سكتُّ ... وقلت ... *

(هدية إلى حُماة العروبة بالمغرب الأقصى)
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
سكتُّ، فقالوا: هدنة من مسالم وقلت، فقالوا: ثورة من مُحارب
وبينَ اختلاف النطق والسكت للنُّهى … مجال ظنون، واشتباه مسارب
وما أنا إلا البحر: يَلقاك ساكنًا … ويلقاك جيَّاشًا مهولَ الغوارب
وما في سكون البحر منجاة راسب … ولا في ارتجاج البحر عصمة سارب
ولي قلم آليتُ أن لا أمدَّه … بفتل مُوارٍ، أو بختل موارِب
جرى سابقًا في الحقّ ظمآن عائفًا … لأمواه دنياه الثِّرار الزَّغارب (1)
يسدّده عقل رسا فوق رَبْوة … من العمر، روَّاها مَعين التجارب
إذا ما اليراعُ الحُرّ صرَّ صريرُه … نجا الباطل الهاري بمهجة هارب
ومن سيئات الدهر أحلافُ فتنة … وجودُهُمو إحدى الرزايا الكوارب
ومن قلَمي انهلَّت سحائبُ نقمة … عليهم بوَدْقٍ من سمام العقارب
...

فيا نفسُ لا يقعُد بكِ العجز، وانهَضي … بنصرة إخوان، وغوْثِ أقارب
حرامٌ، قعودُ الحُر عن ذَوْد معتد … رمى كل ذَوْد في البلاد بخارب
وبَسْل (2)، سكوتُ الحر عن عسف ظالمٍ … رمى كلّ جنب للعباد بضارب
يُسَمِّنُ ذئبَ السُّوء قومي سفاهةً … بما جبَّ منهم من سنامٍ وغارب
وما كان جندُ الله أضعف ناصرًا … ولا سيفُه الماضي كليلَ المضارب
ومن جنده ما حطّ أسوارَ "مارد" (3) … وما صنعَ الفارُ المهين "بمارب" (4)
ومن جُنده الأخلاقُ: تسمو بأمة … إلى أفق سعد للسِّماك مقارب
وتنحطُّ في قوم فيهوُون مثلَ ما … ترى العين من مهوى النجوم الغوارب
ينال العُلا شعبٌ يُقاد إلى العلى … بنشوان، من نهر المجرّة شارب
...

رعى الله من عُرْب المشارق إخوةً … تنادَوْا فدوّى صوتهم في المغارب
توافوْا على داعٍ من الحق مُسْمع … ووفَّوْا بنذْر في ذِمام الأعارب
هُمُو رأسُ مالي، لا نضار وفضّة … وهمْ ربحُ أعمالي ونُجْح مآربي
وهمْ مورِدي الأصفى المروّي لغُلتي … إذا كدّرَتْ "أمُّ الخيار" (5) مشاربي


__________
* نشرت في العدد 150 من جريدة «البصائر?»، 9 أفريل سنة 1951.
1) جمع زغرب: وهو الماء الكثير المستبحر.
2) بسل حرام.
3) مارد قصر منيف ضرب به المثل: تمرد مارد وعزّ الأبلق.
4) سدّ معروف باليمن، ترتّب عن اختلاله سيل العرم المذكور في القرآن، وهو في منازل سبأ.
5) "أم الخيار" كنية اصطلح الأدباء في الجزائر من أبنائنا العاملين على تكنية فرنسا بها، أخذًا من قول أبي النجم الراجز:
قد أصبحت أم الخيار تدّعي … عليّ ذنبًا كله لم أصنع
ووجه هذه التكنية أنها كانت تتجنّى علينا، وتخلق لنا من الذنوب ما لم نصنعه، كلّما أرادت إلحاق الأذى بنا.
العلامة البشير الإبراهيمي