ومن هذه الجهالات والمنكرات ما يتجرءون فيه على العبث بمصادر التلقي عند المسلمين سلفهم وخلفهم، بادعاء يدعيه خواصهم وهو رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ودفاعهم المستميت عن ذلك رغم عدم وجود أسانيد شرعية لهم فيه.
للصوفية قديما وحديثا عدد من الضلالات والشركيات في باب الاعتقاد، وعدد من الجهالات والمنكرات فيما دون العقائد, ويتوارث الصوفية هذه الضلالات والجهالات دون إعمال نظر أو مراجعة بتعصب لأكابرهم، حيث يستحيل على الغالبية العظمى من أواخرهم التراجع عن أقوال أوائلهم حتى لو بين لهم العلماء وجه الحق, فما توارثوه عن ساداتهم في عينهم هو عين الصواب.
ومن هذه الجهالات والمنكرات ما يتجرءون فيه على العبث بمصادر التلقي عند المسلمين سلفهم وخلفهم، بادعاء يدعيه خواصهم وهو رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة ودفاعهم المستميت عن ذلك رغم عدم وجود أسانيد شرعية لهم فيه.
ولا شك أن فتح هذا الباب يهدم مصادر التلقي بالكلية بل يكذب صريح القرآن الذين انزله ربنا سبحانه، إذ قال في أواخر من انزل من القرآن "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا", فيفتح هذا الادعاء الباب على مصراعيه للتغيير والتبديل في دين الله بناء على قول رجل أيا من كان بأنه التقى بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة فسأله عن صحة حديث أو عن حكم شرعي، ثم يعمل بذلك القول حتى لو خالف قول إجماع الصحابة وكل علماء السلف والخلف المبني على الدليل الصحيح من الكتاب والسنة, فهل بعد هذا العبث من عبث؟
ولا يعطي الصوفية أدلة شرعية تثبت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وأن اغلب ما يقولونه روايات عن أصحابهم يثبتون فيها وقوع ذلك الأمر, فقد ذكروها في مصنفاتهم، فراجع "طبقات الشعراني" و "جامع كرامات الأولياء للنبهاني" و "طبقات ضيف الله" و "الذخائر المحمدية" لمحمد بن علوي المالكي, بل إن ابن عربي الصوفي الذي حكم عليه علماء أهل السنة بالكفر زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة وأعطاه كتاب "فصوص الحكم" وأمره بأن يخرجه للناس!!.
وادعى هذا الأمر منهم خلق كثيرون وذكره الصوفية كثيرا في كتبهم مثل"وأبو المواهب الشاذلي [1]، والشعراني [2]، وأحمد التيجاني وخلفاؤه [3]، ومن المتأخرين: خوجلي بن عبد الرحمن بن إبراهيم [4]، ومحمد بن علوي المالكي [5]، ومحمد فؤاد الفرشوطي[6] " ([7])
ونتخير من الروايات المنسوبة إليهم والمنقولة من كتبهم ما يلي:
- قال أبو الهدى الصيادي الرفاعي أن الشيخ أحمد الرفاعي لما حج، وقف تجاه الحجرة الشريفة، وأنشد:
في حالةِ البُعدِ روحي كنتُ أرسلُها ... تقبلُ الأرضَ عني وَهْيَ نائبتي
وهذه دولةُ الأشباحِ قد حَضَرَتْ ... فامدُدْ يمينَك كي تحظى بها شَفَتي
قال: "فخرجت إليه يده الشريفة من القبر، حتى قبَّلها، والناس ينظرون" [8]
- إبراهيم الأعزب أنشد شعرًا عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال له النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "بارك اللَّه بك، أنت منظور بعين الرضا" [9].
- ويذكر عبد الوهاب الشعراني عن الرؤية الحسية ما ينقله عن أبي المواهب الشاذلي: "رأيت رسول الله -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي عن نفسه: لست بميت، وإنما موتي تستري عمن لا يفقه عن الله، فها أنا أراه ويراني" , وقال أيضا : كان أبو المواهب كثير الرؤيا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان يقول: قلت لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إن الناس يكذِّبونني في صحة رؤيتي لك، فقال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "وعزة الله وعظمته من لم يؤمن بها أو كذبك فيها لا يموت إلا يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا" [10].
- ويقول الشعراني أيضا " وهذا منقول من خط الشيخ أبي المواهب : رأيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فسألته عن الحديث: "اذكروا الله حتى يقولوا: مجنون"، وفي صحيح ابن حبان: "أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا: مجنون" [11] ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "صدق ابن حبان في روايته، وصدق راوي اذكروا اللَّه، فإني قلتهما معًا، مرة قلت هذا، ومرة قلت هذا" [12].
- وقال العلَّامة محمود شكري الألوسي -رحمه الله تعالى- في سياق إنكار غلو الصوفية في حق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ومن ذلك دعواهم لرؤياه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد وفاته، فقد ادعاها غير واحد منهم، وادعوا أيضًا الأخذ منه يقظة، قال الشيخ سراج الدين ابن الملقن في "طبقات الأولياء" في ترجمة الشيخ خليفة بن موسى النهرملكي: كان كثير الرؤية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقظة ومنامًا، فكان يقال: إن أكثر أفعاله يتلقاه منه -صلى الله عليه وسلم- يقظة ومنامًا، ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة، قال له في إحداهن: يا خليفة! لا تضجر مني، فكثير من الأولياء مات بحسرة رؤيتي .. ) [13] .
- وزعم بعض تلامذة خوجلي بن عبد الرحمن: "أن شيخهم يرى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كل يوم أربعًا وعشرين مرة، والرؤيا يقظة" [14] .
- وأخيرا نذكر ما قاله الشيخ علي جمعة مفتي مصر السابق حول سؤال هل يمكن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة فكانت إجابته "إن رؤية الصالحين للنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة قد تحدث، ولا يوجد مانع عقلي أو شرعي يمنعها، ولكن هذا باب عزيز ليس مفتوحًا لكل أحد، وينبغي على من رآه أن لا يحدث من لا طاقة له بهذا حتى لا يكذب فمخاطبة الناس بما يعقلون أولى، والله تعالى أعلى وأعلم" [15], ولم يتوقف الأمر عند الفتوى بل هناك تسجيل صوتي له وهو يقول بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة [16].
وللعلماء الأجلاء ردود على هذا الزعم الباطل:
إليك أخي القارئ الكريم أقوال بعض أهل العلم في هذه المسالة؛ وأغلب هذه النقول من كتاب «القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل» للشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله:
1 - قال القاضي أبو بكر بن العربي نقلاً من «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني (12/384): (شذ بعض الصالحين فزعم أنها - أي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته - تقع بعيني الرأس حقيقة).
2 - الإمام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي في «المفهم لشرح صحيح مسلم» ذكر هذا القول وتعقبه بقوله: (وهذا يدرك فساده بأوائل العقول ويلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها، وأن يراه رائيان في آن واحد في مكانين وأن يحيا الآن ويخرج من قبره ويمشي في الأسواق ويخاطب الناس ويخاطبوه، ويلزم من ذلك أن يخلو قبره من جسده ولا يبقى من قبره فيه شيء فيزار مجرد القبر ويسلم على غائب لأنه جائز أن يرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته في غير قبره.وهذه جهالات لا يلتزم بها من له أدنى مسكة من عقل) وإلى كلام القرطبي هذا أشار الحافظ ابن حجر في "الفتح" بذكره اشتداد إنكار القرطبي على من قال: (من رآه في المنام فقد رأى حقيقته ثم يراها كذلك في اليقظة).
3 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته "العبادات الشرعية والفرق بينها وبين البدعية": (منهم من يظن أن النبي خرج من الحجرة وكلمه وجعلوا هذا من كراماته ومنهم من يعتقد أنه إذا سأل المقبور أجابه.
وبعضهم كان يحكي أن ابن منده كان إذا أشكل عليه حديث جاء إلى الحجرة النبوية ودخل فسأل النبي عن ذلك فأجابه، وآخر من أهل المغرب حصل له مثل ذلك وجعل ذلك من كراماته حتى قال ابن عبد البر لمن ظن ذلك: ويحك أترى هذا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار فهل في هؤلاء من سأل النبي بعد الموت وأجابه وقد تنازع الصحابة في أشياء فهلا سألوا النبي فأجابهم، وهذه ابنته فاطمة تنازع في ميراثها فهلا سألته فأجابها؟) [17].
4 - قال الحافظ الذهبي في ترجمة الربيع بن محمود المارديني في "ميزان الاعتدال في نقد الرجال": (دجال مفتر ادعى الصحبة والتعمير في سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان قد سمع من ابن عساكر عام بضع وستين), ويعني الحافظ الذهبي بالصحبة التي ادعاها الربيع ما جاء عنه أنه رأى النبي في النوم وهو بالمدينة الشريفة فقال له: أفلحت دنيا وأخرى، فادعى بعد أن استيقظ أنه سمعه وهو يقول ذلك " [18]
5- ذكر الحافظ ابن كثير في ترجمة أحمد بن محمد بن محمد أبى الفتح الطوسي الغزالي أن ابن الجوزي أورد أشياء منكرة عن الطوسي أنه - أي أبا الفتح الطوسي - كان كلما أشكل عليه شيء رأى رسول الله في اليقظة فسأله عن ذلك فدله على الصواب، وأقر ابن كثير ابن الجوزي على عد هذا من منكرات أبى الفتح الطوسي " [19]
6- ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني أن ابن أبى جمرة نقل عن جماعة من المتصوفة أنهم رأوا النبي في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك ثم تعقب الحافظ ذلك بقوله: (وهذا مشكل جداً ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ويعكر عليه أن جمعاً جماً رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة وخبر الصادق لا يتخلف) [20].
7- قال السخاوي في رؤية النبي في اليقظة بعد موته: (لم يصل إلينا ذلك - أي ادعاء وقوعها - عن أحد من الصحابة ولا عمن بعدهم وقد اشتد حزن فاطمة عليه حتى ماتت كمداً بعده بستة أشهر على الصحيح وبيتها مجاور لضريحه الشريف ولم تنقل عنها رؤيته في المدة التي تأخرتها عنه) [21]
8- قال ملا علي قاري (إنه أي ما ادعاه المتصوفة من رؤية النبي في اليقظة بعد موته لو كان له حقيقة لكان يجب العمل بما سمعوه منه من أمر ونهي وإثبات ونفي ومن المعلوم أنه لا يجوز ذلك إجماعاً كما لا يجوز بما يقع حال المنام ولو كان الرائي من أكابر الأنام "[22]
9- قال الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله بعد ذكره لبعض أقوال الصوفية المخالفة للشريعة: ( فإن لم يكن هذا القول من أقوال أهل الجنون وإلا فلا جنون في الأكوان، وأعجب من هذا قول السيوطي: (أن من كرامة الولي أن يرى النبي ويجتمع به في اليقظة ويأخذ عنه ما قسم من مذاهب ومعارف) [23].
10- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية "وكُلُّ مَن قَالَ إِنَّهُ رَأَى نَبِيًّا بِعَيْنِ رَأسِهِ، فَمَا رَأَى إِلا خَيَالًا" [24].
11- وقال الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله - : (بعضهم يظن أن رسول الله يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون "ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ" ]المؤمنون:15- 16[، وقال النبي : "أنا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر. وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر" عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام, فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة)[25].
وبعد هذه الكلمات الواضحات من علماء أهل السنة نتوقف مع الجانب العقلي الذي قال به الشيخ علي جمعه بأنه "لا يوجد مانع عقلي أو شرعي يمنعها", بل الموانع العقلية والشرعية كثيرة جدا, فلو كان ما يقوله صحيحا ألم يكن أولى بهذه الرؤية صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وهم أفضل من الأولياء المزعومين الذين زعموا أنهم يرونه صلى الله عليه وسلم؟, فلم ينقل عن أحدهم قوله بأنه رآه يقظة بعد وفاته.
وألم تمر أقضية في حياة الصحابة لم يكن لبعضهم علم بها, كموقف أبي بكر حين قال للجدة لما جاءت تطلب ميراثها من ابن ابنها أو ابن بنتها: "ما أجد لك في الكتاب شيئاً ولا سمعت من رسول الله شيئاً وسأسأل الناس العشية .. الحديث " [26], ومثله قصة عمر في الاستئذان[27] , ورجوع الصحابة بعضهم إلى بعض في عدة وقائع فكيف ساغ لهم الاجتهاد لو كان هناك إمكان لوجود النص وأخذه عن لسان المصطفى بعد وفاته ؟ .
وأخيرا نتوقف مع الرواية التي استدلوا بها وهي في صحيح البخاري وهذا سندها ومتنها:
قال البخاري رحمه الله: حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي» [28]
ومناقشة هذا الاستدلال من وجوه:
الأول: من حيث لفظ الرواية:
فقد جاء الحديث من عدة طرق عن أبي هريرة إحداهن باللفظ المذكور آنفًا:
"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي"، وأما سائر الطرق:
ففي إحداهن: "ومَن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل صورتي" [29].
وفي الثانية: "من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي" [30].
وقد جاء الحديث عن جمع من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- غير أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- وألفاظها جميعًا متقاربة لكنها تخالف الرواية المشكِلة بلفظ: "فسيراني في اليقظة".
ونتيجة لهذا الاختلاف حكم العلماء بأن لفظ : "فسيراني في اليقظة" مشكل، ومِن ثَمَّ أخذوا يتأولونه، ويذكرون له أجوبة كي يتوافق مع روايات الجمهور، وأولوه على عدة تأويلات .
فعرض ابن حجر ملخصاً لأقوالهم, فقال: وحاصل تلك الأجوبة ستة:
- أحدها: أنه على التشبيه والتمثيل، ودل عليه قوله في الرواية الأخرى: «فكأنما رآني في اليقظة».
- ثانيها : أن معناها سيرى في اليقظة تأويلها بطريق الحقيقة أو التعبير.
- ثالثها : أنه خاص بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
- رابعها : أنه يراه في المرآة التي كانت له إن أمكن ذلك، وهذا من أبعد المحامل.
- خامسها : أنه يراه يوم القيامة بمزيد خصوصية لا مطلق من يراه.
- سادسها : أنه يراه في الدنيا حقيقة ويُخاطبه، وفيه ما تقدم من الإشكال [31]. وهذا الاحتمال الأخير باطل، كما بينه.
الأدلة النقلية على استحالة وقوع ذلك شرعًا:
إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مات؛ فادعاء حياته بعد موته -صلى الله عليه وسلم- قبل يوم القيامة مستحيلٌ شرعًا؛ لأنه يلزم منه مخالفته لقوله -تَعالَى-: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30].
وقال الألوسي -رحمه اللَّه تعالى-: "ويكفي في إبطال هذا القول قولُه تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: 42]، فإذا أمسك التي قضى عليها فمن أين لها التمكن من التصرف؟ ومن أين لأحدٍ أن يراها؟ " [32].
وقال الصنعاني -رحمه الله - تعالى-: "والآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والمعلوم من الضرورة الدينية، أنَّ من وَارَاهُ القبر لا يخرج منه إلا في المحشر، قال اللَّه -تَعَالَى-: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]، ولم يقل: تَارَاتٍ أُخَرَ، وقال -تَعَالَى-: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 21، 22]، وقال الله -تَعَالَى-: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} [يس: 31].
وأما الأحاديث النبوية فإنها متواترة: أن من أُدْخِلَ قبره لا يخرج منه إلا عند النفخة الثانية في الصور ... وبالجملة، فالقول بخروج الميت من قبره، وبروزه بشخصه لقضاء أغراض الأحياء - قوله مخالف للعقل والنقل" [33].
إذن لم يثبت بدليل شرعي حصولُ رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- يقظة بعد موته -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل الأدلة تدل على استحالة ذلك شرعًا، وغاية ما دلت عليه النصوص إمكانية الرؤيا المنامية، ورواية الجمهور للحديث المذكور في صدر الكلام تؤكد ترجيح ألفاظها على اللفظ المشكل, ومن هنا يتبين أيضا أن ما ذكروه من رؤية النبي يقظة بعد وفاته من خرافات الصوفية وأباطيلها.
ـ |