قال ابن القيم في كتابه الداء والدواء : وهو يتكلم عن عقوبات الذنوب :
(( أنّها تُجرّىء على العبد من لم يكن يجترىء عليه من أصناف المخلوقات. فيجترىء عليه الشياطين بالأذى ، والإغواء، والوسوسة، والتخويف، والتحزين، وإنسائه ما مصلحتُه في ذكره، ومضرّتُه في نسيانه؛ فتجترىء عليه الشياطين حتّى تؤزه إلى معصية الله أزًا.ويجترىء عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره.
ويجترىء عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه، حتّى الحيوان البهيم!
قال بعض السلف: إنّي لأعصي الله، فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابّتي .
وكذلك يجترىء عليه أولياء الأمر بالعقوبة التي إن عدلوا فيها أقاموا عليه حدود الله . وكذلك تجترىء عليه نفسُه، فتتأسد عليه، وتستصعب عليه ،
فلو أرادها لخير لم تطاوعه، ولم تنقَدْ له.
وتسوقه إلى ما فيه هلاكه، شاء أم أبى.وذلك لأنّ الطاعة حصنُ الربّ تبارك وتعالى الذي من دخله كان من الآمنين،
فإذا فارق الحصن اجترأ عليه قُطّاعُ الطريق وغيرهم،
وعلى حسب اجترائه على معاصي الله يكون اجتراءُ هذه الآفات والنفوس عليه.
وليس له شيء يردّ عنه،
فإنّ ذكر الله، وطاعتَه، والصدقةَ، وإرشادَ الجاهل،
والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر
وقايةٌ تردّ عن العبد، بمنزلة القوة التي تردّ المرض وتقاومه،
فإذا سقطت القوة غلب واردُ المرض، فكان الهلاك.فلابدّ للعبد من شيء يردّ عنه، فإنّ موجب السيئات والحسنات يتدافع ،
ويكون الحكم للغالب كما تقدّم.
وكلّما قوي جانبُ الحسنات كان الردّ أقوى،
فإنّ الله يدافع عن الذين آمنوا،
والإيمان قول وعمل، فبحسب قوة الإيمان يكون الدفعُ. والله المستعان.))
اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
ونعوذ بك أن تسلط علينا عدونا بذنوبنا
ونسألك الله أن وفقنا لذكرك وطاعتك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين .