الإمام الألباني : " حكم وقوع علماء السلف في البدعة "
السائل : نجد يا شيخنا بارك الله فيك في بعض مؤلفاتكم تطلقون البدعة على بعض الخلافات الفقهية وهذا الآن ما هو شائع بين طلاب العلم أمور فقهية سبق الخلاف فيها نجد من يطلق عليها بأنها بدعة فلا ندري ما هو الضابط للبدعة حتى نتحرج ألا نخطئ أئمة السلف رحمهم الله .
الشيخ : هل يحضرك مثال من تلك الأمثلة .التي تشير إليها أو المسائل الفقهية المختلف فيها
السائل : نعم منها مثلا وضع اليدين بعد القيام وأيضا و مثال آخر و هو التثويب في الأذان الأخير في صلاة الفجر ( الصلاة خير من النوم )
الشيخ : فهمت عليك .
الآن اسمع الجواب إذا شئت لا شك أن البدعة : هي كل أمر حدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يراد به زيادة التقرب إلى الله تبارك و تعالى .
أما أن البدعة هي المخالفة للسنة فهذا أمر لا خلاف فيه .
ولكن هناك شيء قد يخفى على كثير من طلبة العلم بل وعلى بعض الخاصة أيضا وهذا الذي ينبغي أن أدندن بكلامي حوله وبالتالي يتبين لك هل يجوز للباحث أن يطلق لفظة البدعة على مسألة فقهية قد قال بوجه من وجوه الخلاف بعض أهل العلم .
أقدم ذلك بمثال بسيط جدا
لا شك أنه لا يتبادر إلى ذهن أحد من عامة المسلمين فضلا عن خاصتهم لا يتبادر إلى أذهان هؤلاء أن أحدا من علماء المسلمين يحلل ما حرم الله أو على العكس من ذلك يحرم ما أحل الله هذا الكلام هو صحيح ولكن لا بد من تقييده وإذا قيد وجدنا بعد ذلك أن الأمر يختلف كل الاختلاف بحيث يمكن أن يقول طالب العلم قد يحرم الإمام أو المجتهد شيئا أحله الله والعكس بالعكس تماما
لأن الأمر يعود إلى الاجتهاد الذي اجتمع عليه أهل العلم على جوازه بل على وجوبه حينما لا يجدون نصا قاطعا في المسألة التي أرادوا بحثها والإجابة عليها كما في قوله عليه السلام إذا " حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد "
فنحن إذا وقفنا قليلا عند قوله عليه السلام " وإن أخطأ فله أجر واحد "
هذا الخطأ لمن تبين له أنه خطأ من عالم أو طالب علم أو عامي تبين له بوجه من وجوه البيان أنه خطأ من ذاك الإمام .
فمن البداهة بمكان أن يقال لا يجوز تقليد هذا الإمام في هذا الخطأ الذي تبين للناس خطأه وهذه مقدمة لا يختلف فيها اثنان
أو على الأقل لا ينبغي أن يختلف فيها .
وإذا الأمر كذلك هذا الخطأ الذي أخطأ فيه ذاك الأمام وكان له أجر هذا الأجر ليس لذات خطأه وإنما لحصول اجتهاده فإنه اجتهد أي أفرغ الجهد بمعرفة الحق الذي أراده الله لكنه أخطأه فربنا كتب له أجرا واحدا على خلاف الذي أصاب الحق فكتب له أجران اثنان
إذن هذا الخطأ قلنا بديهي جدا أنه لا يجوز العمل به ولا يجوز تقليد الإمام الذي ذهب إليه
الآن نقترب قليلا من الدخول إلى صميم البحث .
هذا الخطأ أليس يمكن أن يكون حراما حرمه الله فذهب الإمام إلى إباحته أو العكس تماما حلالا أحله الله فذهب الإمام إلى تحريمه .
هذا وذاك باجتهاد لا يذهبن بال أحد الحاضرين أو غيرهم إلى القول كيف الإمام يحرم ما أباح الله وكيف يبيح ما حرم الله
الجواب بالاجتهاد وإلا هذا الاختلاف الكثير الذي نشاهده اليوم وما قبل اليوم حتى في عهد الصحابة ما سببه ؟
هو الاجتهاد أما أسباب الخلاف وأسباب الوقوع في الخطأ فهي كثيرة وكثيرة جدا وقد استوعب الكثير
منها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته المعروفة رفع الملام عن الأئمة الأعلام .
أنا الآن أضرب مثلا مما كان معروفا قديما في العهد الأنور الأطهر وهو عهد الصحابة الكرام بعد وفاة الرسول عليه السلام .
نحن الآن نعتقد جازمين بأنه يحرم على الزوج إذا جامع زوجته فلم ينزل أن يقوم إلى الوضوء دون الغسل ويصلي .
بل عليه الغسل .
لكن ماذا نقول عن أولئك الصحابة وفي مقدمتهم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث كان من أولئك الصحابة الذين كانوا يقولون أن من جامع زوجته ولم ينزل فحسبه الوضوء يتوظأ ويقوم يصلي .
هذا الآن إذا أردنا أن نبسط هذا الأمر .
أليس لا يجوز للمسلم إذا كان جماعه على هذه الصورة إلا أن يغتسل .
فإذا لم يغتسل هل له من صلاة لا شك لا صلاة له .
ووضوءه الذي قدمه بين يدي الصلاة لا يفيده
هل تصح هذه الصلاة ؟
الجواب لا .
هل يجوز هذا العمل ؟
الجواب لا العمل حرام .
لكن قد قال به سلفنا أو بعض أسلافنا وهذا مثال وهو عثمان بن عفان .
والأمثلة تتعدد و تتكاثر جدا جدا وبخاصة حينما ندخل في الخلافات المعروفة بين الأئمة الأربعة .
فمن الأمثلة الشائعة المعروفة اليوم هذا يقول إذا لمس المرأة بغير شهوة لا ينقص وضوءه .
ذاك يقول إذا لمسها وداعبها وعضها ووو إلخ
مادام لم يتحرك منه شيء فوضوءه صحيح .
لا شك أن أحدهما أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله لا مناص من ذلك أبدا .
أما من الذي أحل ما حرم الله ومن الذي حرم ما أحل الله هذا ما يعود إلى رأي الباحث والمجتهد وإلخ .
ولسنا الآن في هذا الصدد لكن هذه الأمثلة وهي كثيرة وكثيرة جدا
ألا يجوز لنا أن نقول أخطأ فلان حيث قال يجوز أن يقوم إلى الصلاة لمجرد الوضوء والرسول يقول إذا مس الختان الختان وجب الغسل أنزل أو لم ينزل .
نقول أخطأ بلا شك وارتكب المخالفة لكنه هو مأجور
وكما قلت آنفا والأمثلة في هذا النوع كثيرة وكثيرة جدا ويكفي طالب العلم من هذه الأمثلة مثال أو اثنين
لنعود إلى البدعة إذا جاز للعالم أن يواقع المحرم اجتهادا وهو مع ذلك مأجور على اجتهاده كما ذكرنا .
أيجوز له أن يرتكب البدعة وهو مأجور على ذلك .؟
لا شك أنه إن جاز الأول جاز الآخر من باب أولى .
وإذا فهل يبرر لطالب العلم أن يكتم العلم ولا يقول الشيء الفلاني حرام لأن الإمام الفلاني قال مباح .
لا يجوز هذا .
ولكنه إذا بين للناس خطأ هذا الإمام ينبغي أن لا ينسى أن يقرن مع هذا البيان أن هذا الإمام مأجور .
وبخاصة أن أكثر -ماذا أقول - أكثر المسلمين بخاصتهم وعامتهم اليوم طبعوا على استنكار قول الباحث أخطأ فلان ما يجوز أن يقول أخطأ فلان .
والرسول قال وإن أخطأ فله أجر واحد ذلك لأنهم قلبوا مفهوم أخطأ فلان إلى أنه مأزور وهذا خطأ لأن كون فلان أخطأ قد يكون مأجورا إذا كان مجتهدا وقد يكون مأزورا إذا كان جاهلا .
وإذا كان البحث حول العلماء أو بعض العلماء الذين أخطأوا في مسألة ما فمن البداهة بمكان أن يقال إن هذا الإمام أخطأ ولكنه مأجور وحينئذ لا فرق عندنا مطلقا في كونه استحل ما حرم الله باجتهاده أو ارتكب البدعة في اجتهاده .
إذ الأمر كذلك وأنه لا فرق بين الصورتين بين ارتكب الحرام وبين وقع في البدعة ما دام أن ذاك الارتكاب وهذا الوقوع نابع وصادر عن اجتهاد فهو على كل حال مأجور
إذا عُرفت هذه المقدمة نعود بسرعة على المثالين السابقين الوضع لليدين على الصدر في القيام الأول
نحن نعتقد أن هذا خلاف السنة وإذا كان كذلك فكون هذا الوضع بدعة لا شك في ذلك لأنه خلاف السنة لكن كل ما في الأمر......أعني الوضع في القيام الثاني
المسألة تختلف في طريقة الحكم لأن هذا الوضع بدعة أو سنة وهنا مسالة فيها دقة وفي اعتقادي ليس فقط طلاب العلم بل وكثير من العلماء أنفسهم لا يتنبهون لها .
هذه النقطة هي : أن الاستدلال بعمومات النصوص على العبادات العملية التي جرى عليها السلف الصالح لا يجوز علما بل لا بد من أن يكون الاستدلال مقرونا بسنة عملية .
إن لم نقل بهذا الكلام فقد وافقنا المبتدعة كلهم جميعا على بدعهم التي نحن أهل السنة متفقون جميعا على إنكارها عليهم بحجة " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
فهم لا يأتوننا إلا بأدلة عامة
نأتي مثلا التثويب له علاقة بالآذان نأتي
بالزيادة التي توجد على الآذان في المقدمة وفي المؤخرة في بعض البلاد الإسلامية
كسوريا وربما غيرها أيضا إذا حاججناهم بمنطق السنة والحديث السابق ..ومن أحدث في أمرنا ... قالوا يا أخي شو فيها الصلاة على الرسول بعد الآذان شوفيها وذكر الله قبل الآذان شوفيها وكل هذا وهذا عليه نصوص من الكتاب والسنة .
نحن ما نستطيع أن نقول لا نصوص هناك لأنهم يجابهوننا { يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ليه أنتم تنكروا الصلاة على الرسول بعد الآذان ؟
جوابنا أن هذا الذي أنتم تفعلونه لم يكن في عهد السلف الصالح ولو كان خيرا لسبقونا إليه
ونحن لا ننكر صلوا عليه بل نصلي عليه ربما أكثر منكم ولكن نضع الشيء في محله كذلك الذكر اذكروا الله ذكرا كثيرا نحن نفعل إن شاء الله لكن هذا الذكر بين يدي الآذان لم يكن في عهد الرسول عليه السلام
وهنا دقيقة لا بد أن ننتبه لها .
هل عندنا نص أنه نهى الرسول عن الزيادة على الآذان أولا وآخرا وإلا فقط نحن ما علمنا أن السلف الصالح كان يفعل ما يفعله الخلف من بعدهم من الزيادة عن الآذان في أوله وآخره
الجواب ليس عندنا نص أن الرسول نهى أو أقل من ذلك أن السلف في زمن الرسول ما كانوا ما عندنا نص ما كانوا يزيدون على الآذان في أوله أو آخره .
إذن من أين نحن نأتي بالحجة على هؤلاء المبتدعة بأنكم خالفتم السلف .
هنا بيت القصيد من هذه الكلمة نأتي بقولنا لو كان هذا لفعلوه لو كان هذا الذي تفتون أنتم اليوم في عهد السلف الصالح لفعلوه ولو فعلوه لنقل إلينا
إذن بهذا الاستنباط العلمي عرفنا أكثر البدع التي وقع فيها المبتدعة ويشترك أهل السنة جميعا على إنكارها إذا كان هذا مسلما وهو مسلم بالمئة مئة نعود إلى الوضع المذكور في القيام الثاني لو كان خيرا لسبقونا إليه لو فعلوه لتواردت الأخبار وتواترت كما تواترت الأخبار في الوضع
في القيام الأول فلذلك نحن أطلقنا كلمة البدعة على هذا الفعل بناء على هذا التسلسل العلمي المنطقي القائم في ذهن المطلِق للفظ البدعة
سلسلة الهدى والنور 233