تأمَّلتُ حالَ المسلمين اليوم في التزامهم باتباع الهدي النبوي في الصوم والإفطار فألفيت بعضهم بذلك آخذا ومتمسكا، فيؤخر وجبة السحور إلى قبيل الفجر متبلِّغا باليسير في ذلك مكتفيا بالقليل، وفي الإفطار تراهم متعجلين، وعلى الإسراع حريصين، وألفيتُ بعضهم عن السنة في السحور والإفطار متنكِّبين، فتجد الواحد منهم لا يحفل بسحور أصلا، فما هو إلا أن يُنهكه طول السهر مع الأخدان والأخلاء حتى يبادر الطعامَ في أية ساعة من الليل، ثم يضطجع تاركا سنة السحور وفريضة الفجر بعدها، فما يفجأه إلا شمس النهار وقد توسطت السماء معلنة دخول وقت الظهر...
وفي الحق فإنَّ الهدي النبوي في تأخير السحور والتعجيل بالفطر أكمل الهدي وأتبعه للقانون الصحي السليم الذي يرى المتخصصون فيه أن وجبة السحور من الوجبات المهمة في يوم الصائم وليلته، إذْ تزوِّد الجسم بالطاقة والإمداد الضروري طوال النهار، ويرى ذلك واضحا في حال صائم متسحر، وصائم غير متسحر؟!!
وفي تعجيل الفطر إمدادٌ للجسم بالطاقة المتجدِّدة، والقوة اللازمة بعد نهار صائم، وانقطاع ٍعن الزاد دائم، وما يفعله بعض الصائمين اليوم من تقديم الصلاة على الفطر مخالف للهدي النبوي، وللفطرة السليمة، وللناموس الطبي، وإفساد لروح الصلاة في خشوعها وانقطاعها لربها، وتفرغ القلب فيها لحلاوة المناجاة، ولذيذ الخطاب لرب الأرباب، إذ كيف يصلي صلاة تامة من بالُه متعلق بملذات البطن الجائع، والجوف الكالح؟!!
ولقد يحزُّ في النفس سرعة ُبعض الأئمة – هداهُم الله- في صلاة المغرب وتعجُّلهم فيها، كما يحز ُّفي النفس سرعة كثير من المصلين في الانصراف عن الصلاة، وأخْذهم في الهرولة إلى دورهم بعد انقضاء الفريضة، وكأنهم كانوا عن الطعام محبوسين، وعن حياضه بالقوة ممنوعين؟!!
ولقد يسرُّ المرءُ ويَطرب حينما يجدُ في بعض المساجد يدخلها لفريضة المغرب موائد للإفطار مبسوطة، يُعجَّل فيها الفطرُ قبل الصلاة، ويقدَّم فيها الطعام قبل الانتصاب بين يدي الملك العلام.