[موارد ابن كثير في تفسيره]
موارد ابن كثير كثيرة، وله من اسمه نصيب، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا أتى سهيل بن عمرو يوم الحديبية وقال: ((سهل أمركم))، فمازال ابن كثير كذلك، فموارده كثيرة.
وبين يدي هذا الكتاب ويتألف من مجلدين؛ واسمه: (موارد الحافظ ابن كثير في تفسيره) للأستاذ الدكتور: سعود بن عبد الله الفليسان، وقسّمها: موارده في كتب التفسير، في علوم القرآن، في كذا ..، يعني في مختلف الفنون.
وأنا تناولت جزءا من ذلك في أثناء دراستي عن حياة الحافظ ابن كثير، فلابد من التعرض لموارده؛ وهي كما ذكرت في التفسير، وفي علوم القرآن، وفي سائر الفنون.
وما يتعلّق بالتفسير:
هو ينقل عمّن سبقه من المفسرين وعلى رأسهم إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري، لكنه نقل البصير، ويكثر عن الطبري، وينقل عن ابن أبي حاتم، ويأخذ شيئا من تفسير الرازي، وأحيانا يأخذ عن الكشاف وأحيانا يأخذ منه لينقده نقدا، وإذا كان استشهاد ابن كثير لشيء من كلام الزمخشري يقول قال كذا ويبجّله، أما إذا انتقده يقول: وما حمله على ذلك إلا اعتزاله، ويأخذ كذلك عن الرازي ويردّ عليه؛ لأن الرازي صاحب علم كلام، فهو لمّا تكلّم عن تفسير: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان}، وقصة هاروت وماروت، وذكر أنواع السحر، والرازي أطال فيها، وابن كثير ذكر جزءا منها وينقده.
وغيرهم من المفسّرين، وهناك تفاسير لم نجدها الآن، وابن كثير ذكرها في تفسيره، وهذه أيضا تعتبر من مآثر ومفاخر ابن كثير، كما تحتسب أيضا للسيوطي وهو أتى بعد ابن كثير، نقل عن مؤلفات لم نجدها في وقتنا الحاضر.
وتفسير ابن مردويه، هناك تفاسير لم نجدها في الوقت الحاضر، لكن ينقل عنها، فتفسير ابن مردويه ينقل عنه، لكن لم نجده في الوقت الحاضر، وتفسير وكيع، وينقل عن القرطبي وأيضا ينقل ويوجّه.
وينقل عن ابن عطية –يعني في تفسيره-، وعن الماوردي، والهداية في التفسير لمكي بن أبي طالب، هذا على سبيل الاختصار موارده في تفسيره، أعود لها مرة ثانية: يهتم بالتفاسير التي تُعنى بالأثر، وما وُجد من تفاسير أُخرى نقل عنها ابن كثير إنما يستفيد منها في جوانب يعلّق عليها إما استفادة، أو أنه ينقدها ويوجّه، كما نقل عن الرازيّ، ونقل عن الزمخشري.
وما يتعلق بعلوم القرآن نقل عن عدد من العلماء مثال الباقلاني في كتاب (إعجاز القرآن)، وأبو عمرو الداني في كتابه (البيان)، وينقل كثيرا عن أبي عبيد القاسم بن سلام في كتابه (فضائل القرآن) ويبجّله يقول: الإمام العلم، و (المصاحف) لابن أبي داوود، وأيضا (الناسخ والمنسوخ) لأبي عبيد القاسم بن سلام.
أما مصادره من دواوين السنة: لاشك أنها الأمهات الست، وكأنه استظهر مسند الإمام أحمد، فكثيرا ما يذكره ويقدّمه في الذكر قبل الصحيحين.
ويأخذ من كتاب (الإشراف على معرفة الأطراف) لابن عساكر، و (التمهيد) لابن عبد البر، ودواوين السنة المتعددة.
ومصادر ابن كثير في اللغة: (إعراب القرآن) للنحّاس، و (الزّاهر) لابن الأنباري، و (الصحاح) لأبي نصر الجوهري، ويكثر من الأخذ عنه، و (معاني القرآن) لابن الزجاج.
وبمناسبة كتب اللغة يذكر ابن كثير، يقول: لا أذكر في التفسير فيما يتعلق باللغة إلا ما يتوقف عليه في بيان المعنى أما حشو التفسير بشيء من اللغة هذا لا ينبغي واللغة مؤلفاتها لها مجال، كذلك لمّا تكلّم عن القراءات ذكر أنه يذكر من القراءات ما يعين على فهم المعنى ولا يتوسع، ولا يكثر من ذكر القراءات، ومن أراد التوسّع يقول يرجع إلى كتب القراءات المختصّة في هذا، ولاشك أن هذا منهج محمود ومسلك جيّد، ومن ينتقد أحيانا القرطبي يقول أوغل في التوسّع في الأحكام، مع أنه خاص بالأحكام القرطبي –رحمة الله عليه-.
ما يذكره ابن كثير في تفسيره من الأحكام فهو يأخذه عن (الأحكام الكبير) للمصنف نفسه، فالحافظ ابن كثير له كتاب سمّاه (الأحكام الكبير)، لكن الموجود منه ثلاثة أجزاء، ووصل فيه إلى باب الأذان، والمساجد، واستقبال القبلة، وصفة الصلاة -يعني في هذا الجزء-، ولما تكلّم في تفسير سورة الفاتحة ولها ارتباط فيما يتعلق بالصلاة أحال على كتاب (الأحكام الكبير)، وفي كتاب الأحكام يحيل إلى التفسير، فتبيّن لي أنه يكتب في التفسير وفي الأحكام الكبير، وفي البداية والنهاية؛ لأنه يحيل من كلّ واحد إلى الآخر، ولاشك أنّ هذا يعطينا دلالة على الجهد الذي استفرغه الحافظ ابن كثير لمّا ألّف تفسيره كان يشتغل في عدّة فنون، مع أنه – كما وجدت- أن ابن كثير استغرق في كتابة تفسيره أربع سنوات فقط، أظن سنة اثنان وأربعين انتهى من تفسيره، انظر وهو من مواليد سبعمائة أو سبعمائة وواحد، فكان في ريعان الشباب وعنفوان الفتوّة –رحمة الله عليه-، وهذه رسالة موجّهة إلى طلاب العلم أن يستغلّوا هذه المرحلة.
مصادره من كتب الأحكام: (الأم) للشافعي، تعظيم قدر الصلاة لمحمد بن نصر المروزي، ينقل عن ابن بطة في جزئه الخلع وإبطال الحيل، ينقل عن الطحاوي (مشكل الآثار).
مصادر أخرى: الإشراف لابن هبيرة، تاريخ ابن يونس، تاريخ مكة للأزرقي، فضائل الصحابة لأبي بكر بن زنجويه، والمغازي لابن إسحاق.
كما أن هناك علماء يصرّح بأسمائهم لكن ما ذكر لهم كتبا؛ كأمثال: أبي الحسن الأشعري، والخليل بن أحمد، وسفيان الثوري، والحافظ السمعاني، وسيبويه، وابن عبد البر، وابن عساكر وغيرهم.
هذا ما يتعلّق عن الكلام على مصادر ابن كثير.
[منهج ابن كثير في التعامل مع الإسرائيليات]
لو رجعنا قليلا لمّا تكلمنا عن منهج ابن كثير في تفسيره في ذكر الإسرائيليّات، فهناك موقفه من الإسرائيليّات دوّنت في هذا ملخصا أحسب أنه جيّد، ومن تكلم عن ابن كثير، أو غمزه، أو غمز تفسيره يقول: يكثر من الإسرائيليّات، والبعض يقول هذا تقليدا، والبعض يقول بدون تتبع واستقراء، والواقع أن تعامل ابن كثير مع الإسرائيليّات على شكلين –أولا الإسرائيليات هي الأخبار التي تروى عن بني إسرائيل هذا من حيث التعريف-، وتعامل الحافظ ابن كثير مع الإسرائيليات على شكلين:
أولا: الإعراض عنها؛ فيترك من الإسرائيليات ما أورده غيره إعراضا عنها دون إشارة إليها.
الثاني: الإيراد، وما أورده الحافظ ابن كثير من الإسرائيليات، له منه ثلاثة مواقف:
-النقد العام الإجمالي.
-النقد الخاص التفصيلي.
-السكوت وعدم النقد.
مرة أخرى: تعامل ابن كثير مع الإسرائيليات؛ إما الأعراض،
2: يوردها؛ وما أورده فيتعامل معه على ثلاثة مواقف: النقد العام الإجمالي، والنقد الخاص، والسكوت وعدم النقد، وسأذكر أمثلة على كلّ واحدة.
فمن الأول الذي أعرض عنه: الحديث الطويل المروي عن أبي بن كعب في فضائل القرآن سورة سورة، وقد ذكره من المفسرين: الثعلبي، والواحدي، والزمخشري، والبيضاوي، فابن كثير أعرض عن هذه في فضائل السور، ولاشك أن بعض سور القرآن ورد فيه أحاديث صحيحة ولكن ليست كثيرة.
الثاني: النقد العام الإجمالي عند قوله تعالى: {فخسفنا به وبداره الأرض} قال: ذُكر ها هنا إسرائيليات غريبة، أضربنا عنها صفحا، وعند تفسيره لقوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب} يقول ابن كثير: قد ذكر المفسّرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم حديث لا يصحّ سنده –انظر كيف التعامل-، وهو في قصة داود عليه السلام، ثم قال ابن كثير: القرآن حقّ، وما ورد فيه حقّ، فالقرآن قال: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة} –ما في مجال تقول إنها امرأة القائد ...-
ومن الثاني الذي هو النقد التفصيلي عند قوله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} ذكر قصة بني إسرائيل عند طلبهم للبقرة التي وصف الله لهم، وأنهم وجدوها عند رجل كان من أبرّ الناس بأبيه، قالوا هذه السياقات عن عبيدة، وأبي العالية، والسديّ وغيرهم فيها اختلاف ما، والظاهر أنها مأخوذة من كتب بني إسرائيل، وهي مما يجوز نقلها، ولكن لا تصدّق ولا تكذّب، فلهذا لا يعتمد عليها إلا ما وافق الحقّ عندنا، والله أعلم.
ولمّا تكلّم عن قصة هاروت وماروت في قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} ذكر قصصا في منتهى الغرابة، ثم قال ابن كثير: وقد روي في صة هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد، والسديّ، والحسن البصري، وقتادة، وأبي العالية، والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل ابن حيّان وغيرهم، وقصّها خلق من المفسّرين من المتقدّمين والمتأخرين، ثم ابن كثير لخّصها في ثلاثة أشياء: قال: حاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، هذا واحد.
ليس فيها حديث مرفوع صحيح الإسناد إلى الصادق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، هذا الثاني.
الثالث: قال: وظاهر سياق القرآن إجمال القصة من غير بسط ولا إطناب فيها، فنحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى، والله أعلم بحقيقة الحال.
من قرأ القصة يعرف مدى المعاناة لاستخراج ابن كثير هذه العلل الثلاث: أنها من أخبار بني إسرائيل، لم يصح فيها حديث عن المعصوم صلى الله عليه وسلم نقف عنده، القرآن أوردها مجملة، أرأيتم حسن هذا النقد.
ومن الثالث: السكوت وعدم النقد؛ لما يذكر بعض الإسرائيليات ولا ينقدها؛ مثل طول آدم عليه السلام، كم كان طوله، في قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا} قال: وضع الله تعالى البيت مع آدم، أهبط الله آدم إلى الأرض، وكان مهبطه بأرض الهند، وكان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض، فكانت الملائكة تهابه، إلى آخره.
وعند تفسير قوله تعالى: {ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربّه أن آتاه الله الملك}، وفي عصا موسى {فألقاها فإذا هي حية تسعى}، يعني ثلاث أمثلة لما أورده الحافظ ابن كثير وسكت عنه.
نقول أما ما ذكره من الإسرائيليات وسكت عنه، فلعلّه رأى أن ذكرها لا يؤدّي إلى خلل في العقائد –لاحظ-، وهي مع ذلك مما يحتمل الصدق والكذب، ولكن مع ذلك كان الأولى به ترك مثل هذه الأخبار؛ لأن الاشتغال بمثل هذا من قبيل تضييع الأوقات فيما لا فائدة فيه، كما قرّر هو ذلك أكثر من مرة في تفسيره.
[منهج ابن كثير في تفسيره]
وإلى جانب ما تميّز به ابن كثير في تفسيره؛ من تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ومن التنبيه على الإسرائيليات، حيث ذكر هذا المنهج وسار عليه؛ أنه يفسر بالمعنى وليس باللفظ جريا على طريقة المتقدمين؛ مثال ذلك:
في قوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} قال: يبيّن تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه من حيث ادّعت كلّ طائفة من اليهود والنصارى أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملّتها إلى آخره، وأحيانا يذكر الكلمة ومعناها؛ مثل تفسيره للجبت أو الطاغوت بالسحر، عند تفسيره لقوله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} قال عمر: أما الجبت السحر، والطاغوت: الشيطان، قلت: هذا من معانيه، وليس خاص به.
وممّا يُفصح عن منهج ابن كثير وماذا يُورد من القراءات قوله عند تفسير قوله تعالى: {من كان عدوّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدوّ للكافرين} قال: وفي جبريل وميكائيل قراءات تذكر في كتب اللغة والقراءات، ولم نطوّل كتابنا هذا بسرد ذلك؛ إلا أن يدور فهم المعنى عليه، أو يرجع الحكم في ذلك إليه، وبالله الثقة وهو المستعان -لاحظتم كيف-، إذا كان يترتب عليه بيان معنى أو حكم أطال، أما ما عدا ذلك فلا يطيل فيه، وقد سلك مثل هذا الضابط فيما يورد عند تناوله لبعض النواحي اللغوية حيث قال في تفسير قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} قال: أي آلة يتطهّر بها، كالسحور والوجور، وما جرى مجراها، فهذا أصحّ ما يقال في ذلك، وأمّا من قال: إنه مفعول بمعنى فاعل، أو أنه مبني للمبالغة أو التعدّي فعلى كلّ منهما إشكالات من حيث اللغة والحكم، وليس هذا موضع بسطها والله أعلم.
إذن هو يورد ما يحتاج إليه لإيضاح المعنى، ويتحاشى التطويل إلا ما كان له سبب ظاهر، كما أطال في آية التيمم، وهذا الذي سلكه في تفسيره هو ما قرّره في مقدمة تفسيره.
بقيت نقطة واحدة فيما يتعلق بالقراءات، وجدت هذا وأَثبتّه عندي؛ ولكن لما بحثت عن الأمثلة لم يتيسّر لي العثور عليها في هذه العجالة، وهو أنّ الحافظ ابن كثير على قراءة أبي عمرو البصري، وفسّر تفسيره على قراءة أبي عمرو البصري، وما طُبع من تفسيره في الوقت الحاضر على قراءة حفص عن عاصم، وهذا طبعا خلل وخطأ كبير، فينبغي عند إعادة طبع هذا الكتاب أن يُطبع على الرواية التي فسّر عليها، وهذا ما وجدته بالتتبع وحصرت فيما أذكر ثمان وأربعين موضع في الكلمات التي يتغيّر معناها لمّا نقرؤها على قراءة أبي عمرو البصري؛ مثال ذلك في قوله تعالى: {فأزلّهما الشيطان}هذه قراءة حفص عن عاصم، وأبو عمرو البصري (فأزالهما)، ولك أن ترى كيف الاختلاف لمّا تكتب الآية {فأزلهما} ثم يذكرون تفسير الآية على قراءة أبي عمرو البصري.
[تنبيهات ووصايا لمن يقرأ تفسير ابن كثير]
ما عندي جواب إلا أني التقطت من الشيخ الألباني –رحمة الله عليه- ومن يريد أن يخوض في الماء العميق في البحر، أو غيره، ولا يجيد السباحة فعليه أن يتعلّم ويأخذ الوسائل؛
التعلّم والوسائل أنك تقرأ على طالب علم راسخ أو عالم، وتبدأ بالمختصرات، وأنا أحضرت معي هذا الكتاب قصدا وهو (عمدة التفسير) لأحمد شاكر، وقد اختصر تفسير الحافظ ابن كثير وعلّق –أظن- إلى الآية ثمان من سورة الأنفال، أما الاختصار فقد اختصره إلى الآخر، ومن قرأ اختصار أحمد شاكر مع تعليقات من أول التفسير إلى آية -أظن- ثمان من سورة الأنفال ستكون عنده ملكة في الاختصار، وفي كيفية التعامل مع تفسير ابن كثير، لاسيّما في المواضع التي يطيل النفس فيها، هذه من التنبيهات التي ينبغي أن تُراعى، فعلى من يريد أن يقرأ في تفسير ابن كثير أن يقرأ في المختصر، الذي هو اختصار أحمد شاكر، وهو يعني كما قيل عن (فتح الباري) لا هجرة بعد الفتح، لا اختصار بعد اختصار أحمد شاكر، وما وُجدت من المختصرات بعد اختصار أحمد شاكر هي تعتبر عالة عليه، ولا ترقى ولا تقرب منه، والدليل على ذلك أن كل مختصر لم يذكر مميزات المختصرات السابقة والمآخذ عليها، إنما كما يقال (قص ولصق).
التعليقات على اختصار أحمد شاكر من بعد آية ثمان من سورة الأنفال إلى آخر التفسير هي من تعليقات أحمد شاكر التي أُخذت من تفسيره، ومن كلامه على مسند الإمام أحمد، ومن كتابه على الترمذي، ومن بعض التعليقات التي أخذت من الشيخ الألباني، فالتخريجات التي في آخر اختصار أحمد شاكر، على تفسير ابن كثير ليست له، إنما أُخذت من تعليقات له في مواضع أخر، أما التعليقات والاختصار من أول التفسير إلى سورة الأنفال فهي لأحمد شاكر، وهي تعطي ملكة لمن يريد أن يقرأ في تفسير ابن كثير ويختصر؛ فنصيحتي مرة ثانية كما قال الألباني أن يتمرن ويتمرّس على قراءة تفسير ابن كثير، ويتمرّن مرة ومرتين وثلاث، ويبدأ بجزء عم وقصار السور، ويقرأ في المختصرات إن تيسّر له، ومع القراءة عن طالب العلم الراسخ، أو عالم، سوف تكون عنده الملكة والدربة، ولاشك أن الأمور تبغي مجاهدة.
وصلى الله وسلم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[طبعات تفسير ابن كثير]
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
هذه الشهرة الكبيرة لتفسير الحافظ ابن كثير التي قلنا أنها سارت بها الركبان، لابد أن ينتج عن ذلك تعدد طبعات هذا التفسير، لكنها مع الأسف لم تكن الطبعات التي ترضي القارئ من حيث ضبط النص والتعليق عليها.
من هذه الطبعات:
-طبعة ألف وثلاثمائة (1300 هــ): وتسمى الطبعة الأميرية، في ستة مجلدات، وقد طبعت على هامش تفسير صديق حسن خان، المسمّى: (فتح البيان في مقاصد القرآن)، فأول طبعة لهذا التفسير 1300 هــ، ولم أجد ذكرا لأصولها الخطيّة.
ولما رشيد رضا –رحمة الله عليه- أراد طباعة تفسير ابن كثير بتوجيه من الملك عبد العزيز بمشورة من محمد بن إبراهيم – رحمة الله على الجميع-، أخذ رشيد رضا طبعة المنار، ويبدو أنه جعلها أصلا مع ما وجد من أجزاء خطيّة عنده في مصر، والدليل على ذلك أنه لمّا حجّ سنة 1346 هــ، وجد في مكتبة الحرم المكيّ نسخا خطيّة، وفي تلك النسخ فضائل القرآن، وكان قطع مرحلة لا بأس بها، ما أراد أن ينقض عمله، فجعل فضائل القرآن في الأخير؛ لأن طبعة صديق حسن خان الأولى خالية من فضائل القرآن.
-الطبعة الثانية: هي طبعة المنار في تسع مجلدات، وهي التي تكلّمتُ عنها بعناية رشيد رضا –رحمة الله عليه- (1343 هــ - 1347 هــ) بإشراف وعناية محمد رشيد رضا بأمر الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل –رحمة الله على الجميع-، وقد بذل جهدا في تصحيح الكتاب والتعليق عليه، يقول: ولم يكن لدينا أصل له –وهو تفسير ابن كثير- إلا الطبعة المصرية التي طبعت في المطبعة الأميرية وهي كثيرة الغلط والسقط، فكنا نقاسي أشدّ العناء في التصحيح، ولهذا لمّا أنه حجّ في سنة 1346 هــ، وجد جزءا من تفسير ابن كثير في الفضائل، وسبق أنه قطع مرحلة من الطباعة، فجعل الفضائل في الأخير.
أما عن معاناة رشيد رضا عن النسخ الخطية ، هذه نماذج من النسخ الخطية، انظروا –يعني- مع أنها مكبرة يعني مرة ومرتين وثلاث وعشر، وهذه الصفحة مكتوب عليها قوبل بما قوبل بنسخة المصنف –رحمة الله عليه-.
وهذه –والخط صغير ..-هذه بخط مشرقي، وتلك بخط إخواننا المغاربة، وأول ما أخذتها عانيت من معرفتها؛ لأنهم يضعون نقطة الفاء تحت منها، وكنت أظن أنها تكون فوق.
-الطبعة الثالثة لتفسير ابن كثير: طبعة المكتبة التجارية، أو المطبعة التجارية، لمحمد مصطفى سنة 1356 هــ، في أربع مجلدات، أما طبعة رشيد رضا فهي تسع مجلدات.
-الرابعة: طبعة دار إحياء التراث، أو إحياء الكتاب العربية، وتسمى الحلبي وشركاه، في سنة 1372 هــ، في أربع مجلدات، سيئة الإخراج، ولم ترقّم فيها آيات القرآن، وملحق بها فضائل القرآن، وهي التي انتشرت، وما وُجد من طبعات في الأخير أظن أخذت عنها.
-الخامس طبعة مطبعة الفجالة الجديدة، سنة 1384 هــ، في أربع مجلدات، آيات القرآن مرقمة، وملحق بها فضائل القرآن، وعلّق عليها عبد الوهاب عبد اللطيف، ومحمد الصديق.
-السادسة: طبعة دار الأندلس، دار الفكر ودار الأندلس، سنة 1385 هــ، في سبع مجلدات، حسنة الإخراج نوعا ما، بها كتاب فضائل القرآن، وفهرس للأحاديث النبويّة الواردة في الكتاب، وهي المقصودة عند الإحالة عليها، لما أحيل إليها؛ لأني اشتغلت عليها هذه، والتي كان يقرأ فيها عمر العيد عند الشيخ ابن باز –رحمة الله عليه-.
-ثم طبعة دار الشعب 1390 هــ: في ثمان أجزاء، وتختلف عن كل الطبعات السابقة، إذ هي معتمد فيها على نسخة الأزهر الخطيّة فقط، يعني الأعلام فيها لا بأس، لكن يكثر فيها التحريف والسقط، قمتُ بحصر أربعمائة وخمسين سطر من السقط مفرق في سبع وسبعين موضع، وهذا في الجزء الأول فقط من القرآن، لمّا قارنت طبعة الشعب الطبعة الأولى مع طبعة الحلبي، وجدت في طبعة الشعب ثمانمائة وأحد عشر سطر سقطا موجودة في الحلبي، وساقطة من الشعب.
-ثم طبعة دار الأرقم في الكويت، التي اعتنى بها الشيخ مقبل الوادعي، لكنها لم يكمل إلا مجلد واحد.
-ثم طبعة دار طيبة في الرياض 1418 هــ: في ثمان مجلدات، تحقيق سامي محمد سلامة، وهي تعتبر من أفضل الطبعات إلى حدّ ما فيما يخصّ التخريج، واعتمد فيها على طبعة الشعب كما صرّح بذلك، واعتماده على طبعة الشعب، وما وُجد من نقص في طبعة الشعب أضافه من أجزاء خطية، هذا الذي أوقعه في السقط الحاصل، وعليها –يعني- ملحوظات فيما يتعلّق في ضبط النصّ، وما يتعلّق بوصف النسخ الخطيّة، وما يتعلق بترك العدد الكثير من الآثار والنقول التي لم تخرّج، وتحدّث عنها بحدود أربع صفحات.
هذا عن الطبعات التي كانت موجودة لما اشتغلت في الرسالة 1419 هــ.
ووجدت طبعات أخرى، وبنظري إلى الطبعات الموجودة الأخيرة، لم أجد فيها فرقا عن السابقة، بالدرجة الأولى اعتماد النسخ الخطية، كلّا منهم يجمع مجموعة أجزاء ويقول هذه نسخة خطية، بينما فيها نقص كبير، فهذا التفسير ينقصه اعتماد نسخة أو نسخ خطية معتمدة، ثم خدمة النصّ كما ينبغي ولم يتحقق في نسخة أرضى عنها في الوقت الحاضر.
[اختصار أحمد شاكر لتفسير ابن كثير ]
اختصار أحمد شاكر لتفسير ابن كثير، حدّثني الشيخ صالح الأطرم –رحمة الله عليه- 1409 هـــ، يقول: إن أحمد شاكر أتى إلى محمد بن إبراهيم، وقال: أبغى أختصر تفسير ابن كثير، قال: اختصر واعرض علينا؛ لأن بعض أجزاء تفسير ابن كثير وجدت في المكتبة السعودية تابعة للإفتاء عندنا في الرياض، واختصر ثم عرض على محمد بن إبراهيم، قال: وقف لا تكمّل، سألت الشيخ صالح الأطرم: ليش طلب منه أن يتوقف، فأعطاني جواب -ما أدري هو مقنع أو لا-، قال: يخشى أن الناس –يعني- ينصرفون إلى المختصر ويتركون الأصل، وقد تكون هذه نظرة –يعني- صائبة، إذا قارناها بكلام محدث العصر الإمام الألباني لما قال على السائل الذي سأل: ماذا يقرأ من كتب التفسير وأشار عليه أن يقرأ في تفسير ابن كثير، قال: وإن كان مطوّلا، فعليه أن يتمهّر فيه ويتعلّم، وسيجد في ذلك الفائدة الكبرى.
فأحمد شاكر –رحمة الله عليه- اختصر تفسير ابن كثير من أوّله إلى آخره، وعلّق عليه من الأوّل إلى آية ثمان من الأنفال، تعليق لا مزيد عليه، وقد أتعب من جاء بعده.
أما التعليقات في آخر اختصار أحمد شاكر في تفسير ابن كثير، هي مما أضافه من أخرج التفسير؛ دار الوفاء بالتعاون مع دار طيبة، والله أعلم.