الحمد لله
أما بعد
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى "فى صحيحه "
باب :: لا يقال فلان شهيد
"قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ"
قال الإمام بن حجر رحمه الله "فتح الباري"
قَوْله : ( بَابُ لَا يُقَالُ فُلَانُ شَهِيدٌ )
أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ بِذَلِكَ إِلَّا إِنْ كَانَ بِالْوَحْي وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ " تَقُولُونَ فِي مَغَازِيكُمْ فُلَانٌ شَهِيدٌ وَمَاتَ فَلَانٌ شَهِيدًا وَلَعَلَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْ أَوْقَرَ رَاحِلَتَهُ أَلَا لَا تَقُولُوا ذَلِكُمْ وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ " وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَيِّدُ بْنُ مَنْصُور وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ بِفَتْحِ الْمُهْمِلَةِ وَسُكُون الْجِيمِ ثُمَّ فَاءَ عَنْ عُمَرَ وَلَهُ شَاهِدٌ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم مِنْ طَرِيقِ عَبْد اللَّه بْن الصَّلْتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ ؟ قَالُوا : مَنْ أَصَابَهُ السِّلَاحُ قَالَ : كَمْ مَنْ أَصَابَهُ السِّلَاحُ وَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلَا حَمِيدَ وَكَمْ مَنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ حَتْف أَنِفَهُ عِنْدَ اللَّهِ صَدِّيقٌ وَشَهِيدٌ " وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَر فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْد اللَّه بْن خُبَيْقٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَة ِ وَالْقَافِ مُصَغَّر عَنْ يُوسُف بْن أَسْبَاطٍ الزَّاهِدِ الْمَشْهُور وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد النَّهْي عَنْ تَعْيِينِ وَصْفٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ شَهِيد بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ .
قَوْلُهُ : ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّه أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ )
أَيْ يُجْرَحُ وَهَذَا طَرَف مِنْ حَدِيثٍ تَقَدَّمَ فِي أَوَئِلِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيد بْن الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَمِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْهُ بِاللَّفْظِ الثَّانِي وَوَجْهُ أَخْذِ التَّرْجَمَةِ مِنْهُ يَظْهَرُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَاضِي " مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " وَلَا يُطَّلَعُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالْوَحْي فَمَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُعْطِي حُكْمَ الشَّهَادَةِ فَقَوْله " وَاللَّهُ أَعْلَمُ . بِمَنْ يُكَْلُمُ فِي سَبِيلِهِ " أَيْ فَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ أَعْلَمُهُ اللَّه فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاقُ كَوْن كُلّ مَقْتُول فِي الْجِهَادِ أَنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
قال الإمام الطحاوي رحمه الله "العقيدة الطحاوية "
"وَلَا نُنَزِّلُ أَحَدًا مِنْهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرٍ وَلَا بِشِرْكٍ وَلَا بِنِفَاقٍ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَنَذَرُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى."
قال الشيخ صالح أل الشيخ معلقا على المتن
يريد العلامة الطحاوي رحمه الله أنّ أهل السنة والجماعة يتَّبِعُونَ في الأمور الغيبية ما دلَّ عليه الدليل من كتاب الله - عز وجل - ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يَقْفُون ما ليس لهم به علم ولا يقولون على الله - عز وجل - ما لا يعلمون امتثالاً لقوله سبحانه {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36]، وامتثالاً لقوله - عز وجل - {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:33]، فَحَرَّمَ الله - عز وجل - القول عليه بلا علم، ومن القول عليه بلا علم أن يُشهَدَ في أمرٍ غيبي أنَّ الله - عز وجل - لا يغفر لفلان، أو أنَّ فلاناً من أهل الجنة؛ يعني قد غُفِرَ له، أو أنه من أهل النار المُعَيَّن لأنه لم يشأ الله أن يغفر له.
فأصل هذه المسألة وهي ما قَرَّرَهُ من أننا لا نُنَزِّلُ أَحَداً من أهل القبلة جنةً ولا ناراً، هذه لأجل أنَّ هذا الأمر غيبي والله - عز وجل - حًكمُهُ في أهل القبلة قد يُعذِّبْ وقد يغفر؛ يغفرُ لمن يشاء ويعذبُ من يشاء، فمن نزَّلَ جنةً أو ناراً أحداً من أهل القبلة ممن لم يدل الدليل على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار فقد قال على الله بلا علم وتجرأ على الرب جل جلاله.
فالواجب اتِّبَاعْ النص وتقديس الرب - عز وجل - وتعظيم صفات الرب جل جلاله، وأن لا يُشْهَدَ على مُعين من أهل القبلة بأنه من أهل الجنة جزماً أو من أهل النار جزماً إلا من أخبر الوحي بأنه في هذا الفريق أو في هذا الفريق.وهذا نَصَّ عليه خِلافاً لأهل الضلال في مسائل الأسماء والأحكام من المعتزلة والخوارج قبلهم ومَنْ يرون السيف ونحو ذلك ممن يشهدون لمن شاءوا بالجنة ولمن شاءوا بالنار؛ بل قد شَهِدُوا على بعض الصحابة بأنهم من أهل النار وعلى بعضهم من أنهم من أهل الجنة بمحض أهوائهم وآرائهم.
وأهل السنة يخالفون الفِرقْ الضالة في هذا الباب ويتَّبِعُون ما دلّ عليه الدليل ويُعظمون الله - عز وجل -، ولا يتجاسرون على الغيب، ويُعَظمون صفة الرب سبحانه بأنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء.
والحمد لله