وجود بيئة التنافس الفقهي، فإن المذهب المالكي حكم بلاد الغرب الإسلامي لقرون طويلة، دون وجود أدنى مخالف من المذاهب الأخرى. فأئمة المالكية لم يجدوا حاجة إلى الاستدلال، لعدم الحاجة إلى النقاش الفقهي أصلا.
ما يقوله الشيخ بوخبزة - نفع الله به - أخذه من أمثال تقي الدين الهلالي وأحمد بن الصديق الغماري. وهم ينطلقون من وصف بيئة مالكية مغرقة في الجمود والتقليد الأعمى.
عالمهم يقول: البناني والرهوني والزقاقية والعمل المطلق.
وجاهلهم: يقول ابن عاشر وميارة.
ولا يكاد يُعرف عندهم أمثال ابن رشد والباجي وابن عبد البر وابن العربي.
ولذلك فإن إنكار دعاة السنة هؤلاء منصب في الغالب على كتب المذهب المتأخرة، وقد يبالغ بعضهم فيعمم على مذهب المالكية كله، نكاية في الخصوم المذهبيين.
ومن المعلوم أن التعصب المقيت، خاصة إن شفع بمساندة السلطان، قد يولد مبالغة في الرد.
والله أعلم.