عن عائشة ، قالت : " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان فكلماه بشيء ، لا أدري ما هو فأغضباه ، فلعنهما ، وسبهما .
فلما خرجا ، قلت : يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ، ما أصابه هذان ،
قال : " وما ذاك "
قالت : قلت : لعنتهما وسببتهما ،
قال : " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ؟ قلت : اللهم إنما أنا بشر ، فأي المسلمين لعنته ، أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا "
وعن أنس بن مالك ، قال :" كانت عند أم سليم يتيمة ، وهي أم أنس ، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة ، فقال : " آنت هيه ؟ لقد كبرت ، لا كبر سنك " فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي ،
فقالت أم سليم : ما لك ؟ يا بنية قالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم ، أن لا يكبر سني ، فالآن لا يكبر سني أبدا ، أو قالت قرني .
فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها ، حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما لك يا أم سليم "
فقالت : يا نبي الله أدعوت على يتيمتي قال : " وما ذاك ؟ يا أم سليم "
قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها ، ولا يكبر قرنها ،
قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : " يا أم سليم أما تعلمين أن شرطي على ربي ، أني اشترطت على ربي فقلت : إنما أنا بشر ، أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر ، فأيما أحد دعوت عليه ، من أمتي ، بدعوة ليس لها بأهل ، أن يجعلها له طهورا وزكاة ، وقربة يقربه بها منه يوم القيامة "
رواهما مسلم .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري - (ج 11 / ص 172) - باختصار - :
" - رجح القاضي عياض أن ماجاء في الحديث من سب ودعاء يحتمل أن يكون غير مقصود ولا منوي لكن جرى على عادة العرب في دعم كلامها وصلة خطابها عند الحرج والتأكيد للعتب لا على نية وقوع ذلك كقولهم عقرى حلقي وتربت يمينك . فأشفق من موافقة أمثالها القدر .
فعاهد ربه ورغب إليه أن يجعل ذلك القول رحمة وقربة انتهى . -
ثم ابدى القاضي احتمالا آخر فقال : - كان لا يقول ولا يفعل صلى الله عليه و سلم في حال غضبه إلا الحق لكن غضبه لله قد يحمله على تعجيل معاقبة مخالفة وترك الإغضاء والصفح ويؤيده حديث عائشة ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله وهو في الصحيح . انتهى -
قلت : فعلى هذا فمعنى قوله ليس لها بأهل أي من جهة تعين التعجيل وفي الحديث كمال شفقته صلى الله عليه و سلم على أمته وجميل خلقه وكرم ذاته حيث قصد مقابلة ما وقع منه بالجبر والتكريم وهذا كله في حق معين في زمنه واضح وأما ما وقع منه بطريق التعميم لغير معين حتى يتناول من لم يدرك زمنه صلى الله عليه و سلم فما أظنه يشمله والله أعلم "