الحمد لله وبعد
الحاوي في التفسير
.الحكم السادس: هل يجوز لعن الفاسق أو الكافر؟
دلّ قوله تعالى: {لُعِنُواْ فِي الدنيا والآخرة} على جواز لعن الفاسق أو الكافر، وقد اتفق الفقهاء على جواز لعن من مات على الكفر كأبي جهل وأبي لهب، وعلى جواز التعميم باللعنة على الكفرة والفسقة والظالمين كقوله: لعنة الله على الظالمين، أو لعنة الله على الفاسقين، أو الكافرين... أما إذا خصّص باللعنة إنسانًا معيّنًا فلا يجوز حتى ولو كان كافرًا، لأن معنى اللعنة: الطرد من رحمة الله. والدعاء عليه بأن يموت على الكفر، ولا يجوز لمسلم أن يتمنى موت غيره على الكفر، لأن الرضى بكفر الكافر كفر، والمسلم يريد الخير للناس، ويتمنى أن يموتوا على الإيمان جميعًا.
قال الألوسي: واعلم أنه لا خلاف في جواز لعن كافر معين، تحقّق موته على الكفر، إن لم يتضمن إيذاء مسلم، أما إن تضمّن ذلك حرم، ومن الحرام لعن أبي طالب على القول بموته كافرًا، بل هو من أعظم ما يتضمن ما فيه إيذاء من يحرم إيذاؤه، ثمّ أن لعن من يجوز لعنه لا أرى أنه يعد عبادة إلا إذا تضمّن مصلحةً شرعية، وأما لعن كافر معيّن حي، فالمشهور أنه حرام، ومقتضى كلام حجة الإسلام الغزالي أنه كفر، لما فيه من سؤال تثبيته على الكفر الذي هو سبب اللعنة، وسؤالُ ذلك كفر.
وقال العلامة ابن حجر: ينبغي أن يقال: إن أراد بلعنة الدعاء عليه بتشديد الأمر، أو أطلق لم يكفر، وإن أراد سؤال بقائه على الكفر، أو الرضى ببقائه عليه كفر، فتدبر ذلك حق التدبر.
أقول: وردت نصوص في السنة المطهّرة تدل على جواز لعن الفاسق المعين، أو العاصي المشتهر الذي كثر ضرره، منها ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بحمارٍ وُسِمَ في وجهه فقال: «لعن الله من فعل هذا».
ومنها ما صح أنه صلى الله عليه وسلم لعن قبائل من العرب بأعيانهم فقال: «اللهم العن رَعْلًا، وذَكوان، وعُصيّة، عصَوا الله تعالى ورسوله».
ومنها حديث: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح».
فيجوز لعن من اشتهر بالفسق والمعصية، وخاصة إذا كان ضرره بينًا أو أذاه واضحًا يتعدى إلى الناس، أو كان سيفًا للحجاج مسلطًا بالظلم والطغيان، كزبانية هذا الزمان، الذين يعتدون على عباد الله بدون حق، وقد أصبحنا في زمان لا يأمن فيه الإنسان على نفسه أو ماله وإنا لله وإنّا إليه راجعون، وقد حدّث المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى عن مثل هذا الصنف من الظلمة، وذلك من معجزات النبوة ففي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس». الحديث.
فيجوز لعن مثل هؤلاء الظلمة، المستبيحين للحرمات.. والدعاء لهم بالصلاح أفضل من اللّعن ولكن هيهات أن ينفع الدعاء بالصلاح لأمثال أبي جهل وأبي لهب!!
وقد قال السراج البلقيني بجواز لعن العاصي المعيّن، أو الفاسق المستهتر، وذلك ما دلت عليه النصوص النبوية الكريمة والله أعلم.