بسم الله وبعد :
فهذا مختصر في الكلام على حديث الفائدة الصحية للصوم، وهو حديث يدخل في باب الفضائل والترغيب فأقول:
ورد هذا الحديث من أوجه يعتبر بها وأخرى لا عبرة بها، ووردت له شواهد صحيحة :
فأما الأوجه التي لا يُعتبر بها في المتابعات والشواهد : فكالتالي:
1/ قال ابن عدي (في ترجمة حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة الحميري مدني) حدثنا محمد بن روح بن نصر، حدثنا أبو الطاهر حدثنا أبو بكر بن أبي أويس عن حسين بن عبد الله عن أبيه عن جده أن عليا عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: صوموا تصحوا ".
2/ قال ابن عدي (في ترجمة نهشل) حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن علي القرشي حدثنا محمد بن رجاء السندي حدثنا محمد بن معاوية النيسابوري حدثنا نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سافروا تصحوا وصوموا ".
وأما الأوجه القوية والتي يُعتبر بها : في المتابعات والشواهد فكالتالي :
الحديث الأول : حديث أبي هريرة : له طرق هاك بيانها :
أولا: رواية ابن لهيعة عن دراج: قال أحمد (2/380) حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا "، هكذا ورد في المسند مختصرا بغير ذكر الصيام، وربما قد ورد في غير المسند أو في نسخ أخرى بذكر الصيام ، وقد عُين فيه ابن حجيرة وهو الأكبر الثقة :
فقد قال ابن كثير في تفسير الآية :{ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } وقال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة حدثنا ابن لَهِيعة عن دَرّاج عن عبد الرحمن بن حُجَيرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سافروا تربحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا".
وأما دراج فهو صدوق وإنما ضعفه البعض في روايته عن أبي الهيثم، وأما هنا فهو يرويه عن ابن حجيرة فصح الحديث .
ثانيا: حديث زهير عن سهيل : قال أبو نعيم في الطب: باب تدبير الصحة وأن الصوم مصحة ، 113- حَدَّثَنا إسحاق بن أحمد بن علي حَدثنا إبراهيم بن يوسف بن خالد ثنا إسحاق بن زيد الخطابي ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود ثَنا زهير بن محمد عَن سُهَيل بن أبي صالح عَن أبيه عَن أَبِي هُرَيرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم: صوموا تصحوا "، تابعه الناس عن محمد بن سليمان :
فقال الطبراني في الأوسط 8312 - حدثنا موسى بن زكريا نا جعفر بن محمد بن فضيل الجزري نا محمد بن سليمان بن أبي داود نا زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا وسافروا تستغنوا ".
. وقال أبو نعيم 118- حَدَّثَنا عبد الله بن محمد بن جعفر حَدَّثَنا محمد بن يَحيى حَدَّثَنا إسحاق بن زيد حَدَّثَنا محمد بن سليمان بن أبي داود حَدَّثَنا زهير بن محمد عَن سُهَيل بن أبي صالح عَن أبيه عَن أَبِي هُرَيرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم: اغزوا تغنموا وسافروا تصحوا ".
وكذلك قال النصيبي وأبو عروبة (45) نا إسحاق بن زيد الخطابي نا محمد بن سليمان عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا وسافروا تغنموا"، قال العقيلي: لا يتابع عليه إلا من وجه فيه لين "، وكذلك ضعفه العراقي والألباني، بينما قال الهيثمي (3/179) والمنذري ( 2 / 60 ): رواته ثقات"، وأشار السيوطي لحسنه .
ورجاله ثقات، وقد أعله قوم بتفرد زهير بن محمد به، وهو وإن كان ثقة، لكن رواية أهل الشام عنه فيها مناكير،
فقد قال البخاري:" أحاديث أهل العراق عن زهير بن محمد مقاربة مستقيمة، ولكن الوليد بن مسلم وأبو حفص عمرو بن أبي سلمة وأهل الشام يروون عنه مناكير، وكان أحمد يقول: كأن ما يروي أهل الشام عن زهير بن محمد هو رجل آخر ، وقد قلبوا اسمه ".
والرواي عنه هنا هو محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني بالشام، وهو قرشي أيضا، وقد ترجمه ابن عساكر في تاريخ دمشق، ونقل في ترجمته وسنة وفاته عن الخطيب البغدادي مما يدل على أنه ارتحل إلى بغداد ، وكأن ابن عساكر لم يجعله قد سمع من زهير في دمشق، بل في مكان آخر، فإنه قال في ترجمته:" سمع بدمشق سعيد بن عبد العزيز وأبا معيد حفص بن غيلان وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وصدقة بن عبد الله وسعيد بن بشير ومعاذ بن رفاعة وعيسى بن موسى القرشي الدمشقي وحدث عنهم، وعن أبيه وسلمة بن وردان ويحيى بن أيوب وزهير بن محمد ".
ونقل عن الخطيب البغدادي قوله:" محمد بن سليمان بن أبي داود أبو عبد الله الحراني يلقب بومة حدث عن أبيه وعن أبي جعفر الرازي وزهير بن محمد الخراساني "، والخطيب معروف بالترجمة للعراقيين ومن قدم العراق، فصار كلا الاحتمالين ممكن، إذ يمكن أنه سمع منه بالشام، فيضعف الحديث، وممكن أنه سمعه منه بالعراق وغيرها فالحديث صحيح، كما أن أبا حاتم قوى روايته مطلقا إذا كانت من كتابه لا حفظه، والله أعلم ممن حدث هنا، وإذ فيه هذا الشك، طلبنا له متابعات أو شواهد أخرى، وهي موجودة :
فلأصل الحديث شواهد أخرى، كما له متابعات أخرى لكن لم يُذكر فيها الصيام، ربما بسبب الاختصار والاكتفاء بالشاهد والجزء المراد، والحديث واحد :
فقال ابن أبي حاتم في العلل 959- وسألت أبي عن حديث رواه صالح بن موسى الطلحي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الزموا الجهاد تصحوا ، وتستغنوا "، قال أبي : هذا حديث باطل ، وصالح الطلحي ضعيف الحديث "، لكن قد توبع صالح :
فخرج القضاعي في مسند الشهاب (623) أنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني أنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران الحافظ حدثني محمد بن زهير بن الفضل نا بشر بن معاذ نا محمد بن عبد الرحمن بن الرداد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"سافروا تصحوا وتغنموا "،
وقد رواه محمد بن عبد الرحمن على وجه آخر عن ابن عمر، مما جعل البعض يقول باضطرابه، لكن يظهر كأن الجميع محفوظ ، لوجود الشواهد من حديث أبي هريرة وابن عمر معا :
فقد خرجه القضاعي في مسند الشهاب (622) أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الميمون الكاتب أبنا محمد بن المظفر ثنا عبد الله بن العباس ثنا بشر بن معاذ ثنا محمد بن عبد الرحمن بن رداد عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سافروا تصحوا وتغنموا ".
وقال أبو بكر بن أبي شيبة وعثمان بن أبي شيبة، نا معاوية بن هشام نا محمد بن عبد الرحمن المزكي نا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سافروا تصحوا وتغنموا»، وقال البوصيري : هذا إسناد رواته ثقات ".
وله متابعة أخرى :
فقد ذكر ابن حجر في التلخيص أنه أخرجه صاحب مسند الفردوس من طريق محمَّد بن الحارث عن محمَّد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" حجوا تَسْتَغْنَوْا، وَسَافِرُوا تَصِحُّوا، وَتَنَاكَحوا تَكْثُرُواْ، فَإنِّي أبَاهِي بِكمْ الأمَمَ "، والمحمدان ضعيفان .
ولجزء حديث :" صوموا تصحوا "، شواهد أخرى تصححه وتقويه ، وتقوي بأن الحديث محفوظ عن أبي هريرة وابن عمر معا :
الحديث الثاني : حديث آخر لأبي هريرة : خرجه البخاري في الصحيح (7492) عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" يقول الله عز وجل: الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي، والصوم جنة .."، والجنة هي الوقاية والستر، وهذا اللفظ عام، فالصوم وقاية من كل الآفات والمهالك الدنيوية والأخروية، فهو وقاية من الأمراض الدنيوية وصحة للجسم، وهو وقاية من عذاب الله تعالى بنص عموم هذا الحديث، ومما يؤكد صحة حديث أنه صحة ووقاية من الأمراض ، الشاهدُ التالي:
الحديث الثالث : لعثمان بن أبي العاص : خرجه النسائي والبزار 2319 عن سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصوم جنة كجنة أحدكم للقتال - أو من القتال »،
وكذلك خرجه عن عنبسة بن أبي رائطة عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص .
فكما أن الجنة والترس يدفعان الأسهم والرصاص، فكذلك الصوم يدفع الأمراض والجراثيم وغيرها ، لأنه يضيق مجاري الجراثيم في الدم والعروق، فعامتها تنتقل عبر عروق الدم مع الأكل ، وعامتها تهلك بالجوع ، بل إنه يقطع حتى فضل الشهوة :
الحديث الرابع : وفيه أن الصوم صحة من أمراض الشهوات : قال أبو نعيم في الطب 114- حَدَّثَنا أبو بكر بن خلاد حَدَّثَنا محمد بن يونس حَدَّثَنا روح بن عبادة عَن حسين المعلم عَن يحيى بن أبي كثير عَن شداد بن عبد الله: أن نفرا من أسلم استأذنوا النبي صَلَّى الله عَليْهِ وَسلَّم في الخصي فقال: عليكم بالصوم فإنه محسمة للعرق ومذهبة للأشر ". تابعه بن أبي عدي قال: حدثنا حسين المعلم مثله ، وله شاهد آخر :
الحديث الخامس : خرجه الضياء في المختارة عن يعقوب بن سفيان نا علي بن عبد الحميد الأزدي ثم المعني أبو الحسين أنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وفيه فتية من أصحابه فقال :" من كان عنده طول فلينكح وإلا فعليه بالصوم فإنه وجاء ومحسمة للعرق ".
وخرجه عن ابن أبي عاصم: نا المقدمي نا عبد السلام بن مظهر نا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من كان ذا طول منكم فليتزوج ومن لا فليصم فإن الصوم وجاء ومحسمة للعرق"، قال ابن أبي عاصم: وأحسبني قد سمعته من ابن مظهر ".
الحديث السادس: وفيه أن الصوم صحة من أمراض الشهوات: خرجه البخاري (1905 ..) ومسلم (1400..) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء».
الحديث السابع : رواه شعبة عن أبي إسحاق عن هبيرة عن عبد الله بن مسعود رفعه قال: «الصوم جنة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
الحديث الثامن وتوابعه : خرجه ابن ماجه (3973) عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار. قال: "لقد سألت عظيما، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت" ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النار الماء ..."، والجنة هي عموم الوقاية والستر كما مر .
الحديث التاسع : خرجه الترمذي (614) وحسنه عن أيوب بن عائذ الطائي عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن كعب بن عجرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي...، يا كعب بن عجرة الصلاة برهان، والصوم جنة حصينة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ..".
وخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي بكر بن بشير عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا كعب بن عجرة، إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت، النار أولى به. يا كعب بن عجرة، الناس غاديان؛ فغاد في فكاك نفسه فمعتقها، وغاد موبقها. ياكعب بن عجرة، الصلاة قربان، والصدقة برهان، والصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا".
وكذلك خرجه من حديث ابن خثيم عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا كعب، أعيذك بالله من إمارة السفهاء. .. وفيه:" يا كعب بن عجرة، الصلاة قربان، والصوم جنة ..."،

والله ولي التوفيق