تأملتُ دروسَ الوعظ والإرشاد التي تلقى بين الناس اليوم في رمضان فألفيت أكثرها يدور حول الصيام والقيام ومبطلات ذلك وموجباته، ومتعلقات ذلك من مسائل وقضايا متكررة، هذا هو الأغلب الأعم حتى في دروس ومواعظ وسائل الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب بيْد أن في بعض المتصدرين لهذا اللون الدعوي مجددين، ومتناولين للخطاب الديني تناولا فيه روح وبعث وإيقاظ وتجديد.
ومن أمارات ذلك وعلاماته، تناول قضايا فقهية قديمة جديدة في الصيام كفقه اختلاف المطالع وما يصاحب ذلك من ضجة ورجة، أو تناول قضايا فقهية مستجدة كفقه الصائم المسافر بالطائرة، أو الصائم المتعاطي لحقن الأنسولين في نهار رمضان، أو تناول قضايا شرعية عامة بأسلوب جديد، وخطاب مُعجِب.
وألفيتُ في توقيت الموعظة الرمضانية تجديدا إذ ْكنا إلى زمانٍ قريبٍ يكون الإلقاء في وقتٍ غير مناسب بعد العصر، وهو وقتٌ تقلُّ فيه القابلية للسماع والتلقي، ويزيد فيه التعب البدني والذهني، وتتعلق الخواطر فيه بوقت الإفطار، وغدا الوقت المفضل للموعظة بعد المغرب وقبيل أذان العشاء، حيثُ تشرئب الأعناق للسماع، وتنشط الأفهام للتلقي، وهذا أمرٌ جرَّبته بنفسي فألفيتُ له أثرا للملقي والسامع.
وفي الحق فإن السمر في العلم في ما بين العشاءين إذا لم يكن فيه تطويل واكتُفي فيه بما قلَّ ودل، ووعظ وأرشد، وأصاب المحزَّ فكفى، فإنه الوقتُ الذي لا عِدْل له ولا مثيل، ولا نظير له ولا قرين، وأما أن يطيل الواعظ هناك الموعظة، ويتوسع الملقي ثمَّ في الكلمة، حتى يُحرج الناسَ إحراجا، وإنما قدِموا المسجدَ للعشاء الآخرة، وللتراويح بعدها السُّنة العُمرية، فذاك ما يُراجع فيه الواعظ والملقي، والمنتصِب لهذا الشأن والواعي...خاصَّة أن الليل قصير، والفجر قريب، وللناس فيما بين العشاء والصبح مآرب لا تغيب على اللبيب الأريب...
وخير ُما نقوله في هذه الليالي الشريفة: اللهم إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعف عنا..