بسم الله وبعد :
اختلف السلف في بيع الفضولي وهو الذي لديه وكالة معينة، لكن تجاوزها كما ذكرنا :
فقال ابن حزم في المحلى (8/245) :"ولا يحل للوكيل تعدي ما أمره به موكله فإن فعل لم ينفذ فعله، فإن فات ضمن لقول الله تعالى {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} "، وهو قول الجمهور .
وقيل بجوازه إذا كان لمصلحة المالك لا لمصلحة الفضولي ، وذلك بأن يجد فرصة سامحة للربح :
واستدلوا بما قاله البخاري في الصحيح 3642 - حدثنا علي بن عبد الله أخبرنا سفيان حدثنا شبيب بن غرقدة قال: سمعت الحي يحدثون عن عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة فيبيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه»، إلا أن البخاري علّله فقال: قال سفيان: كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه، قال: سمعه شبيب من عروة فأتيته، فقال شبيب إني لم أسمعه من عروة، قال: سمعت الحي يخبرونه عنه، ولكن سمعته يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «الخير معقود بنواصي الخيل إلىيوم القيامة» قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسا ".
وقدظن قوم بأنه حديث صحيح، لأن البخاري قد خرجه في الصحيح، وليس كذلك لأنه معلول عنده وعند غيره بخمسة علل بل ستة :
أولاهما: أن البخاري أعله بأنْ بيّن أنه لم يسمعه شبيب من عروة، ثم وهَّم الحسن بن عمارة في ادعائه السماع بتصريح شبيب نفسه .
والثاني: أنه لا يقال بأن البخاري أخرج حديث الحسن بن عمارة المتروك، بل إنه وقع له هكذا في الحديث، ثم أظهر علته .
والثالث: أن البخاري لم يخرجه أصالة بل أسنده لأنه وقع له تبعا للحديث الذي بعده .
والرابع: أن تبويب البخاري وسياقته للأحاديث المتقدمة عنه،، واللاحقة بعده، وفي كتاب بدءالخلق يؤكد أن البخاري أراد إخراج الحديث الثاني الصحيح " الخيل معقود .."، فقط، ثم ذكر الأول معه لأنه تابع له، ولم يسكت عنه بل بين علته كما سبق .
والخامس: لو كان البخاري محتجا به لذكره في باب الوكالة والفضول لا في أبواب المعلامات.
والسادس: مخالفته للأصول والأدلة الكثيرة في النهي عن بيع ما ليس عندك، ثم ورود أدلة أخرى باستثناء الوكالة فقط ، وأما بدونها فالبيع باطل .
ثم وجدت بأن ابن القطان قال في الوهم والإيهام (5/167) :" فأورد به حديث عروة وما بعده واعتمد فيه إسناد سفيان عن شبيب بن غرقدة قال : سمعت عروة ، وجرى في سياق القصة من قصة الدينار ماليس من مقصوده ولا على شرطه مما حدث به شبيب عن الحي عن عروة فاعلم ذلك ".
وكذلك نقله الزيلعيفي نصب الراية (4/91) :" قال ابن القطان في كتابه ردا على عبد الحق في قوله،وأخرجه البخاري في صحيحه، فقال: واعلم أن نسبة هذا الحديث إلى البخاري كما ينسب إليه ما يخرجه من صحيح الحديث خطأ، إذ ليس من مذهبه تصحيح حديث في إسناده من لم يسم،كهذا الحديث، فإن الحي الذين حدثوا به شبيبا لا يعرفون، فإن هذا الحديث هكذا منقطع، وإنما ساقه البخاري جارا لما هو مقصوده في آخره، من ذكر الخيل، ولذلك أتبعه الأحاديث بذلك من رواية ابن عمر، وأنس، وأبي هريرة، كلها في الخيل، فقد تبين من هذا أن مقصد البخاري في الباب المذكور إنما هو سوق أخبار تتضمن أنه عليه السلام أخبر بمغيبات تكون بعده، فكان من جملة ذلك حديث: الخيل في نواصيها الخير..."، والحمد لله على الموافقة .
وحتى لو صح فليس فيه البيع بلا وكالة، بل هذا له وكالة لكنه تجاوزها لمصلحة مُوَكله، أوهو محمول عند الجمهور أنه كانت له وكالة تفويضٍ مطلقةٍ للجمع بينه وبين الأحاديث الصحيحة والكثيرة في اشتراط الوكالة ، فكيف وهو لم يصح والله أعلم .
فإن قيل : قد وردت له متابعة أخرى تقويه : . وهي ما رواها الترمذي عن سعيد بن زيد وهو ضعيف، وهارون بن موسى القاري الأعور كلاهماعن الزبيربن الخريت البصري عن أبي لبيد لمازة بن زبار البصري عن عروة به. قيل: لمازة هذا هو ذاك البعض من الحي ، فصارت المتابعة ترجع إلى طريق واحد، لأنه قال في الحديث السابق :"سمعت الحي "، ثم إن لمازة هذا وإن وثقه أحمد وابن سعد ومن تبعهما، فلأنهم لم يعرفوا حاله وتفسير جرحه ، فهو مجروح العدالة، فقد كان همازا لمازا سبابا في عليّ رابع أفضل خلق الله بعد أنبياء الله وكان يفتخر بذلك، بل كان يمدح قتلة سيد شباب أهل الجنة الحسين، فلا كرامة لحديثه، ولا كرامة له، ولا رحمة الله عليه ، ولذلك قال عنه ابن حزم: غير معروف العدالة "، وقال ابن معين :" لا رحمه الله ولا صلى عليه إن كان شتم عليا أو أحدا من أصحاب النبيصلى الله عليه وسلم"، وقال وهب بن جرير عن أبيه عن أبي لبيد: وكان شتاماً، وقال الدارقطني:" كان منحرفا عن علي"، والعجب كل العجب هو دفاع الحافظ ابن حجر عن أمثال هذه الغالي الناصبي، ولذلك انتقد المعلقون على ابن حجر هذا الخطأ الشنيع، ودفاعه عن هذا الرجل الفضيع ، الذي يبغض عليا، ولا يبعضه إلا منافق كما فيالحديث، ولذلك قال عنه ابن حزم: غير معروف العدالة"، وحتى الترمذي لم يصحح له هذا الحديث بل سكت عنه .
وقد ضعف الشافعي هذا الحديث، وكذلك ضعفه ابن حزم في المحلى (8/437)، وعلله البخاري كما مضى .
2/ فإن قيل : قد قال أبو داود3386 - حدثنا محمد بن كثير العبدي أخبرنا سفيان حدثني أبو حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم بن حزام: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار يشتريله أضحية، فاشتراها بدينار، وباعها بدينارين، فرجع فاشترى له أضحية بدينار، وجاءبدينار، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتصدق به النبي صلى الله عليه وسلم ودعا لهأن يبارك له في تجارته».والجواب أن هذا الحديث باطل مدمج لأن القصة والمتن واحد، والحديثُ لعروة، ومن جعله عن حكيم فقد وهِم، والمتهم به هو هذا الرجل المجهول العين والمدلَّس، فإن أبا حصين هو عثمان بن عاصم ثقة لكنه مدلِّس وقد عنعن ، وفيه الشيخ المدني وهو مبهم، وهو الذي وهم في الحديث فجعله عن حكيم .
3/ فإن قيل : قد خرجه الترمذي(1257) عن أبي كريب، والطبراني في الكبير 3133) عن إسحاق بن إبراهيم الشهيدي كلاهما عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام به، لكن ضعفه الترمذي، فقد قال :" لا نعرفه إلا من هذاالوجه، وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم بن حزام"، وفيه أبو بكر مختلط، وهو ثقة يهم، وحصين مدلس وقد عنعن، وحبيب أكثر تدليسا منه ولم يسمع من حكيم، وقد اضطرب في الإسناد والمتن :
فقد خرجه الطبراني في الأوسط (8/184) عن عمير بن عمران العلاف - وفيه كلام- نا الحارث بن عتبة عنحبيب بن أبي ثابت عن عمرو بن واثلة أو عامر بن واثلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام دينارا وأمره أن يشتري به أضحيةفاشترى فجاءه من أربحه فباع ثم اشترى ...". وبقي الحديث منقطعا عن رجل مبهم، وقد وهم فيه بأن جعله عن حكيم ، ولا يبعد أن يرجع إلى نفس الطريق السابقة .
والله أعلم
رابط الموضوع بتمامه : http://www.alukah.net/sharia/0/74821/