إن الإسلام دين الإنسانية بامتياز ،ابتداء بالعقيدة ومرورا بالعبادات والمعـاملات وانتهاء بالأخلاق والسلوك.
و العقيدة الإسلامية تجلي هذا الأمر وتبرزه في كل مباحثها، فإذا نظرنا إلى التوحيد وجدناه يهدف إلى تحقيق مصالح الإنسان الآنية والآجلة.
فمن المصالح الآجلة : قبول أعمال المؤمن باعتبارها خالصة لوجه الله تعـالى، كما أنه بقبول أعمال العبد يمُن الله تعالى عليه بالتنعم الأبدي في الجنان.
و من المنافع الآنية الدنيوية أنّ الإخلاص في الفكر والقول والعمل هو المدخل الأساس للجودة والإتقان ، والسعيِ الحثيث لتنمية الموارد الطبيعية ، وتوظيف الطاقات التي منحنا الله إياها أفضل توظيف تحقيقا لمبدإ الاستخلاف عن الله تعالى في الأرض، والسعي في الأرض إصلاحا وعمارة.
وللتوحيد الخالص فوائد أخرى وأبعاد إنسانية يمكن إجمالها في :
الحرية: فباعتقاد المؤمن أن الله تعالى متفرد بالخلق و بالعبادة ، يكون قد أقرَّ مبدأ الحرية. لأن العبودية الخالصة لله تعالى هي تخليص للإنسان من كل أشكال العبودية ، فيصبح عبدا خالصا لله جلّ و علا . و التوحيد يمنح الإنسان الحرية الحقيقية ، الحريةَ بمعنى المسؤولية والتحرر من جميع أشكال القهـــر والإذلال ، التوحيد الذي يعمل على صيانة حرمة الإنسان وكرامته .
المساواة: وإذا كان الله تعالى متفردا بالخلق ومتفردا بالعبودية وجميعُ المخلوقات تنخرط في سلك العبودية له سبحانه ، فإن هذه العقيدة تجسد مبدأ المساواة لدى المؤمن إذ جميع الخلق مفتقرون إليه عز و جلّ ، ولا يملكون لأنفسـهـم بـله لغيرهم ضرا ولا نفعا.
ويترتب عن هذا كلّه إيمان جازم بالمساواة فكل الناس سواسـية ، لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لشريف على وضيع، ولا لغني على فقير إلا بالتقوى أي بالقرب من الله تعالى و الائتمار بأمره والانتهاء عما نهى عنه.
انفتاح آفاق التفكر والتدبر: فالإيمان بالغيب يجعل المؤمن يدرك أن الكون أكبر من أن يدركه بحواسه، ومن ثم فلا بد من البحث عن مصادر أخرى للمعرفة تمكنه من الاطلاع على خبايا خلق الله، ولولا عقيدة التوحيد لظل الإنسان أسير الحواس.
و إذا كان العلم يثبت اليوم بدون مواربة قصور الحواس عن إدراك الكون، فإن المسلم قد تعلَّم من التوحيد وجود عوالم وحقائق لا يمكن إدراكها بالحواس ويقدم له الوحيَ كمصدر للمعرفة ، والعقلَ والوجدانَ كأدوات لإدراك المعارف.
استعلاء الإيمان: فاعتقاد المسلم أن الله تعالى هو المتفرد بالخلق و الرزق ، وأن الجميع مفتقر لما عند الله يورّث في قلبه اليقين بألا أحد من الخلق يملك له نفعا أو ضرا إلا أن يشاء الله. و هذا يجعله يستشعر الكرامة والعزة والعفة.