إذا كانت الأمم تهتم بإعداد الأطفال، وتأهيلهم وفق ما تراه من مبادئ وقيم، فحريٌّ بالمسلمين أن يهتموا بأبنائهم أشد الاهتمام تربية وإعداداً؛ تربية تؤهلهم لحمل رسالة هذه الأمة، وإعداداً يُعِدُّهم لدخول مدرسة الحياة بكل آمالها وآلامها. ومن أهم ما ينبغي الاهتمام به ويُحْرَص عليه تعويد الأبناء على أداء فرائض دينهم، وتربيتهم عليها منذ وقت مبكر؛ كيلا يَشق الأمر عليهم حين البلوغ؛ ولهذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَحُثُّ أولياء الأمور على تربية الأبناء على تعاليم دينهم منذ وقت مبكر من أعمارهم، فيقول صلى الله عليه وسلم «مُروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» [رواه أبو داود].
وتدريب الأبناء وتعويدهم على صيام شهر رمضان يندرج تحت هذا الأمر النبوي ولا شك، فإن شهر رمضان يُعدُّ فرصة عظيمة، ومناسبة فريدة يستطيع الأهل من خلاله أن يعودوا أبناءهم على أداء الصيام خاصة، وتعاليم الإسلام عامة، كالصلاة، وقراءة القرآن، وحسن الخلق، واحترام الوقت، والنظام، ونحو ذلك من الأحكام والآداب الإسلامية، التي ربما لا يُسعف الوقت في غير رمضان لتعليمها وتلقينها.
وتجربة الطفل مع الصيام يمكن أن تستمر وبنجاح دون أن تترك آثار سلبية عليه، وذلك في حال وجدت الاهتمام الكافي من الأسرة بالطفل، ورعايته وتشجيعه ومتابعة واجباته بطريقة صحية، وتمكينه من أخذ القسط الكافي من الراحة والنوم حتى يستطيع أن يتابع تحصيله الدراسي بكفاءة ويتحمل المشاق وأن يكون صبوراً . وتبقى هناك مجموعة من القواعد التي يجب مراعاتها من قبل الوالدين عند تدريب الطفل على الصيام وهي:
تتجلى أهمية التأهيل النفسي «الرمضاني» للطفل عن طريق وضع أسس سليمة من الحوار يحس فيها الطفل أنه عنصر فعال ومحترم، وأن له دورا وحقا في الاختيار. ويتم ذلك بترغيبه في الصيام باستعمال لفظ المحبة والحب، لأنها ألفاظ تشد الطفل إلى كل شيء يرغب فيه الآباء عن طريق التقمص، إذ يعلل الآباء حبهم للصيام بحب الله ليقتدي بهم الابن على هذا المنوال.
يمكن تحفيز الأم لطفلها علي الصيام بطريقة عملية بإعطائه مكافأة عن كل يوم يصومه‏.‏ والإكثار من الثناء عليه أمام باقي أفراد الأسرة‏، مع الدعاء له فدعوة الوالد لولده مستجابة.
إذا اشتكى الطفل من الجوع، فلا يكون أول ما نفعله إعطائه الطعام وتشجيعه على الفطر، بل يجب أن نعوده على الصبر بأن نشغله عن الجوع بالألعاب والبرامج الهادفة مثل قصص القرآن وسيرة الأنبياء والصحابة.
لابد أن يكون صيام الطفل بشكل تدريجي يتناسب مع سنه ‏. فمن الممكن أن يصوم الطفل إلى أن يحين وقت الظهر في النصف الأول من رمضان، وفي النصف الثاني يستمر الصيام إلى وقت العصر وهكذا، وفي العشر الأواخر يصبح قادرا على الصوم يوما كاملا، حيث يساهم ذلك المنهج التدريجي في تنشئة الطفل على الالتزام والانضباط وتحمل المشقة، أما الأطفال الصغار فيمكن صيامهم بعد صلاة الظهر، حيث يتيح لهم هذا النمط تجنب الأكل حتى يحين وقت الإفطار مع الأسرة، حيث أن اجتماع أفراد الأسرة حول مائدة الإفطار يدفع الكثير من الأطفال إلى الصيام إما بدافع التجربة أو تقليداً للكبار، أو للفت النظر إليهم بأنهم كبروا.
ومن الأساليب الشيقة أيضا السماح للصغار بأكل نصف كمية الطعام الذي اعتادوا عليه في وجباتهم . فيما نلجأ أحيانا أخرى إلى منعهم من تناول طعامهم المفضل أو الحلوى المفضلة لديهم، وعليهم انتظار ذلك حتى يحين موعد الإفطار.
يمكن تشجيع الطفل علي الصيام بالسماح للصائمين فقط من أفراد الأسرة بالجلوس علي مائدة الإفطار حتى يعي أن الشخص الفاطر يرتكب خطأ كبيرا‏.‏
عدم وضع الحلويات والطعام المفضل للطفل أمامه قبل الإفطار حتى لا تضعف عزيمته‏.‏
إشاعة جو ديني وبهجة في المنزل ليشعر الطفل بأهمية هذا الشهر واختلافه عن باقي الأشهر‏.
الطفل لا يدرك كل الجوانب المتعلقة بالصيام، كتقديره لفترة الصيام، وتناول كل ما يحتاجه الجسم، بعكس الشخص البالغ الذي يتناول كل ما يحتاجه، أما الطفل فإنه يأكل غالبا أقل من احتياجه مما يتسبب في سرعة إرهاقه، ولكن إذا كانت هناك متابعة وإشراف من الأهل على نوعية طعامه الذي يتناوله، يستطيع الطفل مواصلة صيامه دون إرهاق أو مضاعفات. وإذا اتبع الطفل كل الأسس الصحية في صيامه ـ بإشراف الوالدين ـ وتناول ما يكفيه من الطعام فإنه يستفيد من الصيام مثله مثل الكبار من حيث تعوده على تحمل المشاق والصبر.
هناك أطفالاً يعانون أمراضاً وهؤلاء لا يحق لهم الدخول في تجربة الصيام إطلاقاً؛ لأن تأثير الصيام عليهم سيكون خطيراً، كأطفال قصور وظائف الكلى، والمصابين بالسكري أو الأنيميا المنجلية، فهؤلاء إذا نقصت السوائل في أجسامهم يدخلون في نوبة من الآلام الشديدة.
ينبغي تدريب الطفل على الصيام بعد سن السابعة، مع الأخذ في الاعتبار أن تعويد الطفل على الصيام ليس له عمر محدد، وتعتبر السنة العاشرة السنة النموذجية لصيام الطفل، ولا ينبغي ضربهم أو إجبارهم على الصيام، لأن ذلك قد يدفع الطفل إلى تناول المفطرات سرا،وتكبر معه هذه الخيانة.
لو اكتشفت الأم أن ابنها يفطر سرا، فينبغي عدم مواجهته بخطئه، وبأنه فاطر ويكذب عليها، ولكن عليها أن توضح له بشكل غير مباشر عواقب هذه السلوكيات الخاطئة مثل : الكذب والغش وعدم الصيام، من خلال حكايات تحمل هذا المعني.
يفضل أن يكون السحور من المواد النشوية المعقدة، ليتم تخزينها في الكبد بأكبر كمية لتوفير الطاقة لأطول فترة ممكنة أثناء الصيام. مثل: البليلة باللبن، والخبز الأسمر، والبطاطا، والبطاطس المسلوقة، والفواكه الطازجة والمجففة كالبلح والتين، والفول وبقية البقول، والخضروات الطازجة، بالإضافة إلى القليل من البروتينات لتحسين كفاءة عمل الجسم. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم، فعن أبى هريرة t قال صلى الله عليه وسلم: «نـِعمَ سُحور المؤمن التمر» [البيهقي]، وينبغي تأخير السحور إلى قبل الفجر مباشرة حتى ولو كان بكميات قليلة جداً، مما يقلل طول فترة الصيام من الليل، وتجنب الطفل الإصابة بالصداع والإجهاد نتيجة هبوط نسبة السكر بالدم، فعن أنس t قال صلى الله عليه وسلم «بكروا بالإفطار وأخروا السحور» [صحيح الجامع 2835]
د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com