هل تقاد الأمم بالحكماء أو برأي السفهاء؟!
إن شحن الدهماء والسفهاء، وإدخالهم فيما لا يعنيهم، والسعي لإقناع الهمج الرعاع وسقط الناس، لولوج أبواب الشر، و مجاراة ذلك بأصوات شيطانية، ورفع الشعارات الزائفة؛ بأن لهم حق مفقود، تُعَدُّ دعوة صريحة للهدم، لا دعوة مجد وبناء، فممارسة الإغراء والإغراق، في ظل مقولة:"لقد ظلموكم زمناً بإلإبعاد عن المشاركة الشعبية، والتدخل في صنع القرار، وإدارة شئون الناس"، يخالف الفطرة والعقل. يقولون: إن الشعوب قد ظُلمت زمناً، و لذا فقد حان للعوام؛ مزاحمة عقلاء الرجال؛ من أولي الأحلام والنهى؛ للمشاركة الفعلية في أمور الدين، وسياسة الدنيا.وقيل شعراً:
[إن الأمور إذا الأحداث دَبَّرها ... دون الشيوخ ترى في بعضها خللاً]
وما نراه من الدفع بالعامة والدهماء؛ يُعَدُّ انحرافاً وجريمة؛ وزجاً للناس فيما ليس لهم شأن فيه، وتلك طريقة مشينة، وفوضى مهينة، تحمل زعزعة للنظام، وهدم لأركانه، مما جعلهم في شغل عن تتبع مصالحهم، وطلب ما خُلقوا له، حتى أصبح كل فرد من الناس، يعيش طمع الرياسة، فيقضي حياته متشوفاً لنيل الرياسة والملك، وأهمل ما فيه نفعه، ولم ينل الأحلام التي أَمَّلوه.
وقيل شعراً:
[لا يصلح النَّاسُ فوضى لا سَراة لهم ... ولا سراة إذا جُهَّالُهم سَادُوا]
ولا يخفى على أكثر الناس، حقيقة أنظمة الديموقراطية، فإنها تسعى لتدمير الناس، وزرع الفُرقة والاختلاف بينهم، بحجة التنافس على السلطة والملك، تُخْفي دعوة شَهية فاسدة؛ تُغْري كل أفراد المجتمع؛ صغيرهم وكبيرهم، فقيرهم وغنيهم؛ للتقدم للرياسة، ومناصب الدولة، وقد روى البخاري (4015) ومسلم (2961/6) في "صحيحيهما" من طريق المسور بن مخرمة أن عبد الرحمن بن عوف أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبشروا وأَمِّلوا ما يسُرُّكم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم؛ أنْ تُبْسَطَ الدنيا عليكم، كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسها؛ وتهلككم كما أهلكتهم"، فلا يزال الناس تحت معاناة التنافس حول حطام الدنيا حتى يحطم بعضهم بعضا.