تأملتُ حال الناس اليوم في توديع رمضان فألفيتهم في ذلك على صفات مختلفة، وأصناف متعددة، فصنف منهم لا يكترث بالأسف على الشهر الفضيل الذي عمت بركاته الخلق، ووسعت أنواره البر والبحر، وطوقت بوارقه العالمين، فتراه متشوقا إلى العيد، متشوفا إلى الإعلان به، والكون في أفراحه ومسراته، وهذا لعمر الله وإن كان ظاهر السلامة، بيِّن البراءة إلا أن فيه إساءة أدب مع الضيف الحالِّ المرتحل، لأنه مهما امتدت أيام رمضان فلابد أنها إلى انقضاء وشيك، وإلى تمام أكيد...والأسف يكون تعبيرا عن حرقة على المأسوف عليه، وتصويرا للوعة المحب للأمر العظيم الشأن.
والصنف الثاني تراه شديد الأسف على تولي أيام الشهر الفضيل، يحاول أن يمسك الزمن أن ينقضي، والوقت أن ينصرم...
وكيف لا يفعل ورمضان أيام بركة وهدى....
ونور وبهاء...
وضياء وسناء.....
وطاعة وإنابة...
وصلاة وصدقة...
وصيام وانقطاع....
وتهجد وقيام....
وتكافل وتراحم...
وإطعام وإفطار....
كأن الدنيا في رمضان قطعة من الجنان...
فلست تسمع إلا تاليا للقرآن.....
أو ساردا لسنة العدنان....
اللهم اجبر كسرنا لذهاب شهرنا....
اللهم إنا نسألك العتق من النيران....
اللهم لا تجعله آخر العهد برمضان....
وأفضل ُما نختم به هذه التأملات أن ندعو بالدعاء المأثور في هذه الليلة الشريفة: اللهم إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعف عنا..