شوكة قادت إلى الجنة


الجنة هي مبتغى كل مؤمن، وغاية كل مسلم، ولا غرو! فبدخولها تنزاح الهموم، وتتبدد المخاوف.


وحينما يتحدث أحدُهم عن الجنّة، فلا يكاد يتراءى للمستمع إلا تلك الصور العظيمة الجليلة من الأعمال والتضحيات الكبار.. فتتراءى له تلك الأقدامُ المنتصبة في هجعة الليل، وهي تتغنى بآيات الكتاب، وتناجي الرب الكريم، وتلوح له تلك الشفاه اليابسة، والبطونُ الضامرة من أثر الصوم في حرّ الهواجر، ويتخيل صورَ تلك النفوس التي أُزهقت، والرقاب التي طارت في سبيل الله، وتتجلى له صورة ذلك العالِم الذي طوّف البلاد، وجاب البلدان تحصيلاً للعلم، وجمعاً له، وتصنيفاً ودعوةً وتعليماً للناس! ولعمر الله إنها لأعمال جليلة، يوفّق الله لها من شاء من العباد.


وكون هذه من مهور الجنة لمن صدَق حقٌ لا ريب فيه، فإن الكريم الوهاب تبارك اسمه وجل ثناؤه جعل لدخولها أسباباً أخرى يسيرة على من يسّرها الله عليه، وبعضها يكاد يتحقق له بشكل يومي.
لنتأمل في هذا الحديث الذي رواه مسلم أنه قال: "مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق، فقال: والله لأنحين هذا عن المسلمين لا يؤذيهم فأدخل الجنة"(1)
وفي الصحيحين عنه قال: "إن رجلا كان فيمن كان قبلكم، أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملتَ من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا وأجازيهم، فأُنظِر الموسر، وأتجاوز عن المعسر؛ فأدخله الله الجنة"(2)، وأمثال هذه النصوص كثير.

في واقعنا تجددت سبلٌ كثيرة لنفع الخلق، ورفع الأذى عنهم من خلال التقنية الحديثة، والتي سهّلت الوصول إلى الناس وبسرعة مذهلة، يمكن للمرء أن يسهم فيها نشراً وحثّاً.
أعرف أحد الشباب ـ يعمل في قطاع المقاولات ـ وفي مدينة بعيدة عن العواصم، حُبّبَ إليه دعوة الجاليات، وامتلأ قلبه حدباً وشفقة على هذه الملايين التي تأتي لبلادنا ولا يرجعون بدعوة لأغلى ما نملك وهو الإسلام! فواجهتْه عقبةٌ، وهي: أنه ليس عنده علم شرعي يؤهله لذلك! لكنه استطاع تجاوزها بتسخير ما يملك من قدرة جيدة على التواصل مع المؤهلين دعوياً ومالياً، من مكاتب دعوية وتجار وغيرهم، فبدأ يعمل بجهد دؤوب، واستعان على تسويق مشروعه بمعرفات بعض المشاهير في تويتر، وانطلقت حلقات دعوة الجاليات في بعض القنوات ذائعة الصيت؛ فأسلم على يديه حتى الآن الآلاف الأشخاص من مختلف الجنسيات، ويخبرني أن طموحه أن يسلم على يديه 300,000 ثلاثمائة ألف شخص! ويزداد عجبك أنه يدير مشروعه وهو في مدينته التي يسكنها بعيداً عن ضجيج المدن الكبرى.
هذا العمل من حيث هو عملٌ جليل، ولكن مرادي من الاستشهاد به، هو تسخير هذه الوسائل التي جعلت عملاً كهذا، مما يحتاج لملايين الريالات في العقود الماضية، صار بفضل الله -ثم هذه التقنية- يدار بسهولة، وبأقل كلفة.


ومن صور هذه الأعمال الجليلة التي تدار بسهولة: تسويق أخبار المشروعات الخيرية المتعثرة عبر وسائل التواصل، فكم نفع الله بها، وكم قضيت مشروعات بسبب تغريدة أو واتساب!
وبالجملة، فمن امتلأ قلبه شوقاً للجنة، لم يستقلّ أي عملٍ يقوم به، ولو كان في نظر الناس صغيراً، لأنه يدرك أن أي حسنة ستضاف إلى رصيده الأخروي، مستحضراً قول الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ [الزلزلة: 7].


_____
([1]) صحيح مسلم ح(1914).
([2]) صحيح البخاري ح(3451)، صحيح مسلم ح(2934).


* المقال على الموقع: http://almuqbil.com/web/?action=arti...r&show_id=1656