بسم الله الرحمن الرحيم
..
...
.....
(( اتـــــــــــــ ـق اللــــــــــــ ــــه ))
قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (:2) )الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً )(لأنفال: من الآية4) .
قوله: ( إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ) أي: إذا ذكرت عظمته و جلاله و سلطانه، خافت القلوب ووجلت و تأثر الإنسان، حتى إن بعض السلف إذا تليت عليه آيات الخوف يمرض أياما حتى يعوده الناس، أما نحن فقلوبنا قاسية، نسأل الله إن يلينها، فانه تتلى علينا آيات الخوف و تمر و كأنها شراب بارد، فلا نتأثر بذلك، و لا نتعظ إلا من رحم الله، نسأل الله العافية.
لكن المؤمن: هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه و خاف.
كان بعض السلف إذا قيل له: اتق الله ارتعد، حتى يسقط ما في يده. ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً )(لأنفال: من الآية2) إذا سمعوا كلام الله_ عز وجل_ ازدادوا إيمانا من وجهين:
الوجه الأول: التصديق بما اخبر الله به من أمور الغيب الماضية و المستقبلة.
الوجه الثاني: القبول و الإذعان لأحكام الله، فيمتثلون ما أمر الله به، فيزداد بذلك إيمانهم و ينتهون عما نهى الله عنه، تقربا إليه و خوفا منه، فيزداد أيمانهم فهم إذا تليت عليهم آياته ازدادوا إيمان من هذين الوجهين.
و هكذا إذا رأيت من نفسك انك كلما تلوت القران ازددت إيمانا ، فان هذا من علامات التوفيق.
أما إذا كنت تقرا القران و لا تتأثر به، فعليك بمداواة نفسك، لا أقول إن تذهب إلى المستشفى، لتأخذ جرعة من حبوب أو مياه أو غيرها، و لكن عليك بمداواة القلب، فان القلب إذا لم ينتفع بالقران و لم يتعظ به، فانه قلب قاس مريض، نسأل الله العافية.
فأنت يا أخي طبيب نفسك لا تذهب إلى الناس، أقرا القران فان رأيت انك تتأثر به إيمان و تصديقا و امتثالا فهنيئا لك، فأنت مؤمن، و إلا فعليك بالدواء، داو نفسك من قبل إن يأتيك موت لا حياة بعده، وهو موت القلب، أما موت الجسد فبعده حياة، و بعده بعث و جزاء و حساب.
و قوله عز وجل: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) على ربهم فقط يتوكلون!أي: يفوضون أمورهم كلها إلى مالكهم و مدبرهم خاصة، لا إلى أحد سواه، كما يدل عليه تقديم المعمول على عامله، و الجملة معطوفة على الصلة، إشارة إلى الاختصاص و الحصر، و انهم لا يتوكلون إلا على الله عز وجل؛ لأن غير الله إذا توكلت عليه، فإنما توكلت على شخص مثلك،و لا يحرص على منفعتك كما تحرص أنت على منفعة نفسك، و لكن اعتمد على الله_عز وجل_ في أمور دينك و دنياك.
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) .يقيمون الصلاة: يأتون بها مستقيمة بواجباتها وشروطها وأركانها، ويكملونها بمكملاتها، ومن ذلك إن يصلوها في أوقاتها، ومن ذلك إن يصلوها مع المسلمين في مساجدهم، لان صلاة الجماعة كان لا يختلف عنها إلا منافق أو معذور، قال ابن مسعود رصي الله عنه: (( لقد رايتنا_ يعني مع الرسول عليه الصلاة والسلام_ وما يختلف عنها_ أي عن الصلاة_ إلا منافق معلوم النفاق أو مريض، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادي بين الرجلين، يعني مريض ويحمله رجلان اثنان، حتى يقام في الصف))([1]) لا يثنيهم عن الحضور إلى المساجد حتى المرض رضي الله عنهم. أما كثير من الناس اليوم، فانهم علي العكس من ذلك، فتراهم يتكاسلون ويتأخرون عن صلاة الجماعة. ولهذا لو قارنت بين الصلوات النهارية وصلاة الفجر، لرأيت فرقا بينا، لان الناس يلحقهم الكسل في صلاة الفجر من نوم، ولا يهتمون بها كثيرا.
( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)(الب قرة: من الآية3) أي: ينفقون أموالهم في مرضاة الله، وحسب أوامر الله، وفي المحل المناسب.
( أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً )(لأنفال: من الآية74) حقا: توكيد للجملة التي قبلها، أي: أحق ذلك حقا.
( لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(لأنفال: من الآية74) نسأل الله إن يجعلنا وإياكم منهم بمنه وكرمه، انه جواد كريم .
من كتاب رياض الصالحين شرح الشيخ بن عثيمين رحمه الله ...