10-03-2015 | مركز التأصيل للدراسات والبحوث
لهذا يهدف الكتاب الذي بين أيدنا إلى تتبع النتاج الفكري لأرباب التيار الليبرالي في البلاد العربية الذي ينشط- بشكل غير طبيعي- هذه الأيام، فيما يتعلق بموقفهم من الدين الإسلامي، وكشف حقيقية موقفهم من محكمات الدين ومسلماته، بياناً للحق ونصيحة للخلق.


الكتاب: موقف الليبرالية في البلاد العربية من محكمات الدين- دراسة تحليلية.
المؤلف: د. صالح بن محمد بن عمر الدميجي.
دار النشر: مجلة البيان.
الطبعة: الأولى- 1433هـ.
عدد الصفحات: 1004
ــــــــــــ
نشأ الفكر الليبرالي في بيئة غير بيئتنا، وتأصل على غير شريعتنا وأخلاقياتنا، وطُبق في غير مجتمعاتنا، واستهدف علاج آفات وإصلاح عيوب لم تعانِ منها أمتنا؛ فليس عندنا تسلط كنسي على عقول الناس، ولا احتكار كهنوتي للحقيقة، ولا خرافة طقوس تقوم على الخصومة المفتعلة بين الدين والعلم، ومع هذا، هَامَ به- على طريقة جُحر الضب- أقوام من المسلمين، وأرادوا أن يستوردوه ومعه العز والتقدم والشرف، فلم يجرُّوا بذلك على أمتهم إلا الذل والتأخر والانكسار، وصعب عليهم بعد ذلك ـ كما فعل الغراب حين أراد أن يقلد مشية الهُدْهُد ـ أن يعودوا لما كانوا عليه، فلا هم ظلوا مسلمين صلحاء أنقياء، ولا هم صاروا غربيين خلصاء بل: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إلَى هَؤُلاءِ وَلا إلَى هَؤُلاءِ} [النساء: 143].
وقد كان من المجالات الخطرة التي اندفع إليها بعض أرباب الخطاب الليبرالي العربي ميادين الأحكام الشرعية والأديان السماوية، خصوصا دين الإسلام الخاتم، فخاضوا فيه بغير علم، وانتهكوا حرمته بغير دليل، وظهر منهم نقد حاد لما يعرفه المسلمون من دينهم، وتشكيك شامل وصل إلى مسلمات الدين وثوابت الشريعة، دون أن يضبط ذلك ضابط، أو يحده حد.
ويتم ذلك تحت ذريعة حرية الرأي والتفكير، ونسبية الحق والحقيقة وتاريخية المعنى والتشريع، فأوجدوا من الإسلام نسخة مشوهة، لا تربطها بأصل الدين صلة، بل هو الحقيقية انسلاخ تام من الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والشريعة التي تضمنتها نصوص الكتاب والسنة، واجتهادٌ فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد.
لهذا يهدف الكتاب الذي بين أيدنا إلى تتبع النتاج الفكري لأرباب التيار الليبرالي في البلاد العربية الذي ينشط- بشكل غير طبيعي- هذه الأيام، فيما يتعلق بموقفهم من الدين الإسلامي، وكشف حقيقية موقفهم من محكمات الدين ومسلماته، بياناً للحق ونصيحة للخلق.
وقد اقتصر المؤلف على دراسة مقولات الليبراليين المعاصرين من الأحياء أو حديثي الوفاة، ولم يتعرض لغيرهم إلا في سياق تسلسل الفكرة وتطورها متى تطلب الأمر ذلك.
ومن أبرز الشخصيات التي عني الكتاب بفكرها:
من مصر: حسن حنفي، ونصر حامد أبو زيد، وزكي نجيب محمود، وفهمي جدعان، ونوال السعداوي، وسيد القمني، وجابر عصفور، وفرج فودة، وحازم الببلاوي.
ومن الشام: محمد شحرور، وهشام صالح، وعبد الرزاق عيد، وعلي حرب، وأدونيس، وعادل ظاهر، ومحمد جمال باروت، وشاكر النابلسي، وبرهان غليون، وناصيف نصار، وجورج طرابيشي.
ومن المغرب: محمد عابد الجابري، ومحمد أركون، ومحمد الطالبي، وعبد المجيد الشرفي، ومحمد الشرفي، وحماد ذويب.
ومن العراق: سيار الجميل.
ومن الخليج العربي: أحمد البغدادي، وتركي الحمد، ومحمد جابر الأنصاري، وعبد الله المدني.
كما اقتضى أدخل الكاتب أقوال بعض الكتاب ممن لا يتبنون الليبرالية بمفهومها الشامل من أصحاب التوجهات اليسارية، أو العصرانية الغالية، من مثل: عزيز العظمة، ورفعت السعيد، وهشام جعيط..
وهذا الكتاب أصله رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه من قسم العقيدة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
وقد اقتضت الدراسة أن يأتي هذا الكتاب في مقدمة وتمهيد ثم أربعة أبواب حوت فصولا ثم خاتمة جمع فيها الكاتب أهم ما توصل إليه من نتائج ومن توصيات.
ففي الباب الأول، وعنوانه (الليبرالية)- وجاء في أربعة فصول- تحدث المؤلف عن مفهوم الليبرالية وحقيقتها في الفكرين الغربي والعربي وخصائصها التي لا تنفك عنها وتشكل بمجوعها الفكرة الليبرالية، ونشأتها في بيئتها الأصلية وظروف تلك النشأة التي دعمت إيجادها وبلورت فكرتها. كما تحدث عن أبرز المجالات التي تعمل الليبرالون من خلالها، ثم عرض لموقف الليبرالية من الدين بمعناه العام، وختم المؤلف هذا الباب بالحديث عن الليبرالية في البلدان العربية.
وجاء الباب الثاني، وعنوانه (موقف الليبرالية في البلاد العربية من مصادر التلقي والاستدلال)، للحديث عن المعالم الرئيسية للموقف الليبرالي من مصادر التلقي والاستدلال، وجاء ذلك من خلال النقاط الآتية- وجاءت كل نقطة منها في فصل مستقل-:
- معالم الموقف الليبرالي من مفهوم الوحي وإمكان وقوعه.
- معالم الموقف الليبرالي من ثبوت نصوص الوحي وحفظها.
- معالم الموقف الليبرالي من تلقي الوحي وتفسيره.
- معالم الموقف الليبرالي من حجية الوحي ومكانته.
- موقف الليبرالية من العقل والاجتهاد.
موقف الليبرالية من المقاصد والمصالح.
وفي الباب الثالث، وعنوانه (موقف الليبرالية في البلاد العربية من عقيدة الإيمان بالغيب)، بين المؤلف الموقف الليبرالي من الغيب من حيث الأصل، وهل له وجود في طيات هذا الفكر وأصوله، أم أنه يقوم على أسس لازمها الكفر بالغيب، ثم تحدث المؤلف عن موقف الليبرالية من الإيمان بالله الذي هو أعظم مسائل الإيمان بالغيب، مشيرا إلى ما في خطابهم من انحراف، وإن تفاوتوا فيه قربا وبعدا، ثم جعل المؤلف الفصل الأخير من هذا الباب- الذي جاء في ثلاثة فصول- لاستكمال بيان الموقف الليبرالي من بقية أركان الإيمان، وبعض القضايا الغيبية الأخرى.
أما بابه الأخير، وعنوانه (موقف الليبرالية في البلاد العربية من أصول التشريع)، فقد خصصه المؤلف للحديث عن موقف الليبرالية في البلاد العربية من أصول التشريع الإسلامي، وفيه يظهر بجلاء الموقف الليبرالي في صورته التطبيقية من المحكمات والثوابت الشرعية، ومن خلال فصوله تتبين حقيقة المسافة التي تفصل الفكر الليبرالي عن حقيقة الدين الإسلامي الذي ثبتت أحكامه في نصوص الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة.
فناقش المؤلف مواقف الليبرالية من أمور شتى منها، موقفهم من ثبات الشريعة وشمولها وتحكيمها، ثم موقفها من أصول الفرائض والمحرمات والأخلاق، ومن الحدود الشرعية، ثم جاء الفصل الخاتم لهذا الباب في بيان وكشف لحقيقة الموقف الليبرالي من قضايا المرأة التي جعلت جسر عبور لانتقاص الشريعة والتهجم عليها بدعوى انتفاء المساواة في أحكامها بين الرجل والمرأة.
وبعد هذه الدراسة الجيدة والبحث الدؤوب خلص الكاتب إلى نتائج عدة، لخصها في قوله: "إن الفكر الليبرالي والدين الإسلامي على النقيض في كمل شيء، فتبقى دعوات لبرلة الإسلام، أو أسلمة الليبرالية وهماً لا يمكن تحققه ولا القرب من ذلك، إلا إذا اجتمع الكفر والإيمان، والتقى الشرك والتوحيد، وتعاضد النفاق والإيمان".
فنسأل الله أن يجزي المؤلف خيرا على هذه الدراسة الجادة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.