تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 40

الموضوع: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    30

    افتراضي أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذا مبحث لطيف لشيخنا الفاضل أبي مجاهد حفظه الله فيما يتعلق بأقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية رحمهما الله لعله أن يزيل بعض الإشكالات فيما يتعلق بحديث حاطب رضي الله عنه
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد ،
    فإن حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في مكاتبته للمشركين يعد ركيزة من ركائز بيان ( الولاء والبراء ) ، ذلك أنه حديث متواتر مقطوع بصحته عن الرسول e وهو كذلك بيّن واضح في ألفاظه ثم إنه يبين كيف يكون التعامل حكماً وقضاء مع الذين تقع منهم موالاة للعدو وهم في دار الإسلام وصف المسلمين ومعسكر الموحدين ، والحديث قد تناوله علماء الأمة بالشرح والبيان في كتبهم على اختلاف مواضيعها في العقيدة والتفسير والحديث والفقه والسيرة والتاريخ ، غير أن شُذَّاذاً من الناس اليوم أخذوا يفسرون الحديث على غير تفسيره ، ويؤولونه على غير تأويله ؛ ليطّرد مسلكهم و أصلهم الذي أصلوه في الموالاة ، وهو أن كل إعانة للكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة ، ولو كانت إعانة من أجل الدنيا ممن هو في صف المؤمنين ، فأحببت أن أجمع ابتداء بعض أقوال أهل العلم في بيان بعض دلالات حديث حاطب رضي الله عنه مع شيء من التعليق عليها ليتدبرها من أحب الإنصاف ويتأملها طلاب الحقائق - استعجالاً للإفادة - حتى ييسر الله عز وجل لنا نظمها في سلك واحد لتكون عقداً جميلاً نهديه لشباب الصحوة الإسلامية، وطلاب علم الشريعة، والله الموفق وحده إلى ما يحبه ويرضاه .
    أبو مجاهد صالح بن محمد باكرمان


    أولاً: الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
    قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم ( الأم )( ) :
    [ المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين :
    قيل للشافعي: أ رأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بـ : أن المسلمين يريدون غزوهم. أو بالعورة من عوراتهم. هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين؟.
    قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا: أن يقتل. أو يزنى بعد إحصان. أو يكفر كفراً بيِّناً بعد إيمان ثم يثبت على الكفر.
    وليس الدلالة على عورة مسلم ، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّن ].
    التعليق :
    أ - العورة في اللغة ما يجب حفظه وستره والمراد هنا السر من أسرار المسلمين.
    ب - الكفر البيّن :هو الواضح الذي لاشك فيه ولا احتمال.
    ج - اشترط لقتل المرتد الثبات على الردة ، إذ الأصل أن أحكام الردة لاتُنزّل على الردة العارضة التي يتوب منها صاحبها.
    د - [ ليس الدلالة على عورة المسلم ، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّن ]لأن هذه الأفعال بمجردها - لمن هو في صف المسلمين - ليست بكفر مخرج من الملة ، فغايتها أن تكون إعانة على قتل المسلمين والفتك بهم ،وقتل المسلمين والفتك بهم مجرداً عن الاستحلال وعن محبة انتصار المشركين ليسا من الكفر الأكبر المخرج من الملة ؛ بل هما من كبائر الذنوب وعظائم المعاصي، لكن دون الشرك الأكبر

    ولما كانت هذه الأفعال يحتمل أن تفعل بقصد محبة انتصار الكفار على المسلمين احتملت أن تكون كفراً أكبر بهذا الشرط؛ لذلك لم تكن بالكفر البيّن ؛ فإذا تبيّن أن التجسس للمشركين على المسلمين ليس بكفر بيّن ، وهو قطعاً ليس بزناً ولا قتل والرسول e إنما أحل دم هؤلاء الثلاثة علم أنه معصوم الدم ولا يجوز قتله. فالشافعي رحمه الله تعالى لم يحكم بإسلام الجاسوس الذي يتجسس للمشركين على المسلمين فحسب ؛ بل لم يُجِزْ قتله إذا لم يكن قاتلاً. وإن كانت مسألة قتله مسألة خلافية .
    ثم روى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قصة حاطب رضي الله عنه من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وذكر بعض دلالاتها فقال :
    [ فقلت للشافعي: أقلت هذا خبراً أم قياساً ؟
    قال: قلته ـ بما لا يسع مسلماً عَلِمه عندي أن يخالفه ـ بالسنة المنصوصة ، بعد الاستدلال بالكتاب.
    فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه .
    قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيدا لله بن أبى رافع قال: سمعت علياً يقول: بعثنا رسول الله e أنا والمقداد والزبير فقال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظغينة معها كتاب) فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة، فقلنا لها: أخرجي الكتاب فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب, فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله e فإذا فيه " من حاطب بن أبى بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة " يخبر ببعض أمر النبي e قال: (ما هذا يا حاطب؟) قال: لا تعجل على يا رسول الله! إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها, وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم، ولم يكن لى بمكه قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً، والله ما فعلته شكاً في ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله e : ( إنه قد صدق) فقال عمر: يا رسول الله ! دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي e : (إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل .


    الله U قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) قال: فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء( .
    قال الشافعي رحمه الله تعالى: [في هذا الحديث ـ مع ما وصفنا لك ـ طرح الحكم باستعمال الظنون .
    لأنه لـما كان الكتاب:
    " يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله .
    " ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام .
    " واحتمل المعنى الأقبح ... كان القول قوله فيما احتمل فعله.
    وحكم رسول الله e فيه بأن : لم يقتله . ولم يستعمل عليه الأغلب.
    ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا؛ لأن أمر رسول الله e مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده.
    فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله e ورسول الله e يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مـما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولاً كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه].
    التعليق :
    أ - من فوائد الحديث - إضافة إلى كون الجاسوس لا يقتل - طرح الحكم باستعمال الظنون؛ فلا يحكم على مسلم بمجرد الظن وإن كان غالباً في مقابل يقين الأصل والبراءة الأصلية .
    ب - كتاب حاطب رضي الله عنه للمشركين يحتمل ثلاثة احتمالات ..., ولـما احتمل فعله كان القول قوله فيما احتمل فعله؛ ولهذا استجوبه النبي e - بأبي هو وأمي- حتى يتبين قصده ومراده,ولم يحكم عليه بالأغلب ؛لأن الأغلب أن موالاة الكافرين إنما تصدر عن المنافقين .
    ج - تجسسُ حاطب رضي الله عنه هو أخطر تجسس في التاريخ - حسب الظاهر - ؛ لأنه تجسسٌ على أعظم الخلق أجمعين محمد e، وتجسس عليه ليس كتجسس على من سواه.

    د - إذا لم يستعمل الأغلب على جاسوس تجسس للمشركين على رسول معصوم فمن دونه من الجواسيس أولى بأن لا يستعمل في حقهم الأغلب ،وأن يكون القول قولهم فيما احتمل فعلهم.وهذا هو مقتضى قياس الأولى .فظهر بجلاء لا
    خفاء فيه أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لا يرى كفر الجاسوس الذي يتجسس للمشركين على المسلمين مطلقاً، وإنما يرى استجوابه لتظهر حقيقته كما استجوبه رسول الله e,فهذه هي السنة و مذهب أهل السنة، بل جمهور الفقهاء لم يجز قتله بله تكفيره!
    ثم ذكر الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ما يمكن أن يرد على استدلاله بالحديث وأجاب عنه فقال :
    [ قيل للشافعي: أ فرأيت إن قال قائل: إن رسول الله e قال: (قد صدق) إنما تركه لمعرفته بصدقة لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره. فيقال له:
    - قد علم رسول الله e أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي e في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كلًّ بالظاهر وتولى الله U منهم السرائر.
    - ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكماً له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية.
    - وكل ما حكم به رسول الله e فهو عام حتى يأتي: عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً. أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجعلوا له سنة. أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله U .
    قلت للشافعي: أفتأ مر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي e؟
    فقال الشافعي: إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال، وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد، وقد روى عن النبي e أنه قال: (تجافوا لذوى الهيئات) وقد قيل في الحديث: (ما لم يكن حد). فإذا كان هذا : من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له.وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام ـ والله تعالى أعلم ـ تعزيره.


    وقد كان النبي e في أول الإسلام يردد المعترف بالزنا فترك ذلك من أمر النبي e لجهالته يعنى المعترف بما عليه، وقد ترك النبي e عقوبة من غل في سبيل الله ].
    التعليق :
    أ - أورد الشافعي رحمه الله تعالى شبهة أن النبي e حكم في حاطب رضي الله عنه بعلمه وردها من ثلاثة أوجه :
    1 - أن النبي e لا يحكم في الناس بعلمه بدليل تعامله مع المنافقين فقد علم باطن طائفة منهم بالوحي ( قصة حذيفة ) وحقن دماءهم بالظاهر.( )
    ب - أن مثل هذا التعليل يفتح الباب للحكام بعد النبي e ليتركوا حكمه بمثل هذه العلة من علل أهل الجاهلية الذين يتركون أحكام الشريعة البينة بتعليلات عقولهم السخيفة.
    ج - أن الأصل في ما حكم به النبي e العموم حتى يرد ما يخصصه من : كتاب أو سنة أو إجماع.
    د - مسألة التعزير غير مسألة الحد والقتل فيجوز للإمام أن يعزر الجاسوس المسلم - عند الإمام الشافعي رحمه الله تعالى - بما دون القتل إلا أن يكون من أهل الهيئات لاسيما إذا ارتكب هذه المعصية بجهالة لا عن خبث و سوء طوية.


    ثانياً : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    1 - تواتر قصة حاطب ودلالاتها عند السلف :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر حديث حاطب وقصته( ) :
    ( وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم معروفة عند علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء الـمغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء ، وكان علي رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة وروى عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى ، فإن عثمان وعلياً وطلحة و الزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب بن أبي بلتعة وكان حاطب مسيئاً إلى ممالكيه وكان ذنبه في مكاتبته المشركين وإعانتهم على النبي e وأصحابه أعظم الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء ، ومع هذا فالنبي e نهى عن قتله وكذب من قال : إنه يدخل النار لأنه شهد بدراً والحديبية وأخبر بمغفرة الله لأهل بدر ، ومع هذا فقد قال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنق هذا المنافق واستحل قتله ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة )( ) ، ثم ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى قصة الإفك وما حدث فيها .
    التعليق :
    أ - حديث حاطب وقصته في مكاتبة المشركين متواترة .
    ب - كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يروي الحديث في خلافته ليبين للناس أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى ، والمقصود كبائر الذنوب بدون شك لأن الشرك لا يُغفر إلا بالتوبة, والتوبة عامة لكل أحد ليست خاصة بالسابقين الأولين . وإذا كان علي رضي الله عنه يستدل بالحديث على أن حسنات الأولين المتقدمة تكفر ما يحدث منهم من أخطاء ولو كانت كبائر فإذا كان علي رضي الله عنه يستدل لذلك ، ولم يعارضه في هذا الاستدلال .


    أحد عـلم أن فهم السلف لهذا الحديث كان كذلك وأنهم فهموا منه أن حاطباً رضي الله عنه ارتكب كبيرة غير أنه غفر له بحسنة بدر.
    ج - في حديث حاطب رضي الله عنه موضعان للاستدلال لما أراد علي رضي الله عنه الاستدلال له :
    " الأول : ما حدث من حاطب رضي الله عنه من مكاتبة المشركين وإعانتهم على النبي e مكفَّراً بشهوده بدراً .
    " الثاني : ما حدث من عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وقوعه في تكفير حاطب رضي الله عنه خطأ وتأويلاً واستحلاله قتله ، ولم يقدح ذلك في إيـمانه لسابقته .
    د - أن إعانة المشركين على المسلمين ليست كفراً على الإطلاق فإذا كانت إعانة المشركين على النبي e قد لا تكون كفراً كما في قصة حاطب رضي الله عنه ، فإعانة الكفار على من دون النبي e من المسلمين أولى بأن لا تكون كفراً على الإطلاق ، وإنما قد تكون كفراً مخرجاً من الملة وقد تكون كبيرة دون الشرك .ومعلوم أنه لا تجسس أعظم من تجسس على محمد e.
    2 - الموالاة للكفار إذا كانت لرحم أو لحاجة لم تكن كفراً مخرجاً من الملة :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيـمان ( ):
    [ الأصل الثاني: أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف:
    - فإذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله ؛ كما قال تعالى ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ( [ المائدة : 81 ]. وقال: ) لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ( [ المجادلة : 22].
    - وقد تحصل للرجل لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً .

    - كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي e وأنزل الله فيه ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ( [ الممتحنة : 1 ]
    - وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك فقال لسعد بن معاذ: " كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله ". قالت عائشة: " وكان قبل ذلك رجلًا صالحاً ولكن احتملته الحمية " ولهذه الشبهة سمى عمر حاطباً منافقاً فقال: " دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال: ( إنه شهد بدراً ) فكان عمر متأولاً في تسميته منافقاً للشبهة التي فعلها.
    - وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة : " كذبت لعمر الله لنقتلنه إنـما أنت منافق تجادل عن الـمنافقين " هو من هذا الباب.
    - وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم : " منافق " ، وإن كان قال ذلك لـما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين .
    ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً بل: فيهم المنافق المحض. وفيهم من فيه إيمان ونفاق ، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق وكان كثير ذنوبهم بحسب ظهور الإيمان. ولما قوى الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكونوا يعاتبون عليه قبل ذلك ].
    التعليق :
    أ - أن الـموالاة للكفار إذا كانت لرحم أو حاجة لا تكون كفراً مخرجاً من الـملة ، وإنـما الـموالاة الـمكفرة هي التي تكون من أجل الدين، وأما الـمتمحضة للدنيا بدون اعتقاد فاسد فليست بكفر .
    ب - أن قصة حاطب رضي الله عنه من أوضح الدلائل لذلك ، وفعله ليس بكفر أكبر أصلاً، كما بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
    ج - أن الأدلة على هذه المسألة من السنة النبوية كثيرة جداً. وذكر طرفاً منها .

    3 - تجسس حاطب رضي الله عنه معصية صدرت عن عجلة لا عن شك في الدين :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فهذه أمور صدرت عن شهوة وعجلة لا عن شك في الدين كما صدر عن حاطب - رضي الله عنه - التجسس لقريش مع أنها ذنوب ومعاصي يجب على صاحبها أن يتوب وهي بـمنزلة عصيان أمر النبي e )( ) .
    التعليق :
    أ - أن تجسس حاطب رضي الله عنه معصية وذنب دون الشرك .
    ب - أنها بمنزلة معصية أمر النبي e، ومن المعلوم أن مطلق معصية النبي صلى الله عليه وسلم ليست بشرك ولا كفر مخرج من الملة .
    ج - أن هذه الذنوب تستوجب التوبة .
    ( 4 ) غفران الله عز وجل لذنوب أهل بدر والحديبية تـمنع معاقبتهم على تلك الذنوب :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وفي هذا الحديث بيان أن الله يغفر لهؤلاء السابقين كأهل بدر والحديبية من الذنوب العظيمة بفضل سابقتهم وإيمانهم بها كما لم تجب معاقبة حاطب رضي الله عنه مما كان منه )( ) .
    التعليق :
    1 - الذنوب العظيمة - مما دون الشرك - تكفر بالحسنات العظيمة .
    2 - أن أصحاب الحسنات العظيمة لا يعاقبون على ذنوبهم ( ما لم يكن حد ، جمعاً بين النصوص ) .
    3 - أن حاطباً رضي الله عنه من أصحاب الحسنات الكبيرة التي تكفر السيئات العظيمة ولا يعاقبون على ذنوبهم .


    ( 5) سيئات السابقين الأولين مغفورة بحسناتهم بدون اشتراط توبة :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ... وكذلك حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه كاتب المشركين بأخبار النبي e فلما أراد عمر قتله قال النبي e:( لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ) وهذه النصوص تقتضي أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات ، ولم يشترط مع ذلك توبة و إلا فلا اختصاص لأولئك بهذا ، والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل ، وإذا قيل هذا لأن أحداً من أولئك لم يكن له إلا صغائر لم يكن ذلك من خصائصه أيضاً ، وإن هذا يستلزم تجويز الكبيرة من هؤلاء المغفور لهم )( ) .
    التعليق :
    أ - أن النبي e نهى عن قتل حاطب رضي الله عنه وعلل منع قتله بوجود حسنة بدر معه فدل ذلك على أن حسنة بدر كفرت سيئته بمكاتبة المشركين وإعانتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يدل لزوماً على أن سيئة حاطب رضي الله عنه ليست بكفر مخرج من الملة و إلا لما كفرتها حسنة بدر لأن الكفر الأكبر لا يغفره إلا التوبة .
    ب - القاعدة العامة أن الحسنات الكبيرة تكفر السيئات ولو كانت كبيرة .
    ج - عدم اشتراط التوبة في تكفير السيئات الكبيرة لأولي الحسنات الكبيرة وأهل السابقة الحسنة ؛ لأن اشتراط التوبة لا يجعل لهم امتيازاً على من سواهم فالتوبة تكفر السيئات حتى من الكافر ، والنبي e إنما علل تكفير سيئة حاطب رضي الله عنه بشهوده بدراً ، فنصّ على علة التكفير فدلّ على أن حاطباً رضي الله عنه مغفور له بشهوده بدراً قبل أن يحدث توبة .
    د - لا يمكن أن يعلل تكفير سيئات أهل بدر ونحوهم من أهل الحسنات العظيمة بأن سيئاتهم من صغائر الذنوب ولذلك كفرتها الحسنات دون حدوث توبة وذلك أن تكفير الحسنات لصغائر الذنوب ليست مما يتميز به مسلم عن آخر فكل .


    مسلم تكفر صغائره بما يعمله من حسنات فعلم أن الميزة التي امتاز بها أهل الحسنات العظيمة هي أن حسناتهم العظيمة تكفر ما يحدث منهم من كبائر ولو لم يحدثوا توبة .
    ( 6 ) الحسنة العظيمة يغفر الله بها السيئة العظيمة :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر قصة حاطب رضي الله عنه : ( فهذه السيئة العظيمة غفرها الله له بشهود بدر ، فدلّ ذلك على أن الحسنة العظيمة يغفر الله بها السيئة العظيمة )( ) .
    التعليق :
    أ - أنّ ما فعله حاطب رضي الله عنه من تجسسه على النبي صلى الله عليه وسلم لصالح المشركين سيئة عظيمة .
    ب - تلك السيئة العظيمة غفرت لحاطب رضي الله عنه بحسنة عظيمة هي شهود بدر .
    ج - سيئة حاطب رضي الله عنه ليست بكفر مخرج من الملة و إلا لما كفرتها الحسنة هذا مفهوم قطعي من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
    ( 7) جواب النبي e لعمر رضي الله عنه يدل على أن حاطباً رضي الله عنه باق على إيمانه وهو معصوم الدم :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ومن هذا الباب أن الرجل الذي قال له لما قسم غنائم حنين : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أقتل هذا المنافق ، فقال : (( معاذ الله أن يتحدث الناس إن محمداً يقتل أصحابه )) ثم أخبر أنه يخرج من ضئضئه أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وذكر حديث الخوارج . رواه مسلم ، فإن النبي e لم يمنع عمر من قتله لئلا يتحدث الناس إن محمداً يقتل أصحابه ، ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوماً كما قال في حديث حاطب رضي الله عنه فإنه لما قال : (( ما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله e : (( إنه قد صدقكم ، فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال : (( إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) فبيّن أنه


    باق على إيمانه وأنه صدر منه ما يغفر له به الذنوب فعلم أن دمه معصوم ، وهذا علل بمفسدة زالت فعلم أن قتل مثل هذا القائل إذا أمنت هذه المفسدة من السنة )( ) .
    التعليق :
    أ - أن حاطباً رضي الله عنه كان في نفسه معصوماً، بخلاف الرجل الذي قال للنبي e: ( هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ) .
    ب - أن ما صدر عن حاطب رضي الله عنه ليس بكفر مطلقاً كالذي صدر عن ذلك المنافق الذي اتهم النبي e بالجور في القسمة .
    ج - أن النبي e بيّن في كلامه لعمر رضي الله عنه أن حاطباً باق على إيمانه ، وأنه قد صدر منه من الحسنات ما يغفر له به الذنوب فعلم أن دمه معصوم .
    د - الفرق بين رد النبي e على عمر رضي الله عنه في حديث حاطب رضي الله عنه وتعليله المنع من القتل لعصمته وكونه مغفوراً له ، وبين رد النبي e على عمر رضي الله عنه في حديث الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم وتعليل النبي e للمنع من قتله بعلة زالت بعد وفاته فدل ذلك التعليل في السنة على أن قتل مثل هذا الزنديق المتنقص للنبي e جائز بعد وفاته .
    ( 8 ) قول النبي e لعمر رضي الله عنه : (( وما يدريك .. )) الخ جواب عن قوله :(( إنه منافق )) :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [وهذا حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بأخبار النبي eعام الفتح وقد أخبر النبي e أنه من أهل الجنة لشهوده بدراً والحديبية وقال لمن قال : (( إنه منافق )) : (( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) ]( ) .

    التعليق :
    أ - أن قول النبي e: (( وما يدريك ... )) الخ جواب عن قول عمر رضي الله عنه (( إنه منافق )) بخلاف ما زعمه بعض الجهلة من أن النبي eأقرّ عمر رضي الله عنه على قوله .
    ب - جواب النبي e لعمر رضي الله عنه بكون حاطب رضي الله عنه مغفوراً له أعظم من رده لو قال له : إنه ليس بمنافق ؛ لأن الجواب المقترح الذي ينتظره بعض الجهال لا ينفي عن حاطب رضي الله عنه السلامة من الفسق والمعصية وأما ما ثبت في الحديث فهو ينفي أن يكون عند حاطب رضي الله عنه ذنب أصلاً لأنه مغفور له وهل يكون مغفوراً له من هو منافق ،فليت شعري كيف يتجرأ هؤلاء على حديث رسول الله e؟ .
    ( 9 ) جواب النبي e لعمر رضي الله عنه يدل على أن حاطباً رضي الله عنه ليس بمنافق :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ ويدل على جواز قتل الزنديق المنافق من غير استتابة ما خرجاه في الصحيحين في قصة حاطب بن أبي بلتعة قال : فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله e: (( إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) ، فدلّ على أن ضرب عنق المنافق من غير استتابة مشروع إذ لم ينكر النبي e على عمر استحلال ضرب عنق المنافق ولكن أجاب بأن هذا ليس بمنافق ولكنه من أهل بدر المغفور لهم فإذا ظهر النفاق الذي لا ريب فيه أنه نفاق فهو مبيح للدم]( )
    التعليق :
    أ - أنّ الذي أقرّ النبي e عليه عمر رضي الله عنه هو أنّ المنافق يقتل لا أنّ حاطباً رضي الله عنه كان منافقاً ، وذلك أنّ النبي e لم يقل لعمر رضي الله عنه : من أين لك أن المنافق يقتل ؟ أو نحو ذلك ، فدلّ ذلك على أنّ النبي e قد أقرّ عمر رضي الله عنه على جواز قتل المنافق ، هذا الذي يذكر بعض العلماء أنّ النبي e أقرّ عليه عمر رضي الله عنه لا شيء سواه .

    ب - أنّ النبي e أجاب عمر رضي الله عنه عن قوله في حاطب رضي الله عنه بأنه ليس بمنافق لأنه أجابه بأنه مغفور له، وكيف يكون منافقاً من هو مغفور له ؟ .
    ج - أنّ فعل حاطب رضي الله عنه ليس من النفاق الـمقطوع به الذي لا ريب فيه ، بل هو فعل يحتمل لذلك لا بد معه من التبيـّن من الشخص نفسه كما فعل النبي e مع حاطب رضي الله عنه .
    ( 10 ) اعتقاد نفاق الجاسوس مطلقاً خطأ ، وهو خطأ مغفور له إذا صدر عن مجتهد :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعملية ] وذكر أمثلة لذلك إلى أن قال : [ أو اعتقد أنّ من جس للعدو وعلمهم بغزو النبي e فهو منافق كما اعتقد ذلك عمر في حاطب وقال : (( دعني أضرب عنق هذا المنافق ... )) }( )
    التعليق :
    أ - أن عمر رضي الله عنه اعتقد خطأ نفاق من جس للعدو مطلقاً .
    ب - أنّ هذا الخطأ من عمر رضي الله عنه خطأ مغفور له وأنه صادر عن اجتهاد وتأويل .
    ( 11 ) اختلاف الأئمة في قتل الجاسوس المسلم :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ وأما مالك وغيره فحكى عنه أن من الجرائم ما يبلغ به القتل ووافقه بعض أصحاب أحمد في مثل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين فإن أحمد يتوقف في مثله ، وجوز مالك وبعض الحنابلة كابن عقيل قتله ، ومنعه أبو حنيفة والشافعي وبعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى ... ]( ) .
    التعليق :
    أ - اختلاف الأئمة في قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو الكافر ،ولو لم يكن مسلماً لـما اختلفوا في قتله .
    ب - مذهب الجمهور عدم جواز قتل الجاسوس المسلم وأحمد يتوقف في قتله لعدم النص الصريح .
    ج - من ذهب إلى قتل الجاسوس المسلم إنما ذهب إليه من باب التعزير والسياسة الشرعية لا الحد .
    الخلاصة :
    1 - قصة حاطب رضي الله عنه في مكاتبته للكفار متواترة مقطوع بصحتها .
    2 - أظهر دلالاتها عند السلف أن السابقين مغفورة لهم سيئاتهم بسابق حسناتهم ولو لم يحدثوا توبة .
    3 - موالاة المشركين إذا كانت من أجل الدنيا فليست بكفر .
    4 - عمر رضي الله عنه استحل قتل حاطب رضي الله عنه وتأول في اتهامه بالنفاق ولكن خطؤه مغفور له لأنه بتأويل واجتهاد .
    5 - ما صدر عن حاطب رضي الله عنه هو معصية وكبيرة وليس بكفر مخرج من الملة لأن الكفر لا تكفّره حسنة بدر .
    6- حاطب رضي الله عنه باق على إيمانه وهو معصوم الدم لأن ما صدر عنه هو كبيرة من كبائر الذنوب لا كفر أكبر.
    7 - رد النبي e على عمر رضي الله عنه في قوله عن حاطب رضي الله عنه : (( إنه منافق )) رداً بيناً واضحاً بل وزيادة .
    7 - لم يختلف الأئمة الأربعة في كون الجاسوس المسلم الذي يحس للعدو مسلماً في الأصل ولكن اختلفوا في قتله والجمهور على تحريم قتله .
    8 - علل النبي e النهي عن قتل حاطب رضي الله عنه بشهوده بدراً فأخذ بعض أهل العلم من ذلك جواز قتل جاسوس ليست له تلك الـمنقبة ، والله أعلم .

  2. #2

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    حكم الجاسوس

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.

    وبعد:

    فاعلم أن من يتجسس على عورات المسلمين، وأحوالهم الخاصة - وبخاصة منهم المجاهدين! - لينقلها إلى أعدائهم من الكفرة المجرمين؛ سواء كان كفرهم كفراً أصلياً أم كان كفر ردة، فهو كافر مثلهم، وموالٍ لهم الموالاة الكبرى التي تخرجه من دائرة الإسلام، يُقتل كفراً ولا بد.

    قال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يُخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} [البقرة: 8-9].

    ومن خداعهم للمؤمنين أن يتظاهروا بالإسلام، وأن يقولوا عن أنفسهم بأنهم مؤمنون، ثم هم يتجسسون عليهم لصالح أعدائهم من الطواغيت وغيرهم من الكافرين المجرمين.

    وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً} [الحجرات: 12].

    والتجسس من حيث دوافعه نوعان:

    نوع خاص يكون الدافع عليه الفضول وحب الاطلاع على عورات الآخرين، ليتلذذ الجاسوس - في مجالسه الخاصة والعامة - بالخوض في الحديث عن أعراض الناس وعوراتهم ويتباهى بأنه يملك الدليل والبينة على صدق دعواه وقوله، لذا جاء عقب النهي عن التجسس النهي عن الغيبة؛ لأن الغيبة نتيجة حتمية للتجسس، فكل من تجسس لا بد له من أن يقع في غيبة الآخرين.

    ونوع عام يكون دافعه نقل المعلومات ورفع التقارير إلى الطواغيت الظالمين وغيرهم من الكفرة والمشركين، وهذا من الموالاة، وهو أشد أنواع التجسس جرماً، وهو من الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة ولا بد.

    والنهي عن التجسس الوارد في الآية يشمل النوعين: الخاص والعام، والعام أولى بالنهي من الخاص، فتنبه لذلك.

    وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا) [البخاري].

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من أكل بمسلمٍ أكلةً فإن الله يُطعمه مثلها من جهنم، ومن كُسِي ثوباً برجل مسلم فإن الله عز وجل يكسوه من جهنم، ومن قام برجل مسلم مقام رياءٍ وسمعة فإن الله يقوم مقام رياء وسمعة يوم القيامة) [1].

    فيه تحذير وترهيب لأولئك الذين يكتبون التقارير عن المسلمين الموحدين ليرفعوها إلى الطواغيت الظالمين، ويشون عليهم، وعلى أماكنهم، وتحركاتهم، مقابل مبلغ زهيد - يتقوتون به أو يلبسون - يرميه الطاغوت إليهم على كل تقرير يكتبونه عن المسلمين، وما أكثر أصحاب النفوس الضعيفة هؤلاء في بلادنا، الذين باعوا دينهم وآخرتهم بدنيا غيرهم!!

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى حديث قوم وهم يفرون منه، صُبَّ في أذنيه الآنك) [2]. والآنك هو الرصاص الأبيض المذاب، وهذا فيمن يستمع على وجه الفضول والتطفل، فكيف بمن يستمع على وجه التجسس لصالح أعداء المسلمين من الكافرين والمشركين؟!!

    وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتّبع اللهُ عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) [3].

    قلت: من تتبع عورات المسلمين وتجسس عليهم لصالح الطواغيت الكافرين، هو أولى بالنفاق، وانتفاء الإيمان من قلبه.

    فالتجسس على عورات المسلمين وخصوصياتهم لصالح أعدائهم من المشركين المجرمين لا يمكن أن يمتهنها إلا كل منافق خسيس عريق في النفاق والخداع!

    وقال صلى الله عليه وسلم: (من حمى مؤمناً من منافقٍ بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلماً بشيءٍ يُريد شَينَه به حبسَه الله على جسر جهنم حتى يخرجَ مما قال) [4].

    هذا فيمن يرمي مسلماً بشيء يريد شينه به، فكيف بمن يرمي مسلماً بشيءٍ يريد به قتله أو سجنه في سجون الطواغيت الظالمين؟!

    وعن سلمة بن الأكوع قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم: (اطلبوه فاقتلوه)، قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه [متفق عليه].

    وكذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب.

    كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين [5].

    من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت رسالة حاطب إلى كفار قريش، واسمها سارة.

    قال الإمام سحنون: (إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يُستتب، وماله لورثته).

    وفي المستخرجة قال ابن القاسم في الجاسوس: (يُقتل ولا تُعرف لهذا توبة، هو كالزنديق) [6].

    وقال ابن تيمية في الفتاوى 28[/109]: (ذهب مالك وطائفة من أصحاب أحمد إلى جواز قتل الجاسوس) اهـ.

    قلت: وقتله يكون على الكفر والارتداد، وليس على شيء آخر، والله تعالى أعلم.

    شبهة ورد:

    لعل قائلاً يقول: إن حاطب بن أبي بلتعة قد كاتب كفار قريش، وأطلعهم على سر زحف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من جند الإسلام لفتح مكة، وهذا من التجسس والموالاة، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفره، ولم يأمر بقتله، فكيف نوفق بين ذلك، وبين ما تقدم ذكره؟

    أقول: الذي فعله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه هو من الكفر، لكن حاطباً لم يكفر لاعتبارات وموانع عدة منعت من لحوق الكفر به، سنأتي على بيانها إن شاء الله.

    أما أن الذي فعله حاطب هو من الكفر والنفاق الأكبر؛ ذلك لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما: (يا رسول الله قد خان اللهَ ورسوله والمؤمنين، دعني أضرب عنقَ هذا المنافق - وفي رواية - فإنه قد كفر، إنه قد نافق، نكث وظاهر أعداءك عليك)!

    والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه ولم ينكر عليه أن هذا الذي فعله حاطب يُعد من الموالاة للمشركين، والكفر والنفاق الذي تُقطع عليه الأعناق، ولكن الذي أنكره على عمر رضي الله عنه حمل حكم النفاق والكفر على حاطب، وذلك لاعتبارات تمنع من لحوق هذا الحكم بحاطب!

    أما أن حاطباً لم يكفر، ولم يقع في النفاق فهو للاعتبارات التالية:

    1) أنه كان متأولاً في فعله، لم يكن يعلم - أو يظن - أن هذا الذي فعله يمكن أن يرقى إلى درجة الكفر والخروج من الإسلام، أو أنه يضر في إيمانه، ولم يكن يقصد به الغش والغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك نجده يجيب - من فوره - لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي حمله على كتابة الرسالة إلى كفار قريش: (يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً ولا ارتداداً، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام - وفي رواية - ما غيرت ولا بدلت، أما أني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً، ما كفرتُ ولا ازددتُ للإسلام إلا حباً)!

    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم، لا تقولوا له إلا خيراً، إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم!

    قال ابن حجر في الفتح [8/503]: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اهـ.

    قلت: والتأويل مانع من موانع لحوق الكفر بالمعين، فتنبه لذلك.

    2) علم النبي صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي - بسلامة قصد وباطن حاطب، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم)، وهذه ليست لأحدٍ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك نجد عمر - وليس له إلا ذلك - قد تعامل مع حاطب على اعتبار ظاهره، وما يدل عليه ظاهره من نكوث، وموالاة، وكفر ونفاق، فقال عباراته الآنفة الذكر!

    فإن قيل: الأحكام تبنى على الظاهر، فعلام هنا قد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع باطن وقصد حاطب؟

    أقول: فيما يخص إقامة الحدود، وإنزال التعزير والعقوبات بالمخالفين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إلا ما يدل عليه ظاهر الحال الذي يستوجب الحد أو العقوبة، وإن كان يعلم صلى الله عليه وسلم أن بواطن الأمور وخفاياها هي بخلاف هذا الظاهر، كتعامله مع المنافقين على اعتبار ظاهرهم رغم علمه صلى الله عليه وسلم بنفاقهم وكفرهم في الباطن.

    قال ابن تيمية في الصارم [356]: (فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يُقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار) اهـ.

    أما فيما يتعلق بإقالة العثرات التي كان يقع فيها بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يراعي سلامة الباطن والقصد الذي يطلعه عليه الوحي ما وجد إلى ذلك سبيلاً، لحبه للعذر وإقالة العثرات؛ وبخاصة إن جاءت هذه العثرات من أصحابه الكرام الذين لهم سابقة بلاء وجهاد في سبيل الله!

    ولأن مراعاة سلامة الباطن في هذا الجانب هو لصالح الإنسان المخطئ بخلاف جانب المؤاخذة والمحاسبة ففيه تقريع وتعذيب للمخالف، لذا لم يمضه النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة ظاهرة تستدعي ذلك.

    ودليلنا على ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب، ونحوه ذلك الرجل من الأنصار الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (أراك تحابي ابن عمتك!!). وذلك لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بأن يسقي أرضه، ثم يرسل الماء إلى أرض جاره الأنصاري!

    قلت: قول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم "أراك تحابي ابن عمتك!"؛ هو كفر أكبر، وطعن بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، والذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على إقالة عثرته علمه صلى الله عليه وسلم بسلامة قصده وباطنه، وأن الذي صدر منه هو عبارة عن فلتة وزلة، وهذه ليست لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال ابن العربي في الأحكام [5/267]: (كل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر، لكن الأنصاري زل زلة فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فلتة، وليست لأحدٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم) اهـ.

    وهذا الذي قيل في موقف النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأنصاري يُقال أيضاً في موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب بن أبي بلتعة. والله تعالى أعلم.

    فإن قيل: هل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيل عثرات ترقى إلى درجة الكفر بناءً على سلامة قصد وباطن أصحابها؟

    أقول: لا، لانقطاع الوحي، وهذا الذي يقصده عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: (إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم؛ فمن أظهر لنا خيراً أمَّناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يُحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة).

    لذا نقول: من أظهر لنا الكفر البواح - من غير مانعٍ شرعي معتبر - أظهرنا له التكفير ولا بد.

    وقوله رضي الله عنه: (كانوا يؤخذون بالوحي)، يريد في جانب إقالة العثرات، وليس في جانب تطبيق الحدود وإنزال العقوبات، فتنبه لذلك.

    3) ومن علامات صدق حاطب رضي الله عنه أنه صدَق النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله، ولم يواري عليه ما فعل، مما دل على سلامة باطنه وقصده، وبراءته من النفاق، بخلاف المرأة فإنها أنكرت وكذبت لما سئلت عن الكتاب، فقالت: (ما معي من كتاب " فزاد ذلك من جرمها وكفرها!

    ولو كان حاطب منافقاً لكذَب الحديث، لأن من خصال المنافق أنه إذا حدث كذب، ولكن لما صدق في الحديث، دل على صدق إيمانه وباطنه وأنه ليس منافقاً، وكان لذلك أثراً ظاهراً في منجاته وإقالة عثرته، كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي: (فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة).

    ومن حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، يقول: يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذَبْتُه فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذَبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحدٍ، فقال: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنمُ جزاءً بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.

    بينما أنزل الله في الثلاثة الذين صدَقوا الحديث - منهم كعب من مالك - قوله: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} إلى قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 117-119].

    فتأمل كيف أن الصدق أنجاهم، وأقال عثرتهم، وكيف أن الكذب أردى أولئك الذين كذبوا الأعذار، وأوبق آخرتهم!

    وهذا ينبغي أن يكون معتبراً عند الحديث عن حاطب بن أبي بلتعة، وعن الأسباب التي أقالت عثرته.

    4) إن مما أعان على إقالة عثرة حاطب كذلك أنه من أهل بدر، وبدر حسنة عظيمة تذهب السيئات، وتقيل العثرات، وتستدعي تحسين الظن بأهلها، وتوسيع دائرة التأويل لهم لو عثروا أو زلوا!

    لذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تذكر له حسنة بدر - وما أدراك ما حسنة بدر - فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

    وفي صحيح مسلم: (إني لأرجو أن لا يدخل النار أحد - إن شاء الله - ممن شهد بدراً والحديبية).

    وحاطب قد جمع بين الخيرين، فقد شهد بدراً والحديبية معاً!

    نستفيد من ذلك أن المرء كلما كبرت وكثرت حسناته، وكانت له سابقة بلاء في الله، كلما ينبغي أن تتوسع بحقه ساحة التأويل وإقالة العثرات، عند ورود الشبهات، وحصول الكبوات، والله تعالى أعلم.

    5) أن فعل الوشاية الذي أقدم عليه حاطب لم يكن فعلاً ملازماً له، فهو لم يفعل ذلك إلا مرة واحدة في حياته، ولأسباب تقدم ذكرها، وهذا بخلاف ما عليه الجاسوس فإن التجسس صفة لازمة له على مدار الوقت، لا هم له إلا كيف يتحصل على المعلومات لكي يرسلها إلى موفديه أو من يتعامل معهم!

    فهناك فرق بين من يقع في الخطأ مرة، وبين من يقع في الخطأ مراراً من حيث دلالته على صفة وحقيقة فاعله.

    لذا من الخطأ الفادح أن يُحمل على حاطب حكم ووصف الجاسوس الآنف الذكر، والله تعالى أعلم.

    وبعد، لأجل هذه الأسباب مجتمعة أفدنا في أول حديثنا أن فعل حاطب يُعتبر من الكفر، ومن الموالاة الكبرى، إلا أن حاطباً لم يكفر بعينه، ولا يجوز أن يُحمل عليه حكم الكفر، والله تعالى أعلم.

    كلمة أخيرة:

    إلى أولئك الذين هان عليهم دينهم، وسهل عليهم التجسس على المسلمين لصالح الطواغيت باسم الدين، متذرعين بفتاوى بعض المضللين المشبوهين ممن ظاهرهم العلم، مقابل مبلغ زهيد يعطونه على كل تقرير يكتبونه إلى مخابرات الطواغيت، لا يحسب هؤلاء أنهم على خير، أو أنهم على شيء، وليتذكروا أن لهم يوماً سيسألون فيه عما يفعلون، وينتصف الله تعالى منهم لعباده المظلومين.

    فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة رسوله) [7].

    فكيف بمن يعين الطواغيت الظالمين على اعتقال المسلمين الموحدين وقتلهم، وانتهاك حرماتهم؟!

    فكم من تقرير ظالم كتبه مخبر حقير أدى إلى اعتقال عشرات من الشباب المسلم الموحد - لعشرات السنين - في أقبية وزنازين الطواغيت، إن لم يكن سبباً في قتلهم وإعدامهم!

    وفي صحيح مسلم وغيره: (المؤمن من أمنه المسلمون على أنفسهم وأموالهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).

    فالذي لا يأمنه المسلمون على أنفسهم، ولا يسلمون من شر يده ولسانه، فهو بنص الحديث ليس من المؤمنين ولا المسلمين.

    فاتق الله يا عبد الله، واحذر أن تكون ممن يتجسسون لصالح الطواغيت الظالمين، أو يجادلون عنهم، أو يُقاتلون دونهم، فتهلك وتخسر دنياك وآخرتك.


    اللهم إنا قد بلغنا ونصحنا، فاشهد
    وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلَّم
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [8]

    منقول للفائدة

  3. #3

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    سؤال وجواب عن
    حاطب بن أبي بلتعة
    –رضي الله عنه-

    الأخ والشيخ علوي السقاف - حفظه الله -
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لقد كثر الكلام والنقاش بين بعض الرواد في أنا المسلم عن قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما أرسل برسالة إلى كفار قريش مع المرأة التي حملت الرسالة فلحق بها بعض الصحابة بأمر من الرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عن طريق الوحي وقد اختلف المناقشون في الحكم على حاطب هل يعد فعله الذي قام به من النفاق الأكبر أم من النفاق الأصغر؟
    ونرغب منكم حفظكم أن تبينوا لنا بما يفتح الله عليكم في هذه المسألة بياناً شافياً وافياً.
    وجزاكم الله خيرا
    محبكم في الله: عبد الله زقيل صفر 1422هـ



    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    اعلم أخي الكريم -وفقني الله وإياك- أنَّ هذه المسألة –أعني هل فعل حاطب رضي الله عنه يُعدُّ كفراً أم لا؟- من مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، وأصل منشأ الخلاف هو: هل الموالاة بجميع صورها تُعدُّ كفراً أم أنَّ منها ما هو كفر ومنها ما دون ذلك؟ وهل هناك فرقٌ بين الموالاة والتولي؟ وهل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} أي كافر مثلهم، أم هو كقوله صلى الله عليه وسلم ((من تشبه بقوم فهو منهم)) ومعلوم أن ليس كلُّ تشبهٍ بالكفار يعد كفراً، فإذا علمت ذلك تبين لك خطأ من يجعل هذه المسألة من مسائل العقيدة ويبدع من لم يقل بقوله، فإما جعله مرجئاً أو خارجياً، وهذا مما ابتليت به الأمة في الآونة الأخيرة.
    أما مسألة الموالاة والمعاداة ومظاهرة الكافرين على المسلمين فهي من مسائل العقيدة بل أصلٌ من أصول التوحيد، وأما تكفير حاطب -رضي الله عنه- فلم يقل به أحدٌ من أهل السنة فهو صحابي بدري قد وجبت له الجنة، وإليك البيان بشيء من الإيجاز والاختصار:
    الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض، وتكون بالقلب والقول والفعل، ومن الموالاة النصرة والتأييد، فمن جعل الموالاة نوعاً واحداً مرادفاً لمظاهرة الكافرين عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- كفراً، ومن جعلها صوراً مختلفة وأدخل فيها: مداهنتهم ومداراتهم، واستعمالهم، والبشاشة لهم ومصاحبتهم ومعاشرتهم وغيرها من الصور؛ جعلها نوعين موالاة مطلقة عامة أو (كبرى) وموالاة خاصة دون موالاة. ومن هؤلاء من عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع الأول ومنهم من عَدَّه من النوع الثاني، وأكثر العلماء على أن الموالاة نوعان: مُكفِّرة وغير مُكفِّرة، وسواء قلنا هما نوعان أو نوع واحد فالذي يهمنا هنا هو هل فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع المُكفِّر أم لا؟ -وسيأتي-، كما أنَّ منهم من فرَّق بين الموالاة والتولي وجعل التولي موالاة مطلقة ومنهم عددٌ من علماء الدعوة النجدية -رحمهم الله-، وهناك من لم يفرق بينهما كالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره وهذا أقرب والله أعلم، وعلى كلٍ فهذه مصطلحات لا مشاحة فيها، لأن الذين فرَّقوا بينهما يعنون بالتولي الموالاة المطلقة وأنها كفر ولا يقولون بتولي غير مُكفِّر بل يقولون أن هناك موالاة غير مُكفِّرة فآل الأمر إلى وجود موالاة مُكفِّرة يسميها البعض تولي وأخرى غير مُكفِّرة وهذا كله على قول من يقسم الموالاة إلى قسمين.
    وعمدة من يقول أن الموالاة نوع واحد وأنها كفر، قوله تعالى: { ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وقوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فأؤلئك هم الظالمون} قالوا لم ترد الموالاة في القرآن إلا بوصف الكفر، قال ابن جرير: ((ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا هو به وبدينه))
    وقال ابن حزم في ((المحلى)) (11/138): ((وصح أنَّ قول الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين))
    وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم)) ثم استشهد بالآيتين السابقتين.
    هذه مقدمة لابد منها قبل الإجابة على سؤالكم: هل فعل حاطبٍ -رضي الله عنه- كان كفراً أم لا؟
    واعلم أن قصة حاطب -رضي الله عنه- رواها البخاري في الصحيح(3007،4272،4890 6259) ومسلم في الصحيح(4550) وأبو داود في السنن(3279) والترمذي في الجامع (3305) وأحمد في المسند (3/350) وأبو يعلىفي المسند (4/182) وابن حبان في صحيحه(11/121) والبزار في مسنده(1/308) والحاكم في المستدرك(4/87) والضياء في الأحاديث المختارة(1/286) وغيرهم، وقد جمعت لك ما صحَّ من رواياتهم في سياق واحد –وأصلها من صحيح البخاري- ليسهل تصور القصة واستنباط الأحكام منها، والذي يهمنا منها ألفاظ حاطب وعمر رضي الله عنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    [فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَ ا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّك ِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    فَقَالَ عُمَرُ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ)) ((دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ)) ((فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ))
    فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت.
    َ قَالَ حَاطِبٌ: ((وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ((وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام)) ((وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا)) ((وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ))ِ ((مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ)) ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) ((فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه.
    ِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا.
    فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ.
    فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال:َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.]
    فأنت ترى أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- شعر بخطئه في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموالاته لكفار قريش، وظهر له أنَّ هذا كفرٌ وردة لكنه يعلم من نفسه أنه لم يفعله ارتداداً عن دين الله فقال: ((ولم أفعله إرتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، وما غيرت ولا بدلت -أي ديني- أما إني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً)) إذن هذا العمل بمجرده يُعَدُّ كفراً وارتداداً وغشاً ونفاقاً، وكأنه -رضي الله عنه- ذُهل عن هذا الأمر أثناء الوقوع في المعصية بعذر قدَّمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ((أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي)) فإمَّا أن يقال كان جاهلاً وما تبين له هذا إلا بعد أن استجوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقال كان -رضي الله عنه- متأولاً وهذا أصوب بدليل أنه قال كما صحت به رواية أحمد وأبو يعلى وابن حبان: ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) فهو يعلم أن المولاة كُفر لكنه لا يَعِدُّ ما فعله موالاة -تأولاً- لثقته أن الله ناصرٌ رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما صحت به رواية البزار والحاكم والضياء من قوله: ((كان أهلي فيهم فخشيت أن يغيروا عليهم فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) فهو لثقته الكبيرة بربه ونصره لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن كتابه سيفرحُ به كفار قريش ويحموا له أهله لكن لن يضر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الحافظ في الفتح (8/634): ((وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلاف مَا أَظْهَرَ , وَعُذْر حَاطِب مَا ذَكَرَهُ , فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَنْ لا ضَرَر فِيهِ))، ويؤكد ذلك لفظ الخِطاب –إن صح- فقد قال الحافظ في الفتح (4274): ((وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي (تَفْسِير يَحْيَى بْن سَلام) أَنَّ لَفْظ الْكِتَاب: ((أَمَّا بَعْد يَا مَعْشَر قُرَيْش فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ , يَسِير كَالسَّيْلِ , فَوَاَللَّهِ لَوْ جَاءَكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّه وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْده. فَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَالسَّلام)) كَذَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ)) وفيه كما ترى تخذيل وتخويف لقريش، كلُّ ذلك جعل حاطباً -رضي الله عنه- يتأول أن ليس في هذا موالاة لكفار قريش وكيف يواليهم وهوالصحابي البدري؟! والواقع أن قصة حاطب وقصة قدامة ابن مظعون -رضي الله عنهما- الذي استباح شرب الخمر متأولاً أنه لاجناح على الذين آمنوا أن يطعموها من أقوى ما يمكن أن يستشهد به على أنَّ التأويلَ مانعٌ من موانع التكفير.
    أمَّا عمر -رضي الله عنه- فقد كفَّر حاطباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حاطباً لم يفعل الكفر، بل بيَّن له أنَّ حاطباً كان صادقاً ولم يكفر، ومعلوم لديك أنَّ ثَمَّتَ فرقٌ بين الحكم على الفعل بالكفر وتكفير المعين الذي صدر منه الكفر، وهذا مبسوط في كتب العقائد والتوحيد، وقد وصف عمر حاطباً -رضي الله عنهما- بأوصاف ثلاثة يكفي الواحدُ منها للقول بأنه كفَّره، فوصفه بأنه: منافق، كفر، خان الله ورسوله؛ وعمر -رضي الله عنه- وإن كان قد أخطأ في تكفير حاطب -رضي الله عنه- إلا أنَّ خطأه مغفورٌ له لأنه ناتج عن غيرة لله ورسوله وهذا معروف عن عمر -رضي الله عنه- ولأنه حكم بالظاهر وهذا هو الواجب على المسلم، ولم يكلفنا الله بالبواطن. قال ابن حزم في ((الفصل)) (3/143): ((وقد قال عمر رضي الله عنه - بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم - عن حاطب: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً)) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (3/282): ((إذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك)) ثم استشهد بتكفير عمر لحاطب -رضي الله عنهما-.
    أمَّا تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فليس فيه دلالة على أنَّه لم يفعل الكفر بل فيه أنَّه لم يكفر ولم يرتد لأن عمر -رضي الله عنه- قال عنه أنه كفر ونافق وخان الله ورسوله وحاطب يقول لم أكفر ولم أرتد وما غيرت وما بدلت –أي ديني- فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكفر ولم يرتد، أمَّا قتله وعقوبته فقد شفع له فيها شهوده بدراً.
    إذا علمت ذلك، فاعلم أنَّ هناك من العلماء من عَدَّ ما بدر من حاطب -رضي الله عنه- من الموالاة الخاصة غير المكفِّرة، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى (7/523): ((وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة})) والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ كما في ((عيون الرسائل والأجوبة على المسائل)) (1/179).
    لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على الكافرين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: ((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:51)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع))(ص32): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))

    والخلاصة:
    أنْ نقول إنَّ حاطباً -رضي الله عنه- حصل منه نوع موالاةٍ للكفار، فمن قال أنَّ الموالاة كلها كفر قال إنه وقع في الكفر ولم يكفُر لأنه كان متأولاً، ومن قال أنَّ هناك موالاة مُكفِّرة وموالاة غير مُكفِّرة عدَّ ما بدر منه -رضي الله عنه- من النوع غير المُكفِّر، وليعلم أنه لم يقل أحدٌ من أهل السنة أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- كَفَر، أو أنَّ ما صدر منه ليس موالاةً أو ذنباً، أو أنَّ مظاهرة الكافرين على المسلمين ليست كفراً، فكلُّ ذلك متفقون عليه فلا ينبغي أنَّ يحدث نوع خلافٍ وشرٍ فيما كان من مسائل الاجتهاد طالما أنَّ الجميع متفقون على مسائل الاعتقاد، ولذلك لَمَّا سئل الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ عن مسألة سبَبت خلافاً بين أهل السنة في زمانه عن الموالاة والمعاداة هل هي من معنى لا إله إلا الله، أو من لوازمها؟ أجاب: ((الجواب أنَّ يقال: الله أعلم، لكن بحسب المسلم أنْ يعلم أنَّ الله افترض عليه عداوة المشركين، وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، 000و أمَّا كون ذلك من معنى لا إله إلا الله أو لوازمها، فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك، وإنما كلفنا بمعرفة أنَّ الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه، فمن عرف أنَّ ذلك من معناها، أو من لازمها، فهو خير، ومن لم يعرفه، فلم يُكلف بمعرفته، لاسيما إذا كان الجدل والمنازعة فيه مما يفضي إلى شرٍ واختلافٍ، ووقوع فرقة بين المؤمنين الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله وعادوا المشركين ووالوا المسلمين، فالسكوت عن ذلك متعين)) انتهى كلامه. انظر: ((مجموعة التوحيد)) (ص69)

    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

  4. #4

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    [quote=مطيع باكرمان;99768]
    ، غير أن شُذَّاذاً من الناس اليوم أخذوا يفسرون الحديث على غير تفسيره ، ويؤولونه على غير تأويله ؛ ليطّرد مسلكهم و أصلهم الذي أصلوه في الموالاة ، وهو أن كل إعانة للكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة ، ولو كانت إعانة من أجل الدنيا ممن هو في صف المؤمنين !!!!!!!!!!!!!!!!!! تأمل هذا الفقه الجديد الطازج على الطريقه الإرجائية ثم انظر بعدها الى الشذاذ الذين يعنيهم أبو مجاهد !!!!!!

    لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على الكافرين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: ((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:51)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع))(ص32): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))

    تأمل الإجماع لتعرف من الشذاذ
    قاتل الله الإرجاء والمرجئة

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    30

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    ( تأمل هذا الفقه الجديد الطازج على الطريقه الإرجائية ثم انظر بعدها الى الشذاذ الذين يعنيهم أبو مجاهد !!!!!! )
    أخي الكريم ( أبو زكريا المهاجر ) بلغك الله منازل المهاجرين ، لماذا هذا الاستهزاء والسخرية والتجريح في العقيدة دون تروي ؟! هل من خالفك في مسألة رميته بالإرجاء ولو كان في موضوع الولاء والبراء ؟ واعلم وفقك الله أن الشيخ صالح ( أبو مجاهد ) عندنا في بلادنا من أشد الناس على الإرجاء والمرجئة فله كثير من الدروس والمحاضرات يرد فيه على المرجئة ، ولكن الموضوع الذي طرقه لو تأملته حقاً لما أسرعت في إلقاء التهم جزافاً ( .. فربّ كلمة ..!!! )
    وأما بالنسبة إلى موضوع حديث حاطب رضي الله عنه فإني أسألك عدة أسألة أرجو الإجابة عليها بوضوح وروية كي يكون النقاش سليماً إن أردت ذلك :
    1) هل كل أنواع الموالاة للكفار من الكفر أكبر مخرج من الملة ؟ ومن قال بذلك من أهل العلم ؟
    2) هل فعل حاطب رضي الله عنه من الموالاة ؟
    3) هل فعل حاطب كان كفر بذاته ؟ وما المانع من تكفيره ؟
    4) هل من تجسس للكفار يكفر في جميع أحواله ؟ ومن قال بذلك ؟
    وفي الختام أذكرك بشيء لم تنتبه له وربما لم ينتبه له غيرك أن الشيخ أبا مجاهد يفرق في مسألة الجاسوس بين نوعين :
    ماكان لأجل الدنيا وكان في صفوف المسلمين فهذا قد ارتكب كبيرة قد تصل إلى درجة الكفر الأكبر بعد الاستفصال منها كما حدث من حاطب رضي الله عنه إلا أن الفعل بذاته كبيرة وليست كفر
    وما كان لأجل الدين ، أو كان في صفوف الأعداء فهذا كفر أكبر مخرج من الملة .
    وأما الاستدلا بكلام مجمل لأهل العلم ليس مسلم ولا محمود عند أهل العلم إذا كان لهم كلام مفصل يوضح مرادهم على غير ما تستدل به من إطلاقات .
    فبالله عليك هل هؤلاء هم المرجئة الجدد ، أم أنه من الإنصاف أن ننبه على الخوارج الجدد الذين ينصبون أنفسهم قضاة على الأمة وعلى العلماء فيسرعون في رميهم بالكفر والمداهنة ولم يسلم منهم أحد يخالفهم في الرأي ؟ سبحانك يارب
    يقول الشيخ صال آل الشيخ حفظه الله :
    ثم ما يتعلق بمظاهرة المشركين وتولي الكفّار، فإنّ هذه المسألة بحثناها في عدة مجالس وفي عدة شروح، وبيّنا فيها أنّ عقد الإيمان يقتضي موالاة الإيمان والبراءة من الكفر؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَـٰلِبُون } [المائدة: 55، 56].

    وعقد الإيمان يقتضي البراءة من المعبودات والآلهة المختلفة ومن عبادتهم لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَـٰقِيَةً فِى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 26، 27].

    فأساس الإيمان هو الولاء للإيمان والبراءة من الكفر وعبادة غير الله جل وعلا، ويتضمن ذلك موالاة أهل الإيمان والبراءة من أهل الكفر على اختلاف مللهم.

    هذه الموالاة منها ما يكون للدنيا، ومنها ما يكون للدين، فإذا كانت للدنيا فليست بمخرجة من الدين، وممّا قد يكون في بعض الأنواع من الموالاة في الدنيا من الإكرام أو البشاشة أو الدعوة أو المخالطة ما قد يكون مأذونًا به ما لم يكن في القلب مودّة لهذا الأمر، من مثل ما يفعل الرجل مع زوجته النصرانية، ومن مثل ما يفعله الابن مع أبيه غير المسلم، ونحو ذلك ممّا فيه إكرام وعمل في الظاهر، ولكن مع عدم المودة الدينية في الباطن، فإذا كان الموالاة للدنيا فإنّها غير جائزة إلاّ في ما استثني؛ كما ذكرنا في حال الزوج مع الزوجة والابن مع أبيه؛ ممّا يقتضي معاملة وبِرًّا وسكونًا ونحو ذلك.

    أمّا القسم الثاني: فأن تكون الموالاة للدنيا؛ ولكن ليس لجهة قرابة، وإنّما لجهة مصلحة بحتة في أمر الدنيا وإن فرّط في أمر دينه، فهذه موالاة غير مكفِّرة؛ لأنّها في أمر الدنيا، وهذه التي نزل فيها قول الله جل وعلا: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ} [الممتحنة: 1]، وهنا أثبت أنّهم ألقوا بالمودّة وناداهم باسم الإيمان، قال جمعٌ من أهل العلم: مناداة من ألقى المودة باسم الإيمان دل على أن فعله لم يخرجه من اسم الإيمان.

    هذا مقتضى استفصال النبيّ صلى الله عليه وسلم من حاطب رضي الله عنه، حيث قال له في القصة المعروفة: ((يا حاطب، ما حملك على هذا؟)) يعني: أن أفشى سرّ رسول الله صلى الله وسلم، فبيّن أنه حمله عليه الدنيا وليس الدين.

    والقسم الثالث: موالاة الكافر لدينه، يواليه ويحبه ويودّه وينصره لأجل ما عليه من الشرك ومن الوثنية ونحو ذلك، يعني محبة لدينه، فهذا مثله، هذه موالاة مكفِّرة لأجل ذلك، والإيمان الكامل ينتفي مع مطلق موالاة غير المؤمن؛ لأنّ موالاة غير المؤمن بمودته ومحبته ونحو ذلك منافيه للإيمان الواجب لقول الله جل وعلا: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].

  6. #6

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب


    أخى مطيع بارك الله فيك
    أما قولك
    ) هل كل أنواع الموالاة للكفار من الكفر أكبر مخرج من الملة ؟ ومن قال بذلك من أهل العلم ؟

    الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض، وتكون بالقلب والقول والفعل، ومن الموالاة النصرة والتأييد، فمن جعل الموالاة نوعاً واحداً مرادفاً لمظاهرة الكافرين عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- كفراً، ومن جعلها صوراً مختلفة وأدخل فيها: مداهنتهم ومداراتهم، واستعمالهم، والبشاشة لهم ومصاحبتهم ومعاشرتهم وغيرها من الصور؛ جعلها نوعين موالاة مطلقة عامة أو (كبرى) وموالاة خاصة دون موالاة. ومن هؤلاء من عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع الأول ومنهم من عَدَّه من النوع الثاني، وأكثر العلماء على أن الموالاة نوعان: مُكفِّرة وغير مُكفِّرة، وسواء قلنا هما نوعان أو نوع واحد فالذي يهمنا هنا هو هل فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع المُكفِّر أم لا؟ -وسيأتي-، كما أنَّ منهم من فرَّق بين الموالاة والتولي وجعل التولي موالاة مطلقة ومنهم عددٌ من علماء الدعوة النجدية -رحمهم الله-، وهناك من لم يفرق بينهما كالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره وهذا أقرب والله أعلم، وعلى كلٍ فهذه مصطلحات لا مشاحة فيها، لأن الذين فرَّقوا بينهما يعنون بالتولي الموالاة المطلقة وأنها كفر ولا يقولون بتولي غير مُكفِّر بل يقولون أن هناك موالاة غير مُكفِّرة فآل الأمر إلى وجود موالاة مُكفِّرة يسميها البعض تولي وأخرى غير مُكفِّرة وهذا كله على قول من يقسم الموالاة إلى قسمين.
    وأما قولك هل فعل حاطب رضي الله عنه من الموالاة ؟
    هذا لا يخالف فيه أحد بدليل أن حادثة حاطب كانت سببا فى نزول قوله تعالى {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ} [الممتحنة: 1]
    وأما قولك ) هل فعل حاطب كان كفر بذاته ؟ وما المانع من تكفيره؟
    فأقول: من قال أنَّ الموالاة كلها كفر قال إنه وقع في الكفر ولم يكفُر لأنه كان متأولاً، ومن قال أنَّ هناك موالاة مُكفِّرة وموالاة غير مُكفِّرة عدَّ ما بدر منه -رضي الله عنه- من النوع غير المُكفِّر
    والمانع من تكفيره هو التأويل قال ابن حجر في الفتح [8/503]: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اهـ.
    وقد أورد البخارى هذا الحديث فى كتاب المرتدين باب ما جاء فى المتأولين

    وأما قولك ) هل من تجسس للكفار يكفر في جميع أحواله ؟ ومن قال بذلك ؟
    أقول يا أخى هذه مسئلة متنازع فيها وأنا لا انكر الخلاف فى هذه المسئلة وقد كفر الجاسوس طائفة من أهل العلم كسحنون وابن القاسم و العلامة أحمد شاكر والشيخ ابن باز وغيرهم
    واعتراضى ليس على مسئلة تكفير الجاسوس أو لا
    وانما اعترض على كلام شيخك حين قال
    ( غير أن شُذَّاذاً من الناس اليوم أخذوا يفسرون الحديث على غير تفسيره ، ويؤولونه على غير تأويله ؛ ليطّرد مسلكهم و أصلهم الذي أصلوه في الموالاة ، وهو أن كل إعانة للكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة ، ولو كانت إعانة من أجل الدنيا )
    تأمل هذا الكلام جيدا بارك الله فيك ثم اقرأ الأتى

    ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على الكافرين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: ((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:51)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع))(ص32): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))
    فقد خالف شيخك الأجماع بناء على قصة حاطب وأعاد أصل المسئلة (أعنى إعانة الكفار على المسلمين )الى عمل القلب فقط وجعله مناط التكفير وهو بذلك قد خالف الأجماع كما ترى لان الخلاف انما حصل فى مسئلة التجسس فقط من مسائل الإعانة لا فى كل صورها
    هذا ما أحببت أن انبهك عليه أخى العزيز وبارك الله فيك

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    275

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    أيها الإخوة :
    بارك الله فيكم .
    أنا أريد أن أسأل عن نقطة معينة فقط ؛لأن المسألة قد كثر البحث فيها :
    البعض يقول أن فعل حاطبررر كفر ولكنه متأول ثم يستدل بفعل البخاري رحمه الله أنه جعل حديث حاطب في باب ماجاء في المتأولين :

    ذكرالإمام البخاري تحت هذا الباب أربعة أحاديث :
    1) حَدِيث عُمَر فِي قِصَّته مَعَ هِشَام بْن حَكِيم بْن حِزَام حِين سَمِعَهُ يَقْرَأ سُورَة الْفُرْقَان فِي الصَّلَاة بِحُرُوفٍ تُخَالِف مَا قَرَأَهُ هُوَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقل له عمر( كذبت...) .
    قال الحافظ في الفتح (وَمُنَاسَبَته لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذ عُمَر بِتَكْذِيبِ هِشَام وَلَا بِكَوْنِهِ لَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ وَأَرَادَ الْإِيقَاع بِهِ ، بَلْ صَدَّقَ هِشَامًا فِيمَا نَقَلَهُ وَعَذَرَ عُمَرَ فِي إِنْكَاره وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى بَيَان الْحُجَّة فِي جَوَاز الْقِرَاءَتَيْن ِ )
    2) حَدِيث اِبْن مَسْعُود فِي نُزُول قَوْله تَعَالَى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ )
    قال الحافظ (وَوَجْه دُخُوله فِي التَّرْجَمَة مِنْ جِهَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذ الصَّحَابَة بِحَمْلِهِمْ الظُّلْمَ فِي الْآيَة عَلَى عُمُومه حَتَّى يَتَنَاوَل كُلّ مَعْصِيَة بَلْ عَذَرَهُمْ لِأَنَّهُ ظَاهِر فِي التَّأْوِيل ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ الْمُرَاد بِمَا رَفَعَ الْإِشْكَال) .
    3) حَدِيث عِتْبَان بْن مَالِك فِي قِصَّة مَالِك بْن الدُّخْشُم وقول الصحابة فيه ( أنه منافق)
    قال الحافظ ( وَمُنَاسَبَته مِنْ جِهَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذ الْقَائِلِينَ فِي حَقّ مَالِك بْن الدُّخْشُم بِمَا قَالُوا ، بَلْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ إِجْرَاء أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَى الظَّاهِر دُون مَا فِي الْبَاطِن) .

    4) حديث حاطب رضي الله عنه .
    إلا أن الحافظ لم يُفصح عن مناسبته للباب ، مع أن الظاهر أن مناسبته للباب هي في جهة عمر لا حاطب ، فيكون عمر هو المتأول في رمي حاطب بالنفاق أو بالكفر حتى يكون متناسقا مع ماقله من الأحاديث ،إلا أن الإمام ابن بطال ، وكذا العيني في عمدة القاري ، ذكرا أن مناسبة الباب هي في حاطب رضي الله عنه كونه متأولاً ، والله أعلم بالصواب.
    على القول بأن المتأول هو حاطب رضي الله عنه ،فماالذي يُثبت لنا أن البخاري قصد بالتأويل هو فعل الكفر ؛لأن التأويل باب واسع ،فلماذا لا نقول أن البخاري قصد بالتأويل هو فعل هذه الكبيرة وأن لاضرر على النبي فيما سيقدم عليه .
    أرجوا البيان ممن عنده البيان
    مسكين من ضيع نعيم الجنة بشهوة ساعة!!

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    275

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    انظر كلام ابن حجر في بداية هذا الباب مما يدل على أن المقصود بالتأويل هو عمر وليس حاطبا
    قَوْله ( بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِي نَ )
    تَقَدَّمَ فِي " بَاب كُلّ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيل " مِنْ كِتَاب الْأَدَب وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه كُلّ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَار مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا وَبَيَان الْمُرَاد بِذَلِكَ ، وَالْحَاصِل أَنَّ مَنْ أَكْفَرَ الْمُسْلِم نُظِرَ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَأْوِيل اِسْتَحَقَّ الذَّمَّ وَرُبَّمَا كَانَ هُوَ الْكَافِر . وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ نُظِرَ إِنْ كَانَ غَيْر سَائِغ اِسْتَحَقَّ الذَّمّ أَيْضًا وَلَا يَصِل إِلَى الْكُفْر بَلْ يُبَيَّن لَهُ وَجْه خَطَئِهِ وَيُزْجَر بِمَا يَلِيقُ بِهِ . وَلَا يَلْتَحِق بِالْأَوَّلِ عِنْد الْجُمْهُور ، وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سَائِغ لَمْ يَسْتَحِقّ الذَّمّ بَلْ تُقَام عَلَيْهِ الْحُجَّة حَتَّى يَرْجِع إِلَى الصَّوَاب قَالَ الْعُلَمَاء كُلُّ مُتَأَوِّلٍ مَعْذُورٌ بِتَأْوِيلِهِ لَيْسَ بِآثِمٍ إِذَا كَانَ تَأْوِيله سَائِغًا فِي لِسَان الْعَرَب وَكَانَ لَهُ وَجْه فِي الْعِلْم . وَذَكَرَ هُنَا أَرْبَعَة أَحَادِيث أ .هـ
    فإن كان الذي ذكرت صحيحا ولم يُظهر لي أحد خطأه فإن هذا يترتب عليه أمر سأتركه حتى أرى تعليق الإخوان.
    مسكين من ضيع نعيم الجنة بشهوة ساعة!!

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    May 2007
    المشاركات
    1,901

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوزكرياالمهاجر مشاهدة المشاركة
    حكم الجاسوس
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
    وبعد:
    فاعلم أن من يتجسس على عورات المسلمين، وأحوالهم الخاصة - وبخاصة منهم المجاهدين! - لينقلها إلى أعدائهم من الكفرة المجرمين؛ سواء كان كفرهم كفراً أصلياً أم كان كفر ردة، فهو كافر مثلهم، وموالٍ لهم الموالاة الكبرى التي تخرجه من دائرة الإسلام، يُقتل كفراً ولا بد.
    قال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يُخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} [البقرة: 8-9].
    ومن خداعهم للمؤمنين أن يتظاهروا بالإسلام، وأن يقولوا عن أنفسهم بأنهم مؤمنون، ثم هم يتجسسون عليهم لصالح أعدائهم من الطواغيت وغيرهم من الكافرين المجرمين.
    وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً} [الحجرات: 12].
    والتجسس من حيث دوافعه نوعان:
    نوع خاص يكون الدافع عليه الفضول وحب الاطلاع على عورات الآخرين، ليتلذذ الجاسوس - في مجالسه الخاصة والعامة - بالخوض في الحديث عن أعراض الناس وعوراتهم ويتباهى بأنه يملك الدليل والبينة على صدق دعواه وقوله، لذا جاء عقب النهي عن التجسس النهي عن الغيبة؛ لأن الغيبة نتيجة حتمية للتجسس، فكل من تجسس لا بد له من أن يقع في غيبة الآخرين.
    ونوع عام يكون دافعه نقل المعلومات ورفع التقارير إلى الطواغيت الظالمين وغيرهم من الكفرة والمشركين، وهذا من الموالاة، وهو أشد أنواع التجسس جرماً، وهو من الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة ولا بد.
    والنهي عن التجسس الوارد في الآية يشمل النوعين: الخاص والعام، والعام أولى بالنهي من الخاص، فتنبه لذلك.
    وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا) [البخاري].
    وقال صلى الله عليه وسلم: (من أكل بمسلمٍ أكلةً فإن الله يُطعمه مثلها من جهنم، ومن كُسِي ثوباً برجل مسلم فإن الله عز وجل يكسوه من جهنم، ومن قام برجل مسلم مقام رياءٍ وسمعة فإن الله يقوم مقام رياء وسمعة يوم القيامة) [1].
    فيه تحذير وترهيب لأولئك الذين يكتبون التقارير عن المسلمين الموحدين ليرفعوها إلى الطواغيت الظالمين، ويشون عليهم، وعلى أماكنهم، وتحركاتهم، مقابل مبلغ زهيد - يتقوتون به أو يلبسون - يرميه الطاغوت إليهم على كل تقرير يكتبونه عن المسلمين، وما أكثر أصحاب النفوس الضعيفة هؤلاء في بلادنا، الذين باعوا دينهم وآخرتهم بدنيا غيرهم!!
    وقال صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى حديث قوم وهم يفرون منه، صُبَّ في أذنيه الآنك) [2]. والآنك هو الرصاص الأبيض المذاب، وهذا فيمن يستمع على وجه الفضول والتطفل، فكيف بمن يستمع على وجه التجسس لصالح أعداء المسلمين من الكافرين والمشركين؟!!
    وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتّبع اللهُ عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) [3].
    قلت: من تتبع عورات المسلمين وتجسس عليهم لصالح الطواغيت الكافرين، هو أولى بالنفاق، وانتفاء الإيمان من قلبه.
    فالتجسس على عورات المسلمين وخصوصياتهم لصالح أعدائهم من المشركين المجرمين لا يمكن أن يمتهنها إلا كل منافق خسيس عريق في النفاق والخداع!
    وقال صلى الله عليه وسلم: (من حمى مؤمناً من منافقٍ بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلماً بشيءٍ يُريد شَينَه به حبسَه الله على جسر جهنم حتى يخرجَ مما قال) [4].
    هذا فيمن يرمي مسلماً بشيء يريد شينه به، فكيف بمن يرمي مسلماً بشيءٍ يريد به قتله أو سجنه في سجون الطواغيت الظالمين؟!
    وعن سلمة بن الأكوع قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم: (اطلبوه فاقتلوه)، قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه [متفق عليه].
    وكذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب.
    كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين [5].
    من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت رسالة حاطب إلى كفار قريش، واسمها سارة.
    قال الإمام سحنون: (إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يُستتب، وماله لورثته).
    وفي المستخرجة قال ابن القاسم في الجاسوس: (يُقتل ولا تُعرف لهذا توبة، هو كالزنديق) [6].
    وقال ابن تيمية في الفتاوى 28[/109]: (ذهب مالك وطائفة من أصحاب أحمد إلى جواز قتل الجاسوس) اهـ.
    قلت: وقتله يكون على الكفر والارتداد، وليس على شيء آخر، والله تعالى أعلم.
    شبهة ورد:
    لعل قائلاً يقول: إن حاطب بن أبي بلتعة قد كاتب كفار قريش، وأطلعهم على سر زحف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من جند الإسلام لفتح مكة، وهذا من التجسس والموالاة، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفره، ولم يأمر بقتله، فكيف نوفق بين ذلك، وبين ما تقدم ذكره؟
    أقول: الذي فعله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه هو من الكفر، لكن حاطباً لم يكفر لاعتبارات وموانع عدة منعت من لحوق الكفر به، سنأتي على بيانها إن شاء الله.
    أما أن الذي فعله حاطب هو من الكفر والنفاق الأكبر؛ ذلك لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما: (يا رسول الله قد خان اللهَ ورسوله والمؤمنين، دعني أضرب عنقَ هذا المنافق - وفي رواية - فإنه قد كفر، إنه قد نافق، نكث وظاهر أعداءك عليك)!
    والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه ولم ينكر عليه أن هذا الذي فعله حاطب يُعد من الموالاة للمشركين، والكفر والنفاق الذي تُقطع عليه الأعناق، ولكن الذي أنكره على عمر رضي الله عنه حمل حكم النفاق والكفر على حاطب، وذلك لاعتبارات تمنع من لحوق هذا الحكم بحاطب!
    أما أن حاطباً لم يكفر، ولم يقع في النفاق فهو للاعتبارات التالية:
    1) أنه كان متأولاً في فعله، لم يكن يعلم - أو يظن - أن هذا الذي فعله يمكن أن يرقى إلى درجة الكفر والخروج من الإسلام، أو أنه يضر في إيمانه، ولم يكن يقصد به الغش والغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك نجده يجيب - من فوره - لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي حمله على كتابة الرسالة إلى كفار قريش: (يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً ولا ارتداداً، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام - وفي رواية - ما غيرت ولا بدلت، أما أني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً، ما كفرتُ ولا ازددتُ للإسلام إلا حباً)!
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم، لا تقولوا له إلا خيراً، إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم!
    قال ابن حجر في الفتح [8/503]: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اهـ.
    قلت: والتأويل مانع من موانع لحوق الكفر بالمعين، فتنبه لذلك.
    2) علم النبي صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي - بسلامة قصد وباطن حاطب، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم)، وهذه ليست لأحدٍ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك نجد عمر - وليس له إلا ذلك - قد تعامل مع حاطب على اعتبار ظاهره، وما يدل عليه ظاهره من نكوث، وموالاة، وكفر ونفاق، فقال عباراته الآنفة الذكر!
    فإن قيل: الأحكام تبنى على الظاهر، فعلام هنا قد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع باطن وقصد حاطب؟
    أقول: فيما يخص إقامة الحدود، وإنزال التعزير والعقوبات بالمخالفين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إلا ما يدل عليه ظاهر الحال الذي يستوجب الحد أو العقوبة، وإن كان يعلم صلى الله عليه وسلم أن بواطن الأمور وخفاياها هي بخلاف هذا الظاهر، كتعامله مع المنافقين على اعتبار ظاهرهم رغم علمه صلى الله عليه وسلم بنفاقهم وكفرهم في الباطن.
    قال ابن تيمية في الصارم [356]: (فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يُقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار) اهـ.
    أما فيما يتعلق بإقالة العثرات التي كان يقع فيها بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يراعي سلامة الباطن والقصد الذي يطلعه عليه الوحي ما وجد إلى ذلك سبيلاً، لحبه للعذر وإقالة العثرات؛ وبخاصة إن جاءت هذه العثرات من أصحابه الكرام الذين لهم سابقة بلاء وجهاد في سبيل الله!
    ولأن مراعاة سلامة الباطن في هذا الجانب هو لصالح الإنسان المخطئ بخلاف جانب المؤاخذة والمحاسبة ففيه تقريع وتعذيب للمخالف، لذا لم يمضه النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة ظاهرة تستدعي ذلك.
    ودليلنا على ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب، ونحوه ذلك الرجل من الأنصار الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (أراك تحابي ابن عمتك!!). وذلك لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بأن يسقي أرضه، ثم يرسل الماء إلى أرض جاره الأنصاري!
    قلت: قول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم "أراك تحابي ابن عمتك!"؛ هو كفر أكبر، وطعن بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، والذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على إقالة عثرته علمه صلى الله عليه وسلم بسلامة قصده وباطنه، وأن الذي صدر منه هو عبارة عن فلتة وزلة، وهذه ليست لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال ابن العربي في الأحكام [5/267]: (كل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر، لكن الأنصاري زل زلة فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فلتة، وليست لأحدٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم) اهـ.
    وهذا الذي قيل في موقف النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأنصاري يُقال أيضاً في موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب بن أبي بلتعة. والله تعالى أعلم.
    فإن قيل: هل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيل عثرات ترقى إلى درجة الكفر بناءً على سلامة قصد وباطن أصحابها؟
    أقول: لا، لانقطاع الوحي، وهذا الذي يقصده عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: (إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم؛ فمن أظهر لنا خيراً أمَّناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يُحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة).
    لذا نقول: من أظهر لنا الكفر البواح - من غير مانعٍ شرعي معتبر - أظهرنا له التكفير ولا بد.
    وقوله رضي الله عنه: (كانوا يؤخذون بالوحي)، يريد في جانب إقالة العثرات، وليس في جانب تطبيق الحدود وإنزال العقوبات، فتنبه لذلك.
    3) ومن علامات صدق حاطب رضي الله عنه أنه صدَق النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله، ولم يواري عليه ما فعل، مما دل على سلامة باطنه وقصده، وبراءته من النفاق، بخلاف المرأة فإنها أنكرت وكذبت لما سئلت عن الكتاب، فقالت: (ما معي من كتاب " فزاد ذلك من جرمها وكفرها!
    ولو كان حاطب منافقاً لكذَب الحديث، لأن من خصال المنافق أنه إذا حدث كذب، ولكن لما صدق في الحديث، دل على صدق إيمانه وباطنه وأنه ليس منافقاً، وكان لذلك أثراً ظاهراً في منجاته وإقالة عثرته، كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي: (فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة).
    ومن حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، يقول: يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذَبْتُه فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذَبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحدٍ، فقال: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنمُ جزاءً بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.
    بينما أنزل الله في الثلاثة الذين صدَقوا الحديث - منهم كعب من مالك - قوله: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} إلى قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 117-119].
    فتأمل كيف أن الصدق أنجاهم، وأقال عثرتهم، وكيف أن الكذب أردى أولئك الذين كذبوا الأعذار، وأوبق آخرتهم!
    وهذا ينبغي أن يكون معتبراً عند الحديث عن حاطب بن أبي بلتعة، وعن الأسباب التي أقالت عثرته.
    4) إن مما أعان على إقالة عثرة حاطب كذلك أنه من أهل بدر، وبدر حسنة عظيمة تذهب السيئات، وتقيل العثرات، وتستدعي تحسين الظن بأهلها، وتوسيع دائرة التأويل لهم لو عثروا أو زلوا!
    لذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تذكر له حسنة بدر - وما أدراك ما حسنة بدر - فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
    وفي صحيح مسلم: (إني لأرجو أن لا يدخل النار أحد - إن شاء الله - ممن شهد بدراً والحديبية).
    وحاطب قد جمع بين الخيرين، فقد شهد بدراً والحديبية معاً!
    نستفيد من ذلك أن المرء كلما كبرت وكثرت حسناته، وكانت له سابقة بلاء في الله، كلما ينبغي أن تتوسع بحقه ساحة التأويل وإقالة العثرات، عند ورود الشبهات، وحصول الكبوات، والله تعالى أعلم.
    5) أن فعل الوشاية الذي أقدم عليه حاطب لم يكن فعلاً ملازماً له، فهو لم يفعل ذلك إلا مرة واحدة في حياته، ولأسباب تقدم ذكرها، وهذا بخلاف ما عليه الجاسوس فإن التجسس صفة لازمة له على مدار الوقت، لا هم له إلا كيف يتحصل على المعلومات لكي يرسلها إلى موفديه أو من يتعامل معهم!
    فهناك فرق بين من يقع في الخطأ مرة، وبين من يقع في الخطأ مراراً من حيث دلالته على صفة وحقيقة فاعله.
    لذا من الخطأ الفادح أن يُحمل على حاطب حكم ووصف الجاسوس الآنف الذكر، والله تعالى أعلم.
    وبعد، لأجل هذه الأسباب مجتمعة أفدنا في أول حديثنا أن فعل حاطب يُعتبر من الكفر، ومن الموالاة الكبرى، إلا أن حاطباً لم يكفر بعينه، ولا يجوز أن يُحمل عليه حكم الكفر، والله تعالى أعلم.
    كلمة أخيرة:
    إلى أولئك الذين هان عليهم دينهم، وسهل عليهم التجسس على المسلمين لصالح الطواغيت باسم الدين، متذرعين بفتاوى بعض المضللين المشبوهين ممن ظاهرهم العلم، مقابل مبلغ زهيد يعطونه على كل تقرير يكتبونه إلى مخابرات الطواغيت، لا يحسب هؤلاء أنهم على خير، أو أنهم على شيء، وليتذكروا أن لهم يوماً سيسألون فيه عما يفعلون، وينتصف الله تعالى منهم لعباده المظلومين.
    فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة رسوله) [7].
    فكيف بمن يعين الطواغيت الظالمين على اعتقال المسلمين الموحدين وقتلهم، وانتهاك حرماتهم؟!
    فكم من تقرير ظالم كتبه مخبر حقير أدى إلى اعتقال عشرات من الشباب المسلم الموحد - لعشرات السنين - في أقبية وزنازين الطواغيت، إن لم يكن سبباً في قتلهم وإعدامهم!
    وفي صحيح مسلم وغيره: (المؤمن من أمنه المسلمون على أنفسهم وأموالهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
    فالذي لا يأمنه المسلمون على أنفسهم، ولا يسلمون من شر يده ولسانه، فهو بنص الحديث ليس من المؤمنين ولا المسلمين.
    فاتق الله يا عبد الله، واحذر أن تكون ممن يتجسسون لصالح الطواغيت الظالمين، أو يجادلون عنهم، أو يُقاتلون دونهم، فتهلك وتخسر دنياك وآخرتك.
    اللهم إنا قد بلغنا ونصحنا، فاشهد
    وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلَّم
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [8]
    منقول للفائدة
    أحسنت ابا زكريا على النقل البديع ..

  10. #10

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    بارك الله فيك أخى

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    67

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    (أبوزكرياالمهاج )جزاك الله خيرا

    من الشيخ الذي نقلت عنه في مسألة ( حكم الجاسوس ) ؟

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مطيع باكرمان مشاهدة المشاركة
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر حديث حاطب وقصته( ) :
    ( وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم معروفة عند علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء الـمغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء ، وكان علي رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة وروى عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى ، .
    جزى الله الناقل والمنقول عنه هذا البحث الماتع
    وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يروي قصة حاطب رضي الله عنه ويؤكد أن ذنبه مغفور , والكفر لا يُغفر إلا بالتوبة وتجديد النطق بالشهادتين .
    فكيف وقع الصحابي في الكفر !!

  13. #13

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله آل سيف مشاهدة المشاركة
    (أبوزكرياالمهاج )جزاك الله خيرا
    من الشيخ الذي نقلت عنه في مسألة ( حكم الجاسوس ) ؟
    وجزاك الله مثله أخى
    منقول من موقع الشيخ أبى بصير الطرطوسى
    http://www.abubaseer.bizland.com/

  14. #14

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو عمر السلفي مشاهدة المشاركة
    جزى الله الناقل والمنقول عنه هذا البحث الماتع
    وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يروي قصة حاطب رضي الله عنه ويؤكد أن ذنبه مغفور , والكفر لا يُغفر إلا بالتوبة وتجديد النطق بالشهادتين .
    فكيف وقع الصحابي في الكفر !!
    انظر أخى ما تقول
    من الذى كفر حاطبا ؟
    ففرق بين أن نحكم على شخص بالكفر وبين أن نقول فلان وقع فى الكفر
    ففى الحالة الأولى ننزل الحكم على الشخص نفسه
    وفى الثانية لايلزم ذلك لإحتمال وجود مانع من موامع التكفير
    وهذا ما وقع من حاطب كفر على الصحيح كما تقدم لكنه معزور بالتأويل فتأمل هذا جيدا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    كل الذين قالوا أنه متأول في فعله
    قالوا أنه وقع في الكفر متأولا !
    أي أن حاطباً رضي الله عنه - وبَرَّأَهُ مِمَّا قَالُوا - قصد الوقوع في النفاق وهو يعلم أنه كفر ولكنه تأول فعله .
    أو أنه وقع في الكفر وهو لا يعلم أنه كفر وهذا تجهيل لهذا الصحابي البدري الجليل !
    وكلاهما مر والله المستعان .
    فالصحابة رضي الله عنهم وخصوصا أهل بدر منهم يلقون في النار أحب إليهم من الرجوع في الكفر وهذا يقين قاطع عند أهل السنة ولن يخالف في هذا إلا من غلبه هواه .
    وأما المعاصي والكبائر فليسوا بمعصومين منها وهي ما وقع فيه حاطب رضي الله عنه .

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Oct 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوزكرياالمهاجر مشاهدة المشاركة
    وجزاك الله مثله أخى
    منقول من موقع الشيخ أبى بصير الطرطوسى
    صدق حبيبي صلوات ربي وسلامه عليه حين قال أنه بعد موت العلماء : " أتخذ الناس رؤوس جهالا "

  17. #17

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو عمر السلفي مشاهدة المشاركة
    صدق حبيبي صلوات ربي وسلامه عليه حين قال أنه بعد موت العلماء : " أتخذ الناس رؤوس جهالا "
    اعلم أن الجهال هم من تتعلم منهم أمثال المدخلى والحلبى والهلالى والرمضانى وازنابهم أمثالك ممن أحيوا عقيدة الإرجاء وألبسوها زورا لباس السلفيه
    وقد فضحهم الله بعد أن قامت هيئة كبار العلماء بالرد عليهم وتبين كذبهم وتدليسهم وضلالهم
    فإلى الله المشتكى وعند الله تجتمع الخصوم

  18. #18

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو عمر السلفي مشاهدة المشاركة
    كل الذين قالوا أنه متأول في فعله
    قالوا أنه وقع في الكفر متأولا !
    أي أن حاطباً رضي الله عنه - وبَرَّأَهُ مِمَّا قَالُوا - قصد الوقوع في النفاق وهو يعلم أنه كفر ولكنه تأول فعله .
    أو أنه وقع في الكفر وهو لا يعلم أنه كفر وهذا تجهيل لهذا الصحابي البدري الجليل !
    وكلاهما مر والله المستعان .
    فالصحابة رضي الله عنهم وخصوصا أهل بدر منهم يلقون في النار أحب إليهم من الرجوع في الكفر وهذا يقين قاطع عند أهل السنة ولن يخالف في هذا إلا من غلبه هواه .
    وأما المعاصي والكبائر فليسوا بمعصومين منها وهي ما وقع فيه حاطب رضي الله عنه .
    ما قولك فى من استحلوا شرب الخمر من الصحابة متأولين ؟؟؟؟؟؟؟؟
    هل لم يقعوا فى الكفر
    تعلم فبل أن تتكلم وإلا لاتدخل نفسك فى هذه المسائل

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    67

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوزكرياالمهاجر مشاهدة المشاركة
    ما قولك فى من استحلوا شرب الخمر من الصحابة متأولين ؟؟؟؟؟؟؟؟
    هل لم يقعوا فى الكفر
    تعلم فبل أن تتكلم وإلا لاتدخل نفسك فى هذه المسائل
    أحسنت أخي أبا زكريا المهاجر
    وأيضا ما جاء في قصة الأنصاري مع الزبير رضي الله عنهم فقد قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكر هذه القصة ونظرائها :
    " هذا الباب كله مما يوجب القتل و يكون به الرجل كافرا حلال الدم كان النبي صلى الله عليه و سلم و غيره من الأنبياء يعفون ويصفحون عمن قاله امتثالا لقوله تعالى : { خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين }".اهـ الصارم المسلول

    وعلى قول أن هذا الأنصاري رضي الله عنه بدري فقد جاوب الشيخ على ذلك فقال :

    " و إن كانت القصة بعد بدر فإن القائل لهذه الكلمة يكون قد تاب و استقر و قد عفا له النبي صلى الله عليه و سلم عن حقه فغفر له و المضمون لأهل بدر إنما هو المغفرة : إما بأن يستغفروا إن كان الذنب مما لا يغفر إلا بالاستغفار أو لم يكن كذلك إما بدون أن يستغفروا
    ألا ترى قدامة بن مظعون ـ و كان بدريا ـ تأول في خلافة عمر ما تأول في استحلال الخمر من قوله تعالى : { ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ] الآية حتى أجمع رأى عمر و أهل الشورى أن يستتاب هو و أصحابه فإن أقروا بالتحريم جلدوا و إن لم يقروا به كفروا ثم إنه تاب و كاد ييأس لعظم ذنبه في نفسه حتى أرسل إليه عمر رضي الله عنه بأول سورة غافر فعلم أن المضمون للبدريين أن خاتمتهم حسنة و أنهم مغفور لهم و إن جاز أن يصدر عنهم قبل ذلك ما عسى أن يصدر فإن التوبة تجب ما قبلها "اهـ الصارم المسلول
    والله أعلم .

  20. #20

    افتراضي رد: أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الله آل سيف مشاهدة المشاركة
    أحسنت أخي أبا زكريا المهاجر
    وأيضا ما جاء في قصة الأنصاري مع الزبير رضي الله عنهم فقد قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكر هذه القصة ونظرائه.
    بارك الله فيك أخى

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •