هل تبحث عن السعادة ؟
"السعادة" هي الغاية التي يسعى كل من على وجه الأرض لتحقيقها.
وقد حرص الناس جميعهم -عالمهم وجاهلهم- على البحث عن أسباب حصولها، وأتعبوا أنفسهم في اختراع ما يُذهب عنهم شبح الضيق والألم والشقاء.
إلا أن الواقع أن الحلول المطروحة لم تصل بهم إلى مبتغاهم، فهم يقصدون السعادة بكل سبب ممكن من لهو أو متعة أو غيرها؛ وقد يحصلون على لذة ما، لكنها لذة مؤقتة؛ وعن قريب يستفيقون على شيء في داخلهم يكدر عليهم صفو حياتهم.
وهذه الكلمات التي بين يديك قد تفتح لك بابا إلى السعادة الحقيقية، وتأخذ بيدك إلى الراحة النفسية والاطمئنان التام.
وقبل أن تسترسل في إكمالها أتمنى أن تقف وقفة مع نفسك وتحاول أن تفتح عقلك وقلبك لها، والعاقل هو الذي يبحث عن الحقيقة مهما كان قائلها.
إن الحقيقة التي لا ينكرها أي إنسان تجرد من الأهواء: أن السعادة الدائمة لا تكون إلا بالإيمان بالله الذي خلق الخلق، والاهتداء بهديه؛ لأنه هو الذي خلق الناس، وهو العالم بما يسعدهم ويشقيهم، وينفعهم ويضرهم.
وكثير من علماء النفس قد قرروا أن الإنسان المتدين هو الذي يعيش -وحده- السعادة والطمأنينة .
وإذا كان الإيمان بالله هو مكمن السعادة فكيف الطريق إليه؟
لقد تعددت الديانات والمعتقدات وتنوعت، والناظر فيها يلاحظ أن الاختلافات بينها اختلافات جذرية، ولا يمكن بحال أن تكون جميعها حقاً.
فما الدين الصواب منها؟
وما هي العقيدة التي يحبها الله ويحب أن نعتنقها؟
وما هو الذي يكفل لنا منها السعادة في الدنيا والآخرة؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات لابد من وضع أساس صحيح يُنطلق منه إلى الاختيار الصحيح للدين الصحيح؛ إذ أعتقد جازماً أن جميع العقلاء يوافقون على أن نشأة الإنسان على دين معين، وكون أبيه وأمه ومجتمعه عليه لا يدل بالضرورة على أنه الدين الحق ما لم تدل الأدلة المقنعة على ذلك، ويصل العقل إلى اطمئنان ويقين بذلك.
وإذا كان العقل هو الفارق بين الإنسان و الحيوان؛ فإن على صاحبه أن يستعمله في النظر في هذه القضية التي هي أهم القضايا وأخطرها.
وإن رحلة قصيرة في عالم الأديان والتجول بين معتقداتها قد يكون وسيلة جيدة للوصول إلى الجواب المأمول.
وحتى أختصر عليك الوقت والجهد فإني أقول لك بكل ثقة وشفقة: إنك مهما بحثت ونقبت فلن تصل إلا إلى حقيقة واحدة، هي: الدين الحق هو (الإسلام)، والسعادة الحقيقية هي في (الإسلام).
وقبل أن تتعجل برد هذه الكلمات وتقطع إكمالها لاحظ أن إكمالها لن يضرك شيئاً، وقد تستفيد بذلك فائدة ما ..
وقبل ذلك أنت صاحب عقل تميز به الأشياء، وتعرف الصواب من الخطأ.
لماذا الإسلام هو الدين الحق؟
سؤال قد يطرحه القارئ؛ وهو سؤال جيد ومهم، ويدل على أن صاحبه ذو عقل ناضج وفكر مستنير.
وللإجابة على هذا السؤال أقول: إن دين الإسلام دين اجتمعت فيه خصائص ومميزات لا توجد في دين سواه، وهي أدلة مقنعة تدل على أنه الدين الحق المنزل من عند الله، و يمكن التحقق من صدق ذلك أو كذبه بالنظر فيها بعمق وهدوء.
ومميزات الإسلام وخصائصه من الكثرة بحيث يصعب حصرها في كلمات معدودة، لكن يمكن إيجاز ذلك فيما يأتي:
1- من أعظم مميزات الإسلام أنه يشبع الناحية الروحية في الإنسان ، ويجعل من يعتنقه ذا صلة بالله تعالى دائما؛ فيورثه ذلك الطمأنينة والراحة النفسية، ويحميه من الفوضى والضياع والفراغ الروحي والاضطرابات النفسية.
2-من مميزات الإسلام أيضاً أنه متوافق مع العقل تماماً ، فجميع أحكامه وشرائعه مقبولة عقلاً ، ولا يمكن أن يكون بينها تناقض أبداً ، ولذلك لما أسلم أحد الأشخاص سئل : لماذا أسلمت ؟ فقال : ما أمر الإسلام بشيء فقال العقل ليته لم يأمر به ، ولا نهى عنه فقال العقل ليته لم ينه عنه .
وإذا كانت كثير من الديانات يصعب قبول الكثير من مبادئها ، ويقف العقل حائراً أمام كثير من مسلماتها ؛ فإننا نجد الإسلام يحترم العقل ويأمر بالتفكير ، وينهى عن الجهل ويذم التقليد الأعمى .
3-أن الإسلام يمزج بين الدين والدنيا ، ويعتني بالروح والبدن جميعاً ، ولا يعني الالتزام بالإسلام الانفراد بهيئة معينة ، أو تحريم طيبات الحياة .
بل في الإسلام يمكن للإنسان أن يكون متديناً ، وهو مع ذلك يمارس حياته العملية على أحسن أحوالها ، بل ويصل إلى أعلى منصب ويحوز أرفع شهادة .
4-من مميزات الإسلام أيضاً : أنه دين شمولي؛ فكل جانب من جوانب الحياة فللإسلام فيه تنظيم ، وكل مشكلة فلها في الإسلام حل . ولذلك فيمكن تطبيقه واعتناقه في كل زمان ومكان .
وكيف لا يكون الإسلام كذلك وقد نظم هذا الدين ووضع القواعد والأحكام المناسبة في كل المجالات ، ابتداءً بأحكام القضاء وفصل النزاعات ، ومروراً بأحكام البيع والمعاملات التجارية وتنظيم العلاقات الاجتماعية والحياة الزوجية ، وانتهاءً بأحكام التحية وآداب الطريق وتنظيم تصرفات المرء مع نفسه من نوم وأكل وشرب ولباس ... إلخ ، كل ذلك ليس بصورة إجمالية ، بل بتفصيل دقيق يقف العقل عنده متعجباً، ولك أن تعلم أن الإسلام يوجه المسلم حتى في كيفية لبس الحذاء وخلعه، ويحثه على استعمال اليد اليمنى في الأكل والشرب والمصافحة والأخذ والإعطاء ، وأما الأمور المستكرهة – كقضاء الحاجة مثلاً – فتُستعمل فيها اليد اليسرى .
وإذا جاء وقت النوم فللإسلام توجيهٌ بديع في كيفية النوم والاستيقاظ.
وإذا التقى المسلمان في الطريق فالإسلام ينظم كيفيه السلام بينهما؛ فالراكب ينبغي أن يبدأ بالسلام على الماشي ، والصغير هو الذي يبادر الكبير والجماعة القليلة عليها أن تلقي التحية على الجماعة الأكثر منها.
وهذا قليلٌ من أحكامه الكثيرة الشاملة والمنظمة لجميع مناحي الحياة.
5-من مميزات الإسلام : أنه في جميع أحكامه يحقق الخير للإنسان ويدفع عنه الضرر ، فأحكام الإسلام ترجع منفعتها للإنسان نفسه ومجتمعه.
فإذا منع الإسلام الخمر والمخدرات - مثلاً – فلما فيها من ضرر كبير على عقله وصحته ، وأنت ترى حال السكران وأنه أصبح بغير الإنسان أشبه منه بالإنسان .
وما كانت كثير من حالات القتل أو المشاجرات أو حوادث السيارات أو الاغتصاب أن تحصل لولا تناول هذه المذهبات للعقول .
وإذا منع الإسلام العلاقات الجنسية خارج عقد الزواج فلتجنيب الإنسان الأمراض الفتاكة كالإيدز والزهري وغيرهما ، ولتجنب المجتمع ويلات الانفلات الخُلقي ، ونشوء جيل من اللقطاء فاقدي حنان الأم وتربية الأب فيكونون عبءً على المجتمع ووبالاً عليه .
وإذا أمر الإسلام المرأة بعدم إظهار مفاتنها أمام الرجال الغرباء فلأنه يراها درة مصونة غالية الثمن ، ليست سلعة رخيصة تعرض على الطرقات أمام كل أحد ، وليحميها من ذئاب البشر الذين لا همَّ لهم إلا تحصيل شهواتهم ولو كانت على حساب كرامة المرأة وقيمتها وطهارتها .
وفي المقابل أباح الإسلام كل شراب نافع غير ضار ، كما أباح استمتاع كل من الجنسين بالآخر بمقتضى عقد الزوجية ، وداخل بيت أسري سعيد
والخلاصة : أن الإسلام لم يأت بكبت الحريات والرغبات ، وإنما جاء بضبطها وتنظيمها بما يعود نفعه على الإنسان وعلى مجتمعه وعلى العالم أجمع .
6- من الجوانب المشرقة في الإسلام : عنايته بالقيم والأخلاق والآداب الحميدة ، ونهيه عن الظلم والاعتداء وكل خلق سيء .
فالإسلام دين المحبة والاجتماع والرحمة ، نظم علاقة الإنسان بوالديه وأقاربه وجيرانه وأصدقائه وسائر الناس ، وزرع في نفوس معتنقيه أمثل الأخلاق وأرفع الآداب .
إن الإسلام ينهى الإنسان عن أن يعيش لنفسه فقط ، ويربيه على مساعدة غيره ومراعاة شعورهم ؛ فالفقير واليتيم وكبير السن والأرملة لهم في الإسلام حقوق لا يؤديها المسلم على أنها أمر ثانوي ، ولا يشعر حينذاك بالمنة والتفضل؛ بل هي من واجباته وما يلزمه .
ففي الإسلام -مثلا- يُعد من الذنوب العظيمة أن ينام الإنسان شبعان وهو يعلم أن جاره جائع ، كما أن الإسلام ينهى أن يتحدث اثنان همساً وثالث في المجلس لا يسمعهما؛ مراعاة لشعوره .
بل تجاوز الإسلام ذلك؛ إذ أوجب الرفق بالحيوان وحرم أذيته أو الإضرار به.
ومن دقائق الإسلام في ذلك أنه يمنع الذابح أن يذبح الشاة مثلاً والأخرى تنظر إليها ، أو أن يحد السكين أمامها حتى لا يقتلها مرتين .
إن الصدق والأمانة والشجاعة والكرم والحياء والوفاء بالوعد أخلاقٌ حث عليها الإسلام كثيراً ، كما أن عيادة المريض وتشييع الجنائز وبر الوالدين وزيارة الأقارب والجيران والسعي في قضاء حاجات الآخرين: آداب دعا إليها وأمر بها .
وفي المقابل فإن الإسلام قد منع المسلم أشد المنع من الظلم والكذب والتكبر والحسد والاستهزاء بالآخرين أو سبهم أو خيانتهم .
في الإسلام لا يجوز أن تذكر شخصاً غائباً بسوء ولو كنت صادقاً ، كما أنه يدعو في الإنفاق إلى التوسط بين الإسراف والبخل .
إنه في الوقت الذي تشكو فيه كثير من المجتمعات من جفاف المشاعر وطغيان المادية وغلبة حب الذات نجد الإسلام يضع العلاج الناجع لكل تلك المشكلات .
وبعد ... فإذا كانت الكلمات السابقة قد أعطت نبذة يسيرة عن الإسلام وبعض خصائصه ؛ فإنه من المناسب التذكير بأن الإسلام دين واضح ، وفمهه ميسور لكل أحد ، كما أنه دين مفتوح الأبواب ، لا يغلق في وجه من يريد اعتناقه .
وإذا كان استيعاب أحكام الإسلام جميعها في كلمات يسيرة ممتنعاً ؛ فإن إطلالة يسيرة على أهم مبادئه قد تزيد صورته وضوحاً لدى من يريد التعرف عليه .
إن جميع أحكام الإسلام وتعليماته مهمة ، غير أن منها ما هو أهم من غيره، وهذه الأحكام ( الأهم ) ستة يجب أن تُعتقد بالقلب ، وخمسة عملية .
يتبع